30.5.08

بيت العنكبوت

الطلاق في مصر، لماذا؟

كثر الحديث بشأن الطلاق، و البعض يراه ظاهرة جديدة، و انا أراه مجرد تفعيل لحقيقة قديمة، في أجيال مضت، كانت هناك حالات فشل زوجي لا تقل عما لدينا اليوم، و لكن كانت الحياة تستمر شكلا بعد "السكتة الزوجية" ، و ربما لنهاية العمر، قدرة على التضحية ربما، استكانة ربما، قدرية في أغلب الأحوال، أو حرص نبيل على مصلحة الأبناء لابد من تقديره و احترامه في بعض الحالات، و لأننا كثيراً ما نتحدث عن مشاكل الطلاق، و المعاناة الزوجية ، فنقتصر على ما يخص المرأة دون الرجل، على إعتبارأنها هي الخاسر الأكبر في عملية الطلاق في مجتمعاتنا و وفقاً لموروثاتنا، فأنا هنا أحب إكمالاً للصورة الوافية التي يحسن أن نتصورها عن الوضع الراهن بمجتمعنا المصري، أن ألقي الضوء على الجانب الآخر من المعادلة السالبة .. و هو المطلق، فليس الطلاق جريمة يرتكبها الزوج بحق الزوجة دائماً، و لكن الطلاق هو فشل لزوج و زوجة في خلق المودة و الرحمة، لأسباب تخص الزوج حينا ، و الزوجة حينا، و تخص كليهما في اغلب الاحيان. و هنا أود أن أعرض نظرة واسعة على الخلل الذي أصاب علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعنا بصفة عامة، ليعاني الجميع، مطلقين و مطلقات، نظرة سأجتهد كي لا تكون ذكورية برغم أنها نظرة رجل ، و نبدأ بالحديث عن أسباب الانهيارات الزوجية سواء ترجمت إلى طلاق أم لم تترجم ، تتعقد أسباب الفشل في إقامة علاقة ناجحة بين زوجين و تتجذر لتصل إلى أساليب نشأتنا الأولى أحيانا، و لكل حالة خصوصيتها، و من المستحيل لأي فرد خارج طرفي العلاقة الزوجية أن يحكم من المخطيء و من المصيب، مهما كانت الظواهر واضحة، فالعلاقة الشديدة الحميمية ، هي بطبيعتها شديدة التعقيد أيضاً، و لا يجوز لنا أن نحكم على حالة بعينها، و لكن يمكننا رصد الأسباب العامة، و هنا نسرد أهمها برأينا

السبب الأول: لماذا نضع العربة أمام الحصان؟
الأصل في الزواج أنه وسيلة مشروعة لإرتباط رجل و إمرأة يميل كلاهما للآخر ميلا يظنان معه أن بإمكانهما إقامة حياة أسرية سعيدة … إذن فهو وسيلة للإرتباط، و الإنسان هو الغاية، و بنظرة إلى أحوالنا نجد أننا كعادتنا نضع العربة أمام الحصان، و نقلب الزواج إلى غاية في ذاته، بل و غاية الغايات أحياناً و خاصةً للمرأة ، فأما الزوج أو الزوجة فهو وسيلة للوصول إلى الوضع "متزوج / متزوجة"، و لهذا الخلط في منطق الهدف و الوسيلة تداعيات خطيرة على الفشل في ذلك الزواج المزمع، حيث يمر المقبل على الزواج شابا كان أو فتاة بتجربة "تجريع" يزين له فيها المحيطين به الشريك المناسب، و عادة ما يكون شريكاً مناسباً من الناحية النظرية البحتة، بمعنى التوافق في المستوى المادي و الاجتماعي و مستوى المؤهل .... الخ، و نسمي هذه الرؤية النظرية لما هو مناسب أو غير مناسب بأنها "رؤية عقلانية" و هو وصف ظالم للعقل، فالعقل الإنساني تجريبي بطبيعته، و الثوابت النظرية مستحدثة عليه ، و نحن بهذا التجريع الإجتماعي، الذي تتزوج فيه أسرتان و ليس رجل و امرأة، لا نعطي أدنى إعتبار للتوافق الشخصي بين العروسين، و بكثرة الإلحاح، و نتيجة لتأثره البشري بالايحاء، يتوهم الفتى أو الفتاة أنه متقبل لهذه العروس أو هذا العريس، و لا تكتشف الحقيقة، الا عندما تصهر الحرارة الناتجة عن الاحتكاك في التعامل الزوجي اليومي هذا الوهم الذي صنعته تجربة التجريع أو التبليع لو جازت التسمية، فتحدث الخلافات و تتعاظم مع الوقت، لأننا حولنا الزواج لهدف اجتماعي، و ليس اطار اجتماعي لاثنين يحبان أن يمضيا العمر معا كما يجب أن يكون
السبب الثاني: فترة اختبار أم فترة إعداد و تجهيز؟
بينما الأصل في فترة الخطبة أن تكون فترة إختبار للتوافق بين العروسين، و إعداد تدريجي لهما للتعايش و التواصل، إلا أننا قلبناها إلى فترة إعداد و تجهيز، لا يفيق منها العروسين إلا بعد إنتهاء شهر العسل، ينشغل فيها كل طرف منهما بإلتزاماته، فينغمس العريس في تجهيز الشقة أو الأثاث ...الخ ، و تلتهي العروس في إعداد ثوب الزفاف ، و "ستايل" الفرح، و بطاقات الدعوة ... الخ، و آخر شيء ننشغل به هو الإجابة عن سؤال التوافق، هل هما متوافقان ؟ هل هناك مشاعر عميقة من الممكن أن تتكون بينهما ؟ هل درجة إنسجامهما تكفي لإستمرار الحياة في حالة تجانس و ليس فس حالة تنافر؟ أسئلة عديدة يهملها الطرفين، و إذا بدت بادرة من أحدهم فأقلقت الطرف الآخر، يأتي دور الأهل في إعطاء جرعة إضافية من "التبليع"، بأنها "مشكلة بسيطة" و "بكرة لما يعاشرك هايفهمك و تفهميه" و "كل حاجة بعد الجواز بتتغير"، و ذلك طبيعي، لأننا بمجرد الخطبة إعتبرنا الزواج خطوة تالية حتمية للخطبة، فلا نرى خطيبين إلا و نبادر سائلين إياهم " إمتى هانفرح بيكم ؟ " لأننا أصلا سلمنا لا شعوريا باتمام التجربة و استغرقتنا تفاصيل الاتمام. و بهذا نكون قد أفرغنا الخطوبة من معناها لأننا ألغينا الجانب التجريبي فيها، فبرغم كون هذا التجريب قاصر لأنه لن يعتمد على عشرة كاملة، إلا أنه أفضل من اللا-شيء، و لكننا نصر على اهداره

السبب الثالث: خلل العلاقة المادية و الذمة المالية للزوجين

المنطق السليم و العادل يجيز شكلين لا ثالث لهما في العلاقة المادية بين الزوجين، أحدهما هو النمط الإسلامي و نراه منطقيا و عادلا في ظل منظومته الكاملة، و فيه يتحمل الرجل مسؤولية الأسرة ماديا بالكامل، بما فيها النفقات الشخصية لزوجته، و القادر من واجبه أن يوفر للزوجة من يقوم عنها بأعمال المنزل الشاقة، و غير القادر عليه أن يعاونها بنفسه، فإذا كان الزوج معسرا و ساعدته زوجته فذاك دين عليه يرده كأي دين خارجي ، و إن عجز عن الكسب ، كان أي دعم لا يرده لزوجته بمثابة صدقة عليه و على أولادها شرعا، و هذا الفصل كان ضروريا في الإسلام في ظل قابلية التعدد ، فليس من العدل أن يتزوج الرجل بالجديدة من مال بعضه جاء من كد زوجته الأولى، و كذلك في ظل قابلية الطلاق من طرف الرجل، و الخلع من طرف المرأة، فليس من العدل أن يتزوج أحدهما الآخر ليبتز ماله ثم يستغل رخصة الطلاق او الخلع ليتخلص منه، و مقابل هذا كله يرث الرجل الضعف شرعا، و النمط المنطقي الآخر و هو عادل أيضا، و فيه تكون المسؤوليات المادية مشتركة بين الزوجين، فتشترك المرأة في مسؤولية دعم الاسرة ماديا، و تعتبر أي ثروات تتكون خلال فترة الزواج ملكا للأسرة، فلو حدث طلاق تقاسمها الزوجان مناصفة

لكننا الآن كثيرا ما نأخذ من النظام الأوروبي بعضه و نترك بعضا، و نأخذ من نظامنا الإسلامي بعضه و نترك بعضا، فنرث الضعف، و نقول بتعدد الزوجات، و بحق الطلاق وفقا للنفقة لا غير، ثم نطلب من الزوجة أن تساهم في تمويل الأسرة؟ ده ايه الاستنطاع الرسمي ده؟ و ليس هذا و حسب، لكن عليها القيام بمسؤليات البيت و رعاية الأطفال كاملة دون توفير من يعينها و دون أن يعينها الزوج، و في بعض الطبقات، الزوج يصبح عاطلا أغلب الوقت، و الزوجة تنفق على البيت و عليه، و تشتري له الكيف كذلك؟ هل هذا نظام نتوقع معه حياة طبيعية؟ لا سعادة الا مع العدل يا سادة


السبب الرابع: قصور النضج و عدم قبول الآخر

كلما زاد نضج الزوجين ( و لا علاقة للنضج الفعلي بالسن) زادت قدرتهما على قبول الاخر و بالتالي لا تولد الفروق الفردية بينهما احتكاكا شديدا يفقد العلاقة المودة و الرحمة، و حتى لو تولد الإحتكاك أحياناً، يحتفظ به الزوجان الناضجان سراً بينهما حتى يخمدان لهيبه بالحوار أو بعنصر الوقت، أما غير الناضجين، فسرعان ما تشتعل بينهما ناراً لا يطيقون إطفاءها، و السبب هو رفض الآخر و عدم القدرة على قبوله المصاحب للشخصية الضامرة، و هذا الرفض للآخر ليس قاصراً على الزوجين، و لكنه ممتد للأهل في الطرفين، فما أن تبلغ الأهل أخبار خلاف حاد بعد الزواج، إلا و يمدون النار بمزيد من الزيت لتتوهج، و هو موقف لعمري غريب !! خاصة لو قارناه بموقف نفس الأهل الذين كانوا يمارسون عملية التبليع قبل الزواج، فكأن دوافعهم قبل الزواج لهذا التبليع هي دوافع لا شعورية تتجه نحو التخلص من موضوع إتمام الزواج بأقصى سرعة و كأنه هم ثقيل، فإذا تم الزواج، إتخذ معسكري الأهل في الطرفين وضع القتال، و الذي تفري شظاياه أول ما تفري أبناءهم و أحفادهم على خط النار. و لست أرى لهذه التناقضات تفسيرا غير الشخصيات الغير ناضجة، و التي تندفع إندفاعات عاطفية غير مبررة من النقيض إلى النقيض، أما هذا النقص في نضجنا جميعاً رجالاً و نساءً، فله أسباب إجتماعية و سياسية و ثقافية يضيق بها المجال هنا ، لكن أولها و لا ريب أننا لا نحيا بعقولنا، جميع أعضاء جسمنا تعمل بكفاءة و تقودنا أحيانا، ما عدا القائد المنوط بالمهمة، العقل

السبب الخامس: نقص الإشباع العاطفي و الجنسي
الإشباع العاطفي و الجنسي هما بالضرورة من أهم دوافع الرجل و المرأة للزواج، و على هذا يكون تهيأ كل منهما لإقامة علاقة عاطفية و جسدية مع شريك حياته، عنصراً محورياً لنجاح تجربة الزواج عن طريق تحقيق أحد أهم أهدافها، فلو عددنا نقاط الخلل في الصحة الجنسية و السلوك العاطفي في مجتمعنا، لوجدناها عديدة، و بحكم التخصص سأسهب هنا قليلا
فن الحب: أي انسان قادر على أن يحب، و لكن ليس كل انسان قادر على التعبير و التفاعل في حالة حب خلاقة ، الكلمات الرقراقة، اللفتات الرقيقة، ضمة حنان ، تربيت على كتف، نظرة تواصل، مفاجأة غير متوقعة، فسحة، أي شيء و كل شيء، المرأة تحتاج من الرجل الاحتواء و الابهار، و الرجل يحتاج من المرأة الحنان و الدهشة ، بس مش بمصيبة علشان مافيش واحدة تولع في البيت لجوزها، و نحن من أقل خلق الله قدرة على الاستمتاع باللحظة و التعبير عن العاطفة، رغم ان الشعوب المحيطة بنا من لبنان لسوريا للسودان أفضل حالا في هذا، لربما كنا الأكثر تأثرا بالطبيعة البدوية الجافة نتيجة الهجرات المتصلة عبر التاريخ من جزيرة العرب للوادي الخصيب قبل الاسلام بقرون؟ مجرد احتمال ضعيف
الختان النفسي للبنات: قد تجد أبا ينهر طفلته ذات الخمس أو الست سنوات لو ظهرت ساقيها عفواً أثناء اللعب! فما أن تبلغ سن العاشرة حتى تهبط عليها قائمة المحظورات، ممنوع اللعب مع الأولاد، ممنوع لبس مايوه، ممنوع … ممنوع، و هذه القائمة تهبط عليها وحدها ، بينما أخوها الذكر لا تتغير حياته و لا تهبط عليه المحظورات، و قد تسمع لخطيب المسجد المجاور لمنزلها يوم الجمعة واصفا المرأة بأنها كلها عورة و صوتها عورة و تقبل كشيطان و تدبر كشيطان، و هي و الحمار و الكلب يقطعون الصلاة، و تسمع حديث النسوة العجائز عن خلف البنات ..... الخ، بهذا الخلل التربوي نجري لبناتنا عمليات "الختان النفسي" إذا جاز التعبير و إن لم نختنهن مادياً. و هو ختان شديد و آثاره لا تقل عمقا عن الختان المادي بل قد تزيد. و عاماً بعد عام، تشب الفتاة ليتأصل في نفسها تدريجيا أننا مجتمع يجرم كل أشكال و تعبيرات الأنوثة ، ما عدا الأمومة، فيتحول رصيد العطاء الأنثوي بداخلها كاملا إلى شكل الأمومة المقبول إجتماعيا، فلا تتعجب لو سمعت زوجة تحدثك قائلة أنها حققت هدفها من الزواج يوم أنجبت قرة عينها، فهي بعد ذلك لا تبالي بذكر النحل الذي إنتهت مهمته و هو زوجها الفاضل ، سمعت قريبا عن أم تنصح ابنتها بالزواج من أي عريس "علشان تلحقي تجيبي عيل، و انشالله تطلقي بعدها مش مهم" أهكذا نعلم بناتنا يا سادة؟
ثقافة الفاعل و المفعول به: في لغتنا العربية يا سادة ، نستخدم وحدنا صيغتين للتعبير عن اللقاء الجنسي، صيغة الفاعل للرجل ، و صيغة المفعول به للمرأة !!! بينما في اللغات اللاتينية و الأنجلو-جرمانية ، يكون الحديث بصيغة الفاعلين، و المفارقة هنا ليست مفارقة لغة فقط و لكنه نمط حياة، نمط يرى في إيجابية المرأة في الفعل العاطفي نحو زوجها عيباً لا يليق، و يرى في التعامل مع المرأة كدمية في الفراش أمراً طبيعياً، فهي مفعول به، و من نافلة القول أنه نمط فاشل ، و مجافي للفطرة الانسانية السليمة، و هذا بسبب تربيتنا، نحن الرجال يا سيدي نحطم المرأة في صورة إبنة لنعاني منها في صورة زوجة. فلا نلومن إلا أنفسنا، البنت التي تخجل من "عار" أنوثتها لابد أن تكون "مفعولا به" في العلاقة الزوجية
تأخر سن الزواج: النشاط الجنسي للفتيان / الفتيات من سن البلوغ و حتى سن الزواج يقتصر في أغلب الأحوال بالنسبة للشباب و الفتيات على ممارسة العادة السرية، و هي سلوك جنسي فردي بينما الأصل في الجنس أنه سلوك ثنائي تفاعلي، و طول الفترة ما قبل الزواج تؤصل السلوك الفردي عند الفتى و الفتاة مما يؤدي للفشل في التفاعل الثنائي بعد الزواج، كما تمتد تجارب بعض الشباب من الممارسة الفردية إلى الممارسة مع المحترفات، و هي في أغلبها ممارسات غير طبيعية و تشوبها المبالغات و الإفتعال، فيتشكل وعي الشاب بالجنس على هذه العلاقة الشاذة مع المحترفة، فلا يجد بعد الزواج ما يرضي نزواته الغير سوية التي إعتادها.
الجهل الجنسي: على صعيد السادة الرجال، يشب الفتى و يبلغ مبلغ الرجال ليتعلم الجنس من الأصدقاء الأكثر جهلا، و ليسمع المبالغات و المهاترات عن هذا التابو المحرم من أصدقائه، و كثيراً ما يبالغ الأقران في وصف قدراتهم الذكرية و مواهبهم الفحولية، و يسمع كل منهم الآخرين فيعتقد أنهم صادقين و أنه وحده من يبالغ، فيترسخ بنفسه أنه أقل من أقرانه، و تترسخ بنفسه عقدة الخوف من الفشل في مجتمع يقرن الرجولة بالفحولة، و إنما يحجم الكثيرون عن الزواج من غير البكر لا لشيء إلا للخوف اللاشعوري من المقارنة وفقاً لدراسة نفسية حديثة، و البنات لسن أحسن حالا، وشوشة الودان، التي تغيرت الان لكلام ع المكشوف، لكن مازال ينضح جهلا، لان جاهلا يعلم جاهل، فالنتيجة جهل أس اتنين، و ذلك فضلا عن أفلام البورنو التي تعلم الشباب ممارسة الجنس بشكل مضلل، فهي أفلام معدة للفرجة، و ليس لاشباع الممثلين، فتلتزم بما يتيح اثارة المشاهد و ليس الابطال
السبب السادس: الهاجس الإجتماعي للزواج
يضع مجتمعنا الزواج و الأمومة بالنسبة للمرأة ليس كأولوية فقط ، و لكن كقدر و معيار أحادي للنجاح، فمنذ نعومة أظفار الطفلة نسألها " تتجوزي مين من ولاد خالك و لا عمك؟" بينما نسأل أخوها الذكر " تحب تطلع إيه لما تكبر" و كأن المستقبل الوحيد للأنثى أن تكون زوجة، و ستجد المجتمعات النسائية تمصمص الشفاه حسرة على أستاذة جامعية نابهة لو أنها لم تتزوج، و كأن نبوغها العلمي لا شيء لأنها لم تفز بابن الحلال، كل هذا يشكل عناصر تقنين و قولبة لشخصية المرأة تجعل الزواج هاجسا مستديما لها منذ الطفولة و تؤثر عليها سلبا في أمور كثيرة، شعورها أنها كائن ناقص في ذاته، يجب عليه ليكتمل أن يرتبط برجل، فتتكون في أعماقها بذرة شعور بالنقص تجاه الرجل، ممزوجة حتماً بشيء من الكراهية و الرغبة في التمرد المكبوت و المجرم، ثم تصبح الفتاة فريسة للقلق الذي يصل أحيانا إلى حد القلق المرضي، لشعورها أن مصيرها مرهون بمن يتقدم لها من الخاطبين، و هو قلق عنيف، أن تشعر أن مصيرك مربوط بإرادة الغير، و يعبر هذا القلق عن نفسه بظواهر سلوكية، مثل التطرف في إظهار المفاتن الأنثوية لتحريك إرادة الآخر، أو التطرف الديني لتحريك إرادة الآخر لو كان هذا الآخر من المعسكر الذي يعجبه هذا ، كما يعبر القلق عن نفسه بظواهر نفس-جسمية كثيرة مثل الصداع و المغص و نوبات الدوار الغير مبررة طبياً ، و في النهاية، يالله ، أي رجل علشان نلحق، فتلحق العروس بقطار الزواج، ثم تسقط منه، لأنها من الأساس ركبت شعبطة مش بشكل منظم و صحي
السبب السابع: توافق فردين ممكن .. توافق قبيلتين مستحيل
في بداية البشرية ، و حتى بداية التاريخ المكتوب، كان الزواج قرارا فرديا للزوج و الزوجة في العالم كله، و مع تعقد المجتمعات و خروج مفاهيم النسب و الصهر مع ظهور مفاهيم الملكية الشخصية و الوراثة و ما اليها، و ذلك لدور النسب فيها ،هنا .. ظهر الزواج المؤسسي لو جاز التعبير ، أسرة تتزوج أسرة، و من واجب الزوج أن يرضي كل عائلة زوجته ، و العكس صحيح ، و استمر الوضع بهذا الحال قرونا عديدة، حتى فطنت المجتمعات الصناعية المتقدمة لأن جعل الزواج مؤسسيا يزيد من مصاعبه و تحديات الاستمرار، فكم حالة فشلت بسبب الأهل لا الزوج و لا الزوجة؟ فعادت هذه المجتمعات بالزواج تدريجيا لصورته الاولى، رجل يتزوج امرأة، احتفال عائلي، خلاص، لو ارتاح مع اهل زوجته يصادق من شاء منهم، فان لم يكن، مش مهم، مش ضروري، و العكس صحيح، لأن من السهل جدا بالمقارنة ان يتوافق شخصان على ان تتوافق قبيلتان

قد يبدو حديثنا هنا في أمر الزوج بعيدا عن الخط الذي إعتدناه قبلاً، و لكنه لا يقل أهمية، فما مصر إلا العديد من الأزواج و الزوجات و الأبناء و البنات في حلقات متشابكة، و عندما يمس العطب الخلية الأساسية المكونة للمجتمع، يكون على الملتزم بقضايا وطنه أن يدق نواقيس الخطر منبها، و يتحرى الأسباب مفصلاً، ثم يضع التصورات للحلول و البدائل، و لقد دققنا الأجراس و فصلنا الأسباب في حديثنا هذا، و في حديث قادم نتحدث عن الحلول المرئية لتجنب هذه الانهيارات، ثم نلج للبحث في أحوال المطلقين و المطلقات و كيف تتغير نظرة المجتمع للأفضل

29.5.08

الفتنة الإلكترونية

أحمد مهنى و فتنة مختلقة
زوبعة إلكترونية، ختمت بزوبعة حقيقية ، قرأت عنها، وكفاني الله شر حضورها في حفل توقيع العدد الأول من مدونات مصرية للجيب، والسبب بوست تافه اسمه "عفوا سيدتي" كتبه مدون شاب اسمه "أحمد مهنى"، البوست الذي أثار المشكلة حكى حكاية المفروض أنها واقعية وحدثت للسيد "أحمد" هذا، والحكاية منشورة بتفاصيلها هنــــــــــــا كما كتبها، وهنـــــــــا التراجع الذي نشره، مع عدم إنكاره أي مما جاء على لسانه، المهم ، الحكاية باختصار أن المدون يدعي أنه التقى بفتاة مسيحية مغتصبة، وطلبت مساعدته فلم يقبل، حتى لا يمسك يدها، ثم تمنى من الله ألا يكون مغتصبها من المسلمين، ومضى لحال سبيله، هكذا يدعي، ثم أخذ في مقاله المهتريء ينصح السيدات بالقنوت في بيوتهن حتى لا يتعرضن لمثل هذا! حكاية جميلة لغرس بذور فتنة طائفية، المشكلة أن المؤلف الذي وضعها يبدو أن خبرته لم تكن تتعدى التأليف للأطفال، وهو ما يجعلنا نرى رأي العين أن الحكاية أولا مختلقة، ثانياً أن هذا البوست المثير للفتنة هو أمر دبر بليل، أما الأدلة فتفصيلها كما يلي يا أولي الألباب

دلائل الإختلاق وتبييت النية لإثارة الفتنة الطائفية
دعونا نتفق على تجاهل كم الأخطاء الإملائية ، والتهالك اللغوي وضعف الأسلوب، والذي يشبه أساليب طلاب الإعدادي، ويثير شكوكا وريبا ، حول الدافع الذي يغري أية جهة بالنشر لمثل هذا المبتديء؟ والغير مبشر بأي خير، فالهدف هنا هو فضح المؤامرة، وليس نقد المقال ولا الرد عليه، ولا الدفاع عن الدين الإسلامي الذي أهانه هذا الفتى، فالإسلام غني بتراث الشرف والنخوة، وكذلك المسيحية، ولا مجال للتشكيك في دعوة كلا الدينين للنخوة والنجدة والمواقف الايجابية من الحياة الا لمن ملأ قلبه الغرض، واسمحوا لي في تمييز ما كتبه الفتى بلون الفضلات البشرية ، فهذه ليست كتابة في مدونة ، لكنها براز في مرحاض
كيف حددت كل هذا يا أحمد؟
كتب يقول "انهارده انا قابلت بنت مغتصبه ... تقريبا تم اغتصابها امبارح بالليل وهى راجعه من رحلة لشم النسيم .. هى بنت مسيحيه" جميل جداً، طيب لو افترضنا أنها كانت ترتدي صليباً ضخماً في عنقها مثلاً، وكان كبيرا بما يكفي ليقتحم بصره دون أن ينظر هذا الملتزم دينيا لصدر الفتاة مدققا، ومنه عرف أنها مسيحية، من أين له أن يخمن موعد الاغتصاب أنه الليلة السابقة للواقعة؟ ثم الأدهى من ذلك أن الشيخ المكشوف عنه الحجاب، نزل عليه الوحي أن الفتاة كانت في رحلة لقضاء شم النسيم في اليوم السابق، ده ايه ده، أدهم بيه صبري يا ناس؟ ولا القطب الواصل وواحد من أهل الخطوة؟

الموبايل يذيع "آل عمران" تحديداً
في السطر التالي، يزج الفتى بدون أدنى مناسبة منطقية بموضوع الأديان ثانية، فيقول "وانا ماشى ومشغل الموبايل على سورة ال عمران لقيت حد بيشاورلى" لو أن الصدفة شاءت أن يكون الفتي يسمع لأي سورة من القرآن الكريم، لقلنا صدفة، لكن لماذا سورة "آل عمران" تحديدا؟ لأن لها إشارة دينية من شأنها أن تزكي الفتنة، الفتنة التي كتبت بالاتفاق مع من دفعه لاختلاقها؟ أليس كذلك؟ لأن هذه السورة هي التي تناولت تفصيلاً قصة سيدنا عيسى و أمه العذراء عليهما السلام من بين آل عمران، وبها الاعتقاد الإسلامي المغاير للعقيدة المسيحية، أليس كذلك؟
حشر الدين في نذالة البشر ثانية
و في السطر التالي، يقول "طلبت منى ان امسكها واساعدها فى انها تمشى مسافة وتركب فى الحقيقه انا رفضت .. الحت عليا واضح اوى انها بنت ناس بس متبهدله خالص وشها بينزف شفتها وارمه وبتتكلم بصعوبه مدت ايديها اكتر .. الحت عليا طلبت منى اساعدها قولتلها مينفعش امسك ايدك" لا يا شيخ؟ دي حاجة جميلة جداً ، ماينفعش يمسك ايدها علشان حرام ، أعتقد أنه حتى الأطفال يعرفون أن ما يقوله الفتى لا علاقة له من قريب أو من بعيد بالدين، وبما أنه شاب وليس طفلاً، فليس بوسعي أن أصدق لا الواقعة، ولا رد فعله، ولا أنه فعل هذا لسبب ديني، ثم يختم وصفها بقوله انها كانت "تسير متباعدة الساقين"، الله يكسفك يا بعيد على خيالك المريض العاجز بعجز أبدي، خيال طفولي ساذج، لا يصدر إلا ممن لا يفهم التشريح الأنثوي، ومسيطر عليه اعلان المسمار والحائط بتاع الفياجرا

حشر الدين للمرة الثالثة بدون مناسبة
تماما كأفلام السبعينات التي كانت مشاهد الفراش تحشر بها كل ربع ساعة وبدون أدنى مناسبة، يحشر الأفندي الدين لثالث مرة، فيقول "المنظر كان مؤلم للغايه... انا فضلت ادعى ربنا ان اللى اغتصبوها ميكونوش مسلمين" لاحظ هنا عملية الشحن المتعمدة ، وللمرة الثالثة ضد الإسلام، حيث يشير الفتى أن كل ما يهمه ليس الفتاة ولكن أن يكون مغتصبوها ليسوا من المسلمين، وهكذا المزيد والمزيد من النار على مشاعر أي مسيحي يدفعه قدره لقراءة هذا الغثاء

مزيد من الاستفزاز بالتبرير للمجرمين
قال فض الله فاه "اكاد أتخيل المشهد امام عينى ربما كانوا اربع شباب بالتأكيد غير متزوجين ربما يكونوا تقدموا لأكثر من فتاه ولكنهم فوجئوا بتكاليف الزواج والطلبات التى لن يستطيعوا تحقيقها اكاد اراهم ينظروا اليها وهى عائده من احدى رحلات شم النسيم... اكاد اراهم يحاوطونها احدهم مسك زراعيها والاخران كل منهم مسك قدم وبدأوا يجذبوها والرابع بدأ فى تقطيع ملابسها واستباح جسدها" يا سلام على الفيلم العربي الساذج! لأنه مكشوف عنه الحجاب تخيل أنهم أربعة، بس الحمد لله افتكر هنا وكتب "ربما" ثم تخيل طريقة الاغتصاب بالضبط على طراز الأفلام، ويشير عرضاً لأنهم شباب مساكين عجزوا عن الحلال، وأن الضحية السافرة الفاجرة هي التي أثارت غرائزهم فاغتصبوها، بدليل أنهم ولاد حلال ولم يسرقوا شنطتها ولا قرطها ولا ساعة يدها، وكل هذه التفاصيل لاحظها الأفندي وهو يتأمل الفتاة سايحة في دمها، ثم من باب التورية ، وللايحاء التمويهي بأنه ساخط على الدولة، يوجه لوم عام غير محدد لشخصية وهمية اسمها "حكمدار المنطقة" لأنه لم يقم بواجبه؟ حكمدار! انت عايش سنة كام يا ابني؟

عار على الدين يستلهم كلمات صلاح الدين
في مشهد درامي ساذج ، وبعد أن كان البوست المثير للفتنة قد أدى دوره ونشر الفتنة كما هو مطلوب وزيادة، وتم نسخه ومازال منشورا على عشرات المواقع، قام الفتى بمحوه من مدونته ونشر مكانه قولا هو "اكتشفت ان هناك مدونون مسيحيون ومسلمون ، ينتهزون الفرص، يبدلوا الحقائق ليثيروا الفتن، ربما بعضهم كان حسن النيه ولكن خانه التفكير، ربما اكون انا اخطأت من البدايه، اسف، لكنى لا اريد اثارة فتنه بسببى، الموضوع منتهى ومغلق للصالح العام، حتى لو سيهاجمنى الجميع فكل ما يهمنى الان الا تثار فتنه بسببى، فهل هناك اكثر من الاسف يمكن تقديمه ؟ ولا يزالوا لا يردوا على سؤالى ، هل هناك اكثر من الاسف؟ لكنهم يفرحون بأقامة المآتم، ويحبون اشعال الحرائق كعادتهم، ولكنكم تحرقون أغصان الزيتون" يا سلام، يكاد المريب يقول خذوني ، فيذكر الفتنة أولا ليوحي بها لمن لم يأخذ الموضوع كموضوع طائفي، ثم يعتذر في تورية مراوغة تذكرني بمراوغة كبير الخوارج الراحل في موضوع الجزية الشبيه بهذا ، ثم يعرض بالمسيحيين ثانية في جملته الأخيرة، ويستعير كلمات الناصر "صلاح الدين" ناسياً أنه لا يتحدث عن الصليبيين هنا، وأن الفيلم الذي استعار كلمة منه كان مخرجه مسيحيا ، في زمن جميل لا يعرف عنه شيئا، كان شعار الوطنيون فيه "مصريون قبل الأديان، مصريون بعد الأديان، مصريون إلى آخر الزمان" رحم الله الزمن الجميل

المؤامرة الإلكترونية ... نفس اللعبة القديمة
كتب الكثيرون في الموضوع ، وفطن العديد منهم لما في القصة من تهالك يدل على بطلانها، والبعض كتب باحترام ، والآخرون دبجوا السباب أرطالاً، وتطور الموضوع بكل أسف لسب الدينين الذين يكونان معا نسيج هذا الوطن المبتلى بنا، أدعياء المسيحية لم يكتفوا بسب كاتب المقال فالتمسوا له العذر لأنه مسلم ومش غلطته، وكالوا التطاول على الإسلام، وتحمس أدعياء الإسلام وتطاولوا على المسيحية، ولم يخل الأمر من بعض العاقلين ممن ضاعت أصواتهم وصت الغثاء والصراخ، لكن أحدا لم يطرح سيناريو أراه محتملا بدرجة كبيرة، سيناريو فرضه على عقلي السؤال التقليدي جداً في كل جريمة، من هو صاحب المصلحة؟ شاب يبدو أنه محسوب على التيار الذي يدعي الإنتساب للإسلام، يكتب مقال واضح فيه جدا نية الاستفزاز وتحويل الموضوع لفتنة طائفية، فلماذا؟ ولماذا الآن؟

المؤامرة الإنجليزية
العاقل من يقرأ التاريخ ليفطن للحاضر والمستقبل ، هي لعبة قديمة كان أول من لعب بها وابتكرها الانجليز ، فنحن شعب شديد التدين بشقيه المسلم و المسيحي، و قليل الوعي بكل أسف في فئاته التي تشكل ثقلا عدديا، و هذه تركيبة مثالية للفتنة، تدين +جهل = تعصب و فتنة تنتظر من يشعلها، فلما زاد المد الوطني بوجود الوفد المصري في باريس، بث الانجليز بذور فتنة واستجاب الغوغاء، لكن الأزهر والكنيسة قاما بدورهما الوطني، ثم كلف الانجليز "يوسف باشا وهبة" بتشكيل وزارة والتفاوض مع لجنة "ملنر" التي قاطعها "سعد زغلول" والوفد المصري، وكان الهدف المخطط له من تعيين "وهبة" باشا كما كشفت وثائق المخابرات البريطانية بعد ذلك، أن يقتله أحد الشباب الفدائيين وقتها، وغالبا سيكون مسلما، عندها تشتعل الفتنة، لكن شابا مصريا مسيحيا بمفرده فطن إلى اللعبة القذرة، هو طالب الطب "عريان سعد" الذي خشي أن يسبقه فدائي مسلم لقتل رئيس الوزراء المتعاون مع المستعمر، فقام بها هو، فباء سعي الانجليز بالفشل ، لنذكر ... كان الهدف هو التفريق بين أبناء الوطن لفض حالة الزخم الوطني

المؤامرة الساداتية
من الانجليز تعلم السادات اللعبة، وحين كانت مصر تموج بحالة الرفض له ولنظامه ولتوجهاته الاقتصادية والسياسية، وحتى يجد الذريعة لقهر هذا الزخم الوطني بعصا بوليسية غليظة، رتب وزير داخليته آنذاك مع الجماعات المتأسلمة، تلك التي أخرجها من السجون ومولها وسلحها للقضاء على الاتجاهات الوطنية اليسارية، عملية قذرة من عمليات الفتنة الطائفية في يونيو 1981، وكان التواطؤ الحكومي بينا جليا، حيث تأخر تدخل الداخلية لمدة خمسة أيام قتل فيها القمص "مكسيموس جرجس" ذبحاً، وأحرقت بيوت 20 أسرة مسيحية فضلا عن حالات عديدة من الاصابات ونهب محلات وصيدليات، وبعدها، بدأ السادات تحت مسمى الوحدة الوطنية والحفاظ عليها في اعتقال كل الناشطين المصريين فيما عرف بأحداث سبتمبر 1981، والتي سبقت اغتياله على يد عنصر من عناصر الجب الذي فتحه بيده، كان الشكل فتنة أيضا، والهدف تصفية حركة وطنية
المؤامرة الالكترونية
بعد الأمل الذي زرعه "عصفور النار" الجميل، فتاة مصر الأجمل والأكمل "إسراء عبد الفتاح" ، تنبهت الحكومة ووزارة الداخلية لوجود ثغرة في منظومة القهر، هي الثغرة الالكترونية، ووجود فئة اجتماعية هي فئة طلاب الجامعات من الأسر المستورة وموظفو القطاع الخاص من الشباب ورجال منتصف العمر، هي فئة غير مطحونة اقتصاديا بما يكفي لالهائها عن الشأن العام، ولا ثرية بما يكفي للانعزال عن هموم وأحوال الوطن، فئة أغلبها من المثقفين وأنصاف المثقفين، ممن لم تأكل عقولهم برامج هالة سرحان مع النسوان ولا مشايخ كوكتيلات البول واللبن، ولابد أن الدولة تعاملت مع هذا الموقف لسد هذه الثغرات في منظومة القهر واللهو، ولابد أنه كانت هناك تحركات، ومنها لاحظنا التالي
  • بعد السادس من أبريل مباشرة، ولدت مدونات جديدة على الفيسبوك، كلها تفوح منها رائحة نتنة ، رائحة الدفاع الغير شريف ، والغير مبرر، والغير وطني، عن منظومة الفساد، وحققوا نجاحات ولا ريب، فرأيتهم يقنعون البعض ممن أحترم عقولهم، بان العصيان المدني والاضراب السلمي مواقف همجية ، وأننا غير مؤهلين لهذه الأعمال، فمن الأفضل نحط جزمة في بقنا ونسكت
  • وجهت زيادات الأسعار الأخيرة بشكل أكبر لضرب هذه الفئة الاجتماعية وتصعيب حياتها، تحت مسمى التكافل الاجتماعي، و ناخد من الغني علشان نقدر ندعم الفقير، وهو كلام جميل، لكنهم يأخذون من الغني والفقير والبين بين ولا أحد يدعم، أسعار البنزين والسجائر وقانون الضرائب العقارية تستهدف بشكل أساسي الطبقة الوسطى، وان اضرت بكل الطبقات بالطبع بنسب متفاوتة
  • فيضان من الدعوات لمجموعات ومباديء عجيبة على الفيس بوك، بشكل أكبر بكثير مما كان قبل السادس من أبريل
  • والآن هذه القصة الفارغة التي توجه أقلامنا لصدور بعضنا البعض، بدلا من توجيهها لصدر الفساد في الدولة
ألا تشمون معي رائحة المؤامرة؟ في البداية ولأول وهلة ظننت أنه طالب من طلاب الشهرة بأي ثمن، لكن كلامه أسوأ وأكثر سذاجة من أن يكتب لطلب الشهرة ، فهي شهرة لن تجلب له من أي عاقل غير اللعن والسب، فلماذا؟ لماذا يتعمد أحد المحسوبين على التيار المتأسلم الاساءة للدين بهذه الصورة الفجة؟ لماذا؟

28.5.08

تهافت التهافت-02

الوعظ و الفكر الديني

بعد أن أفضنا في بيان تهافت الإطار المعرفي الذي يقدم به الفضائيون الجدد مضمونهم الفكري، نأتي على بيان تهافت هذا المضمون ذاته، ليس تهافتا فكريا و حسب، بل و تهافت شرعي، مخالف للدين القيم و منهجه المستقيم، و لأن موضوع حبس العلم الديني و قصر الاجتهاد على المحترفين ، كان بدايتنا، نقوم هنا بتفنيده و بيان تهافت دعواه، كمثل واضح على تداعيهم الفكري و المعرفي ، و لأنهم يعلمون ألا دليل شرعي من الكتاب أو السنة النبوية، يدعم دعواهم بقصر الفكر الديني على من يسمونهم المتخصصين و أسميهم المرتزقين، تراهم يتحككون بالدليل العقلي، على غير عادتهم، فيقولون هذا عصر التخصص و التخصص الدقيق، جميل جدا، لدينا عليكم و على منطقكم المعوج الحجج الآتية

ليس فيهم متخصص يتحدث في تخصصه
لا يوجد علم اسمه علم الدين، حتى يتخصص فيه الواحد منهم، و لكن للدين علوما عدة، منها علوم القرآن العديدة، و علوم الحديث العديدة، و الفقه، و علم الكلام، و غيرها، و تحت كل علم من هذه العلوم تقع علوم فرعية، فهل منهم من يقتصر حديثه و فكره و اجتهاده على علم واحد من علوم الدين؟ اللهم لا، تجد الواحد منهم حاصلا على ماجستير أو دكتوراة أو على الأقل بكالوريوس في علم من العلوم الدينية، ثم تجده يبغبغ في كل هذه العلوم، و هذا ليس خطأ، و لكن نحن و هم فيه سواء، ليسوا من المتخصصين و لا نحن، و مهمة المتخصصين لا تقتصر على التفكر و التدبر، و الحوار و المناقشة، فهذا مضمارنا نحن و هم، اما الأكاديميون من أهل العلم الديني فمضمارهم البحث العلمي الجاد و المتكامل الأركان


تيسير الفكر الديني

الفكر الديني، بمعنى التفكر و التدبر بعد المطالعة و البحث، هو علم يسره الحق تبارك و تعالى ، و ذلك كما في قوله تعالى "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ" و هي آية تكررت في سورة القمر أربع مرات، و هذا التكرار للتأكيد، و ليس الذكر بالطبع أن نقرأ القرآن لا يغادر حلوقنا، و ليس الذكر تعديد أسماء الله على قرع الدفوف و هز الرؤوس، بل الذكر أن يقرأ القرآن بتفكر و تدبر، و تقرأ السنة قياسا بتفكر و تدبر، على أن للقرآن خصائصا ليست فيه غير، جعلها الله آليته التي حفظ بها الذكر، و هذه الخصائص هي ما يلي

- وحده القرآن كتب و روجع في حياة صاحب الرسالة
- وحده القرآن مازال مقروءا ليومنا هذا في لغته الأم التي نزل بها، بينما الآرامية و التي نزل بها العهد القديم و كتبت بها الأناجيل لا نجد نسخة منها الآن ، و أقدم نسخ التوراة الموجودة هي ترجمتها للعبرية، و أقدم نسخ الانجيل هي ترجمته لليونانية، و اللغة الأم دوما هي المرجعية، و لو قرأ أحدكم ترجمة معاني القرآن و قارنها بما يفهمه من لغة القرآن لوجد فيها اختلافا كثيرا يؤثر على المعنى تأثيرا جذريا
- نزل القرآن منجما ليكون مواكبا لحياة الناس و متفاعلا معها، و جعل الله فيه النسخ ، ليس لبداء تعالى الله عن هذا، و لكن ليضرب لنا المثل الأعلى في التفاعل مع المتغيرات و مراعاة مقتضى الحال

الفقه هو الإجازة و ليس التحريم
قال "مالك بن أنس" إمام أهل المدينة "الفقيه هو القادر على استنباط الإباحة بدليل شرعي، فالكل قادر على التحريم، و إنما الفقه في استنباط الإباحة" و هكذا كان مالكاً يحاول التيسير على الناس، و الإمام مالك بالمناسبة هو الذي جعل في مذهبه جواز العقد المشروط في الزواج، فتشترط الزوجة على زوجها عند العقد ما تراه ، كألا يتزوج عليها مثلا و لا يتخذ عليها سرية، أو ألا تغادر مدينتها، و ما إلى ذلك مما لا يحل حراماً، و قد هفلط بعض الفضائيين ممن ذكرنا قبلا عندما شرعت الحكومة المصرية العقد المشروط، فلم يعجبهم ذلك، لأنه مضاد لفلسفتهم الذكورية البدوية، و كذلك كان الإمام "محمد عبده" يقول "آتوني بما ينفع الناس ، آتيكم بدليله من الكتاب أو السنة" فجعل الصالح العام هو نبراسه الذي به يستدل على الحلال و الحرام، فالشارع الأعظم لن يشرع للناس شر و لن ينهاهم عن خير



عصر العلم و التخصص يقضي عليهم و ليس لهم
من هو القادر في يومنا هذا على استنباط ما ينفع الناس و ما يضرهم؟ هم علماء العلوم المعاصرة من الطب و الهندسة و الفلك و غيرها، و من القادر على تحديد توجهات المجتمع لماينفعه و لا يضره ؟ هم علماء الاقتصاد و الاجتماع و التاريخ و علوم الإدارة و غيرها، فالعلماء اليوم هم أجدر الناس بالفقه، يتممون به علومهم، حتى يعرفوا طريق الفلاح، ثم ينظروا في الشرع الإلهي ليبرهنوا للناس أن الشرع ان لم يشجع على هذا الخير، فهو لا ينهى عنه ، فهؤلاء العلماء هم من يحتاج الناس لعلومهم اليوم، اما المهطرشين بغير علم من أمثالهم، في أمور طبية كختان الإناث المزعوم، و الذي قاومه الإسلام في إطار عدم الاصطدام بالأعراف القبلية السائدة في حينه، فقال الرسول للخاتنة البدوية "اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج" فقد كانت تختن و أمرها الرسول بالتخفيف، و ليس العكس، فكان توجه الإسلام ضد و ليس مع الختان لو كانوا يفقهون، و اليوم قضي الأمر ، و قال الطب الحديث كلمته ، و هو ما لا يقدرون على وعيه و لا فهمه و لا حتى المطالعة فيه ، بأن ختان الإناث جريمة، فوجب عليهم الصمت عندما يتكلم العلماء الحقيقيون الذين يبحثون فيما ينفع الناس ، و ليس في بطون الكتب الصفراء عما يبلبل العوام لتحقيق الشهرة الرخيصة

العلم الإلهي ميسر، فضلا عن كونه فرض عين على كل مسلم، أما العلم الحديث فهو متشعب و غير ميسر بنفس الدرجة، لذلك كان الأولى بمحترفي العلم الحديث تتميم علومهم بالعلم الديني، يصلوا إلى ما ينفع الناس و لا يضرهم، بينما محترفي الكلام في الفضائيات عجزة قاصرون عن تحصيل علوم الدنيا، و المواءمة بينها و بين علوم الدين بالتبعية، لهذا لا نظن دورهم لو أراد الله بهذه الأمة خيرا، إلا منته عن قريب ، و إلا فستنته هذه الشعوب نفسها و تستقر بغياهب النسيان عما قريب

هل كان السلف يوجبون التخصص؟
اللهم لا، فكما كان الإمام أبو حنيف النعمان تاجرا، ينفع الناس بعلمه على غير احتراف، كان هؤلاء الكبار الرائعون كذلك ، غير متخصصين في الكلام مثل فضائيي اليوم، كانوا موظفين لهم أعمالهم في القضاء و الأوقاف و دار الإفتاء و التدريس و علوم اللغة و غيرها ، و كان دورهم بالنصح للمسلمين دورا تطوعيا لا يطلبون عليه الأجر من غير ربهم ، فبدعة "الصياعة" و تلقيط الرزق بالفضائيات مستحدثة في الزمن العليل هذا، و على الطريقة الأمريكية جدا

و الدليل الأكبر في عدم قول السلف بتخصص و لا برتب كهنوتية في الفتيا على طريقة "عمر عبد الكافي" هذا، أن "عمر بن الخطاب" و هو الخليفة الحاكم يومها، حين وقف على المنبر يحدد للناس منهجا في قيمة الصداق للمرأة عند زواجها، فعارضته إمرأة بشجاعة و جرأة بقولها "ليس ذلك لك يا عمر ؛ إن الله يقول " وآتيتم إحداهن قنطاراً من ذهب " فهل قال لها "و يحك يا امرأة، هو كل واحد هيبقى عمر بن الخطاب و يتكلم في الدين و لا ايه؟" اللهم لا، بل تواضع فاروق الحق للحق، و قال "اللهمَّ غفراً، أصابت امرأة و أخطأ عمر" فمن أنت يا عبد الكافي لتتأبى على ما لم يأباه الفاروق عمر؟

الفتوى فرض عين
كل واحد منهم يرغي و يزبد في شؤون الناس و الحياة، ثم تراه يقول، انا لا أفتي!!! ألا كل من حدث الناس في شؤون الدين بما يؤثر على سلوكهم فقد أفتى، و عموما موضوع الفتوى بمعناها الموجود في المسيحية "الحصول على حل من الأب" ليس موجودا في الإسلام، فلكل مسلم أن يسأل و يستشير، لكنه في النهاية مكلف بالوصول لقراره بنفسه، لأنه وحده سيحاسب عليه، و الأدلة على ذلك لا حصر لها، فمنها قوله تعالى من سورة المدثر "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" و كذلك قوله تعالى في سورة الأنعام "وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" و كذلك قوله في سورة الإسراء "مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ" فضلا عن تكرر نفس المعنى بسورة فاطر و سورة النجم، فلن ينفع أحدنا أن يقول قال فلان أو علان، و هذا ما أكده الحديث الواضح للرسول (ص) حين يقول "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتَوك" و برواية أخرى "يا وابصة استفت قلبك ؛ واستفت نفسك" فكيف يستفتي الرجل قلبه لو لم يكن متفقها في دينه قدر استطاعته؟ لقد أبطل الإسلام كل أشكال الوساطة الإلهية و وظيفة ظل الله في الأرض التي احترفها النصابون في كل زمان و في كل الأديان

27.5.08

تهافت التهافت-01

الوعظ و الفكر الديني
في تعليقها على بوست "لا" وجهت لي الصديقة "ميرو ديبو" عتاب أصدقاء حول تعليقي على الحظر الذي يحاوله وعاظ الفضاء على التفكير الديني و الاجتهاد ليكون قاصرا عليهم، و ضربت لهم مثلاً بالسيد "عمر عبد الكافي" الذي كان يقول في هذا "يعني كل واحد عاوز يبقى عمر عبد الكافي" ، و كان رأي الصديقة كما يلي "مهمة الحفاظ على الأصول الصحيحة للدين الآن صعبة وربما لأنه إختلط الحابل بالنابل أحيانا كثيرة، قد يدفع ذلك بعض الدعاة ممن ذكرتهم إلى إلتزام الجانب المتشدد نوعا ما والتضييق أحيانا على الإضافات الجديدة أو الفهم المختلف، تلك هى ماهية العلم ..إخنلاف الأراء والتناقش للوصول للحقيقة ، ولكن قد يخشى البعض من تلك الألية عندما يتعلق الأمر بالدين فيفضلون أن يقتصر الإسهام فيه على فئة محدودة ، لذا فلنلتمس لهم العذر لأن النية هى الحفاظ على أصول ثابتة للعقيدة" السؤال هو، هل يحافظون على أصول ثابتة للعقيدة أم أصول جارية في أيديهم؟ و قد رأيت أن الرد على التعليق يضيق مقامه باستيفاء حق الموضوع من البيان و التوضيح، لبيان موقفي الثابت من أفنديات الفضائيات هؤلاء، و دوافع هذا الموقف و قواعده ، حتى أوضح للصديقة العزيزة طبيعة ما صنعه الحداد بيني و بينهم
من هم؟
حتى لا أقع في خطأ التعميم، و بما أني أمر فقط من امام التليفزيون مر الكرام، فقد يكون هناك من دعاة الفضائيات و لو رجل رشيد واحد يظهر على الشاشة،و لا أعرفه أنا، فأسيء إليه بالتعميم هنا، لهذا سأحدد هنا من أشير إليهم بوعاظ الفضائيات، ممن يسمون أنفسهم بالدعاة ، و بداية، أؤكد أن قولي هنا لا يندرج أبدا على الكبار من النجوم الزهر من علمائنا الأجلاء، أمثال محمد عبده، محمد رشيد رضا، محمد الغزالي، خالد محمد خالد، محمود شلتوت، مصطفى عبد الرازق، و المراغي و غيرهم من النجوم الزهر، رحمة الله عليهم أجمعين و رحمة الله لنا لأنهم لم يخلفوا بعدهم جيلا يشبههم ، أما من أعني هنا، فهم من أعرف من وعاظ الفضائيات من البكائين أمثال عمرو خالد (مع احترامي لنشاطه الاجتماعي و تحفظي على ربط هذا النشاط بصبغة دينية) ، عمر عبد الكافي، حسين يعقوب، خالد الجندي، محمد حسان، وجدي غنيم ، و عبد المجيد الزنداني، و من كان على منهج أحدهم

ما هي إضافاتهم للفكر الديني؟
عنوان البوست لمن لا يعلم هو عنوان الكتاب الذي رد به قاضي قرطبة، أبو الوليد "محمد بن رشد"، صاحب اليد البيضاء على حضارة البشرية جمعاء، على كتاب المتفيهق الأشعري "أبو حامد الغزالي" الذي سماه "تهافت الفلاسفة" و اسم الكتاب وحده كما نرى يبين التهافت الفكري لصاحبه، فما من عاقل يؤلف كتابا و يسميه "تهافت الحكماء" و لكن من أين لهذا الأشعري علم بان الفلسفة في اليونانية هي الحكمة في العربية؟ و التي قال عنها تعالى " يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ" البقرة:269، فالله تعالى يقصر ذكر الله الحقيقي على الحكماء من عباده، المالكين لزمام عقولهم، و أبو حامد الغزالي يقول بتهافتهم، فصدق الله و كذب المتفيهقون

و أول ما يهون من شأن هذه الطغمة التي عددنا أسماءها عندي، هي تهافتهم الفكري اللا-متناهي ، و ليذكرني من أراد لو كنت ناسياً، ماذا أضافت هذه الطغمة من وعاظ الفضائيات للفكر الديني؟ ما هي أطروحاتهم الجديدة في فهم الدين؟ ما هو تراثهم الفكري الذي سيتركونه حين يهبطون للقبور ، من علم ينتفع به الناس؟ و أقصد هنا بالعلم ما هو علم أصيل و فكر مبتكر، و ليس نقل و قص و لصق الكتيبات و شرائط الكاسيت من كتب التراث ، تلك التي تجاوزها الزمن هي ذاتها، و تحتاج أشد الإحتياج إلى الفرز و التنقيح، لقد أنتجوا أكواما من الشرائط و الاسطوانات و الكتيبات و أوراق الصحف و المجلات، و لعمر الحق لم يقل أحدهم شيئا، أي شيء، و أشهد الله على نفسي ما سمعت من أحدهم قط كلمة واحدة أضافت لما أعرف مثقال ذرة في الدين أو الدنيا

و كيف سيأتي مرتزقة الفضائيات بالجديد؟ و هم لا يملكون مقوماته، فليس لديهم أولاً القدرة النقدية الكافية لمواجهة الإشكاليات الفكرية و الخروج منها باستنباط منطقي، و ليس لديهم الحافز ثانيا، لأن جمهورهم من العوام و أنصاف المثقفين و المتعلمين ، ممن لا يهمهم الفكر الجديد قدر ما يهمهم "حصة التسالي الدينية" تماما كالمسلسل العربي أو كبرنامج "هالة شو" ، كلمتين من السيرة النبوية، و حتتين من الوجد الصوفي، و بيتين شعر ، و اسقاطين على أوضاعنا الحالية، يتخللهم شوية هزار و ضحك، و خلصت الحلقة، و نشوفكم المرة الجاية على خير، و أخيراُ، السادة ليس لديهم الوقت الكافي للبحث و إعمال العقل، فهم حائرون طائرون ما بين مصر و الأردن و الخليج و المغرب ، حسب " الأبيج" ، و حسب معدلات المشاهدة للقنوات
ماذا أضافوا لنا؟
ما هي انجازاتهم؟ ما الذي تغير للأفضل بوجودهم في المجتمع؟ هم مشايخ الزمن العليل، و هم ككل إفرازاته ، في أحسن أحوالهم بلا معنى، بلا هدف، و بلا مبدأ و لا ثوابت، و في أسوأ أحوالهم سم زعاف، و مقدمات لضلال القلوب و العقول و اضمحلال القيم، لصالح قيم النفط التي هجمت ككلب علينا من وراء البحر الأحمر، فلننظر لأحوالنا، فتيات يذهبن لدرس رقصة الصالصا يوم الأحد و درس "عمرو" و لا "خالد" و لا "تامر" يوم الثلاثاء؟ هل هذه صحوة دينية؟ موظف يرتشي و بعد أن يتفق على مبلغ العمولة يقوم ليصلي هو و الراشي و الرائش جماعة؟ هل هذه صحوة دينية؟ مشاهدة السينما زنا بالعين، و الخادمة الفلبينية ملك يمين، يجوز مواقعتها طوعا أو كرها؟ فهل هذه صحوة دينية؟ المرأة كلها على بعضها بصوتها بعيشتها "باللي خلفوها" عورة؟ و المسلم لا يجوز لك خصامه و لو كان به العبر، و المسيحي لا تجوز لك صداقته و لو كان عالما؟ هل هذه صحوة دينية؟ الرسول أجاز للرجل أن يجامل زوجته بمدح حسنها و لو لم يرها جميلة، حرصا على مشاعرها، لذلك يجوز الزواج على الزوجة في السر، و يجوز دفع الضرر الأكبر و هو الوقوع في المعصية بالضرر الأصغر و هو الكذب و الخديعة ، شوف فساد القياس و خراب الذمم، فهل هذه صحوة دينية؟ ارتفاع كبير في مبيعات الحجاب و الخمار و الإسدال و المعصم و النقاب، و ارتفاع أكبر في معدلات الإجهاض و الترقيع و حبوب منع الحمل، فهل هذه صحوة دينية؟ الكل يعرف الثعبان الأقرع و عذاب القبر و يأجوج و مأجوج، و تحاشيش الإعجاز العلمي، و لا أحد يعرف علوم القرآن و علم المتون، و الاستدلال و الاستنباط و القياس، فهل هذه صحوة دينية؟ أقرنا اسم نبينا صلوات الله عليه بالإرهاب و سفك الدماء حينا، و بشرب كوكتيل البول مع اللبن المخفوق حينا، و برضاعة الكبار حينا، ثم تعجبنا حين نظر لنا العالم باحتقار، و قلنا مؤامرة ضدنا، نعم هناك مؤامرة، و لكننا أول الضالعين فيها، و أيادينا فيها سبقت كل الأيادي، فتبت أيادينا ، هل هذه هي الصحوة الدينية التي عنها يتحدثون؟

اللهم لو كانت هذه هي الصحوة الدينية، فاجعلني للنائمين إماما، اللهم لو كانت هذه هي الصحوة الدينية فباعد بيني و بينها بعد المشرق و المغرب ، فما هي إلا الردة ، الردة هي أن يرتد الإنسان من الذي هو خير إلى الذي هو أدنى، و هذا هو ما اقترفه مجتمعنا بداية من حكم "ابن ست البرين" و عهد الشيطان الذي عقده مع الأمريكان و "فيصل بن آل نحوس" في الكونغو، بحضور مرشد عام الإخوان "عمر التلمساني" ، فاكرين لما كان بيقول للسادات "أشكوك لله يا سيادة الرئيس" فياخد سي "أنور" البوز المتين و تغرب عينيه في خشوع و هو يقول "ارفع عني شكواك يا عمر، فانا رجل يخاف الله يا عمر" انها سليمة ... سليمة ...، ما علينا، بهذا الاجتماع الذي دام قرابة الأسبوع، وضعت خطة الردة التي يسمونها صحوة دينية ، و كان الإعلام كما خططوا من ضمن الخطة، و كان عقد الصلات بين مؤسسات التهافت السعودية و العناصر الواعدة من الوعاظ الجدد ، في مصر ذات الزخم البشري مخططا، و هؤلاء هم النتيجة ، علموا بذلك أم لم يعلموا، انهم مطية الأمريكان و أذنابهم لزيادة تسارع التدهور بالمنطقة، لتقع كثمرة نضجت بحجر أمريكا، و هذه هي النتيجة، فكما يقول مظفر النواب
قتلتنا الردة يا مولاي ، قتلتنا الردة
إن الواحد منا ليحمل في الداخل ضده

الظاهرة الصوتية البصرية و فساد الشكل
كل فكر أو ثقافة، دينية كانت أو غير دينية، عندما تقدم للجمهور، تعتمد على شقين، المضمون، و هو المحتوى الفكري لهذه الثقافة، و الشكل الذي من خلاله يقدم هذا المضمون و يصاغ، و حتى نأخذ فاصلا من الكوميديا السوداء، اخترت أن نبدأ بالشكل، لأنه الشكل الذي يقدمون به أفكارهم لعمر الحق يموج بالنوادر و المفارقات التي تطلق الضحكات

مشايخ النيو-لوك
فلننظر لأبسط الأمور، و هو سمت هؤلاء و أزيائهم، ليس لدي أدنى اعتراض على أن يكون الفقيه في الدين مرتديا أي زي يحب، لكن جرت العادة في دعاة الحقيقة، أنهم و لو حرصوا على جمال المظهر و نظافته، لا يحرصون كثيرا على التغيير من حين إلى حين، فهذه صنعة الراقصات ، يغيرن البدلة بين رقصة و رقصة، و صنعة التوافه من الفنانين و الفنانات، و ليس الكبار منهم ، و حرص هؤلاء، و أكثرهم في هذا هو "خالد الجندي" على تنويع الشكل و تغيير الجلد دليل على طبيعتهم كظاهرة إعلامية لا أكثر و لا أقل ، أما العلماء الحقيقيون و الغير-إعلاميين، مثل الغزالي و الشعراوي و محمد عبده، فلو استعدت صورتهم ستجد لكل منهم سمت محدد و شكل اختاره لنفسه ليعبر عن ذاته بأفضل تعبير، اما هؤلاء الجدد ، فلا ذات ثابتة لهم حتى يثبت السمت تبعا لها، و لكنهم يقدمون ما يطلبه المستمعون ، هل يذكر أحدكم صورة لأحد المشايخ الكبار و هو يؤدي فريضة الحج مثلا؟ لقد حجوا جميعا، و لهم جميعا صور، و لكنهم لم يحرصوا على نشرها لأنهم لم يكونوا ظاهرة إعلامية
البكاءون
هل روي عن سيد الخلق أنه بكى جهراً في غير الموقف الجليل الذي فاضت به عيناه و هو يدفن وحيده الذي رزق به في الكبر "إبراهيم"؟ اللهم لا أعلم ببكاء له صلوات الله عليه غير هذا، و لو نظرنا لحديثه لرأيناه يجعل العتق من النار لرجل "ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" فهذا هو الخشوع الحق و التقوى الحقة، و عندما غلبته العبرة و هو يسمع ابن مسعود يقرأ سورة النساء و فيها آية "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا" اغرورقت عيناه، فطلب من ابن مسعود أن يكف عن القراءة و كفكف دمعه، أما حديثهم في التباكي بالقرآن ففيه ضعف من الإسناد و عور من المتن، لأن التباكي تصنع للتقوى الا أن يكون الرجل خالياً في قيام أو غيره

فما بال أصحاب الكهانة اليوم يبكون في كل برنامج و على يدي كل مذيع؟ ترى هذا المذيع "الملزق" مع السيد "عمر عبد الكافي" يقول له "ايه ده... انت بتبكي يا مولانا ... إهيء إهيء" ما تسترجل يا بني؟ و ترى الرقيق الرشيق الأمور "عمرو خالد" يتباكى لمدة ثلاثين يوما في رمضان أمام الكاميرا و العمال و الضيوف، و ليس خالياً، و ترى "حسين يعقوب" يقف على نموذج للكعبة و يبكي و يطلب من المشاهدين أن يتباكوا!! و كأنه لا يعلم أن بداية الوثنية بعد نبي الله إسماعيل كانت نماذجا للكعبة ثم تطورت الي أوثان، فموضوع الكعبة التيك أواي ده رقية وثنية بحد ذاته

المؤثرات المسرحية
هل تذكرون رصانة الشيخ "محمد الغزالي" رحمه الله في حديثه؟ هل تذكرون توازن "خالد محمد خالد" و هدوءه الواثق؟ أين هذه الطغمة المسرحية التي بدأت في سبعينيات النحس بالشيخ "عبد الحميد كشك" من هؤلاء؟ أين الكريشندو و الدي كريشندو، و تحريك الأذرع و السباحة في الهواء، و مط الشفاه و البحلقة بالعيون من هؤلاء الرائعين؟ إنهم مسرحيون يا سادة و ليسوا دعاة حقيقة، و ليس فيهم رجل يتحدث بسلاسة و على طبيعته و سجيته الطلقة

25.5.08

لا .. لا .. لا

مقدس هو الرفض
مقدس هو الرفض، عظيم هو الإعتراض، جليلة هي لفظة "لا" ، تلك التي لولاها للبثنا في الكهوف و على فروع الشجر ، فعندما قالها الإنسان الأول لقسوة الطبيعة من حوله، بدأ مشوار البشرية مع الحضارة، و عندما قالها الإنسان للفوضى، ظهرت الدول و الأمم و الشعوب، و عندما قالها للمرض و الموت، ظهر الطب و الدواء، و عندما قالها لغياهب المجهول، أشرق العلم بنوره ، و عندما قالها للعدم و الفناء، عرف الله و الخلود، أليس بها نبدأ كلمة التوحيد؟ لا إله إلا الله؟ أليست فرض عينٍ على كل مؤمن؟ ألم تكن كل رسالات السماء دعوة لأهل الأرض للثورة؟ ألم تولد ثقافتنا اليوم من رحم اللاءات الخالدة، تلك التي أطلقها العظماء من أمثال جاليليو يوم قالها لأساطير الفاتيكان؟ أديسون حين قالها للمدرسة الجامدة؟ أينشتين حين قالها لضيق الأفق بكل العصور؟ لكل هذه القدسية في كلمة "لا" ، أسجل هنا لاءاتي، لاءات مواطن مصري غلبان ، رجل عادي جداً ، من ملح الأرض، يريد فقط أن يثبت شيئاً واحداً... لقد عاش يوماً بهذه الحجرة في هذه الشقة من قاهرة مصر ... إنسان ، إنسان يعرف كيف يقول لا للقبح من حوله، و كيف يسبح للجمال حين يمر بدنياه

لا، لم تعقم مصر عن إنجاب الرجال ، حتى يقودها الشيوخ أو أشباه الرجال ، لا، ليس صحيحاً أن خياراتنا محدودة بين رمضاء الحزب الوطني و نيران الإخوان المسلمين، لا، الإضراب ليس فوضى، و العصيان المدني ليس تخريباً ، بل هما أرقى أسلحة المدنيين و أكثرها تحضراً

لا، ليس الانبطاح على البطن واقعية سياسية، و ليست الأحلام الكبيرة أوهاماً، لمجرد أنهم لا يرون أبعد من ذؤابة الصولجان، لا، أمريكا لا تملك 99 بالمائة من أوراق اللعبة إلا لهواة القمار في لاس فيجاس، لا، لم يكن "السادات" قائداً سابقاً لزمنه، لكنه حظى بعد "حسين" الأردن و "حسن" المغرب بالمرتبة الثالثة في قيادة الانبطاح العربي لإسرائيل


لا، ليس تاريخنا العسكري كله هزائم كما يدعي منظري الدياثة، صمود بورسعيد كان نصراً برغم الإحتلال، صمود السويس كان نصراً برغم النكسة، حرب اليمن حققت هدفها برغم فداحة الخسائر، الاستنزاف كان نصراً برغم الضحايا، و العبور العظيم كان نصراً برغم الثغرة، لقد أرادنا النصر حين أردنا الشرف، و أرادنا الهوان يوم استطبنا الترف بفراش الأعداء، لا ، لا لم يكن القطاع العام الذي مول خمس حروب خاسراً، بل مازالت عوائد بيعه بالبخس هي ما يحفظ لنا لقمة الكفاف

لا،الديمقراطية و التعددية لا تعني أن نسمح للشموليين و الثيوقراطيين من أمثال الإخوان بالوصول للحكم، لا، ليس الإسلام دينا و دولة، بل دين و مجتمع، و قول "الحكم لله" قول حق لم يرد به في تاريخنا إلا كل باطل ، ثم لا، الخلافة ليست هي الحل، و قد كانت راشدة لأقل من ثلاثين عاما، ثم فقدت رشدها لأكثر من ألف و ثلاثمائة عام، فهي نظام تجاوزه الزمن

لا، ليس الإرهابي هو فقط من يحمل سلاحاً، بل كل من قال بتقييد حرية الفرد في غير ما يمس أنوف الآخرين هو إرهابي تنقصه الفرصة، لا، ليس دين الله مطلسما ، و لا يقول بقصر الحديث به على المحترفين إلا الكهان من أمثال "عبد الكافي" و شركاه، لا، ليس الإسلام نقابا و لا تقطيع بظور، ليس الإسلام قصاصا و حدودا، الإسلام رسالة ثورة على الطغيان، و اقامة لمجتمع الكفاية و العدل، قبل أن ينحرف به ملوك الأمويين و العباسيين عن وجهته الحقة

انهيار برج بابل- 04-05-06

(4)
اعتزال الإمام

...
المدينة المنورة .. أرى أمامي المسجد النبوي بأعمدة من جذوع النخل وجدران من لبِن شيدت فوق أساس من حجر، تلك صورته التي كان عليها بعد توسعته عشية خيبر، وهي ذات الصورة التي تركه عليها الرسول يوم لقي ربه، أقف أمام الباب الشمالي، فأرى المنبر النبوي الشريف على الجهة المقابلة ملاصقا للجدار الجنوبي، مجرد مقام من خشب لوقوف النبي بغير نقوش ولا عقود، بسيط كبساطة الإسلام ونقائه على عهد الرسول والراشدين، شرقي المسجد وعلى بعد خطوات منه، قامت حجرات أمهات المؤمنين، تلك التي هدمها الوهابيون في مطلع القرن العشرين بعد أن صمدت للدهر ثلاثة عشر قرناً[1]، وفي واحدة من تلك الحجرات يرقد الجسد الطيب حيا وميتا، جسد الرسول صلوات الله وسلامه عليه .. أنظر عن يميني فأرى عريشة من جريد النخل، تفصلها عن صحن المسجد ستائر من قماش خشن حال لونه، في وسطها يرتفع عمود من جذع نخلة علقت به سلة تمر، هي الصِفَّة إذن! تلك التي أنشأها الرسول ليثوب إليها فقراء المهاجرين ممن لا دار لهم ولا أسرة، ومعهم المنقطعون للعلم من الأنصار، فكان لساكنيها هؤلاء ممن عرفوا بأهل الصفة ذكرا كثيرا وأموراً جلالاً[2] .. أجيل بصري فيما حولي، فأرى المدينة نائمة في هذا النزع الأخير من الليل، عدا بيت واحد مازال الضوء ينبعث من كوة في طرفه، بيت بسيط يبعد عن المسجد قرابة المائة متر وتمتد خلفه صحراء البقيع التي توسدتها الأزهار اليانعة من الشهداء والصحابة .. بيت يقع ما بين المسجد والبقيع؟ إذا .. هو بيت "علي" و"الزهراء"[3] .. أقترب أكثر من الكوة التي ينبعث منها النور في جداره فأرى ظهر "علي" كرم الله وجهه جالسا في صحن داره، أعرفه من هيئته وقد احتمى من برد الصحراء ببردة صوفية، فهل هي ذاتها بردة النبي[4]؟ تلك التي أهداه إياها في ليلة الهجرة المباركة التي غيرت وجه التاريخ؟ أتراه يتحرز بها من برد الليل، وبذكرى صاحبها من هموم الدنيا؟ أراه متكئا على ركبته وقد بسط فوقها رقاً[5] سميكا يبدو كأنه مدبوغ من جلد الثور، وفي يده قلم من بوص يكتب به، ويغمس طرفه في محبرة أمامه كل حين، أقف مراقبا في صمت رغم شعوري بأني رأيت هذا المشهد ألف مرة، أراه ينظر لأعلى مفكرا متأملاً تارة، وينظر في صحائف ورقاق بين يديه تارة، ويكتب في رقهِّ تارة، وهكذا مضت دقائق وأنا ثابت في وقفتي خلفة نافذة الإمام، حتى قطع هدأة الليل صوت جميل مجلجل يؤذن للفجر : الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر الله أكبر .. أشهد ألا إله إلا الله .. ما أندى هذا الصوت الذي أتاني من ناحية المسجد! جاء الإسلام رسالة للجمال في كل شيء، حتى اهتم الرسول باختيار أجمل صوت ليدعو الناس للوقوف بين يدي بارئهم[6]، لهذا يبقى الإسلام دين الفطرة البشرية التواقة للجمال، سواء في ذلك ما كان جمالا مسموعا أومنظورا أوملموسا ومحسوسا!
أرى "علياً" يضع رقه وقلمه جانباً ويقوم وهو يحكم لف بردته حول جسده اتقاء لبرد الليل، أحسبه سيخرج للصلاة في المسجد، فإذا به يقتبل القبلة ويتمتم كأنه يردد الأذان قبل إقامة الصلاة! "علي" يصلي في بيته ومسجد النبي على بعد خطوات منه؟ لا يبدو مريضا، فلماذا يصلي الفجر في بيته؟ لابد أنه في فترة الاعتزال، تلك التي لم يخرج خلالها إلا لصلاة الجمعة، وتفاوتت تقديرات المؤرخين لها بين ثلاثة أسابيع على أقل تقدير وستة أشهر على أكثره، مازلت أراه يتهيأ للصلاة، لكن الصورة أمامي تبدو ضبابية بعض الشيء، وقد وصل المؤذن لعبارة "حي على الفلاح"
...
(5)
كرب وبلاء

الخميس، السادس من سبتمبر
حي على الفلاح
يفتح عينيه ليجد الفجر يؤذن بالفعل متمما أذان المسجد النبوي في حلمه! نعم .. كالعادة! هكذا فكر وهو يقوم من فراشه ثقيل الجفن شارد الذهن، فيفتح باب الغرفة المؤدي للطرقة الطويلة، ويرى نور الحمام مضاءً فيفهم أن "عزة" سبقته تتوضأ للصلاة، يتجه للمطبخ في نهاية الطرقة ماراً بالحمام، فيأتيه صوتها من الحمام وقد شعرت بحركته: صباح الخير
- صباح الخير يا عزيزة قومك
هكذا تعود أن يناديها مدللاً كما كان والدهما يناديها، فهي بالنسبة له أكثر من أخت، هي أمه الصغيرة وصديقته وأثيرته من البشر، وصل للمطبخ ففتح الثلاجة وتناول زجاجة مثلجة رفعها إلى فمه يعب الماء عب من أضناه الظمأ، فقد نضح جسده بعرق غزير في حلمه فقام والظمأ يشق حلقه كالسكين، لماذا يقترن هذا الحلم تحديداً بنوبة العرق الغزير تلك؟ وما خطب هذا الحلم المتكرر الذي بدأ إلحاحه عليه يقلقه ويدفعه للبحث عن معنى؟ نعم .. قد يتغير الحلم في بعض الليالي كحلمه أمس بالنهروان، لكن هذا الحلم تحديدا هو وجبته المكررة في أغلب الليالي، وجبة من الإرهاق العصبي الغير مبرر، يعقبه شعور بالإرهاق والعطش الشديد، كل ليلة يرى "علي بن أبي طالب" يخط في رق قبيل صلاة الفجر، ثم ينطلق الأذان، ويفتح عينيه كل مرة ليجد أذان الحقيقة يتمم أذان المنام، فلماذا؟ هكذا كان يفكر حين دخلت "عزة" المطبخ قائلة: هل أعد لك الشاي معي؟
- شكرا، سأصلي وأعود للنوم
- ماذا تفضل للغداء؟
سؤال لا تمل النساء من القائه ولا يمل الرجال من الرد عليه بلا شيء، وقد أجابها بلا شيء ولكن بطريقته الرقيقة المدللة قائلا: كل طعام من يديك شهي مريء يا "عباسة" آل الإمام
علقت وهي تملأ الغلاية بالماء قائلةً: "العباسة"[7] مرة واحدة؟
- هاشمية مثلها بشهادة نقابة أشراف مصر، وأثيرة أبوكِ وأخوكِ مثلها، فماذا ينقصك لتكوني كعلية بنت المهدي؟
هكذا علق "علي" ناظراً إليها بودٍ، فردت: وإذا تكون أنت "الرشيد"؟
- نعم، وسآمر "مسرورا" أن يأت برأس "زياد" في صحن كما أتى للرشيد برأس "جعفر" زوج أخته
- أهذا حديث نبدأ به يومنا؟
هكذا أجابته مقطبة حاجبيها وهي تضع ملعقة من الشاي في كوب زجاجي وتضيف إليه السكر انتظارا لغليان الماء، "زياد" هو طليقها الذي لم تداوي السنون المتعاقبة جراحها منه ومعه، هز "علي" رأسه وقال بصوت هاديء ينهي به حوار الفجر القصير: آسف .. تصبحين على خير
قالها ثم استدار ليتجه نحو الحمام متثائبا، وأمام الحوض مزج الماء ليصبح دافئا على خلاف عادته، فالليلة الخريفية كانت باردة بعض الشيء، وحين شرع في الوضوء وثبت لعقله صورة "زياد" طليق أخته، "زياد عبد الله" أستاذ مساعد جراحة القلب بتلك الجامعة القاهرية العريقة، والمثقف اليساري عندما كان طالب طب في السبعينات، قبل أن ينقلب مائة وثمانين درجة ليصبح عضو هيئة تدريس محسوب على جماعات الإسلام السياسي في الثمانينات والتسعينات، فسبحان من يغير ولا يتغير! لم يحبه "علي" منذ اليوم الأول، لم يمنعه ذلك من ملاحظة تدنيه في دركات الازدواج والانتهازية دركا دركاً، طرد صورته من ذهنه وهو يتمم وضوءه قبل أن تستفزه الذكريات فتفقد عينه خيط الكرى، فلطالما استفزته ذكرى زوج أخته الذي أضناها وأطفأ شعلة شبابها، جفف ذراعيه ووجهه ثم توجه لغرفته فدخلها، وقع بصره على هاتفه المحمول فوق الخوان، وخطرت له فكرة فأطرق لحظة لم تطل، ثم التقط المحمول وفتح قائمته ليكتب رسالة، وفي خانة الاسم اختار اسمها من قائمة هاتفه .. "ماري ماكسيميليان" .. ثم كتب رسالته بالإنجليزية "ماري الجميلة للأبد، هاتفيني عندما تقرأي رسالتي في أي وقت، أفكر بنهاية أسبوع قصيرة في الإسكندرية لألقاكِ، فهل يسمح جدولك؟" .. وضع الهاتف مكانه ثانية واتجه لموضع السجادة في غرفته فاقتبل القبلة، قفزت لذهنه صورة الإمام "علي" وهو في بيته قائم يصلي، فدعا له برضوان الله وأخذ يستعد وجدانيا للصلاة، فصلاتي الفجر والعشاء هما أكثر صلواته خشوعاً، يتهيأ لهما ويصليهما على مهل في هدأة الكون، فيشعر بنور الله يسري بقلبه، كبر للصلاة وصلى مغمض العينين، تعود أن يغمض عينيه ولم يقتنع بكلام من نبهوه أكثر من مرة لكراهة ذلك، إذ كان يرد عليهم قائلاً: لا أستطيع التركيز إلا مغمض العينين، وكراهة السهو عن الصلاة أكثر من كراهة اسدال الجفون، المضمون أهم من الظاهر! ولو أدركنا هذا في كل أمر من أمور دنيانا لكان حالنا نحن المسلمون والعرب غير هذا الحال!
عندما وصل في التشهد لعبارة "وعلى آل محمد" قفزت لذهنه صورة الإمام "علي" ثانية، وطرق ذاكرته حديث رسول الله حين أحاط "علياً" و"فاطمة" و"الحسنين"[8] ببردته مشهداً الله أنهم آل بيته[9]، وداعيا لهم بالطيب والطهر، سلم "علي الإمام" منهياً صلاته ثم قام فتمدد على فراشه شارد الذهن، وترددت في رأسه الآية الكريمة: "قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ"[10] .. فابتسم في ألم، كيف كانت مودتنا في قربى النبي هي سفك دماء قرباه وعترته؟ فبالأمس عاش بيننا من صلوا وسلموا وباركوا آل النبي في كل يوم تسع مرات، ثم أعملوا السيف في آل البيت يوم كربلاء من أجل دنيا يصيبونها! واليوم يعيش بيننا من يصلي ويبارك عليهم كذلك ثم يدَّعي أن قاتليهم كانوا على شيء من حق أو شيء من نبل المقاصد! ويدعي أن حال هؤلاء السفاحين كحال من اجتهد فأخطأ، فهم على جريمتهم مأجورون! ما أحرى مأساة اجتثاث العترة النبوية في موقعة الطف[11] بالتفكر والاعتبار؟ لكن المسلمين لا يتفكرون ولا يعتبرون، وإنما يحيي بعض الشيعة ذكراها بأداء تراجيدي وطقوس قاسية لجلد الذات، وليس أهل السنة أحسن منهم حالا، فمنهم من يجهل كربلاء ولا يعرف بمصيبة قتل نسل النبي في ساعة من نهار! ومنهم من يعرف ولكنه لا يدرك ولا يعتبر من ذلك الكرب والبلاء!
حاول "علي" طرد أفكاره تلك لينام، أغمض عينيه وترك أوتار جسده ترتخي طلبا للنعاس، لكن هيهات .. فالنوم كالمرأة الجميلة، تقتحمك لو أعرضت عنها وتنأى عنك لو طلبتها، وبقيت عدة كلمات تتردد في عقله فتتقافز المشاهد التي تعبر عنها في خلفية من ظلام جفنيه المسدلين .. البصرة .. كربلاء .. المختار .. علي بن الحسين .. وهكذا .. حتى أخذه النوم، وأصفى النوم وأطيبه ما كان بين الفجر والشروق، ولكن .. هل يهنأ أحد بنوم بعد هذه الخواطر والمشاهد؟
...

(6)
حصاد الوهم

رفعت "عزة" الطالبة في السنة الخامسة بكلية الطب سماعة الهاتف فأتاها صوت خطيبها "زياد" المدرس المساعد في قسم الجراحة بنفس الكلية، يطلب منها مراجعة الرسم التوضيحي لأعصاب القدم جيدا، لأن أغلب اختبار الغد مرتبط به، اقتحمتها حيرة وانتابها توجس، فردت: كيف عرفت؟
- راجعيها وحسب
- لن أفعل حتى أفهم
أجاب مستسلما لعنادها بأن زميله الدكتور "بكري" أخ فاضل، يعرف أن خطيبته في السنة الخامسة، وقد لاقاه خارج مسجد الكلية بعد صلاة العشاء فأسر له بهذا همسا، وبين لها أنه لم يطلب منه ذلك .. بل هو من تطوع خيراً!
- يخرج من المسجد ليسرب الامتحان! وتسمي هذا تطوع خير!
هكذا علقت هي، فأجابها بحدة ظاهرة كأنه ينهرها: ألا تعرفين أنه يُسرَّب بالفعل؟ رئيسة القسم المتعصبة تسربه كل عام للطلبة الأقباط في الدفعة؟ أنتركهم يحتكرون وظائف هيئة التدريس ونضيع نحن؟
- نحن وهم! هل أصبحنا فريقين؟
- عدنا لشعارات "علي"
- دع "علي" وشأنه
قالتها بحدة لتوترها، توترت بسبب دلالة الموقف على منطق خطيبها وليس بسبب الموقف فقط، حاول "زياد" أن يتحكم في حدته، فاصطنع صوتا هادئا اجتهد ليجعله مقنعا، وقال: الرجل يساعد العناصر الملتزمة حتى تقوى الجامعة بهم كأعضاء في هيئة التدريس، فهل ترين هذا خيرا أم شرا؟
- أراه منطق حق يراد به باطل، وهو منطق يربو في رأسك كل يوم .. ويقلقني أكثر كل يوم، أين القصائد التي كنت أسمعها من "زياد" طالب البكالوريوس وأنا بالسنة الأولى؟ أين الحديث عن الدولة المدنية والهوية القومية؟ أين ذهب كل هذا؟
- ذهب مع زمنه، وحل محله الأفضل، حل محله المنطق الإلهي يا سليلة الأشراف
- وهل يوصينا المنطق الإلهي بالغش؟ سأنام من فوري، ولن أراجع غير ما راجعت بالفعل
في الفراش أكل القلق قلبها، تكاد لا تتذكر من تشريح أعصاب القدم شيئا، واختبار الفترة أو "الشيت" كما يطلق عليه في الكلية يمثل عشرين بالمائة من درجات المادة، قامت من فراشها وراجعت أعصاب القدم وما يرتبط بها من اختبارات تشخيصية، غلبها الخوف فقامت تستفيد من المعلومة المختلسة وضميرها يخزها وخزاً أليماً، لكنها بشر، أغرتها المعلومة المتاحة فانزلقت، وكانت هذه القدم بداية طريق من التنازلات انزلقت فيه قدمها، تنازلات كثيرة قدمتها في حياتها معه ولم تتوقف إلا عندما أمسكت في يدها وثيقة طلاقها منه .. من بين كل ذكرياتها المريرة مع طليقها، تذكرت "عزة" حوارهما هذا بعد تعليق أخيها في المطبخ منذ دقائق، ربما لأن هذا الحوار كان قرينا لبداية تنازلاتها؟ بداية وحسب، فبعد أن تنازلت حين استغلت المعلومة المختلسة، وسعدت حين حصلت على عشرين درجة كاملة نتيجة لها، اجترأت على التنازل زمنا .. تنازلت يوم عرفت بأمر الدروس الخصوصية التي يعطيها "زياد" - والذي صار زوجها- سرا لطلبته، وما اقترن بهذه الدروس من تسخير موارد المستشفى الجامعي وأجهزته لهذه المجموعة من الطلبة ميسوري الحال، اقتنعت بكلامه حول الفارق بين الغير قانوني والحرام، ولكن .. هل اقتنعت حقا أم أرادت أن تقتنع لتستمر الحياة؟ ثم تنازلت يوم طلب منها أن تتقرب لزوجة المشرف على ورقته للترقية لدرجة أستاذ مساعد، وأن تهديها هدية ثمينة، أقنعها أنه يرشي حتى يتجنب الظلم وليس طلبا لمنفعة، فلا حرمة في ذلك! كم كان ماهرا في تبرير كل ما يحتاجه ليصل لهدفه! أو حتى لمتعه الرخيصة! مهارة تصل لدرجة الاحتراف، فقد كان يبرر لنفسه أولا فيقنعها تماما، ولهذا يفيض وجهه بالصدق حين ينتقل لمرحلة التبرير للآخرين واقناعهم، وربما كانت هذه الموهبة التمثيلية الفذة هي ما أهله لما هو فيه اليوم من نفوذ رخيص وكريه مثله
رشفت رشفة من كوب الشاي وهي ترخي جفنيها المثقلين بينما تنهيدة حارة تخرج من صدرها، إنها "عزة الإمام" .. في الثامنة والثلاثين، معتدلة القوام، شرقية الجمال، شعرها أسود طويل رفعته خلف رأسها في شنيون بسيط، سمرتها رائقة راقية، أما عيناها النجلاوان فهما أجمل ما في وجهها السمح، شعرت بهبة من نسيم الفجر البارد تأتي من الشرفة المفتوحة، فضمت أطراف الروب المنزلي البسيط على صدرها وهي تزدرد الشاي بصعوبة، يختنق حلقها قليلا بسبب تلك العبرة التي تكتمها في أحداقها .. لو أنها تنبهت وقتها .. لو أنها فقط أدركت حقيقته في الوقت المناسب .. لما ضاع من العمر ما ضاع، تسع سنين كاملة أهدرتها معه، ثم أهدرت بعد طلاقها سنينا طوالا في حزنها، تمر الأيام .. وكل يوم يمر يحيل حلم أمومتها وهما بعيد المنال، أهكذا يضيع العمر من أجل وهم تصورت ذات يوم أنه رجل؟ أمن العدل أن يحكم اختيار اللحظة على مصيرنا للأبد؟ أمن الحق أن نخسر كل شيء في لعبة واحدة غبية؟ لقد خسرت أمومتها ومستقبلها كطبيبة، خسرت إيمانها بذاتها، بل كادت تفقد إيمانها بكل شيء لولا هذا البيت الذي نشأت فيه على إيمان هادئ راسخ متين الأركان، بغير تشنج ولا تصنع، إيمان يحب الحياة ولا يعاديها أو يجافيها، ولم تعرف الكراهية في حياتها قبل أن تعرف حقيقة "راسبوتين"[12] هذا الذي كانت زوجة له! ويوم عرفت حقيقته .. اقتحم الكره صدرها كحمم بركان غضوب .. آه .. "مشيناها خطا كتبت علينا .. ومن كتبت عليه خطا مشاها"! هكذا رددت في نفسها وهي تقوم للمطبخ لتبدأ يومها بإعداد الغداء كحالها في كل يوم، فهي طائر مبكر يعشق ساعات ما قبل الظهر عكس شقيقها العزيز، يحتاج الهدوء ولا يجده إلا في قلب الليل، فلا ينام قبل الثانية صباحا ولا يصحو قبل العاشرة، يقول أنه كان في بريطانيا ينام مبكرا ويصحو مع الشمس لأن الهدوء اللازم لعمله كان متوفرا ليل نهار، عندما مرت بالصالة الرحبة وقعت عيناها على صورة والدها وقد جلس "علي" على ركبته طفلا في الخامسة، يشبه أباه شبها يجعلها تخلط أحيانا بين الأب والأخ في عقلها، ولم يكن الشبه قاصرا على الوجه، ولكن في الروح كذلك

18.5.08

مفلوق دوت كوم-02

أساطير الطب الإسلامي


الجزء الأول: مفلوق دوت كوم-01

تكلمنا في البوست السابق عن موضوع لصق كلمة إسلامي بكل شيء ع الفاضي و المليان، و قلنا ان كل ده مش مهم، سلع تافهة و دعاية ميكيافيللية و اللي يشتريها يبقى ذنبه في رقبته، و قلنا كله ماشي إلا موضوع صحة الناس، صحة الغلابة الي تآمر عليهم ثالوث الفقر و الجهل و المرض ، و من ضمن عنصر الجهل ده طلب الطب و العلاج في غير مواطنه و من غير أهله ، و أولها موضوع ما يسمونه "الطب الإسلامي" و هو دجل بواح، و حتى نكون منهجيين ، سنقوم بتفنيد كتاب لأحد دجالي الطب الاسلامي من سوريا الشقيقة، و هو رجل يصف نفسه بالطبيب العلامة، و الحبر الفهامة، اسمه الدكتور "محمد نزار الدقر" ألف كتابا أسماه "روائع الطب الإسلامي" يتناول من خلاله كل أشكال التدجيل و النصب و الدياثة المستخدمة حاليا في العالم العربي و الإسلامي تحت اسم الدين و دين الله منها براء، و رسوله الذي أمرنا بطلب الطب عند أهل الطب أبرأ، المؤسف أن هذا العلامة طبيب حلف بقسم "هيبوقراط" أن يستخدم علمه الذي علمه اياه أساتذة الطب ، و ليس شيخ الطريقة، في شفاء مرضاه، ثم هاهو يضرب بقسمه عرض الحائط، و ها أنا الطبيب غير الممارس للطب أفند أقواله و دعاواه بيسر و بغير عناء، لكنه بالطبع يستغل جهل العوام، لينافس على الربح منافسة خسيسة، ببيع الوهم لمرضاه... أو بمعنى أدق ... ضحاياه، و الدليل رقم هاتفه المحمول الذي وضعه في كتابه معلنا عن نفسه في مخالفة لأعراف و قوانين مهنة الطب، اذ يحظر على الطبيب مهنيا الدعاية لنفسه، و ان كان أكثر الأطباء يفعلون، فلنتناول النصبات التي أتى بها الكتاب ، و الله المستعان

الأساليب الوقائية من اللحسات الشيطانية
يورد الأفندي حديثا ينسب للرسول "من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح فلا يلومنَّ إلا نفسه" و الوضح لمن لا يعلم هو البرص، و بغض النظر عن القيمة الصحية للحديث كنظافة شخصية ، حيث أراد الرسول حثهم على غسل أيديهم بعد تناول اللحوم لتجنب قذر رائحتها، ثم خوفهم بالاصابة بالبرص ليحفزهم ربما، أو وفق المعتقد العربي السائد وقتها ربما، هذا لو صدقت نسبة الحديث للرسول، أما اليوم، فمن المعلوم من العلم بالضرورة، أن مرض البرص و الوضح و هما الإسمان اللذان استخدمهما العرب قديما للبهاق، و هو باللاتينية "فيتيليجو" ، هو مرض متعدد الأسباب لكن الأساس الذي رجحه العلم مؤخرا فيه أنه مرض مناعي/وراثي، تشترك فيه آلية مناعية ذاتية و عنصر وراثي، كذلك العناصر البيئية و المرتبطة بدرجة الحرارة و شدة الضوء، و عموما، لا علاقة له من قريب و لا بعيد باللحم و أكله ، و لا بلعق الشيطان لليد أثناء النوم كما أورد الدكتور، هل عندما يكتب طبيب أن البهاق يأتي بسبب لعق الشيطان ليد النائم، يجوز لنقابة الأطباء في بلده شطبه من سجلاتها؟
عن تناول الطعام في الوضع متكئاً
أورد العلامة أن الجلسة على الأرض ، متكئا على ركبتين، و الساقين تحت الفخذين، و القدم اليمنى فوق اليسرى ، و هي جلسة الرسول و هو يأكل (و الصحيح أنها جلسة كل أهله و قومه يومها) هي أصح جلسة تتيح حرية للمعدة أثناء تناول الطعام، اللهم أشهد انه نصاب، هذا الكلام لا أساس له، أي وضع يكون فيه الجزع قائما، على كرسي او على الارض او غيرها، هو وضع صحي و لا علاقة لوضع الرجلين بالمعدة، و لا يتأثر الجهاز الهضمي بشكل عام بوضع يمين فوق يسار أو العكس، اللهم صبراً من لديك يا أرحم الراحمين

الأوهام النزارية في الأمراض الكبدية
كانت عادة البدو و مازالت أن يتناولوا الطعام في جمع من نفس الطبق ، فنصحهم الرسول أن يأكل كل مما يليه و يتجنبوا الأكل من منتصف الطبق، و هذا تأديب من آداب المائدة و لا طب فيه، لكن العلامة يرى أنه بهذا يعلمهم أسلوبا صحيحا للأكل مع منع انتقال العدوى بينهم ، و كان الأولى به لو أحسن قولا، أن يقول أن هذا أمر مضى زمانه، و الأولى بنا أن يكون لكل منا صحنه الذي يأكل فيه طعامه ، ثم يورد حديثا عن الرسول يقول فيه "مصُّوا الماء مصاً ولا تعبوا عباً فإن الكباد من العب" و يأخذ في تبرير الحديث بتبريرات علمية متهافتة، و في نهاية المطاف، لو كان سيدنا رسول الله قد قال هذا فقد قاله بمعارف عصره و بيئته، لكننا اليوم نعلم يقينا أن أمراض الكبد لا علاقة لها بعب الماء أو مصه، هذه أمور خلت، و لا قيمة للحديث فيها الآن، فهي من سنن البيئة التي ترتبط بالبيئة و الحقبة الزمنية و تقف بتغيرهما، و لا الدكتور المحترم شايف اننا بدل ما نعلم الخلق الوقاية من البلهارسيا و نتبع معايير الحد من انتشار الفيروس سي المدمر في بلادنا، نعلمهم يمصمصوا في المية؟



حتى النوم لا راحة فيه؟
يقول الباشا أن النوم الصحي هو أن ننام على جنبنا اليمين، و يدعي أن الابحاث العلمية ، اللي طبعا ماجابش سيرة هي ايه و لا اتعملت فين، لانها طبعا مالهاش أساس، أثبتت أن وصية الرسول لنا بالنوم على الجانب الأيمن هي الأمثل لصحة الجسم، و اقرا السبب يا سيدي، و طبعا السبب ده اشترك في الوصول ليه هو و مجموعة من نفس شلة الحشيش بتاعته قبل اسم كل واحد فيهم حرف دال، قال لا فض فوه، ان النوم على البطن بيضغط على الأحشاء و يحسس النايم انه مخنوق، و كمان بيؤدي لاحتكاك الأعضاء الجنسية بالفراش و اثارة النائم جنسيا!! ثم سقط سقطة قاتله بالاستشهاد ببحث استرالي يفيد حدوث الموت المفاجيء للأطفال الرضع عند النوم على وجوههم، و البحث ده صحيح، بس ده للرضع لأن الموت بيحصل من اسفكسيا الخنق لما أنف و فم الرضيع يغوص في المخدة و مايقدرش يحركه، لكن ده لا ينطبق على غيرهم، أما النوم ع الضهر فسعادته بيستشهد بواحد أجهل منه اسمه الدكتور العطار، بيقول ان النوم على الضهر بيسبب التنفس من الفم للنائم؟؟ حد سمع عن رد الفعل الانعكاسي الجديد ده يا رجالة؟ أما الشمال فده طبعا ابن كلب مش محتاجة كلام، علشان بيقولك الرئة اليمين بتبقى ضاغطة ع القلب، و الكبد بيضغط ع المعدة، حسبي الله و نعم الوكيل، كأن الأعضاء دي متعلقة جوة على شماعة مش فيه أنسجة رابطة بتحافظ عليها، عموما يا جماعة كل ده تخرييييييييييف، كل واحد ينام ع الجنب الي يريحه، لأنه كده كده هايتقلب لما يروح في النوم، و الثبات على وضع واحد و جنب واحد لو فرضنا انه ممكن هو الخطير لامكانية حدوث قرح الفراش في حالة المريض الملازم للفراش ، و سبحان من قال في أهل الكهف "نقلبهم ذات اليمين وذات الشمال" أفكان الله يقلبهم و يوصي نبيه بالنوم على جانب واحد بعينه؟ أليس منكم رجل رشيد؟


اللحية للرجل ... و القبلات أيضاً
بينما نرى أن الإسلام ألزم الرجل برجولة المظهر بحيث لا يظن به تخنث، و ألزم المرأة بوقار المظهر بحيث لا يظن بها بغاء، يصر اخواننا على تنميط مظهري للرجل باللحية غير المهذبة و للمرأة بمنظومة نقابية خمارية معصمية اسدالية متكاملة، لو حصنا بغداد بيها ماكنتش وقعت في ايد العلوج، لكن قلنا مش مهم، المظهر حرية، لكن ييجي الأفندي يقولي حلق اللحية مضر صحيا، ماتبقاش حرية، يبقى تضليل لجهل العوام من الناس، بيقولك يا سيدي ربنا خلق الراجل بلحية علشان هو معرض للشمس و التراب، فاللحية تحميه، أما الست فملساء لانها لازم تقر في بيتها ماتعتبش الباب، و لو خرجت لازم تخرج منتقبة، و كمان ملساء علشان جوزها يستمتع بتقبيلها، طيب هو يعني الستات مالهمش نفس للبوس و لا ايه؟ و بيقولك ان وجه الرجل الملتحي بيكون اكثر شبابا و نضارة و نورا من غير الملتحي، يا سلام ، طيب الصور تحت اهي، بص ع النضارة و السماحة و النور، أنا مش هاتكلم

فرشة الأسنان سواك لو كنتم تفقهون
سيبك انت من غير طب أسنان و لا دراسة خمس سنين و لا حاجة، هو السواك، يدعي الأستاذ لا فض فوه أن البشرية لم تعرف العناية بالأسنان إلا مع الإسلام و أمر الرسول لنا بالسواك، و دي أول خرافة، فليعلم الدكتور الوهمان، أن أول فرشة سنان كانت فرعونية، و كانت قريبة من فكرة السواك، لكن تميز الفراعنة باستخدام بودرة طبية معها تكونت من ملح صخري، مع مسحوق زهور، مع مسحوق النعناع الجاف، و بعدها كانت فرشاة السنان الصينية الي اتكونت من عود بامبو مركب فيه شعر سميك من شعر الدببة، و الفرشة دي انتقلت لأوروبا و تطورت منها الفرشة المعاصرة

أما السنة النبوية أيها الغافل فهي طهارة الفم و ليست السواك، كما حضنا الرسول على طهارة الجسم حضنا على طهارة الفم بتوظيف الأداة المتاحة في زمنه و مكانه ، و هو عود الأراك، فهل أمرنا الرسول بالآراك أم بالسواك؟ هل أنت تستحم اليوم بالماء و السدر؟ أم تستخدم الصابون و اللوف؟ إليك هذه الصاعقة الإيادية في دحض ترهاتك النزارية ، السواك يا ناشر الجهل و الظلام اسم أداة مشتق من الفعل "ساك" بمعنى دلك، و مادتها هي "سوك" فكل ما تدلك به أسنانك فهو سواك، أما ما تسمونه السواك فهو عود الآراك، و هو أداة قاصرة جدا مقارنة بما هو متاح في زماننا، عموما نحن لسنا ضد السواك لمن يفضله، لكن مع غسله بعد الاستخدام، و لكننا ضد حرفية الفهم للسنة النبوية الكريمة، فالسنة طهارة و نظافة و ليست سواكا في جيب الجلباب

عفوا أعزائي لأنني حتى الآن لم أتعرض لموضوعات صحية شديدة الخطر، لكنني فضلت تفنيد كتاب الطب الاسلامي هذا وفقا لتبويبه، فبدأت بما قرأتم اليوم، و للحديث بقية في أكثر من بوست ان شاء الله

مفلوق دوت كوم-01

نظرات على بدع البيزنس الإسلامي و الصحوة الصينية
أول أمس ، في حوار مع أخويا ع التليفون كان بيحكيلي على محل ملابس محجبات و منقبات شافه، حاطط في الفاترينة مانيكانات بلاستيك و ملبسها نقاب ، و أمس تهت شوية كالعادة أثناء محاولاتي المستميتة للخروج من المعادي (الي كانت ضاحية لما كنا صغيرين و كانوا يكتبوا عليها كده في المغامرين الخمسة) المهم لمحت يافطة محل اسمه ايه بقى؟ اسمه "بلو جوب" طبعا ممكن يكون الحمار الي سماه و الأحمر الي رخصله المحل بالاسم ده مايعرفش ان الكلمة الأمريكاني السلانج دي تعني الجنس الفمي ، بس مش دي المفارقة، الألطف انه بوتيك ملابس داخلية حريمي ، و بمناسبة الصيف و حر الصيف حاطط يافطة إعلان بيقول فيها "يوجد مايوه إسلامي" ... الله؟ ايه يا بني؟ انت مع دول و لا مع دول؟ المهم ، كلمة مايوه إسلامي دي نرفزتني، خلاص؟ هان علينا الدين نلصق اسمه بمايوه؟ هو ده تكريم الدين؟ و لا ولاد الكلب دول مستعدين يعبوا الدين نفسه في قزايز و يبيعوه لو هايجيبلهم قرش؟ (سوري، ممكن لساني يطول شوية في البوست ده علشان من ساعة اضراب الرابع من مايو المأسوف على شعبه العاجز الي ماقدرش يقوم بيه ، و أنا مفلوق و كنت مستني طوبة تفجرني، فسامحوني في طولة اللسان شوية) المهم ، قلت لنفسي أعمل بحث صغير كده و نشوف و نجمع الحاجات الي ملوك السبوبة بيلزقوها في الدين ظلما و عدوانا و يلزقوا فيها كلمة "إسلامي" عمال على بطال

و قبل ما يطلع لي عيل منهم يقولي الاكليشيه الخايب بتاعهم "كلمة إسلامي مضايقاكم في ايه" هاسبق أنا و ارد و اقوله: لا يا افندي، مش مضايقاني في حد ذاتها، بالعكس، تسعدني قوي لما تكون محطوطة بعد الكلمة الصح، علم الفقه الإسلامي ، الفن الإسلامي ، الفلسفة الإسلامية ، العمارة الإسلامية، كل الحاجات دي طلعت مع احتكاك الإسلام مع الحضارات الكبيرة الي وصل اليها زي مصر و الشام و الهند و الأندلس، و لا واحد منها خرج من جزيرة العرب البترولية الي بتمولكم بهدف التسود و الصدارة و النفوذ ، ماخرجش منها غير صرعة الغوغاء الوهابية ، و لو كان ربنا سبحانه و تعالى اختار بعث الرسول من بينهم ، فده لاثبات طلاقة القدرة، المسيح رسول الحب و السلام يخرج من بين اليهود غلاظ الأكباد، و سيد الخلق محمد يبعث من بين البدو الأجلاف، و مش بس الفنون و الفلسفة، كمان علم الفلك و الجبر و حساب المثلثات و الاجتماع كلها إسلامية الأصل، و مع ذلك ماحطيناش بعدها كلمة إسلامي، عارفين ليه؟ علشان ماكناش مجانين و ماكانش عندنا لوثة، كان العظماء الأجلاء الي ابتكروها عارفين ان العلوم لا تنسب لدين، فهي ملك كل البشرية، ده بقى لما كان عندنا قدرة على العطاء الحضاري، أما النهاردة، في ظل حضارة الاستهلاك السعودية الي بيقولوا عليها إسلامية، بقينا بنبدع الحاجات الي مرصوصة تحت دي، اسم الله علينا و على حوالينا

المايوه الإسلامي طبعا زي ما قلنا؟؟؟ هو ده لما ننزل الميه كده ان شاء الله مش هايشف و لا يصف؟؟؟ تقاليع و كلام فارغ،و اللي لابساه دي اصلا شكلها من أوكرانيا، بس ده مش مهم

ده بقى حضراتكم الهاتف الإسلامي، مكتوب عليه من فوق بالحفر "محبة الرحمن" و تحتها على طول ماركة التليفون، تتقري على بعضها "محبة الرحمن نوكيا" يا أمة ضحكت، بس برده ده مش مهم









المسنجر الإسلامي ، و في رواية أخرى المسنجر الدعوي!!! ده بقى علشان نستخدم الشات في الدعوة للوهابية السلفية، فتبقى كده ان شاء الله بتعمل شات و تحسب لك بكل دقة على الكيبورد حسنات، و عاملين سايت عليه كيف تحول المسنجر العادي إلى مسنجر إسلامي ، لقد تغيرت رائحتك يا ماسنجر؟ لقد صبأت؟ لكن هنقول ايه، ماااااشي برده ده مش مهم

ده بقى الكليب الإسلامي!!! آه ياني ، لكن معلش، يعني هي جت على ده، مش مهم


نيجي بقى للمهم، لما الدلع و الكلام الفارغ يبقى في الحاجات الفارغة الي فوق دي، مش مهم، هانقول تقاليع، لكن ده بقة هو المهم ، لما نوصل لصحة الناس، و يبقى النصابين الي بيقوموا بيه أطباء!!! يبقى لأ، لنا هنا وقفة ، صحيح النصبة دي عالمية، لدرجة ان فيه اتحاد عالمي للطب الاسلامي، بس ده اولا مش دليل على حق، لأن اي شوية صيع في دولة حرة زي أمريكا ممكن يكونوا الاتحاد ده، طالما أطباء، ثانيا، هناك في ظل القوانين الصارمة و الرقابة على الممارسات الطبية مش هايقدروا يضروا حد، يا هايعالجوا بالعلاجات الطبية السليمة و يبقوا يرقوا المريض بعدها، لكن هنا، و زي ما بيحصل بالفعل، الناس بتموت من شرب بول الابل ، و من علاجات السكر الموهومة، يبقى دي بقى لازملها وقفة و طرقعة، ان شاء الله لو كان في العمر بقية، البوست القادم لتحطيم أصنام الطب الإسلامي المزعوم، و الله المستعان على ما يصفون من جهل و سقم باسم الدين الجليل

13.5.08

الست المصرية في الزمن العليل

أشكال و ألوان من حياتنا

هذه مجموعة مقالات ساخرة بالعامية، نشرتها يوما منذ مدة طويلة ، و ألهمني إياها مقال عن صنوف الرجال في زماننا كتبته العزيزة "فانتازيا" في حينها، فلما كنت أعيد قراءتها، رأيت أن أعدل فيها هنا و هناك، ثم أعيد نشرها عليكم أيها الأعزاء

بدايتي للكلام بكلمة "الست المصرية" لا تعني إني وقعت في نفس خطأ التعميم اللي دايماً باحذر منه، و مازلت و أنا باكتب كلامي ده فاكر كويس جداً إن فيه ستات في مصر أنحني أمامهن تقديراً و احتراما، و لسة هايكون فيه غيرهم ، لكن بمناسبة السخونية اللي ماشية في البلد اليومين دول حوالين الرجالة، و التقطيع اللي داير في فروتهم، في المقالات الحريمي و على "المدونات البناتي" ، و مع عدم إنكاري لوجود رجال بالأشكال اللي بيقولوا عليها و ألعن، قلت أفتكر معاهم و أفكرهم برده بالشخصيات شبه-المؤنثة الي بنشوفها في الدنيا، علشان مهم جداً إننا نفتكر أن المشكلة مشكلة مجتمع، مش رجالة أو ستات، يعني بالبلدي "لا تعايرني و لا أعايرك، الهم طايلني و طايلك" ، و لما فكرت و بصيت حواليا، لقيت الهوايل، لقيت صندوق الدنيا، فتعالوا نشغل صندوق الدنيا ... و إتفرج يا سلام

فُرجة في الزيطة ... الهانم عاوزة حيطة
المفروض في الجواز إنه وسيلة مشروعة عشان راجل و ست يرتبطوا ببعض، علشان شايفين إنهم ممكن يسعدوا بعض، صح ؟ لأ، مابقاش صح، الجواز بالنسبة لست البنات بقى عبارة عن هاجس واكل دماغها من و هية في كي جي وان، و مش ذنبها، علشان إحنا مجتمع عجيب بيسأل الولد "عايز تطلع مهندس و لا ظابط يا حبيبي؟ " أما البنت فيقولها "و إنت يا عروستنا هاتتجوزي مين، ابن خالتك و لا ابن عمك ؟ " ، و ياريت لحد كده، من حق أي واحدة تقرب لسابع جار في الشارع تسألها "ها .. هانسمع أخبار حلوة إمتى؟" و هكذا على طول، سؤال متكرر من سن 18 نازل على ودانها زي مايكون جوازها شأن دولي ، و بعدين تتخطب، فالسؤال يتحول إلى "هاتكتبوا إمتى ؟ " ، و بعدين تكتب الكتاب فتتسأل " نويتوا تدخلوا إمتى ؟ " و بعد الدخلة ، يبدأ السؤال الرخم التالي "مافيش حاجة جاية في السكة ؟" و فيه الأرخم الي يعلق على الاجابة بالنفي و يقول "مش تشدوا حيلكم كده" ، طب يا سيدي دعواتك، ثم يشدوا حيلهم ، و تحمل و تولد، و مافيش سنة راحة إلا و يبدأ السؤال الرخم الأخير "مش هاتجيبوله أخ أو اخت ؟" يا ساتر ، بشر ناقص يدخلوا يعملوا مراقبة دولية على قوضه النوم!

فلا عجب أنه يكون عندنا كائنات هائمة على وجوهها في الحياة، ممكن تكون في وظيفة مرموقة، و ممكن تكون فنانة موهوبة، و ممكن تكون شخصية قيادية ، لكنها دايماً عينيها على الضل "ضل الحيطة" اللي هايضلل على حضرتها، فتتعامل مع الرجل مش كإنسان ، و لكن كعريس محتمل، أول ماتشوفه تقيمه زي البياع لما يقيم الزبون المنتظر، و تلاقيها تلقط كل التفاصيل الدالة على القدرة المادية ، ساعته ، جزمته ، الكرافت، دبوس البدلة ......الخ ، لأنها مش بتدور على راجل، لكن على عريس، و العريس يعني عميل محتمل، لازم تتوافر عنده الرغبة + القدرة الشرائية، فتقوم هي ككل بياع ذكي، تأمن على القدرة الشرائية الأول ، و بعدين تركز في ايجاد الرغبة على مهلها، و على فكرة، إحساس الراجل بأنه غير مستهدف لذاته، لكن علشان مستكمل لصفات "ابن الحلال" هو أكثر حاجة بتنفره من أي واحدة، لأنها ببساطة عايزة إمضته و بطاقته، مش عاوزاه هو ، لأن الزواج ماعدش وسيلة، بقى هدف ، و بكده حطينا العربية قدام الحصان


فُرجة بأمانة ... على الست الولهانة
الستات بتقول أنه مافيش راجل رومانسي، و يضربوا مثل بشاب أمور إشترى هدية عيد الحب على ذوق البياعة ، و قعد يكلم حبيبته عن المفاجأة اللي هو تعب علشان يجهزها (روته فانتازيا أيضاً) ، طيب، أنا متفق إن موضوع شرا الهدايا غالبا تقيل على قلب الراجل، صح، بس كمان الهدايا مابتسعدوش لما تتقدم ليه زي ما بتسعد الست، ممكن كلمة منها تخليه يطير أكتر من 100 هدية، الموضوع هو اختلاف تقييم الحاجات، الست ربنا خلقها بتقدر أكتر المحسوسات، هدية ، إمضاء على قسيمة زواج، طفل، و ماتقدرش تعيش تجربة حب غير كده، الراجل ممكن يحب ست بعد ماتجوزت غيره و سافرت لآخر الدنيا، و يستمر يحبها سنين، لأن ربنا خلقه خيالي أكتر من الست، فيه دليل على الكلام ده ، أيوة، أدلة كتيرة، أولاً، الأبحاث في علم النفس مختلفة، لكن مؤخراً الغالبية بتتجه أن الرجل أكثر رومانسية و قدرة على التجريد من المرأة، ثانياً تميز الست الشديد على الرجال في الفنون التنفيذية، زي الغناء، التمثيل، الديكور، بينما يتميز الراجل أكثر في الفنون التجريدية، الشعر ، التلحين و هكذا، و ثالثا و ده الطريف، التاريخ الحقيقي للعشاق الأسطوريين زي روميو و جولييت، اللي يزور بيت جولييت في إيطاليا هايعرف إن روميو الأهبل مانتحرش بس فضل عايش لذكرى الحب، بعد ما جولييت الواقعية عثرت على "ذكر نحل" و قامت بتكوين الأسرة المنشودة بسنين طويلة، و غيرها و غيرها، أسطورة "السيدات أولاً" المشهورة بتدينا مثل جميل للفرق بين واقعية المرأة و تجريدية الرجل ، لما اتنين اتفقوا ينتحروا، قام الراجل نفذ و نط من فوق قمة الجبل و اتقطمت رقبته، ساعتها الهانم صعبت عليها رقبتها الحلوة، فكبرت و روحت، و يقال من يومها بدأت عبارة السيدات أولاً، ده لا هو عيب في الست و لا ميزة عند الراجل، ده إعداد لكل واحد فيهم علشان يكمل الآخر
فُرجة المجنون .. على ما يطلبه المستمعون
مشهد مألوف جداً في أي مكان دلوقت، واحدة نصها الفوقاني "الأم تيريزا" و نصها التحتاني "شاكيرا" ، طيب إيه السبب؟ مش المفروض برده اللبس بيعبر عن ستايل الإنسان و شخصيته؟ السبب إن هي لا عايزة ده و لا ده، هي عايزة راجل و السلام، علشان كده رافعة شعار "عاجبك النص اللي فوق نغطيلك اللي تحت، عاجبك اللي تحت نقلع اللي فوق" في يوم من ذات الأيام، واحد صاحبنا كان قاعد مع عروسة محتملة، و اتفتح موضوع له علاقة بالدين، فقال رأيه، و طبعا استشهد بآيات و كده يعني، المهم "حديث الروح" ده طول شوية، تاني مقابلة لقى "مريم البتول" في انتظاره، العبيطة جاتله لابسة حجاب و من غير ميك-اب، و قال ايه "كلامك غير حاجات كتير قوي جوايا، فقررت أتحجب، و كمان باصلي بانتظام من يوميها" طبعا كانت هاتتجنن لما قلها "جميل، بس أنا مش باحب الحجاب و أنا أصلاً مش منتظم في الصلاة، و بعدين أنا لا كلمتك عن الحجاب و لا عن الصلاة" واحد تاني كان في فاصل زوجي، بعد طلاقه، كان بيشوف عروسة، سألته على أسباب طلاقه ، فقال الأسباب و كان من ضمنها إن زوجته السابقة خجولة قوي، بس، و عينك ماتشوف إلا النور، بقى محور كل كلامها و حركاتها و ضحكها حاجة واحدة بس ، كان لسان حالها بيقول "أنا حاجة تانية خلاص، ده أنا سافلة بنت سافلة لسابع جدة" لدرجة أنه شعر بالحرج من المحيطين بيه في الترابيزات و قفل الليلة و قام بدري بدري، و الاتنين زي بعض، ما يطلبه المستمعون، ما يطلبه سوق الجواز، دين ماشي، حجاب شغال، قباحة قشطة عادي، و "اللي أنت عاوزه بس في عرضك تعالى بقى اخطبني أحسن الجيران كلت وشي!


فُرجـــة جريئة .. عالأمورة البريئة
سواء كان عمرها خمستاشر أو خمسة و خمسين، تتميز بنت بلدي بإن كل حب هو أول حب عندها، ماشية على قاعدة "الحب يجُب ما قبله" ، و على قد ما شبابنا غاويين يألفوا قصص غزوات غرامية ماحصلتش، بنات بلدي بقى غاويين إنكار على طول الخط، كل حب أول حب، كل بوسة أول بوسة ، تشوفها و هي قاعدة مع حبيب الغفلة ، و بتبصله بتمعن شديد، و راسها مايلة على جنب و آيلة للسقوط ، و هي بتتأمل في معاني الرجولة العظيمة اللي بتشع من وشه و تقوله " أنا عمري ما حبيت قبلك ، و عمري ما حسيت براجل قبلك " ممكن تكون متجوزة قبل كده مرتين، ده الرسمي ، غير العرفي و الذي منه، و مع ذلك ، عمرها ما حست براجل قبله، على أساس إن البلد مافيهاش راجل غير بسلامته، المشكلة إن الأهبل كمان بيصدق و تلاقيه قايم من القعدة منفوش و بيبص على الناس من حواليه بكبرياء، و عينيه بتقول "آه يا بلد مافكيش راجل غيري" ، و طبعاً أول بوسة بتدوخها و تحس إن الدنيا بتلف بيها، و بتحتاج تتسند، و ماتقدرش تصلب طولها، يا أخي مع إن البوس مش مخدر، و التدفق الهرموني المصاحب للبوسة بيفوق مش بيدوخ ، لكن لازم الدور ده علشان الحنتوس يقتنع إنه إداها جرعة زيادة من رجولته الدافقة، فعملت "دماغ بوس" معذورة يا جماعة، دي أول مرة ... بعد الألف
و تاج العفة ده مش بس في الأفعال، البنت غلبانة ، معلوماتها دايما سطحية و بسيطة عن "الحاجات دي" ، و لحد أول امبارح كانت فاكره إن المأذون لما بيكتب الكتاب و العريس و العروسة يبوسوا بعض يخلفوا على طول ، و لما يتأخروا في الخلفة يدوروا بقى يمكن المأذون كتب حرف غلط و لا حاجة ، بريئة يا إخواننا ... بريئة البنت موت، طبعا غني عن التعليق ان ده مش ادعاء براءة، ده ادعاء جهل و هطل، بس المشكلة دي مش في دماغ البنات بس، دي أساسها من دماغ الرجالة، فيه باحث شاب بحث أسباب عدم رغبة الرجل في مصر في الزواج من المطلقات و الأرامل ، طلع السبب الأول اجتماعي، زي رفض الأهل و كده يعني، و التاني و ده المفاجأة ، طلع جنسي، لأن الأستاذ خايف من المقارنة ، و أساس الخوف ده مش إن رجالتنا مضروبين و لا تايواني لا سمح الله، لكن أساسه الفشر، كل يوم واحد على القهوة يديها وصلة فشر عن قدراته فوق الفظيعة ، و كل اللي حواليه يقوموا مقلقين على نفسهم ، بس ده موضوع عاوز يتناقش لوحده

و للبريئة الأولى و لوحش الورق التاني أقول، يا بريئة الإنسانة مش علبة بيبسي لازم تبقى متبرشمة و ماحدش شرب منها قبل كده، الإنسان أكرم من أنه يكون فيه مستعمل و زيرو، و إنت يا وحش الورق ، الراجل مش بيبسي صاروخ يعني إنتعاش أكبر، الراجل قدرة على الحنان و الحب و الاحتواء ، و الجنس حوار ذكي بين جسدين، و إلا اقلكم ، مش مهم، خليكم زي مانتم ، أمال هانتفرج في الكافيهات و نضحك على إيه ؟


فُرجة العصرية ... عالسنيورة الضحية
إيه معنى إن اتنين مرتبطين عاطفياً؟ أظن معناها المنطقي إن اتنين بالغين راشدين أحرار كامل الحرية شعروا بنوع من الانجذاب ناحية بعض، ثم تحركت مشاعرهم ناحية بعض، و بالتالي ارتبطوا ببعض، و الارتباط ده زيه زي أي علاقة إنسانية يا إما بينجح و يستمر أو بيفشل و ينتهي، لو نجح و استمر و قلب بتبات و نبات و صبيان و بنات يبقى خير و بركة، و لو فشل أو انتهى، عادة بيكون ده لسبب من أربع أسباب: (1)واحد من الطرفين حس إنه مع تعمق العلاقة وجد الطرف التاني مش مناسب ليه، فقرر إنه ينسحب من الإرتباط ده، مفروض في الحالة دي مايلومش حد أبداً، و لو لازم و عنده شوية عتاب تاعبينه مفروض يوجههم لنفسه علشان تاني مرة ينقي كويس و يستنضف (2) الطرفين لقوا إنهم مش قادرين على الاستمرار فقعدوا مع بعض بتحضر و ختموها بـتحضر ، و لو إن الطريقة دي نادرة جداً حسب سلو بلدنا ( 3) طرف خارجي تدخل بمغريات أو ترهيبات لإنهاء العلاقة، ترغيبات زي التلويح بدبلة الخطوبة من قبل راجل تاني للسنيورة الولهانة، و الترهيب زي استخدام سلطة الأهل لأنهم مش راضيين عن الارتباط ده لأي سبب (4) الطرفين كانوا مناسبين لبعض، لكن الظروف كانت غير مناسبة ليهم، زي اختلاف الخطط المستقبلية أو اختلاف مكان عيشتهم و هكذا
ده الوضع الطبيعي و المنطقي، تعالوا بقى نشوف الوضع من وجهة نظر السنيورة بيبقى إزاي، بيبقى حاجة من أربع حاجات تانيين خالص
(1) لو إكتشفت إنه مش عاجبها في أي وقت و لأي سبب، بتقلب عليه فجأة القلبة البناتي اللي مالهاش حل، تلاقيها فجأة و بعد ما كانت أول امبارح شايفة إن ربنا خد الرجولة من الناس كلها و حطها في الأمور بتاعها، اكتشفت انه جبان و بخيل و بيئة و ماعندوش شخصية ... و أحياناً كمان تقول إن رجولته تايواني و ملعوب في عدادها (2) لو هو لأي سبب من الأسباب قرر ينسحب، فده طبعاً خلاص بقى ندل رسمي، و تبقى نفسها تنزل نشرة باسمه في أقسام البوليس، و اديها عياط لبعد بعد بكرة، و فيلم الولاعة و عود الكبريت المعروف (3) لو طرف خارجي لوح لها بدبلة الخطوبة، برده بيطلع الأمور بتاعها هو اللي غلطان "أعمله إيه، ما هو مش بيتحرك و أنا الضغوط عليه بقت فذيعة ... فذيعة " حتى لو كان طالب في تانية حقوق و هي عارفة من الأول طبعا إنه طالب و قدامه خمستاشر سنة على مايقدر يجيب دبلة، لكن برضه بتلومه إنه مش بيتحرك ، طيب يتحرك يعمل ايه؟ (4) لو الظروف ماسعدتهمش، و ماقدروش يكملوا، برضه اللوم من نصيب الأفندي ، لأنه بيبقى مطلوب منه يا إما يغير ظروفه تماماً علشان تتفصل على ظروف السنيورة، يا إما يبقى "إنسان ضعيف و غير كادر على تحمل المسؤولية ... إهيء إهيء"

واقع الأمر إن الراجل و الست الاتنين لما بيحبوا بعض، بيبقوا مستمتعين مع بعض بالإحساس ده، و لو حصلت بينهم أي علاقة جنسية بأي درجة برده بتكون بقرار مشترك، و بمتعة مشتركة، فانتهاء العلاقة لا يعني أبداً إن فيه طرف ضحك على طرف أو استغل طرف، اللوم و التأنيب مفروض يكون محدود للحالات التالية: (1) طرف من الطرفين ضلل الآخر في معلومات تخصه، أو ضلل الآخر في معلومات عن نواياه بالنسبة لمستقبل العلاقة، مع علمه من البداية إنه مش ناوي يوصل للمستقبل ده، هنا مش بتكلم على حاجة تخص الرجل و المرأة و علاقتهم ببعض، هنا بتكلم عن بني آدم كذاب بصفة عامة (2) طرف من الطرفين تعهد بتعهد معين، زي التعهد بالزواج، و بعدين خلف تعهده مع التزام الطرف الآخر بما يخصه في موضوع التعهد، هنا برده بنتكلم عن إنسان بينقض العهد، و دي صفة أكيد هاتكون فيه في كل حاجة فيه مش بس علاقته بالجنس الآخر.

فُرجـــة للفاضي ... الحلوة بقت قاضي
"قاضي يا قاضي .. لأ أنا قبله ... واحد واحد يا زباين" لأ، مش قاضي دمه خفيف زي قاضي البلاج، قاضي متجهم و بنضارة قعر كوباية محملة على أرنبة مناخيره و خايف تقع ، فمكشر على طول، صحيح هواية القضاء دي مش قاصرة عالبنات و الستات، لكن أحياناً بتبقى زايدة عندهم عن الرجالة حبتين، و ده طبعاً بحكم إن الكلام عن الناس بيبقى أكتر بصفة عامة في الكلام البناتي من باب النميمة و خلافه، نبدأ مثلاً بالحكم على مظهر الناس، مافيش واحدة تقعد في مكان إلا و تعمل نفسها قاضي على بقية الستات و البنات في المكان، و كل واحدة بتعلق حسب مظهرها هي شخصياً، لو كانت محجبة و لابسة طويل، هاتنقي أي واحدة لابسة "ميدي" و تقول " و ده إيه ده بقى اللي لا محصل و لا موصل ده"، أما لو كانت لابسة ميدي هي شخصياً، فأكيد هاتختار واحدة لابسة عالركبة و تعلق "يعني هي جت ع الشبر ده، ماتلبس ميني و تخلصنا" و هكذا، حتى لو لابسة ميكرو، هاتنقي واحدة لابسة ميدي و تعلق "بيئة موت، فيه حد يلبس كده بالليل"

و طبعاً حدود العلاقة بالجنس الآخر بتبقى موضع تحقيق قضائي، كل واحدة حاطة لنفسها حد ماتتجاوزهوش، و بتسب و تلعن في اللي تتجاوزه، اللي مش بتكلم زمايلها في الجامعة تبص للبنت الاجتماعية الطبيعية على إنها "سافرة و متبرجة و بتخضع بالقول" ... لأ لأ ... دي مش "هند بنت عتبة" و لا حاجة دي معانا برده في القرن الواحد و العشرين، و اللي بتكلم زمايلها بس مش بتحب تخرج معاهم تقولك "ما دام داخل الحرم الجامعي يبقى خلاص" تقولش الحرم النبوي، إيه علاقة المكان بحدود العلاقة مش فاهم أنا؟ و اللي بتخرج تقول "مادام في جروب يبقى كويس" و اللي مرتبطة بواحد زميلها تقول "مادام مافيش بيننا حاجة غلط يبقى خلاص" ، و اللي فيه بينهم حاجات تقول "مادام بحبه و يحبني يبقى خلاص" ، و اللي مش بتحب حد أصلاً و بتصاحب بالعشرة في وقت واحد تقول " ليه يقولوا علي ............... هو أنا باخد مقابل" ، و الله و حتى اللي بتاخد مقابل هاتقول "و ماله، مش أحسن من البنات اللي مش ناقصهم حاجة و بيعملوا كده مزاج، على الأقل أنا محتاجة" ، و هكذا ، كله بيحكم على كله بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال اختراع حدود تفصيل، كل واحد فينا يحطها على كيف كيفه، و بعدين يقول أن اللي براها غلط و وحشين و أيا خالص، ماعنديش أدنى مانع ان كل واحد يحدد لنفسه منهج، لكن ليه نطالب البشر كلها تمشي على منهجنا؟ عموماً، لكل الولاد و البنات، أفكرهم بكلمة السيد المسيح، لو كل واحد فينا ركز في الخشبة اللي في عينه مش هايشوف القشة اللي في عين التاني، أستأذن منكم بقى أغسل عيني علشان فيها عشرين خشبة جنب بعض مولعينها نار

آخر مقال ... لعدوة الرجال
نموذج عدو المرأة كان نموذج منتشر شوية في وقت من الأوقات في أوساط المثقفين و أنصاف المثقفين، أولاً لأنه وسيلة كويسة للشهرة، أي واحد يضرب بقين مالهمش لازمة في حق الستات، تقوم شوية أقلام حريمي مش واخدة بالها من هدفه أصلاً طالعة مشبشباله، مش واخدين بالهم إنهم بالشبشبة دي وصلوه لهدفه محمولاً على الأعناق، (ده كان قبل إكتشاف أسلوب الشهرة بفتاوي الرضاعة للجميع و الشهرة بالهجوم على الإسلام) و ثانياً، موضوع الهجوم على الستات كان بيحط الكاتب المبتديء في مصاف ناس كبار قوي من "سقراط"، لـ "جورج برنارد شو" ، لـ "توفيق الحكيم" و "عباس العقاد" ، فبيخليه يحس إنه خليفة العمالقة دول في نقد المرأة و العداء لها، و السبب الثالث، إن كل اللي هاجموا المرأة حلموا بالست "نادية لطفي" اللي هاتدخل عليهم من الشباك زي فيلم "عدو المرأة"، و فاتهم إنهم مافيهمش أي حاجة من المرحوم "رشدي أباظة" و اللي كانت كلمة "المرأة حشرة" من بقه بتثير ابتسامات إعجاب على فم المشاهدات الستات بالذات، على طراز "بهدلني يا معلم"، و كان طبيعي زي ما فيه "عدو المرأة" يكون فيه "عدوة الرجل"، و أنا لا أنكر إني متفق مع الفيمنيست في حاجات كتير من ، لكني مختلف معاهم في أسلوب الحل و التطوير، متفق معاهم إننا مجتمع ذكوري مزدوج المعايير، و لا اعفي نفسي من الصفة دي، لكن باحاول على الأقل أكون موضوعي على قد ما باقدر، متفق معاهم كمان إن ثقافتنا العربية ثقافة معادية للمرأة و بتعملها عملية تشييء مهينة إلى أبعد حد، متفق معاهم في عدم عدالة النظام الاجتماعي و مؤسسة الزواج، كل ده صح، لكن إيه الحل ؟

الحل في تقديري مش "يا نساء العالم اتحدوا" و لا ثورة نسائية على الرجال، الحل أبسط و أعمق في نفس الوقت، الحل لا يمكن هايكون في عداء الرجل، لان العداء ببساطة صفة من صفات الانشغال بالآخر، و الانشغال شكل من أشكال التبعية الغير مباشرة، المرأة المصرية هاتتحرر لما تتعلم تعيش حياتها بغض النظر عن الرجال، مش بعيداً عن الرجال، لو الفتاة عندنا بطلت تحلم بضل الحيطة، بطلت تعيش حياتها منذ الطفولة و كأنها في مرحلة "إعداد زوجة" و تحولت إلى إعداد إنسانة ناجحة، لو اتعلمت تمشي في حياتها و تمارسها كأنها بتبني مستقبلها لوحدها، تمام زي الراجل مابيعمل، لو بطلت الحنين المرضي لقسيمة الجواز، هاتتحرر، و هاتجيلها القسيمة في معادها، و هاتجري وراها، لأنها أصبحت إنسانة مكتملة النمو الإنساني، لأنها بقت كيان مستقل يصلح هدف في حد ذاته، الحل هو التوقف عن التخطيط للحياة في ظل رجل، و تخطيطها لحياتها بشكل استقلالي، إذا جه الحب و الزواج أهلاً و سهلاً، ماجاش يبقى برده أهلاً و سهلاً، أما حكاية عداوة الرجل دي فأنا لي عليها أكتر من تحفظ، أولها إن العداء معناه إنها مازالت مسكونة بالرجل، و مشغولة بيه لأبعد حد، بتجري هروباً منه بدل ماتجري عليه، و ده في نظري مش استقلال، دي تبعية بالمقلوب، نشوف الراجل ماشي فين، و مانمشيش مطرح ما يمشي، تبعية بالاستثناء، الاستقلال هو إنها تمشي بغض النظر عن الرجل ماشي فين ، تتقاطع طرقهم مافيش مانع، ماتتقاطعش يبقى ماخسرناش حاجة، و لا إيه؟ كمان موضوع عداوة جنس لجنس ده أنا باشوف انه مخالف للفطرة الإنسانية، المرأة اللي بتدعي إنها لا تشعر بأي ميل للرجال بصفة عامة، يا إما مثلية، يا إما مصابة بعصاب بيمنعها من الميل الطبيعي ، يا إما مش صادقة مع ذاتها و بتخفي ميلها، و نفس الكلام منطبق على الرجل اللي يدعي عداوة المرأة، فيه اهتمامات كتير ممكن نهتم بيها كلنا، رجالة و ستات، مصير بلدنا و الشرق الأوسط كله، قضية الفقر المدقع اللي بيتزايد على بعد خطوات منا، قضية الفتنة الطائفية اللي بتهدد حياتنا كلنا، "كلنا في الهم شرق" ، و ده وقت توحد مش وقت انقسامات دينية و عرقية و جنسية، و لا إيه ؟