15.5.06

دروس الشفرة

دائماً ما تأتي الإشكاليات والخلافات الحادة والتي قد تصل للدموية أحيانا،ً عندما نعتقد بإمتلاكنا المطلق للحقيقة ، على حد تعبير الدكتور "مراد وهبة" ، وغالباً ما نكتسب إحساسنا هذا من خلال قصورنا في التعامل مع المقدسات والنصوص الدينية، بل وحتى ما يتعلق بتراث المذاهب البشرية مثل الماركسية و الماوية و غيرها، و يأتي القصور في تعاملنا مع المقدس من عدة مداخل، و نحن نتصورها كما يلي

الخلط بين الحياة و بين الدين كأسلوب للحياة
خلق الباريء جل وعلا الإنسان في أرضه خليفة لإعمارها، وأهله بالعقل والضمير وحرية الاختيار لهذه المهمة الشاقة، ثم دعمه كلما بلغ به الشطط مبلغا جسيما بالرسالات والنبوات لتهديه سواء السبيل، وفرض عليه من الطقوس الدينية ما يوقظ فيه الأنا العليا الضابطة، وما يدعم صلته بخالقه ويعينه على أداء مهمته، فالدين هو ما يمكن إيجازه في وسيلة لدعم وتنظيم التواصل بين كل مخلوق والخالق عز وجل، كما أنه وسيلة لتنظيم العلاقة بين عباد الله بعضهم وبعض أثناء عملية إعمار الأرض، والهدف العام هو تحقيق الحق والخير والجمال في هذه التجربة البشرية

فعندما يتحول هذا الدين من جسر سعادة إلى سوط عذاب، وعندما يحدث الخلط فيقتل الآلاف وتهدر الدماء بسبب الخلاف بين دينين، وكم حدث هذا في تاريخ البشر، وعندما يدعو وعاظ الفضاء مجاذيبهم لكراهية كل من هو غير مسلم تحت مسمى الولاء والبراء، لسوء فهمهم لكتاب الله، نكون قد انحرفنا بالأديان عن غايتها، فالدين الذي ينهى العبد عن دماء عباد الله من آمن منهم ومن لم يؤمن، يستخدمه البعض لإشعال الفتن التي تقضي على الحياة !! و لنضرب مثلين، واحدا من كل دين من أكبر أديان العالم، المسيحية في المرتبة الأولى انتشارا والإسلام في المرتبة الثانية، و ننبه أن قولنا "من المسيحية" و"من الإسلام" فيما يلي من أمثلة، لا يعني أبداً قناعتنا بأن هذه الضلالات أصيلة في المسيحية أو الإسلام، إنما نقولها اصطلاحا ومجازا، وما هي إلا من إفتراء الكهان و أطماعهم البشرية جداً

من المسيحية

في أحد أيام العام 1095 بعد ميلاد المسيح، رفع البابا "إيربان" الثاني صليبه المقدس، وأطلق صيحته الغير مقدسة "إحمل صليبك فوق كتفك و اتبعني" واعداً كل مسيحي مخلص يشترك في الحملة الصليبية الأولى نحو بلاد الشرق، بغفران فوري لكل خطاياه في أوكازيون رائع، وتبع صيحته الآلاف، لتنهال الدماء أنهاراً بين أتباع أكبر دينين على وجه البسيطة، وفي يوم من عام 1187م، صاح البابا "جريجوري الثامن"، مستنفراً ملوك أوروبا لغزو الشرق بعد أن استعاد "صلاح الدين" سلطان مصر المدينة المقدسة أورشليم، واتبع مئات الآلاف صيحته في الحملة الصليبية الثالثة، وفي 1202م، دعا البابا "إنوسنت" الثالث ، واسمه الكهنوتي لمن لا يعلم معناه البريء، لحملة جديدة، للوصول للأرض المقدسة ، عن طريق مصر هذه المرة، بعد أن أدرك أن قلب الشرق هو مصر، فوضعها هدفاً لغارته، أهذا ما أراده المسيح من رأس كنيسته؟ أن تكون قداسته مطية لأطماع الملوك والأمراء؟ بالطبع لا، ولكن من يقرأ الخطب العصماء التي ألقاها بابوات الفاتيكان بكل حماسة وحرارة، يحسب أن مسيح الحب إنما دعا بالفعل لقتل كل مسلم فوق الأرض، وكل هذا من ضلال الكهان

من الإسلام

عندما أراد أبناء "عثمان" من ملوك الترك أن يتوسعوا خلف حدودهم بآسيا الصغرى، لم يجدوا طريقة لبناء إمبراطوريتهم الدموية أفضل من إنتحال صفة الدين، فتسمى ملوكهم بالخلافة !! بأية حق ؟ بأية بيعة؟ كيف؟ لا يهم، فلقد روجوا لأنفسهم أنهم حماة الإسلام، و جاءوا ليفتحوا بلاد المسلمين التي سبقتهم لمعرفة الإسلام، بالسيف و البندقية، و بإسم الله و الإسلام، و سموا ما يفعلوه جهاداً !! ثم توجهوا لإعمال السيف في اليونان و البلقان، باسم الفتح أيضاً، متجاهلين إجتهاد خامس الراشدين "عمر بن عبد العزيز" حين تولى الخلافة، فأمر قائد جيوشه بفك الحصار عن الروم، لأن الإسلام أصبح عزيزاً و قادراً على حماية أتباعه لو إضطهدوا في أي بقعة من بقاع الأرض، فقد كان هدف الفتوح تأمين الدين الجديد من المرور بفترة دامية كعصر الشهداء في الدين المسيحي، فلما بلغ الإسلام مبلغ العزة بدولة العرب القوية، توقف الهدف من الفتح بإسم الإسلام، و عادت القاعدة الأولى بأنه من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، و لكن أطماع أبناء "عثمان طغرل" كانت فوق كل اجتهاد و كل فهم للدين، فهو الملك و لا شيء غير الملك، تماما كما كان منذ مضت أيام الراشدين و عبر 13 قرنا من الزمان، و النتيجة؟ خراب و دمار، و ما نار الحقد في صدور الصرب إلا ثارات حروب الأتراك، التي إستحلت فيها الأعراض و الدماء البريئة للمدنيين، فجاء اليوم الذي رد فيه الصرب رماح الحقد التاريخي في صدور الأبرياء من المسلمين، و هكذا هي الدماء دوماً تغري بالدماء، و لا تهم دماء البسطاء، طالما السلطان و الكاهن الأكبر في قمة المجد و العنفوان

تقديس النص على حساب محتوى النص:
الكتب المقدسة تكتسب قداستها بما فيها من وصية المولى عز و جل لأهل هذه الأرض، بما ينفعهم ، و ينمي خيرهم ، و يقيهم شرورهم، و لا تكتسب هذه المقدسات قداستها من حروف أو ألفاظ، و عندما أمرنا ربنا أن نحسن فهمها و نتدبرها، كان الأمر واضحاً بألا نقع في شراك الحروف و رسمها، و أن ننفذ منها لسمو الهدف من ورائها، و لا يفهم من هذا أن لفظ القرآن مثلا غير مهم، لكن الأهم منه هو المعنى و المحتوى، و لكن هل هذا ما نفعله بالفعل؟ هل نعطي للمعنى و الرسالة الفكرية ذات أهمية الشكل؟ دعونا نرى
من المسيحية:

عندما تقدم الفريسيون من المسيح عليه السلام يسألونه في الطلاق، سألهم أولاً عما أوصاهم به موسى، و لم ينكر عليهم ما قالوه من أن موسى أباح أن يكتب كتاب بالطلاق فيطلق الزوجين، و لكنه قال لهم " من اجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية، و لكن من بدء الخليقة ذكرا و انثى خلقهما الله، من اجل هذا يترك الرجل اباه و امه و يلتصق بامراته، و يكون الاثنان جسدا واحدا اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان"، فإذا علمنا أن يسوع المسيح قال في غير موضع أنه ما جاء لينقض ما وصى به موسى، و لكن ليكمله، نفهم هذا القول عن المسيح، أنه لم ينكر ما أوصاهم به موسى، و لكنه يكمله بوصيته تلك التي تجعل الطلاق بالنسبة للمسيحي كريهاً مقيتاً، و لكني أراها وصية لا تنفي أن آخر العلاج الكي، فلماذا نتبع حرفية النص بغير تدبر ؟ ألم يقل المسيح " فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم" أليس يؤمن بهذا المسيحي المخلص؟ فأين هذا الذي يقلع عنه عينه لو نظرت لإمرأة فاشتهتها؟ لقد إستخدم يسوع فعل أمر واضح هنا بقلع العين التي أعثرت صاحبها، فلماذا نأخذ هذا النص بفحواه الداعية إلى عفة البصر ، و لا نفهم حديث الطلاق بفحواه المبغضة للطلاق دون تحريم أو تجريم؟ خاصة بعد أن أثبتت التجربة على أرض الواقع عذاب الآلاف بسبب هذا النص، و فتح باب الخطايا من خلال فهمه القاصر ؟

من الإسلام
هل نعاقب اللص سارق القليل بقطع يده؟ ثم نفلت مختلس الملايين أو ناهبها من البنوك لعدم إنطباق تعريف السرقة الذي عرفه فقهاءنا الأقدمين على حالته؟ لأنه لم يسرق ما سرقه من "حرز"؟ و بهذا نستخدم النص الهادف لتحقيق العدالة و حماية الممتلكات الخاصة و العامة في خلق حالة من الظلم المبين؟ و من الفوضى المبيحة للمال العام و الخاص؟ لماذا لا نتدبر نصوصنا و سنتنا و شريعتنا؟ الردع العقابي للجرائم و الإنحرافات، بعد الانتهاء من خلق مجتمع الكفاية و العدل كانا مذهب الإسلام في التشريع، هكذا فهم النبي و فهم الراشدون من بعده فتعاملوا مع موضوع الحدود بقمة الاستيعاب لروح القانون قبل نصوصه، و ما هكذا يفهم رعيان "آل سعود" اليوم و لا هكذا يفهم إرهابيو طالبان، و هما بكل الأسف و الخجل التجربتان المعاصرتان و المدعيتان لتطبيق الحدود الشرعية!!! انظروا لتعبيرات السعادة على وجه الحيوان في الصورة أعلاه ممسكا باليد المبتورة، ثم نعجب لأن الدنيا ترفضنا؟؟

إطلاق المحدد:
بأن نخرج النص المقدس أو السيرة المقدسة الخاصة بموقف معين، من إطارها الزمني و التاريخي، و نحاول تعميمها في كافة المواقف و كافة العصور، و أمثلة هذا النمط في كل الأديان تفوق الحصر

من المسيحية
عندما قال المسيح "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" كانت عبقريته تخرج به من فخ نصبه له اليهود، فناموس موسى يقول بالرجم للزانية، و يسوع قال بأنه جاء متمماً للناموس و ليس ناقضاً له، و لكن تلك المسكينة التي أتوا بها، و هو لا يعلم هل فعلت أم لا، إستضعفوها فأتوا بها، بينما السادة منهم غارقين في الخطايا، و مليكتهم "هيروديا" زانية عشقت أخا زوجها فقتلته و تزوجت أخاه، و إبنتها "سالومي" رقصت عارية ليكافأها الملك "هيرود" و الذي هو زوج أمها، برأس "يوحنا" المعمدان !!، الذي هو نبي الله يحيى ابن زكريا في القرآن، فأي مجتمع ساقط هذا الذي إستضعفوا فيه هذه البائسة فأتوا بها؟ ألسنا نقول أنه لو شاعت البلوى توقف الحدود مرحلياً حتى يتم إصلاح مواطن الخلل التي أدت لشيوعها ؟ تلك هي الحالة التي قال فيها المسيح قولته، و لم يغير بها ناموس موسى العقابي و لكن أوقفه لشيوع البلوى. و ذات القول يقال عن موقفه الذي قال فيه "أعط ما لله لله و ما لقيصر لقيصر" فهو لم يعن أبدا ترك قيصر على حل شعره، و لكنه عنى أن دفع العشور التي هي حق الغني في مال الفقير لا يغني عن سداد الضرائب المتعلقة بنظام الدولة

من الإسلام
عندما يأمر الرسول الكريم بتناول الطعام لو سقطت فيه ذبابة، و هذا في بيئة صحراوية يكثر بها الذباب و يعز فيها الطعام، فهذا أمر له مرجعيته الإجتماعية، و ليس مرجعاُ لعلم الأمراض و الدوائيات، و ليس المقصود هو ظاهر النص من أن بأحد الجناحين داء و بالآخر دواء ،فنحن نعلم اليوم ، بالمعلوم من العلم بالضرورة، ألا علاقة لأجنحة الذباب بالمرض، و أن في أقدام الذبابة الواحدة ملايين الميكروبات المرضية و ليس فيها أية مادة علاجية، و أمراء الردة الجاهلية من نصابي الإعجاز العلمي كذبوا على الجميع حتى صدقنا الكذبة بقولهم الديوث "لقد اكتشف العلماء وجود مواد كذا و كذا تقي من المرض في جناح الذباب" هذا سخف و كذب بواح، و أتحدى من يأتي بمصدره من أحد المعاهد العلمية المحترمة غير بعض المجهولين من باحثي الاتحاد السوفيتي السابق و الأمريكان المتعاقدين على اصدار أبحاث التهريج العلمي، الأمر يتعلق لو صحت نسبة الحديث للرسول الكريم بموضوع إجتماعي و ليس طبياً، فالأخذ هنا بمنطق أهون الضررين و هو إحتمالية العدوى ، مقارنة بالضرر الأكبر و هو الجوع و سوء التغذية ، في شعب كان لا يكاد يجد الكفاف في طبيعة قاسية مجدبة ، ثم من يريد أن يغمس طعامه بالذباب اليوم فليفعل، ليأكل الذباب أو حتى يدع الذباب يأكله، و لكن دون أن يصدعنا بأن هذه ضرورة وصى بها النبي
4.الخلط بين الشخصية و شخوصها الإعتبارية:
بأن نخلط بين تصرف نبي من الأنبياء بصفته نبي مكلف بتبليغ دعوة سماوية، و بين شخصيته الإعتبارية الأخرى ككائن إنساني يعيش في عصر معين و في بلد معين متأثراً بالضرورة بزمنه و مكانه و قوميته، و هذا المدخل يتعلق بموضوع كتابنا بشكل مباشر كما سنرى في مثلنا من الدين المسيحي

من المسيحية:
الخلط هنا يكون بين شخصيتين إعتباريتين في شخص السيد المسيح، الأولى و هي وفقاً للاهوت المسيحي القانوني في المذهب القبطي الأورثوذكسي مثلاً أنه كلمة الرب "اللوجوس" التي ألقاها لمريم البتول، و شخصه المقدس جامع للاهوت كامل و ناسوت كامل وفقاً للمعتقد المذهبي الرسمي، و الشخصية الإعتبارية الثانية، و هي شخصية الرجل الثلاثيني الذي عاش في الجليل من أرض فلسطين في القرن الأول الميلادي، بين قومه من اليهود، و نشأ بينهم على أنه إبن لـ"يوسف" و مريم، فالشخصيات الإعتبارية لا تنقض بعضها بعضاً حين تجتمع في شخص واحد، فكوني أكتب هذا الكتاب لا ينفي عني صفة الطبيب و شخصيته الإعتبارية، و كذا لا ينفي عني صفة الأب و الزوج و هكذا. فالشخص الإعتباري الذي توجد بعض القرائن تشير لإحتمال زواجه من مريم المجدلية ليس هو المسيح المخلص، و لكنه يسوع الناصري، و لا نرى تعارضاً بين فكرة الزواج و الإنجاب و فكرة الطبيعة المقدسة الإلهية في المعتقد الغالب بين مسيحيي اليوم، فلو قلنا بإكتمال اللاهوت و الناسوت معاً، فذلك معناه أننا نقر بإتخاذ الشكل البشري لرجل تتكون خلاياه من الجينين "إكس" و "واي"، و عليه فيمكن لهذه الخلايا الجسدية أن تنقسم إلى خلايا أمشاج و تقوم بالإخصاب، و لن تمنع الخصائص الإضافية التي يضفيها اللاهوت وجود الخصائص الأولية التي يقدر عليها البشر الفاني! فما الداعي للفزع من كتاب أو قصة أو رواية أو رسم ؟ يعبر عن رأي صاحبه فقط، و حتى لو عبر عن حقيقة تاريخية محتملة ؟

من الإسلام:
أما في الإسلام فنحن نخلط بين عدة شخوص إعتبارية لخاتم الرسل و الأنبياء صلاة الله و سلامه عليه: شخصية النبي المرسل بختام الرسالات و بوحي من الله ، تكون منه على مدار السنين القرآن الكريم، فالقرآن الكريم و السنة النبوية المرتبطة بشرحه ، و تفصيل مجمله ، و تبيين ما اشتبه منه، و ضرب الأمثلة الحية في تطبيقه الأمثل ، هو ما يتعلق بشخصية النبوة الإعتبارية، ثم هناك شخصية مؤسس دولة التوحيد في جزيرة العرب، و فيها تأتي نصائح قدمها مؤسس الدولة لتحسين البنيان الإجتماعي و الإقتصادي و تحسين وسائل الإنتاج، و آراؤه فيها آراء مجتهدة و ليست وحياً، و دليلنا في هذا حادثة النخيل، حين طلب منهم النبي أن يتركوها بغير التلقيح الصناعي، فقل المحصول، فقال لهم قولته الرائعة "أنتم أدرى بشؤون دنياكم"، كذلك أمره حين طلبوا نصحه في المكسب التجاري ، فنصح بالثلث، فلم يكف الثلث لأن دورة رأس المال كانت شديدة الطول في رحلاتهم على ظهور الجمال، فقال لهم كذلك "سبحان الله، أنتم أدرى بشؤون دنياكم" ، ثم شخصية القائد العسكري المنوط به وضع استراتيجية حماية الدين الخاتم من المرور بمرحله إضطهاد و استشهاد مطولة، فالتصفية الجسدية للطابور الخامس اليهودي "كعب بن الأشرف" مثلا، تفهم في سياق تصرف حكيم لقائد جيش يطلب من جهاز مخابراته العسكرية تصفية عدو خطر على الأمن القومي لدولة المدينة المنورة، و ذلك لصعوبة المواجهة المباشرة و إضرارها بالصالح العام، و هو ما يحدث في يومنا هذا و لا نجده منتقصاً من قدر قائد أعلى للقوات المسلحة، و أخيرا ، هناك شخصية الرجل العربي الذي عاش في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي، و تزوج كثيرا في مجتمع كان يستحسن في الرجل أن يكثر من الزواج، و صاهر القبائل في مجتمع كانت تؤثر فيه أواصر النسب، و لبس كما لبس قومه، و اكتحل كما اكتحلوا، و أكل كما كانوا يأكلون ، و عافت نفسه ما ليس بأرض قومه من صيد الأرض، و لم يتميز عنهم في جوهره إلا بمكارم الأخلاق، و لم يتميز عنهم في مظهره إلا بشدة النظافة و حسن الهندام، هذه الشخوص الإعتبارية تكون الشخصية الجليلة لنبينا "محمد بن عبد الله" الذي كان و مازال فخرا لنا، و كنا و مازلنا عبأ عليه، نسيء لدعوته و شخصه الكريم بعيوبنا و عاهاتنا نحن، فلو فصلنا بين هذه الشخصيات الإعتبارية لشخص النبي الكريم، لخرجنا من مأزق تبرير مالا يحتاج إلى تبرير، و شرح مالا يحتاج إلى شرح.

تقديس الوسائل على حساب الأهداف العامة:
و هذا ما يقع فيه دوماً عبدة النصوص في أبسط الأمور و في أجلها، و منهم معاتيه الوهابية من الواقفين على ظاهر النصوص كالأصنام الفارغة من الحياة، و منهم أوثان الفاتيكان و الأرثوذكس الواقفين على حرفية الكتاب المقدس و أعمال الرسل
فلننظر في طريقة تقسيم الأضاحي و عقيقة المولود مثلاً، إلام يهدف هذا التقسيم؟ ثلث لأهل بيت المضحي، و ثلث لأقاربه ، و ثلث للفقراء و المعوزين. الأولى نراها تشجيعاً على أن يبر الرجل أهل بيته و يوسع عليهم مما رزقه الله، ليعالج الله بهذا آفة بعض الرجال من هواة استعراض الكرم أمام الناس و التقتير على أهل بيتهم فيما لا يراه الناس، و الثانية نراها تدعو لصلة الرحم، و الثالثة للتكافل بين أبناء المجتمع، فالنص يتكلم عن تقسيم الذبيحة، و جوهر النص يدعو لخلق مسلم يوسع على أهل بيته مما رزقه الله طعاماً و شراباً و كساءً و غيرها مما يستجد من عناصر السعة، كل كما رزقه الله و في حدود طاقته، و يدعو لخلق مسلم يصل رحمه بالزيارة و العطاء و الكرم، بالحنان قبل المال، كما يدعو لخلق مسلم معطاء دائم المؤازرة للفقراء في مجتمعه بالمال و الطعام و الكساء و كل ما تحتاجه الحياة الكريمة. النص عن ذبيحة و الهدف مسلم كريم ودود جواد بالخير لبيته و رحمه و مجتمعه، و بهذا نرى أن جوهر النصوص أثرى كثيراُ من ظاهر لفظها.

تقديس التراث و إجتهادات السابقين
كما قدس المسيحيون ما رواه رواة الأناجيل و نفوا عنه الطابع البشري سهواً و خطأً و خلطاً، و كما قدسوا "بولس" الرسول و وضعوه في مصاف الرسل، أو كما قدس المسلمون البخاري و مسلم لشدة جهدهم في تحقيق السنة، و جميع من ذكرنا مخلص مجتهد يثيبه الله على ما اجتهد فيه، أما نحن فلنا أن نعرض ما قاله على عقولنا، لأنه بعد الأنبياء لا يوجد أحد إلا يؤخذ منه و يرد عليه.

و ختاماً قارئنا العزيز، أرجو أن يكون صدرك قد اتسع لجرعة الإختلاف في الرأي في كتابنا هذا ما دمت قد وصلت لخاتمته، و أعتذر لو كنت مسست ما تحسبه موضع القداسة في قلبك مسلماً كنت أو مسيحياً، فما أردت به إلا أن نستوعب الدين كما أراده الله، منهجاً و طريقاً لخير الإنسان، و أختم بقول أقتبس فيه قول الإمام أبي حنيفة ، إمام أهل الرأي، قائلاً بأني أرى كل ما كتبته في كتابي هذا صواباً يحتمل الخطأ، و كل رأي مخالف له أراه خطأً يحتمل الصواب.

و ليهدنا الله جميعاً لما يحبه لنا و يرضاه

23 comments:

Anonymous said...

شكرا بجد لهذا التحليل لموضوع ارقنى شخصيا فى عدم فهمى لكثير من خلفياتة وتفاصيلة

Anonymous said...

عزيزتي أيوية
على ألف رحب و سعة ، أدام الله تشجيعك لهذه الكتابات المنسية المهجورة
تحياتي و تقديري

Anonymous said...

يا أبو سيف

مش عارف ليه توقعت مسبقا عدم وجود تعليقات على هذا الموضوع, أعتقد زى ما الموال بيقول " منين نجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه", مش الموال و الحال متفقان و لا ايه

عموما مجهودك مشكور, أنا الحمد لله فهمت دلوقتى ان دافينشى غير حواوشى و ان ده بس تشابه أسماء

Anonymous said...

أخي الحبيب
سعيد أن البحث نال إعجابك، أما عن قلة التعليقات ، فكثير منا من يجفل من المواضيع التي تمث ثوابته الفكرية، شكل من أشكال هذا ما وجدنا عليه آباؤنا، و دوما كان القليل من الناس من يستطيع أن يقول قولة إبراهيم عليه السلام "لا أحب الآفلين"
مع تحياتي و حبي و تقديري

Anonymous said...

قرأت رواية شفرة دافنشي من بضعة أشهر

الحقيقة انا غير ملمة بالمسيحية

لكني قد أستنير هنا

تحيتي لك

Anonymous said...

عزيزتي مجدولين
دافنشي كود أحببتها لانها حجر القي في الماء الراكد و في وجه سلطة الكهنوت، الكهنة، ثالث ضلوع مثلث الشر مع السلطة و رأسالمال على مدار عمر البشر

تحياتي و تقديري

Anonymous said...

اعجبنا تعريفاتك لمفهوم الدين ، حيث اكتب فى هذا الموضوع واتمنى مشاركتك بارآءك الثرية

Anonymous said...

الأعزاء أسرة مصرية
شكرا لتعليقكم و تقديركم ، لقد قرأت البهائية في مصادرها الأساسية من أعمال الباب و البهاء و شوقي أفندي ، و لم أر أن وجهتها يمكن أن تضيف أي شيء لأي مؤمن مستنير بالإسلام أو المسيحية ، فضلا عن عدم فهم لظروف نشأتها و علاقاتها السياسية ، عفوا ، و لكن هذا ما وجدته

تحياتي و تقديري

Anonymous said...

شفره دافنشي من أجمل الكتب فعلا التي فتحت الباب للتفكير في ثوابت فكريه
وفعلا لم يكن هناك ما يمنع أن يتزوج سيدنا عيسي.. ولا يوجد أي نص يدعم هذا الجانب من حياته
الوحيد السيد الحصور هو سيدنا يحي عليه السلام بنص القرأن

طبعا لا استطيع بضأله عقلي أن أطرح هذه الأسئلة التي طرحتها سيادتكم في المقدمه وأجبت عليها بمنهي السلاسه
وبمنتهي الاحترام والاختلاف مع الاخرين
وتوضيح أن الرسالات السماويه كلها لخدمة الأنسان .. ولا يجب أن تكون سيفا مسلطا علي رقبته
استمعت بالقراءة واتمني لو اتيحت لي الفرصه لقراءة المزيد

عميق تحياتي

Anonymous said...

عزيزتي Basma

أهلا و سهلا بك يا عزيزتي في تحقيق الشفرة، و لديك كل الحق يا عزيزتي فيما قلت بخصوص شفرة دافنشي، و كذلك بخصوص زواج السيد المسيح، المشكلة هي الفكر البوليني نسبة الى بولس، الذي مزج ناسوت المسيح بلاهوته و جعله في مهمة فدائية على الارض من خلال الصليب، و هذا يتنافى مع الزواج او التفكير فيه، فلا المشكلة في القرآن و لا الانجيل، لكنه التراث، دوماالتراث يا عزيزتي

أتمنى بحق أن تجدي القوت لقراءة المزيد، و نتبادل حوله النقاش

مع تحياتي و تقديري

Anonymous said...

جدا رائع .. جدا مؤثر .. جدا جميل .. مفيد .. واضح

أشكرك سيدي الفاضل .. أتمنى لك كل التوفيق والسعادة .. مع بعض التحفظ الشديد على النقطة الثانية ..

تقبل تحياتي ..

Anonymous said...

E.N.I.G.M.A عزيزي

أهلا و مرحبا بك يا عزيزي ، لكم سرني أن يعجبك البحث الخاص بشفرة دافنشي، فهو من بين أعمالي قليلا ما يجد من يسيغه

أتفهم تماما يا سيدي تحفظك على النقطة الثانية، و لكني أريد أن أوضح أمرين اثنين، أنا حين أتحدث عن آل سعود، لا أعني بحديثي غير صانعي القرار منهم من الحاكمين باستراتيجية الاسلام المؤمرك ، و لا ينقص هذا من احترامي للشعب العربي في نجد و الحجاز و تهامة و نجران و غيرها من مناطق الجزيرة، تستطيع القول أن الخلاف مع آل سعود مؤصل لدي و جذري، و جانب منه أني أربأ بشعب عربي أن يتسمى باسم فرد، سبحان الله، لم نسم بالمحمديين على غرار المسيحيين، ثم يأتي آل سعود فينسبون الشعب و الدولة لجدهم؟

الخلاف يا صديقي لا يفسد للود قضية
مع كامل احترامي وتقديري

Anonymous said...

شاهدت الفيلم الخاص بشيفرة دافنشى فى الامارات بأحدى قاعات السينما بدبى وكان الحضور كبير جدااا ومعى اصدقاء مصريون للأسف ناموا فى وسط الفيلم ولم يفقهوا فية شيئا واخرون خرجوا منة معى وهم يوجهون تهم اللامنطقية وعدم الفهم لى لأننى اعجبت بالفيلم برغم اختلافة الواضح الذى رأيتة فيما بعد عن القصة وبرغم علمى المسبق بما فعلة دان براون
قال الروائي والناقد الايطالي المعروف امبرتو ايكو من ان الفكرة عن السر الدفين في المسيحية معروفة في دائرة الشائعات منذ قرون، والتقطها دان براون وحولها الي قصة باعت الملايين
اما الفيلم فلا علاقة لة بالقصة
ولكنة فى مجملة يرسم نفس الصورة ويؤرخ لفترة دارت حولها الشكوك والمحاذير فى الدين المسيحى . في مركز القصة، السر، الذي ضمنه ليورنادو دافنشي في عمله الفني الشهير العشاء الاخير عن العلاقة بين السيد المسيح ومريم المجدلية، وفكرة العلاقة الجسدية بينهما، مما يؤدي الي نزع القداسة عن اخص المعتقدات المسيحية، وعن المسيح الفادي، ولهذا السبب عارضت الكثير من الدول عرض الفيلم واستنكرته الكنيسة المسيحية، باعتباره تجديفا، وهجوم الكنيسة علي الفيلم علي طرف النقيض لاحتفائها بفيلم آلام السيد المسيح الذي استعرض بصورة قاسية صورة السيد المسيح في طريق الآلام قبل الصلب.
والفكرة بلا شك مجنونة ولا منطقية زواج المسيح من مريم ولكن اذا افرغنا القصة من بعض المهاترات نجد امامنا بناء كامل يستدعى كل النقد والتحليل الذى اوردتة ببراعة منقطعة النظير ولكن الفيلم فى حد ذاتة كان مخيبا للأمال بالنسبة للجميع ولكننى ولحبى لتوم هانكس اكملت رؤيتة
وقد فوجئت ان مصر منعت عرض الفيلم لتزيد من الرغبة فى رؤيتة وكأننا لسنا فى عصر مفتوح وسوف يشاهدة المريدين سواء نع ام لا وكان الاولى بهم ان تتم مناقشتة بطريقة عقلانية ومنطقية مثلك واستخدامة لفهم اوضح للدين المسيحى والاسلامى معا
واعتقد ان اسلوب المنع احد عيوبنا القاتلة فالهرب افضل من المواجهة والتفكر
سعدت بقراءة الشفرة كاملة وسعدت بعدها بقراءة تحليلك الذى اتفق معك فى معظمة
واعتقد ايضا انك اضفت للرواية الاصلية التى هوجم بها براون العديد من العمق لا يوجد بها ولم يكن اصلا يقصدة الكاتب كعادتك دائما يا دكتور على تكسب الاشياء اكثر من حجمها امتاعا وقوة وتحليلا
تحياتى
تحياتى لكدائما

Anonymous said...

ولست معك يا كابتن هيثم فى قلة التعليقات ولكن نظرا للاشباع المنقطع النظير حين نقرأ لدكتور اياد نحتاج فقط لتجميع الافكار والقراءة المتأنية كى نكون فى مستوى الحدث والتعليق
وسؤالى لك شخصيا لماذا لا استطيع ايجاد مدونتك ام انك قمت بالغائها
اشعر بهذا
تحياتى وشكرى وتقديرى

Anonymous said...

عزيزتي كلاكيت
أشكرك على واحد من أفضل التعليقات التي وردت على هذه المدونة ، و كما قلت يا عزيزتي ، الفكرة قديمة قدم المسيحية و الفكر الغنوصي نفسه ، لكن البارع الكبير "دان براون" وضعها في نطاق قصصي فريد في التشويق و الاثارة، فانتشرت ، و كان هذا مع رواية "أحلام صوفي" و أرجو ألا تفوتك قراءتها ما أوحى لي بكتابة روايتي "أحزان أمير المؤمنين" لنخرج القصص الديني الاسلامي المسكوت عنه عمدا و تضليلا للناس ، الفكر الثائر للاسلام ، دين الفرد و حرية الفرد و العلاقة المطلقة بين الفرد و رب العالمين

تحياتي و تقديري و شكري لتعليقك المثري يا عزيزتي

Anonymous said...

مدونة أخي كابتن هيثم تجدينها هنا
http://hharfoush.blogspot.com/

لقد ألغيت حينا حين كان مسافرا للعمل و عادت الآن

تحياتي و تقديري

Anonymous said...

قرأت احلام صوفى مترجمة وباللغة الاصلية
اشكرك تحياتى

Anonymous said...

هل تقصد عالم صوفى حول تاريخ الفلسفة لجوستاين غاردر ام رواية اخرى
بالنسبة لعالم صوفى قرأتها باللغتين
تحياتى

Anonymous said...

نعم عزيزتي كلاكيت هي ، و من الواضح من اجابتك هذه أنك ستكونين على قمة قائمة أصدقائي الفكريين الذين أعتز بهم

تحياتي و تقديري و شكري

Anonymous said...

وانا اعتز بك كثيرا يا سيدى الفاضل الماركسى الشيوعى الشيعى السنى المسلم الموحد ايا كانت معنى تلك المسميات وتوجهاتها هههههههههه
تحياتى

Anonymous said...

عزيزتي كلاكيت
طيب اللي يعتز بحد يسجنه كده؟؟؟

ما هو ماركسي و شيوعي يودوا السجن و شيعي فيها قضية تخابر مع ايران ، هههه

تحياتي وتقديري

Anonymous said...

د/ أياد حرفوش

عيب فيا .. هو عدم صبرى على الكتب والمواضيع الطويلة حتى تتمتها

ولكننى قرأت كل فصل كتبته ...
-------------
سؤال خطر لى فى نهاية هذه الخاتمة

لماذا لا أجد ما هو غريب فى كلامك؟؟؟
------------

"الكتب المقدسة تكتسب قداستها بما فيها من وصية المولى عز و جل لأهل هذه الأرض، بما ينفعهم ، و ينمي خيرهم ، و يقيهم شرورهم، و لا تكتسب هذه المقدسات قداستها من حروف أو ألفاظ، و عندما أمرنا ربنا أن نحسن فهمها و نتدبرها، كان الأمر واضحاً بألا نقع في شراك الحروف و رسمها، و أن ننفذ منها لسمو الهدف من ورائها، و لا يفهم من هذا أن لفظ القرآن مثلا غير مهم، لكن الأهم منه هو المعنى و المحتوى، و لكن هل هذا ما نفعله بالفعل؟ هل نعطي للمعنى و الرسالة الفكرية ذات أهمية الشكل؟"

سأضعها على مدونتى بعد أذنك؟
------------------------
عرض ممتع عابه منى أنى لم أقرأ تلك الرواية ، ربما إذا قرأتها لم أكن لأفهمها أصلا...؟

---------------
شكرا لك وتحياتى لك

Anonymous said...

أخي العزيز آرابيك آي دي
أهلا و سهلا بك يا صديقي العزيز، و شرف لي طبعا أن تضع هذه العبارة في مدونتك، أسعدني أن البحث حاز رضاك
مع وافر الشكر و التحية