30.9.10

شيله يا واو


فاكرين مسرحية عفروتو بتاعة هنيدي في مشهد المزاد؟ لما هنيدي ينادي العفريت علشان يشيل حد بيزود السعر ويقوله: شيله يا واو؟ العبارة دي بقت لازمة عندي مؤخرا، كل ما ألاقي تعليق خارج عن حدود التهذيب والاختلاف الحضاري على صفحتي، أو هجوم على أحد الرموز كالزعيم جمال عبد الناصر أو سماحة السيد حسن نصر الله يخرج من حدود النقد لحدود التجريح، أمحو التعليق وأقول وأنا باضيف صاحبه لقائمة المحظورين "شيله يا واو"، ويوم بعد يوم تكل أكتاف واو بمن يحمل، جايز ده عور في إيماني بالليبرالية وحرية التعبير، أو نزعة إقصائية متأصلة، لن أجادل، لكن رد فعلي ده هو خطي الواقي من ارتفاع السكر وضغط الدم مع استفزاز تلك الكائنات الهلامية التي تعيش في زوايا وأركان الويب، وتخرج علينا برؤوسها الرخوة كل حين، فتقلب أمعاءنا وشفاهنا امتعاضا بكلمات كالمخاط، واعذروني لو قسوت عليهم بالكلمات قليلا، فكما قال الأستاذ محمد إمام في تعليق له مستلهما كلمات إمام المتقين: لقد مللناهم وملونا

كائنات المخاط والهلام والكائنات الرخوة دي مش شكل واحد، ولكن أشكال وأنماط كتير
  1. ملاك الحقيقة المطلقة، هكذا سماهم الدكتور مراد وهبة، وهم من أكتر أنواع الهلام الالكتروني شيوعا، الواحد فيهم مسطح الفكر والعقل لا يكاد يفقه قولا، ثم تلاقيه معتز بجهله، يسوق الآيات الكريمة من القرآن في غير موضعها، ويردد أحاديث شريفة في غير مضمارها، وإذا جيت تنبهه يشمخ بأنفه زي هاني سلامة في فيلم المصير وهو بيقول لابن رشد "أنا باقول كلام ربنا" فلا يكون منك إلا أن تجيبه كما أجاب ابن رشد: وأنا باقول كلام الجن يا ابني؟ وبعدين إنت بتقول كلام ربنا؟ فهمت إيه علشان تفهم كلام ربنا؟ تعرف إيه في الطب؟ في الفلك؟ في العلوم؟ في الرياضيات؟ في التاريخ؟ في الفلسفة؟ تفهم إيه في أي حاجة من دي علشان تقدر تفهم كلام ربنا؟
  2. ناشطو التمديد والتأبيد هم ثاني أنماط الهلام، ممن يدعون أنهم يمارسون حرية التعبير بتأييدهم للنظام، ونومهم كالكلب عند جزمة النظام، ولعقهم صباح مساء خصية النظام، كلما قرأت عبارة لأحدهم أفتكر أني كنت باخد على الكاتبة الصحفية نوارة نجم الإفراط في السباب في مدونتها، لأني يوم بعد يوم أصبحت أميل لاستخدام مفرداتها معهم
  3. سدنة هياكل الوهم ممن يعيشون في حدوتة ساذجة مضمونها أن العالم كله صار همه الوحيد أن يتآمر علينا، فقوم عاد بنوا الأهرام بس هيئة الآثار مخبيين، والأثريون اكتشفوا إن كليوباترا اسمها وفاء بس مكتمين، وكل غير المسلمين هم في الحقيقة مسلمين ومقتنعين بس بيشتغلوا نفسهم، والحكومة طلعت إشاعة أنفلونزا الطيور علشان ندبح الفراخ البلدي ويبيعولنا فراخ مستوردة، وصدام حسين حي يرزق في العراق والبديل هو من شنقوه على العيد، وكل اللي مضايقهم في مطارات قاعدة العديد الامريكية في قطر إنها على شكل صليب، وحزب الله رأس حربة لدولة الفرس الجديدة، وهذا النمط تشفق عليه أكثر مما يستفزك، فلو أجبته تجيب بكلام فحواه .. الحمد لله الذي عافانا
  4. مروجو الأفيون الفكري ممن يرددون الأساطير المؤسسة للوعي التاريخي والسياسي في مصر، بتوع أسطورة رمي الذهب المصري من الطيارات في حرب اليمن، وحدوتة سفينة البترول اللي الشاه قال لها لف وارجع تاني لنجدة مصر، وشهداء 1967 اللي عددهم بعشرات الآلاف، وديمقراطية الوفد فوق الفظيعة في الأربعينات، بأمارة النحاس قادما فوق دبابات الإنجليز للوزارة وتقبيل يد الملك المحتفظ بصلاحية حل الحكومة والبرلمان وقتما يريد، وأسطورة الطيارة الامريكية أم قنبلة ذرية اللي كانت بتخمس فوق القاهرة علشان تفرقعها بوم لو مقبلناش وقف إطلاق النار بصفقة المغبون، وهلوسة بريطانيا المدينة لمصر (الحقيقة إنها كانت مبلطجة على مصر في سداد قيمة شحنات قطن بسبب بند مبهم في اتفاقية 1936 فيما يخص المعاملات المالية في زمن الحرب مع الحليفة بريطانيا) ومن ده كتير من هنا لبعد بكرة
  5. القواعد من الرجال ممن تؤلمهم وتحز في قلوبهم السيرة العطرة للرجال الرجال مثل الشهيد عماد مغنية، والسيد أبي هادي، وزعماء بحجم عبد الناصر وشكري القوتلي وهواري بومدين وغيرهم من النخل السامق في تاريخنا، لا يستحي أحدهم من مقارنة همة وعزيمة وجسارة الواحد من هؤلاء بتخاذله وهوانه، ولا أسميهم بالقواعد لأنهم قاعدون عن النضال ضد العدو الاستراتيجي لهذه الأمة فحسب، فهذه خيبة نشترك معهم فيها، ولكن نسميهم بالقواعد لانقطاع فيض النخوة من عروقهم وغياب صورتها عن عيونهم فلا يرونها في وجوه المناضلين ولا يستحون

28.9.10

وتصدع الجبل في سبتمبر


في عام 2008 صممت بيدي غلاف ديواني "القلب وسنينه"، واخترت له عناصرا بصرية هي المرأة والقلب وأجندة حائط عليها تاريخ الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970م، تاريخ اليوم الذي ترجل فيه فارس الحلم الجميل والعزم النبيل والكد الطويل، تاريخ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، فهل كان شذوذا أن أختار تلك الذكرى لديوان تغلب فيه القصائد العاطفية؟ لا أرى ذلك، لعلاقة روحية ربطتني منذ الصبا بالزعيم رحمه الله، بعيدا عن السياسة والزعامة والحياة العامة، فأنا أدين بكثير من نبضات القلب للرجل الذي علمني كيف يصير الرجال رجالا، علمني أن الرجولة قضية ورؤية وإيمان يعبر عن نفسه في كل كلمة وكل موقف للشخص، وأن الرجولة طاقة فعل وقدرة على التغيير للأفضل، وقد تضمن الديوان قصيدتي التي ناجيته بها عشية التعديلات الدستورية بعنوان "قوم يا أبو خالد"، لكن القاريء المدقق سيجد شخصين متواجدين بكثافة في كل قصائد الديوان، أحدهما هو الزعيم رحمه الله، موجود بحضور معان وقيم ارتبطت به وارتبط بها وإن لم يوجد بشخصه واسمه

أنظر حولك
الفكر الناصري حولك في كل مكان عرفت أو لم تعرف، ببساطة لأن أعظم وأجل عقول وأقلام وأصوات الأمة ناصرية الهوى، انظر حولك تجد الشفرة الناصرية في صوت أم كلثوم تغني لمصر الناهضة الشامخة برأسها بين الأمم، كما في صوت فريد وحليم، في أفلام يوسف شاهين من العصفور وعودة الابن الضال للناصر صلاح الدين، في دراما أسامة أنور عكاشة من ليالي الحلمية لأميرة في عابدين، ودراما يسري الجندي في السيرة الهلالية، في الفكر الاستراتيجي لجمال حمدان من شخصية مصر لأوراقه الخاصة، في موسوعات عبد الوهاب المسيري، ودواوين نزار قباني وفؤاد حداد وصلاح جاهين وسعاد الصباح، في تصريحات أحمد زويل عن عصر مصر الذهبي، في قلمي هيكل وأحمد بهاء الدين، أكبر قامتين صحفيتين في تاريخنا، كما في قلم حمدي قنديل وعلاء الأسواني، أشجع الأقلام المعاصرة وأعمقها انخراطا في قضايا الوطن، في شوارع باسم جمال عبد الناصر من دبي للشارقة في الإمارات، لبنغازي وطرابلس في ليبيا، لتونس العاصمة، للجزائر العاصمة، لصنعاء وتعز في اليمن، لبوينس آيرس في الأرجنتين، لمحور جمال عبد الناصر الرابط بين الكويت العاصمة والجاهرة، لشارع جمال عبد الناصر في اللاذقية وحمص وحماة وداريا بريف دمشق، وميادين باسمه من بيروت لعمان، أما في الفكر فناصر يشرق باسمه في عناوين المئات من الكتب التي كتبت فيه وعنه بمختلف اللغات مدحا وقدحا، ويظهر شامخا في طيات الوثائق المخابراتية التي تفرج عنها الولايات المتحدة وبريطانيا دوريا، إذ لم ينج من تلوث اسمه مع الإفراج عنها سوى ثلاثة قادة عرب يأتي عبد الناصر في صدارتهم، فضلا عن شكري القوتلي وهواري بومدين، كل هذه أدلة تنطق بأن الجبال حتى حين تتصدع بأمر ربها .. لا تفنى ولا تموت

أنين القوافي وسر عبد الناصر
اختار الأديب اللبناني محمد حور عنوان "بكاء رمز" لكتابه الصادر في 1997م ببيروت، والذي جمع وأشار فيه لعدد بلغ المائة وأربعة عشر قصيدة كتبت لعبد الناصر بعد وفاته، بأقلام سبعة وسبعين شاعرا عربيا من كل الأقطار، وعلى طول حقبة امتدت منذ وفاته في السابع والعشرين من سبتمبر عام 1970م حتى عام صدور الكتاب، وضم الكتاب كل نجوم الشعر الزهر في العالم العربي، فضم قصائدا لكل من فاروق شوشة، جمال بخيت، الهادي آدم، أحمد رامي، صالح جدوت، عبد الوهاب البياتي، نزار قباني، أحمد فؤاد نجم، صلاح جاهين، عبد الرحمن الأبنودي، صلاح عبد الصبور، سعاد الصباح، روحية القليني، فادية طوقان، محمود درويش، أحمد عبد المعطي حجازي، محمد الفيتوري، فؤاد حداد، زكي مراد، محمد إبراهيم أبو سنة، علي الجندي، يوسف صديق (الضابط اليساري االبطل والشريف لذي اختلف مع ناصر حيا ورثاه ميتا برثاء يفيض روعة وتقديرا)، وفاء وجدي، جورج جرداق، محمود حسن إسماعيل، أحمد شفيق كامل، وأخيرا وليس بآخر أمل دنقل

تعددت القصائد في الراحل الكبير، وتكررت فيها معاني اللوعة والإكبار والافتقاد والافتقار، لكن هناك أبيات بعينها هنا وهناك عبرت عن حقيقة جمال عبد الناصر، وصورته الراسخة في وجدان الشعب العربي كما لم يعبر غيرها، فكأنها قدمت لنا في مجملها سر عبد الناصر، سر القائد الذي استعصى ذكره على الأيام، وهنا نحاول رصد تلك الأبيات وما عبرت عنه
  • كانت للزعيم إنجازاته على الأرض، لكن ما ربط القلوب به لم يكن ما أنجزه ولكن ما حاوله دائما وجد فيه، كان إخلاصه الذي لم يتجاسر إلا موتور على التشكيك فيه هو مفتاحه الأول للقلوب، وعن هذا عبر عمنا صلاح جاهين بقوله: أنظر تلاقى الراية منشورةْ .. متمرغة لكن ما زالت فوق .. بتصارع الريح اللى مسعورةْ، وانظر تلاقى جمال .. رافعها باستبسال .. ونزيف عرق سيال على القورة، وفـْ عنفوان النضال .. وقف الشريط في وضع ثابت
  • كان العالم العربي متعطشا لانطلاقة تنفض فيه عروق العزيمة والكبرياء بعد طول الهوان العثماني ثم طغيان الاستعمار الأوروبي، وكان جمال هو رمز الثورة العربية على تاريخ الهوان الحديث وقرون الفقر والجهل والمرض، عبر عن هذا نزار قباني وهو ينادي الوطن العربي بقوله: وأصرخ .. يا أرض الخرافات احبلي .. لعل مسيحا ثانيا سوف يظهر، وكذا وهو يناجيه في قصيدة أخرى ويقول: قتلناك يا جبل الكبرياء
  • لم يكن القائد واقعيا حتى الهوان، ولا مترددا حتى الهزيمة، بل كان حالما حتى السماء، وشامخا حتى الكبرياء، وكان الاعتزاز ينتقل من نبرة صوته المنبعث من مذياع القهوة أو مذياع بيت العمدة أو أحد الأعيان لصدور سامعيه، القائد لا يخاطب الجماهير العريضة بلهجة تحمل التشكيك في قدراتهم أو عزائمهم، فهذا يجعلهم أخور عزما وأقصر أملا، عن هذا عبر نزار قباني بقوله: أبا خالد يا قصيدة شعر .. تقال فيخضر منها المدام، إلى أين يا فارس الحلم تمضي؟ وما الشوط حين يموت الجواد؟ إلى أين كل الأساطير ماتت بموتك .. وانتحرت شهرزاد
  • كان الزعيم يشبه الرجل المصري من الطبقة الوسطى المثقفة في ملامحه وهيئته وطريقة حديثه ومفرادته، وحتى مظهر زوجته وتصرفاتها، وعن هذا عبر أحمد فؤاد نجم قائلا: وعاش ومات وسطنا .. على طبعنا ثابت .. فجومي من جنسنا .. مالوش مَرَة سابت، إلام كان الفجومي الخطير يلمح بحديثه عن المرة السايبة يا ترى؟
  • لم تكن لاءات الخرطوم الثلاثة أول علاقة جمال عبد الناصر بالصمود رغم الصعاب والثبات على المبدأ، فقد كان الصمود جمال حتى في المعاني التي حملتها جنازته، وفي هذا يقول أمل دنقل: والتين والزيتون .. وطور سينين وهذا البلد المحزون .. لقد رأيت في الثامن والعشرين .. من سبتمبر الحزين .. رأيت في هتاف شعبي الجريح .. رأيت خلف الصورة ..وجهك يا منصورة .. وجه لويس التاسع المأسور في يدي صبيح
  • أما انحيازه للمهمشين والكادحين والبسطاء فقد تغنت به الجماهير وهي تودعه للضريح وتقول: انت عايش في قلوبنا يا فقير يا ابن الفقير
  • أما سعاد الصباح فقد رصدت فيزياء القائد، رصدت ما كان جمال يوحي به في خطوته الواثقة ونبرته المخلصة الصادقة وهي تقول: كان كبيرا كالمسافات .. مضيئا كالمنارات .. جديدا كالنبؤات .. عميق الصوت كالكهان .. وكان في عينيه برق دائم يشبه ما تقوله النيران للنيران
رحمك الله يا جمال يا جبل الكبرياء الذي تصدع

25.9.10

أخرج من قيدك


أخرج من قيدك .. من ليلك .. للنور يغرد في عينيك .. تحدثنا في مقال سابق عن كيمياء الخوف، والعناصر التي ركبتها في نفوس الجماهير المصرية في مجملها، عدا من رحم ربي، وتفضلت الأستاذة جميلة إسماعيل بالإشارة للمقال في صفحتها مما أكسبه زخما حواريا نشكرها عليه، وسأل الأصدقاء عن العلاج من هذا الرهاب الذي يقبض القلوب ويكتم الأنفاس فلا تنطق ولا تتحرك في العمل الوطني الذي صار ضرورة مرحلة وفرض عين على كل مصري، واليوم نحاول الإجابة معا، لنكون روشتة علاج ليخرج كل منا من قيده، ومن ليله، للنور يغرد في عينيه، وهي روشتة أتوجه بالحديث فيها لنفسي قبل الآخرين، فلا يحسبن أحد أن كاتب هذه السطور يزعم لنفسه تميزا عن قارئها، إنما يحاول أن يصوغ وصايا ميسورة لا حذلقة فيها، ولكن أثرها النفسي كبير
  1. لا تتجمل ولا تغير الأسماء: لا يوجد إنسان يواجه نفسه بأنه جبان، فهو يسمي سلوكه واقعية، أو حكمة أو حنكة أو حتى سلبية، لكنه أبدا لا يواجه نفسه بحقيقة أن إحجامه جبن لا أكثر ولا أقل، فلو حاول كل منا ألا يميع أخطاءه وسلبياته لخطا أول خطوات الخلاص منها، ومواجهة الذات بأن ما يمنعنا من الإقدام على المشاركة السياسية هو الخوف بشكل أو بآخر يجعلنا ننفر من وصمة الجبن ونحاول أن نغير سلوكنا، أما تسمية الجبن بالواقعية فتربت على مشاعرنا، بل وتدفعنا للتعالي على غيرنا ممن شارك وتفاعل ونقول أنه مسكين .. عايش في الوهم وغير واقعي، فيكون هذا استعلاء بالأدنى على الأفضل، وهو قمة الضلال
  2. كن فاعلا في محيطك أولا: مستحيل أن يكون المرء سلبيا في بيته، أو مطية في عمله، أو شرابة خرج في مجتمعه الضيق، ثم يكون بعد هذا فاعلا في قضية وطنية أو فكرية، فالفعل الإيجابي طاقة متجددة تتضاعف كلما بذلت منها، وأن يكون الشخص فاعلا عادة، وأن يكون مفعولا به أو مفعولا فيه عادة كذلك، والفاعل لن يكون فاعلا إلا لو كون رؤيته وقناعاته أولا، فالنظر سابق على الفعل، والمعرفة سابقة على النظر والتدبر، وهكذا تكون المتوالية هي المعرفة والثقافة، ثم النظر والتدبر وتكوين القناعات، ثم الفعل وفقا لتلك القناعات، في عملك وبيتك وبين رفاقك أولا، ثم في معترك الحياة العامة بكل صورها
  3. تآلف مع خوفك .. لتقتله: في طفولتي المبكرة تعرضت لتجربة أليمة مع كلب شرس، نتج عنها رهاب من الكلاب لازمني عدة سنوات، ولكن مع مشارف المراهقة، والشعور بالذات مع حلاقة بشاير الشارب، لم يعد الخوف من الكلاب مناسبا لمشروع الرجل الذي أريد أن أكون، فبدأت أقلل المسافة بيني وبين الكلاب الضالة في الشارع شيئا فشيئا، وبدأت أمر أمام البوابة الحديدية القريبة التي يقبع خلفها كلب حراسة ضخم أقرب فأقرب وأحاول الثبات رغم نباحه المتصاعد، وهكذا حتى شفيت من الرهاب، وبعدها بسنوات درست في كلية الطب أن ما فعلته وأنا مراهق بالسليقة هو العلاج المعروف لحالات الرهاب عن طريق اعتياد ما تخافه تدريجيا، ومواجهة كلاب النظام لا تختلف كثيرا عن هذا، عليك بكسر حاجز الخوف مرة واحدة، ولن تضطر لكسره ثانية لأنك لن تجده، فإذا أقدمت ووقفت في مظاهرة مثلا، لا تدع الخوف يفكر لك، حاول أن تندمج فيما حولك أو تفكر في أي موضوع بعيدا عما تخشاه، فللكلاب عيون وأنوف ترى أمارات الخوف وتشم رائحته، وفي الغالب يدفعهم خوفك للتحرش بك، فإذا حدث وقبض عليك أو وجدت قصاصة ورق صفراء مقطوعة من كراسة يسلمها لك في بيتك مخبر وعليها اسم ضابط تقابله في الثالثة مساء بمقر مباحث أمن الدولة، تماسك ووطن نفسك على ساعات أو أيام ستمر كيفما اتفق، ولكنها حتما ستمر، ولا تدع واحدا منهم يرى خوفا في عينيك والا أيقظت ساديته وأغريته بالبطش بك، فإذا شعرت في أي لحظة بدبيب القلق وبنفسك تتململ، فاطلب من الله التثبيت وتذكر أن التخشيبة هوان يوم والصمت هوان عمر، تذكر أنك على حق وأن السجن في حكم الطواغيت يشرف ولا يشين، استدع صورة والدك وسل نفسك، كيف يحب أن يراك في موقف كهذا؟ أبيا أم منسحقا؟ ردد في صدرك ما تحفظ من آيات القرآن أو الكتاب المقدس، وستعجب كم تمر التجربة التي كنت ترهبها لتصبح ذكرى كغيرها، مش انتهت أحزان من قبلها؟ وحتى لو حدث وتطاول عليك ذنب من الأذناب لا سمح الله، فتذكر قول محمد أبو سويلم في فيلم الأرض: لا هي شجاعة من اللي ضرب ولا قلة شجاعة من اللي انضرب. تذكر أن الاعتداء عليك بغلبة القيد أو الكثرة من جراء موقف حر، ليس إهانة ولا جرحا في كرامتك ولا قدحا في آدميتك، بل تعزيز لها
  4. الغنى بالاستغناء .. وليس بالتقسيط: كم من السلع أو الأشياء التي نشتريها بالتقسيط ضرورة من ضرورات الحياة وكم منها تكميلي إن لم يكن ترفيهيا؟ وحتى الضروريات كالشقة أو وسيلة الانتقال هل نقتصر فيها على الضروري نوعا وكما؟ هل نحتاج لتلك الشقة الأكبر؟ هل لهذه السيارة الأغلى ضرورة ملحة؟ هل نقدر على أي منهما دون إرهاق مادي وبدون تقسيط أو حتى بتقسيط بسيط؟ هل نتعامل مع كارت الائتمان كأن غيرنا سيسدده؟ كل تلك أسئلة يجب أن يسألها كل منا لنفسه، وتذكر المثل الشعبي العبقري، الدَين مجبنة ومبخلة، فهم المدين يورثه جبنا وبخلا، فهل يرضى أحدنا لنفسه تلك الصفات؟ وهل مع الجبن والبخل كرامة؟
  5. تخير ما تراه وما تسمعه: اللاوعي يسجل جوانبا من الشخصية الدرامية التي تراها حتى لو كنت ترفضها وتزدريها، وهذه الجوانب تؤثر فيك لا شعوريا وفي قراراتك ومواقفك، فمشاهدة أبو العلا البشري في الثمانينات لها أثر يختلف عن أثر سعد الدالي اليوم، وليس معنى هذا أنك ستدخن بانجو لو شاهدت اللنبي، لكن المؤكد أن نفورك من مشهد المدمن ثقيل اللسان سيقل، أعرض قدر جهدك عن مشاهدة كليبات التعذيب والدم والبشاعة، وقلل من تعرضك لصندوق الفضائيات في ريسبشن بيتك، بحيث تشاهد فقط ما تختاره لا ما يلقونه في عينيك وأذنيك، تواصل مع النضال الوطني المصري في الماضي بصوت إمام عيسى، استرجع أيام الانتصار والانكسار الوطني بصوت أم كلثوم وحليم، جرب أناشيد قناة المنار الحماسية، فالموسيقى لو اخترت المناسب منها لا تبارى في شحذ الهمم والارتقاء بالذات
  6. عليك بنفسك .. فأبرأ ذمتك: على مستوى العمل والحياة والسياسة ستجد المنافق المتملق، وستجد السلبي الانهزامي، وستجد الذاتي الغير آبه لما حوله، ستجد الغبي القول والضعيف الصوال، وستجد بالمقابل نماذجا مشرقة وإن قلت، فتخير لنفسك، مسئوليتك فردية أمام الله وأمام ضميرك وأمام أولادك ذات يوم، شارك قدر جهدك واستطاعتك بالكلمة والموقف والنشاط في قضية وطنك فضلا عن كل قضية تعتقد أنها حق، وتذكر لو ناوشك اليأس الإمام الحسين في محنة كربلاء، يقاتل زودا عن حق يعرف لا محالة أنه لن ينتصر فيه، لم يتذرع بغلبة الباطل وكثرة عدده، ولم يتحجج بأن الناس قد بايعوا يزيدا وبيعته هو لن تزيد ولن تنقص شيئا، لم يقل بواقعية الواقعين، ولم يحم رأسه الشريف بمهادنة الظلم، كما يتذرع اليوم بعض الأفاقين بالحفاظ على سلامة الجماعات والأفراد بمهادنة النظام
  7. كن واضحا في قبولك ورفضك: أحد الوسائل شديدة الفعالية في توجيه سلوك البشر هي الاستجابة التي يبديها المجتمع بناء على هذا السلوك، فكن واضحا قاطعا غير هياب في دعمك وتشجيعك لكل من يخدم قضيتك وقضية بلادك، وفي الإقصاء لأذناب النظام ممن يمثلون شوكة في حلق الإجماع الوطني
  8. صدر حماسك وحاصر يأسك: كلنا ينتابه الحماس حينا واليأس حينا في طريق التغيير الطويل الذي بدأته مصر برأيي منذ عام 2004 ومازال ممتدا لعدة أعوام مقبلة فيما نراه، علينا أن نكون دعما لبعضنا البعض حين البأس وحين اليأس، فانشر حماسك فيمن حولك وبين من يصلهم صوتك بالعمل والقلم والكلمة حين تكون مفعما بالحماس، فإذا ناوشك اليأس فاكتمه في صدرك حتى لا تفشيه فيمن حولك، حتى تمر موجة القنوط وتستعيد صلابتك

24.9.10

كيمياء الخوف


هل هناك شعب يردد أكثر منا أنه لا يخاف غير الله، ثم يغلبه خوفه من خياله؟ هل يوجد من يردد مثلنا صباح مساء أن الأعمار والأرزاق بيد الله ثم يتصرف وكأن الأعمار والأرزاق بيد الشياطين؟ ولست أقول هنا ما يقول البعض بوصف المصريين بالخنوع التاريخي، ببساطة لأن هذا غير صحيح، فقد خرج طلبة الجامعات والعمال في 1968م للشارع حتى استجاب ناصر لطلبات الجماهير في بيان مارس، وخرجوا بالملايين في 18 و19 يناير عام 1977م حتى أمر السادات بنزول القوات المسلحة للشارع لأول مرة منذ يوليو؟ فلماذا يحجمون اليوم رغم الظروف التي لم تعرف مصر أسوأ منها في تاريخها الحديث والمعاصر؟ كيف توصل مبارك وشياطينه لمعادلة جديدة عقدت كيمياء الخوف في نفس المصري لدرجة الشلل؟ سؤال عاد يتردد برأسي مع قراءتي لتعليق للمناضلة الحرة جميلة إسماعيل أشارت فيه لنظرات الخوف في عيون الجماهير التي أطلت من النوافذ المحيطة بميدان عابدين، وعيون المارة في الشوارع الجانبية التي احتجز فيها النشطاء بالأمس القريب، ذلك الخوف الذي يجعل العين ذليلة كسيرة كأن القهر قد ختم حدقتها بأصابعه الخمس، فكيف تضاعف الخوف فينا؟ والخوف شعور صحي، فهو آلية نفس-جسمية وقائية تساعد في تنبيه حواس الكائن الحي للخطر، ولا يستطيع مخلوق أن يقول صادقا أنه لا يشعر بالخوف أبدا، وإلا كان متبلد الشعور، لكن للإنسان قيما أخرى تتولد منها مشاعر الغضب والإصرار التي تتغلب على نزعة الخوف البشري بصدره وتدفعه للمواجهة حتى الموت أحيانا، فماذا جرى لنا؟ وكيف أطفئوا جذوة الغضب المقدس في صدورنا؟ الأسباب عديدة ومعقدة
  1. استبدال النشاط الثائر بالنشاط الداجن: منذ اتفاق سادات-تلمساني في السبعينات وحتى 1993م حين اختلت علاقة النظام بالإخوان كانت التعليمات مباشرة للأمن في الجامعات والمؤسسات الصناعية بتضييق الخناق على عناصر اليسار الناصري وغيره من تيارات اليسار الثورية، وترك الحبل على غاربه للإخوان أولا والسلفيين لاحقا، ليجد المثقف اليساري نفسه في مواجهة الأمن من ناحية والنشاط المدجن من ناحية ثانية، فيدخل في مرحلة كمون قد تطول أو تدوم، وحين انتهى النظام من باعثي الثورة كان يسيرا عليه أن يبدأ في ضعضعة البنيان الداجن الذي بناه منذ 1993 وحتى اليوم
  2. الطموح الاستهلاكي وحلم الرفاهية: علقونا على المراجيح والحبل مستورد فاخر كما غنى منير، بتحول المدرسة العالمية أو الخاصة والسيارة الجديدة واشتراك النادي الراقي والشقة الواسعة أو الفيلا من رفاهية قاصرة على الطبقة العليا إلى طموح متداول بين الطبقى الوسطى، وما ترتب عليه من تقليعة التقسيط اللا-نهائي، وبغلبة الدين قهروا الرجال، فصار الواحد يحرص لا على مصدر رزقه ولكن على مصادر رفاهيته، وتفزعه فكرة الاستغناء عنها كأنه سيسقط من حالق، لأنه يعيش غارما في الديون تحت مسمى التقسيط والتسهيلات وكروت الائتمان والقروض الشخصية بغير ضمانات
  3. شفافية القهر وغرس الرهاب: في كل الوسائط المسموعة والمرئية فضلا عن الكتاب والصحيفة تفشى الكلام عن فظائع المعتقلات وبشاعة التعذيب وانتهاك الأعراض والاغتصاب وشاركنا جميعا في هذا دون أن ندري تحت مسمى الشفافية والديمقراطية، وفرحنا بأفلام اليوتيوب التي صورها الضباط بأنفسهم وقلنا أنها مسربة غصبا عنهم، وبتركهم الخارجين من الاعتقال يستفيضون في وصف ما جرى لهم، فهل تعرف جيشا في التاريخ كان يعرض على الجنود بساحات القتال صورا وأفلاما لتعذيب العدو للأسرى؟ حتى يخلق رهابا في نفوس جنوده من الأسر وبالتالي من الإقدام على القتال؟ مستحيل طبعا، لقد تداولنا مخدر الرهاب فيما بيننا ونحن نجهل عاقبة تعاطيه
  4. ضآلة الشعور بالذات: كلما زاد شعورك بقيمتك كفرد، قل حرصك على سلامة جلدك، ودفعك احترامك لذاتك على احتمال المكاره حتى لا تدني هذه الذات، لهذا ثبت المتنبي في القتال حين ذكر بأبياته في الفخر بفروسيته حتى قتل، ولهذا ثبت عبد الله بن الزبير حتى قتله الحجاج الرجيم وصلبه، وأجمل تعبير عن هذا قول عمرو بن الإطنابة لنفسه حين شعر بالخوف في ميدان المعركة: فقلت لها وقد جشأت وجاشت .. مكانك تحمدي أو تستريحي، الشعور بالذات هو صمام الأمان ضد ثقافة الجري نصف الجدعنة وتمرير الريح
  5. جيش الاحتلال المصري: بعد تجربة 1977م واضطرار السادات لتغيير قيادة الجيش حتى يستطيع أن يأمر بنزول القوات للشارع، كان القرار هو التوسع في الأمن المركزي ليصبح جيشا كامل العدد والتسليح بذاته، لهذا فالناشط لدينا لا يواجه قوات حفظ نظام ولكن قوات قتال وهو المدني الأعزل، في حالة نادرة في تاريخ الأمم، لا أعرف لها شبيها ولا مثيلا
  6. التقدير والتحقير الإجتماعي: مهما تحدثنا عن إخلاص النوايا لوجه الله، فسيظل تقدير أو تحقير المحيط الذي يعيش به الإنسان واحدا من دوافع السلوك الأساسية، فهل يشعر خونة الإجماع الوطني مثل لوقا بباوي ونواب الرصاص بما يستحقون من ازدراء المحيطين بهم؟ أشك في هذا شكا كبيرا، وهل نقدر تضحيات الناشطين كما ينبغي، حتى لو اختلفنا معهم؟ أشك شكا أكبر، وانظر لمن تقولوا في حق كفاية و6 أبريل رجما بالغيب تعلم أن شكي في موضعه
  7. تشويه الرموز وزعزعة الثوابت: شعورك بأنك تسير على درب تمسك به العظماء والنفوس الكبيرة يؤنسك رغم وعورة الدرب وخطورته، وعلى النقيض حين يرى الشاب والناشيء كل الرموز وقد شوهت، من سعد زغلول لعبد الناصر لأحمد عرابي وغيرهم، يشعر باللا جدوى، وكل من شارك في تشويه تلك الرموز شارك في قتل جذوة الثورة في الصدور، كل من حول عبارة سعد زغلول الثورية "مفيش فايدة" والتي قالها بمعنى مفيش فايدة من التفاوض مع الإنجليز ولا حل غير النضال المسلح، فجعلها عبارة انهزام بمعنى لا فائدة في مصر والمصريين، قتل بهذا النخوة والعنفوان في صدور عشرات الرجال، فقتلهم معها، وما الرجل لو ذهب العنفوان؟
  8. ترويج الصفات الحيادية: صدق الرسول (ص) يوم قال لعلي بن أبي طالب: يا علي، ليحبك أقوام حتى يدخلوا النار في حبك ويبغضك أقوام حتى يدخلوا النار في بغضك، هكذا يكون طلاب الحقيقة، وهكذا يكون الرجل، واضح المعالم والمواقف والسمات، لا يحتمل صفات الحياد السلبي، لابد للرجولة من بعض التطرف وإلا فقدت معانيها، لابد للكرامة من بعض الثورة، ولابد للشجاعة من بعض التهور، لابد لصاحب نخوة من بعض الفداء، ولابد للثائر من بعض الجنون، والاعتدال من قبل ومن بعد جميل على ألا يجور على الشخصية ومعالمها فيجعلها بلا طعم ولا رائحة، وهذا النمط الحيادي الذي لا يسمع له صوت هو النمط الذي نروجه ونربي عليه الأبناء اليوم بكل أسف
وبعد، فتلك هي عناصر كيمياء الخوف المركبة في مجتمعنا كما أراها، ليست جامعة ولا مانعة، وكلها تحتمل الصواب والخطأ والحذف والإضافة

19.9.10

منقوع الكتب


ماذا لو قرر الأديب الساخر بلال فضل بعد عشر سنوات من الآن في عام 2020م أن يعيد تقديم برنامجه الناجح "عصير الكتب" في سلسلة جديدة مع الكتاب الجدد وعناوين الكتب التي ستضاف للمكتبة العربية خلال العشر سنوات المقبلة؟ مبدأيا لابد لبلال أن يغير اسم البرنامج من عصير الكتب إلى اسم معبر عن طبيعة المرحلة وكتبها، وهو منقوع الكتب، لأن الكتب التي بدأت تسود الرفوف اليوم لو عصرت لن يخرج منها شيء ذو بال، فالأجدى أن تنقع، أما ثاني التعديلات فسيكون في اللغة المعتمدة للكتب التي يتناولها، فلن تكون الفصحى والعامية كما نفهمها لفظا وخطا موجودة وقتها في الغالب، وستحل محلها اللغة المرنة التي تظهر في إبداعات بعض المدونين اليوم، تعالوا نتخيل خطاب واحدة من المدونات لبلال، ماذا ستقول له؟ ولا خطاب إيه صحيح .. خلينا نقول أوفلاين مسيج على المسنجر
---
مساء الخير عليك يا أستاز بلال
اذاي حدرتك؟ انشالله تكون بخير، أنا موتشكرة أوي أوي إن حدرتك وقع اختيارك على كتابي "أحلام مزة" دي أكيد شهاده أعتاذ بيها، حقيقي يا أستاز بلال إنت حد جميل أوي، وأد كيده قدوة لكل الكتاب الشباب، موبايلات بقى هه
---

المكتبة العربية 2020م
لو حبينا نضرب مثال حقيقي لعبقرية تسمية عمل أدبي مش هييجي على بالي كاتب قبل إحسان عبد القدوس رحمه الله، عبقرية التركيز والجذب كانت دايما السمة الواضحة لعناوين رواياته، لم يكن أبدا لها، ومضت أيام اللؤلؤ، زوجة أحمد، العذراء والشعر الأبيض، الهزيمة كان اسمها فاطمة، لا أنام، ومش الروايات وحدها، وحتى مقالاته رحمه الله، زي "على مقهى في الشارع السياسي"، وعلى النقيض من المنهج ده، تعالوا نتخيل عناوين ومحتوى الكتب اللي ممكن بلال يعرضها في حلقات منقوع الكتب لعام 2020م
  • كتاب يوميات فتاة لايدة الجزء التاني من كتاب طالبة الستر، واللي بيناقش مشاكل تأخر سن الزواج بشكل أكثر صراحة ومباشرة من الجزء الأول
  • المجموعة القصصية وسط ساقط، للقاص الشاب علي معتز اللي كان أول أعماله رواية بنطلون جينز بدون كسرة، وهي أعمال متميزة لا يعيبها غير كثرة إعلانات مصنع الملابس بتاع والد علي بين فصول المجموعة
  • كتاب مصر اللي عمي مرافقها، واللي بيناقش قضية الانتماء من منظور جديد أجرأ من منظور كتاب مصر مش أمي دي مرات أبويا
  • كتاب شيكا بوم الجزء التاني من كتاب بيكا بو
  • كتاب أيوة متجوزة وانت مال أهلك؟ اللي بيناقش مشاكل الكام ست اللي فاضلين على ذمة رجالة في البلد
  • الرواية البوليسية لما تلاقي الخرابة، واللي بتدور في اطار مشوق في رحلة البحث عن الـ..... مجرم
وفي النهاية، ولو كانت أحوال البلد دي ماشية في نفس الاتجاه اللي كلنا نفسنا نعرفه، بلال ممكن يختم بجزء تاني من كتابه خفيف الدم ضحك مجروح، واللي ممكن يكون على ايامها اسمه ضحك مدبوح

18.9.10

في عقلنا خلل


الجوع ظاهرة صحية وجرس تنبيه بيولوجي يدفعك لتأكل ما يقيم أودك، والشعور بالجهل بأمر ما ظاهرة فكرية صحية تدفعك لطلب المعرفة به من مصادرها، فلو خدرت شعورك بالجوع ستتعرض لخطر الهزال، ولو خدرت الشعور بالجهل ستتعرض لخطر الهزال الفكري، وكلامنا هنا عن مخدرات معرفية منتشرة بيننا اليوم، وتنشر الهزال الفكري بيننا بدرجة أظنها غير مسبوقة، لتعدد هذه المخدرات المعرفية وجاذبيتها لكل الفئات، والتي نحاول هنا أن نلقي بعض الضوء عليها، وخطابنا نعني به النشأ والشباب تحديدا، في محاولة للحد

من جوتنبرج للويب
لم يستطع الإنسان أن يورث المعرفة للأجيال القادمة قبل ظهور الكتابة في مصر وسومر عام 3000 قبل الميلاد، لذلك حقق من التطور في مائتي ألف عام قبل الكتابة أقل مما حققه في خمسة آلاف عام بعدها، ومع ذلك كان الكتاب المخطوط سلعة استفزازية لا يطيق ثمنها غير الأمراء والوجهاء، حتى طبعه جوتنبرج فصار في متناول يدي ويدك نحن عامة الناس، وتطورت البشرية في خمسة قرون بعد المطبعة كما لم تتطور في خمسون قرنا قبلها، واليوم جعلت الويب الموسوعة البريطانية وقيمتها مطبوعة ألفي دولار مجانية، ولهذا فحجم القفزة الإنسانية المتوقع في الخمسة أعوام فضلا عن الخمسين عام القادمة مهول، ولكن كيف نستخدمها؟ كيف نقرأ أونلاين حتى لا تتحول الانترنت من وسيلة معرفية لمخدر معرفي؟ لنا في هذا عدة ملاحظات
  • الاستخدام الأروع للنت هو المكتبات الإلكترونية العملاقة، وبصفة خاصة القابلة للبحث في مراجعها بمحركات بحث خاصة، مكتبة الكونجرس، مشروع جوتنبرج لحفظ التراث الفكري الإنساني، مواقع تفسير القرآن، كلها مصادر عبقرية ولا شك لهذا الغرض
  • الانترنت وسيلة ممتازة للوصول لكتاب الكتروني أو بحث وقراءته مجانا، حتى لو كنت مثلي من مدمني الكتب المطبوعة، والتي مازالت لها السيادة عالميا رغم تكلفتها، لكنك أحيانا لن تجد كتابا ما بسهولة في المكتبات وقد تجده أونلاين، لكن عليك أن تحفظ كل ما تقرأ في ملفات على جهازك ولا تتصفحه أونلاين فقط لتتمكن من العودة إليه حين تريد، الحفظ في المفضلة لا يكفي لأنك قد لا تجده متاحا حين تريده بعد عام من الآن أو بعد إعادة تحميل الويندوز
  • المنتديات وساحات الحوار والفيسبوك ليست مصادرا لمعلومة تاريخية ولا علمية بحد ذاتها، فلو لفتت نظرك فيها معلومة عليك باقتفاء أثرها والبحث عنها حتى توثقها بمرجعية محترمة يمكنك أن تنسبها إليها، وإلا فلا تعتد بها ولا ترددها لأنك قد تنشر بهذا معلومة مغلوطة وأحيانا مغرضة
  • ويكيبيديا بكل اللغات مصدر معقول للمعلومة ولكنها ليست مرجعا بذاتها رغم الضوابط، لأنها موسوعة يحررها الجماهير مثلي ومثلك وفقا لمعايير محددة، فهي مجال جيد للتصفح والمطالعة ولكن ليس للتوثيق ولا للبحث الموضوعي
  • عليك التعرف على هوية وتوجهات كل موقع ترتاده بحثا عن معلومة، حتى تتأكد من نزاهة وموضوعية المعلومة محل البحث
لا تقرأني بقلم الآخر أولا
من أكبر الخطايا المعرفية أن تحصل على معلوماتك حول تيار فكري، أو حركة سياسية، أو عقيدة أو مذهب ديني، أو حتى شخصية تاريخية أو معاصرة، من كتب التيار أو الدين أو المذهب المناهض لها، وهو خطأ شائع بيننا، نقرأ أول ما نقرأ عن الناصرية لكاتب إخواني، عن الشيعة لكاتب سني، عن القطبيين لكاتب يساري، عن الماركسية لكاتب يميني، والطبيعي أن تأت هذه القراءات في مرحلة تالية بعد أن نوفي الموضوع حقه من الدراسة من واقع كتابات المفكرين والكتاب والمرخين المنتمين للفكر، فإذا انتهينا من هذا بدأنا في مطالعة الفكر المضاد، لنكون لأنفسنا رأيا راسخا مؤسسا على الطرح والطرح المضاد، على سبيل المثال أن لا أعتبر نفسي ملما بالديانة أو بمعنى أدق الديانات الهندوسية لأنني لم أعثر على كتاب محترم لكاتب هندوسي باللغة العربية أو الإنجليزية، رغم حرصي على مطالعة أديان وعقائد العالم بوجه العموم

الدراما والثقافة التاريخية
أن يهتم الناس فجأة بفاروق بعد مسلسلات تدور حول حياته وحياة والدته بشكل خاص أمر طبيعي، لكن أن تتخذ هذه المسلسلات قوة مرجعية في حواراتنا فهذا ليس طبيعيا ولا مقبولا، وبصفة عامة، الأخطاء المعرفية التي رسختها الدراما التليفزيونية والنصوص الأدبية في عقولنا كثيرة جدا، فالروائي علي أحمد باكثير هو من منح السلطان المملوكي سيف الدين قطز اسم محمود، واخترع شخصيات جلنار وسلامة اختراعا، وهو كذلك من أخفى توران شاه من الوجود، وهذا من حقه لأنه روائي وليس مؤرخا، ويوسف شاهين هو من جعل الناصر صلاح الدين رجلا طيبا بلا حدود وهو السياسي الأريب الذي قوض دولة وأنشأ غيرها ووحد مصر وسوريا بهمته وفطنته، وهو كذلك من جعل عيسى العوام مسيحيا ليبرز صفة التسامح الديني فيه، وهذا من حقه لأنه مخرج، وقل مثل هذا في أفلام أيام السادات وناصر 56، ومسلسل شيخ العرب همام آخرها رغم روعة المسلسل دراميا وفكريا، أما أفلام نادية الجندي في التسعينات فقد هلهلت تاريخ مصر لخدمة نزوات ممثلة درجة رابعة. بصفة عامة الدراما والأدب ليسا مصادر تاريخية بحال من الأحوال

9.9.10

حلم بجماليون


وقف المثال العبقري في ساحة بيته ينظر لمكعب الحجر الخام الضخم أمامه، إنه بجماليون الذي لم تعرف أثينا قبله تلك التماثيل التي تكاد تنطق بحيوية ملامحها وسلاسة وضعيتها، كانت عبقريته تغير وجه عاصمة اليونان القديمة، وتخلق في كل فراغ كتلة من الجمال، وقف الفنان يتأمل قطعة الحجر التي اشتراها لتوه بشغف، في الصباح سيبدأ العمل فيها، ليخرج من جوف الحجر ما لم يخرج من رحم النساء، ليصوغ بيديه معبودته ومعشوقته، المرأة الكاملة التي لم توجد في الأرض من قبل، هو نفسه ليس كاملا ولا حتى مثاليا أبدا، يعرف هذا جيدا، لكن المبدع مجبول على حب الجمال والكمال، المثال يريدها كاملة الجسد بلا شية ولا وهن، الموسيقي يريدها لحنا دائما في حياته، الشاعر يريدها رفيعة كمعانيه، جميلة كصوره، ورشيقة كأوزانه، والقاص يريدها أسطورة لا تنتهي، ولا تفقد قدرتها على إثارة الدهشة الطفولية في عينيه والجذل والخفة في قلبه

بجماليون قرر أن يصنع ضالته، سيدعوها جالاتيا، وسيصنعها من هذا الحجر المرمري، جسدا نورانيا، وسينتهي منها قبل عيد آفروديت المقبل، وفي العيد سيبتهل لربة الحب أن تبث فيها الروح فتصير معشوقته امرأة تسعى، وعندها سيتزوجها، ولن يعاني وحدته في أعياد الحب ثانية، ولن يظمأ للحب وفي بيته جالاتيا الساحرة، حبيبة من صنع يديه المبدعتين .. كان يتعجل البدأ في العمل لكن يومه كان مرهقا، لذلك قرر أن ينام ملء جفونه، وفي الصباح يبدأ العمل، وقريبا يلتقي وجهه بوجهها الحبيب، تلك التي سكنت خياله عاما بعد عام، حتى أنه كان يخالها حبيسة بداخل الحجر تناديه ليخرجها، فجالاتيا ليست خيالا، لكنها حقيقة ضلت طريقها، وتحتاج وجدانه كي تجد طريقها ثانية من عالم الظلال لعالم الحقيقة والنور، كانت هذه الأفكار تدور بخلد الفنان والنوم يغشى جفونه

رأى نفسه فيما يرى النائم معها في حديقة غناء، مع جالاتيا التي سكنت أبعد جزر الخيال منذ صباه، لكنها كانت مقطبة الحاجبين ومزمومة الشفتين، كاد يرجوها ألا تفسد ملامحها العزيزة عليه بذلك العبوس القبيح، حين سمعها تقول: ولماذا يتعين علي أن أكون دائما مطابقة لخيالك السقيم؟ أريد أن أكون كما أنا لا كما تريدني
  • خيالي السقيم؟ ولكنك من صنع هذا الخيال
  • كف عن ترديد تلك الأسطورة، لم يخلقني أحد غير الآلهة خلف أوليمب
وأظلم المشهد ثم أضاء ثانية فإذا بهما في غرفته وقد جلس على حافة الفراش واجلس جالاتيا على ركبتيه ليمشط شعرها ويقبل أطرافه بحنان، قطع المشهد صوتها وهي تقول: ألا تمل من هذا أبدا؟ لست دميتك ولم أخلق لآخذ رأسك المكدود في صدري كل مساء حين تحتاج لبعض الحنان، ولا لتمشط شعري كأني فتاة بلهاء حين تلح عليك أبوتك المحرومة
  • ولكن من يكره الحب والحنان؟
قامت من فوق ركبتيه وواجهته واضعة كفيها في جنبيها وهي تقول: وهل تستطيع أنت أن تعيش الحب والحنان طوال اليوم؟ بجماليون العظيم يجب أن يعمل طوال اليوم ليحتفظ بمكانته، حتى يظل الجميع في آثينا مأخوذين بعبقريته الخلاقة ويدبجون له المديح، بجماليون النحات العبقري .. بجماليون الفيلسوف الملهم .. بجماليون الكيميائي الماهر .. بجماليون كل شيء، أما أنا فدمية مخزنة هنا لاحتياجاته العاطفية
  • ومن منعك من الخروج؟ من أن تفعلي كل ما شئت؟ من أن تكون جالاتيا أعظم من بجماليون؟
  • وما الفائدة؟ سأظل دوما منسوبة إليك، جالاتيا بجماليون .. أكره هذا الاسم حتى الموت
  • ولكنك تحبين اسم ناركيس؟ الفتى الأبله الذي يداعب أمومتك باحتياجه الدائم لمن يرعاه ومن ينصحه ومن يوجهه، أليس كذلك؟ اذهبي إليه لو شئت، لكن هذا لن يسقط عنك الاسم الذي تكرهين، جالاتيا بجماليون .. لأنك بعض من خيال بجماليون يسعى على الأرض
  • قلت لك ألف مرة لا تقل لي هذا ولا تردد أسطورتك تلك أمامي
في الصباح بدأ بجماليون العمل في كتلة الحجر الخام، وأخذ يصنع منها تمثالا ضخما لطائر العنقاء الأسطوري يقف على جزع شجرة مقطوعة قاتحا جناحيه، لم يكن ينوي بيعه، فقد عزم على الاحتفاظ به ليذكره بحلمه وبأن فكرة صناعة امرأة فكرة في غاية الحمق، حتى لو كانت امرأة صنعها بيديه وبثت فيها ربة العشق روحها، أبدا لن تثق المرأة المصنوعة في ذاتها بما يكفي لتشعر بنفسها أما للمبدع العبقري، فالأمر يحتاج إلى عبقرية بذاته، والعبقرية لا تصنع ولا تمنح من آفروديت

حبيب الملايين يا لولو


أقزام استخفهم سيدهم فطبلوا له ورقصوا، وكونوا حملة لترشيحه ثم تجاسروا فأطلقوا عليها اسم "حملة يا جمال يا حبيب الملايين"، يحسبون أن لقب "حبيب الملايين" الذي منحته الشعوب العربية لخالد الذكر الزعيم "جمال عبد الناصر" مجرد لقب إعلامي كألقاب اللاحقين عليه، تلك التي صاغها وأطلقها عليهم محاسيبهم وصحفجيتهم، فسموا الأول "الرئيس المؤمن"، كأن الطبيعي أن يكون الرئيس من الكفار، واختزلوا للثاني نصر أكتوبر في الضربة الجوية وقالوا عنه صاحبها، لهذا صار لزاما علينا أن نوضح للزعيم الشاب "لولو" بعض الأمور فيما يخص لقب "حبيب الملايين" وصاحبه رحمه الله.

حبيب الملايين يا لولو هو من هتفت باسمه الملايين في مختلف الأقطار العربية في عام 1956م، وهو من استقبلته الملايين وحملت سيارته في دمشق عام 1958م، ثم استقبلته الملايين في السودان مواسية آخيل في محنته ومخففة آلام الكعب الجريح في عز انكساره عام 1967م، وحملت الملايين سيارته المكشوفة فوق الرقاب للمرة الثانية، ولو كان العندليب غنى في عام 1963م من كلمات "إسماعيل الحبروك" وألحان "محمد عبد الوهاب" رائعته "يا جمال يا حبيب الملايين" للزعيم حيا، فقد أعادت الجماهير صياغتها يوم وفاته تلقائيا، وغنتها في غناء يشبه العويل والأنين: الوداع يا جمال يا حبيب الملايين .. ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين .. انت عايش فى قلوبنا يا جمال الملايين .. انت ثورة انت جمرة لاجل كل الشقيانين .. انت عايش في قلوبنا .. يا فقير يا ابن الفقير، واخد بالك يا لولو من يا فقير يا ابن الفقير دي؟

الرئيس وحبيب الملايين
لكل منا أكثر من شخصية اعتبارية، فشخصيتي الاعتبارية في عملي المهني تختلف عن شخصيتي الاعتبارية ككاتب وكلتاهما تختلفان عن شخصيتي الاعتبارية كأب، وعن شخصيتي الاعتبارية كرجل، هذه حقيقة نعبر عنها يوميا ولو لم نعرفها بهذه الصيغة المحددة، فنقول أننا نقدر فلان ككذا ولكننا لا نقبله كذا، ونحب هذا في كذا ولا نحبه في كذا، ومثل الجميع كانت للزعيم الراحل أكثر من شخصية اعتبارية، يهمنا منها شخصيتان، الأولى خلافية وهي شخصية الرئيس الذي حكم مصر ستة عشر عاما، في إطار زمني وظروف عالمية وإقليمية محددة، فكانت له إنجازات كثيرة وانكسارات كبيرة، أما الثانية فشخصية الزعيم والقائد المصري والعربي الأكبر في التاريخ المعاصر، والذي أرسى مباديء استقلال الإرادة الوطنية، والاقتصاد الاشتراكي كثيف الإنتاج، والتكتل العربي (حرية واشتراكية ووحدة) والتي يقوم عليها الفكر الناصري منهجيا، وهي شخصية لا يكاد يقوم عليها خلاف ولا ينكر فضلها منصف، وقد عبرت عنها شخصية "محسن ممتاز" في مسلسل رأفت الهجان حين عرف البطل أن زوج أخته صار بكباشي في الجيش المصري، فعلق ضاحكا "يعني ينفع يبقى رئيس جمهورية" ليجيبه "ممتاز" بقوله الرائع: ينفع يبقى رئيس جمهورية .. لكن ماينفعش يبقى جمال عبد الناصر. وهذه الشخصية – لا شخصية الرئيس- يا سيد لولو هي التي منحتها الجماهير اللقب الذي اغتصبه لك بهاليلك ومريدوك، فهي شخصية بعيدة عنك ما حييت، وحتى لو صرت رئيسا لا قدر الله