29.12.09

كلام جرايد-01


الأهرام: 29/12/2009
مبارك يعلن أخبارا سـارة لأهـالي بورسـعيد: الخبر اللي نفسي أسمعه مش ممكن فخامة الرئيس يعلنه بنفسه

اشتباكات بين المعارضة الإيرانية والأمن: المعارضة .. آه .. فاكرها .. كان عندنا واحدة بس بنت الإيه اتجوزت الحكومة في السر وبعدين هربت معاها في العلن

الشوري يوافق علي قانون نقل الأعضاء: يا سلام .. ألف نهار أبيض، أخيرا بقينا دولة متطورة زي السعودية اللي بتنقل أعضاء من التسعينات؟

الأهرام: 30/12/2009

مبارك يطالب نتنياهو برفع الحصار عن غزة: لا والله؟ وحياة السد الواطي اللي شغالين فيه ع الحدود؟ عموما كان فيه زمان مثل بيقول، إتلم تنتون على تنتن، واحد "نتن" والتاني أنتن

صفوت الشريف: حدود مصر جزء من سيادتها: بجد؟ يعني السيادة ع الحدود مازالت موجودة بعد معاهدة العار يا سيد صفوت؟ تقدر إنت أو أي حد في حكومتك توقف اسرائيلي ع الحدود دي وتمنع دخوله سينا لحد شرم الشيخ بهويته الاسرائيلية من غير حتى ما يحتاج باسبور؟

أمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" يؤيد الجدار لمنع تهريب السلاح: تصدق لو بوكيمون الشخصية الكرتونية اللي بيلعبوا بيها العيال كان بقى أنضف

21.12.09

توظيف أموال .. كلاكيت عاشر مرة


نشرت جريدة الدستور خبرا عن صاحب موقع إلكتروني يدعي المضاربة في البورصات العالمية ويتلقى أموال من الناس لاستثمارها مقابل عائد مزعوم قدره 60% من قيمة رأسالمال، وقد جمع النصاب ما يعادل 20 مليون دولارا من المصريين ثم اختفى للأبد، ونيابة الأموال العامة تحقق في الأمر

أتذكر والدي رحمه الله وجيله الذين شربوا مقلب ذقون الريان والسعد والعقارية الإسلامية والأندلس والحجاز وغيرها، وخرجوا منها صفر اليدين، وقصص كثيرة بعدها ربما كان أقربها حركة نصابي توزيع كروت شحن المحمول الذين جمعوا الملايين وفص ملح وداب، أو حتى فص ملح وسجن تاركا خلفه آلاف الأسر للمعاناة، فأعجب من شعب يلدغ عشرة مرات من جحر فلا يتعلم من هذا كله شيئا يذكر! كم قلنا وكررنا يا عالم يا خلق الله، الأعمال المشروعة على النطاق الواسع لا يمكن أن تتجاوز صافي أرباحها الثلاثين بالمائة على أحسن الفروض في العام الكامل كعائد على رأس المال الموظف في المشروع، لكن الناس مازالت تلهث خلف أشباح الربح السريع وتحلم بخاتم سليمان .. وأغلب ظني أن حدوتة خاتم سليمان تلك قد ابتكرها صاحب عمل غير مشروع كأسلوب عتيق لغسيل أمواله، فلا توجد في عالمنا وسائل ربح حلال ومشروع تصل لتلك النسب الجنونية وإلا لما وجدت المخدرات وغيرها من الأنشطة الغير مشروعة من يخاطر بالعمل بها من أجل ربح سهل حرام

14.12.09

محنة الفقاقيع


من فقاعة استثمار عقاري وعمولات تجارية وتسهيلات سياحية في دبي، لفقاعة الرهن العقاري الأمريكي والأزمة المالية العالمية، لا يسعنا إلا أن نقول أن النظام الرأسمالي يدفع ثمن بنيته التحتية المؤسسة على مصلحة الخاصة والمهددة بالتبعية لمصالح الجماهير، فالنظام الرأسمالي بني على ما يلي
أولا: التسويق الانتهازي الذي يقنعك بأنك تحتاج ما لا تحتاجه حقيقة
ثانيا: تشجيع الأفراد على مستوى حياة أعلى من حقيقة إمكاناتهم من خلال منظومة تسهيلات بنكية، ولا حرج في رأينا على التسهيلات البنكية للمؤسسات المنتجة، والقادرة بالتالي على سداد الدين وفوائده، وهو ما لا ينطبق على الاقتراض الاستهلاكي
ثالثا: إنعاش الاقتصاد بشكل مؤقت وسريع من خلال عمليات بيع وشراء وسمسرة وهمية تضاعف الناتج القومي ليصبح بعيدا عن التعبير عن واقع اقتصاد البلد
رابعا: يتجه الاقتصاد الرأسمالي من التنافسية إلى الاحتكار تدريجيا، وذلك من خلال عمليات الدمج والشراء التي تؤدي لخلق كيانات متعملقة تحتكر السوق مع الوقت وبالتالي تفقد الاقتصاد الرأسمالي ميزته الرئيسية وهي تحسين الانتاج والخدمات من خلال التنافس الإيجابي

لم تحل الشيوعية مشكلة البشر، ولن تحلها الرأسمالية، الطريق الثالث كان ومازال هو الواعد بالرخاء والنماء، ومن هنا كان القول من جديد بحتمية الحل الاشتراكي

10.12.09

حلم المشرق



مشروع حضاري يجمع الفرقاء
واقعنا أننا أمم ذات تجارب سيئة مع الوحدة والتكتل، رغم أننا نعيش في عصر الكتل والتحالفات، وقد سادت الأجواء في الآونة الأخيرة نبرة ساخرة من الفكر الاتحادي في صورته العروبية، بعد مشاحنات الجماهير المصرية والجزائرية عقب مباراة قدم، فوجد فيها القائلون بالانكفاء للداخل والتقوقع في الشأن المصري ضالتهم وشبعوا لطما، وانسابت تعليقات من عينة "كفانا من العرب" و"ماذا فعل لنا العرب" ... إلى آخر قائمة الهلوسة التي لا تمت لعالم العلاقات الدولية بصلة، ذلك العالم الذي لا يعرف المجاملات ولا المعايرة، ولكنه يعرف العلاقات الاستراتيجية والتحالفات التكتيكية والمناورات السياسية التي تجعل في مصلحة دولة في وقت محدد أن تساعد دولة أخرى، في تلك الهوجة لم أسمع صوتا عاقلا إلا للأستاذين إبراهيم عيسى في جريدته وحمدين صباحي في لقاء تليفزيوني، إذ تناولا مصر والدول المحيطة بها من منظور الدولة في مجالها الاستراتيجي ونطاقها الجغرافي-السياسي الطبيعي، والطريف أننا لو رجعنا بالذاكرة بضعة شهور للوراء واستدعينا أزمة غزة 2008 وما دار خلالها، واستعدنا تعليقات الجماهير المصرية التي نادت بفتح المعابر بغير ضوابط لأن الفلسطينيون إخواننا، ثم قارنا الصورتين، لفهمنا على الفور أننا نتعامل مع انفجارات عاطفية لأمة بغير ثوابت، إما تطرف في الانصهار مع مصالح الغير وإما تطرف في النفور من الآخر، وفقا للظروف الآنية والمشاعر اللحظية، وتلك لعمر الحق سمة الأمم الغير مثقفة سياسيا وحضاريا، أما الأمم التي نضجت فانخرطت في تكتلات منها ما هو اقتصادي بحت كمجموعة الثماني ومنها ما هو اقتصادي سياسي وتشريعي لكنه غير فيدرالي كالاتحاد الأوروبي، ومنها ما هو فيدرالي كالولايات المتحدة الأمريكية، فماذا عنا؟ ما هو أفقنا في عالم التكتلات والعمالقة؟ حتى لا نلق مصير النمل تحت أقدام الأفيال؟

لو نظرنا في العلاقات الاستراتيجية للدول العربية، لوجدنا السعودية مرتبطة بالولايات المتحدة ارتباط يصل لحد ارتهان المملكة ، ومثلها قطر والكويت، أما الإمارات العربية فتابعة للمملكة المتحدة، وكذلك الحال في البحرين وعمان، هذا عن المشرق العربي، أما المغرب العربي فلديه مشكلة تحديد الهوية في المغرب والجزائر على الأقل، وكذلك مشكلة الفقر المتفاقمة في المغرب ومشكلة الصراع الاجتماعي في تونس، وفي كل هذا للمغرب العربي حساباته وتوازناته الخاصة به، فضلا عن ارتباطاته بفرنسا وإيطاليا حضاريا واقتصاديا، وقد أثبتت تجارب الستينات أن الرهان الوحدوي على المغرب العربي أو المشرق الخليجي كليهما بلا جدوى، ولهذا تبقى لدينا دول القلب العربي وهي: مصر والسودان والأردن وسوريا ولبنان والعراق، فضلا عن دولة الجوار الاستراتيجي والامتداد الحضاري إيران، ولأن تجربة الستينات تقول أن الوحدات الانصهارية أقرب للفشل منها للنجاح، حتى لو وجدت رغبة الشعوب في الوحدة كما كان الحال بين مصر وسوريا، ولأن تجربة البعث العراقي تثبت لنا أن إنكار التنوع العرقي لا يلغيه ولكن يلهبه، ولو أخذنا في الاعتبار النموذج الحضاري الرائع للاتحاد الأوروبي، وتخيلنا مشروعا اتحاديا بين الدول السبع في شكل "اتحاد المشرق" على غرار الاتحاد الأوروبي، بحيث تحتفظ الدول بكياناتها وأنظمتها مع وجود أعلى درجات التنسيق الاقتصادي والسياسي بينها من خلال برلمان اتحادي ومجلس قمة دوري على مستوى الرؤساء والملوك، لوجدنا لذلك المشروع العديد من الفوائد لكافة الدول فيه

فاتحاد المشرق بطبيعته المؤسسة على المنفعة العامة والتقاء مصالح الشعوب يستطيع جمع طاقات تلك المنطقة كما لم تفعل أية محاولة وحدوية من قبل، فهو لا يقوم على أساس قومي يهمش أبناء هذه المنطقة من الفرس والأكراد والآشوريين وغيرهم، ولا يقوم على أساس ديني يهمش مواطنيها من المسيحيين واليزدانيين وغيرهم، ولا ينحاز لطائفة شيعية أو سنية ولا لمذهب أورثوذكسي أو بروتستانتي، بل يجمع الكل في بوتقة هي قلب العالم القديم ذاته، وفي إطار تعددي نموذجي يصنع كتلة ذات طاقات جبارة بشريا وطبيعيا وجغرافيا، وإليك بعضا من الأرقام شديدة البلاغة في تعبيرها عن قوة مثل هذا التكتل الإقليمي، لنتخيل معا، ولو من باب الحلم، مجرد الحلم، مدى عملقة ذلك الكيان الذي أراه حلما مشروعا لدول المنطقة
  • مساحة متصلة من اليابسة تقترب من ستة ملايين كيلومتر مربع، تحديدا 5,878,697 كم مربع
  • سواحل بحرية تمتد لأكثر من ستة آلاف كم على البحرين الأحمر والأبيض والبحر الميت وكذلك الخليج
  • أراض زراعية مروية بمياه الأنهار تصل لأكثر من 200 ألف كيلومتر مربع
  • طاقات بشرية تصل لأكثر من ربع مليار نسمة، بما في ذلك الكوادر المدربة المهنية والعمالية والزراعية وغيرها، مما يجعل الاتحاد مكتفيا ومصدرا للطاقات والمهارات المدربة
  • إجمالي الناتج القومي للاتحاد سيعادل تريليون وستمائة واثنين وأربعين بليون دولار أمريكي سنويا بمعدلات عام 2009م
  • إنتاج طاقة كهربائية وقدرها 410 بليون كيلو وات / ساعة
  • وختاما احتياطي بترول مؤكد وقدره 263 بليون برميل، ولنتخيل قدر الرقم علينا أن نعرف أن الولايات المتحدة تختزن احتياطيا لا يزيد عن 21 بليون برميل، وذلك فضلا عن كنوز الغاز الطبيعي الذي 3 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي
وحتى نفهم طبيعة اللعبة القذرة التي تدار الآن، لزيادة الفجوة بين الدول العربية وايران، علينا أن نعرف أن الأرقام الخاصة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وهي علنية على الويب تقول أن إيران تمثل لمثل هذا التكتل السباعي ثلث عدد سكانه وسواحله، ونصف إجمالي الناتج القومي فيه، وأربعين بالمائة من أراضيه المنزرعة، فضلا عن نصف احتياطي البترول، تلك الأرقام تفسر لنا لماذا حرصت الولايات المتحدة دوما على التفرقة بين العرب وإيران وبث العداء بينهم سواء بطريق مباشر أو من خلال أذنابها في المنطقة وعلى رأسهم آل سعود في المملكة العربية، كذلك تفسر لنا الأرقام سر لعبة التسعينات واستدراج صدام لتصفية طاقات العراق، ولعبة الألفية الجديدة في السودان، والتحرش بسوريا، والقادم دوما ألعن طالما بقينا على حالنا

وليس ما يحول بيننا وبين مثل هذا الاتحاد العملاق حكامنا، فالشعوب عندما تريد حقا تعرف كيف تفرض ارادتها، لكن واقعنا يقول أننا شعوب جاهلة حتى البلاهة ومغيبة حتى الموت، وما يحول بيننا وبين اتحاد المشرق الحلم هو ذلك الجهل المركب في شعوبنا، وهو أخطر صنوف الجهل، جهل من لا يعرف بجهله ولا يعترف به ويطلب تغييره، فهو جهل ملاك الحقيقة المطلقة كما عبر الدكتور مراد وهبة في عنوان كتاب له


8.12.09

كلمة ونص-02


ذكرني حوار بسهولة النصب على هذا الشعب الذي رقص لكل قرد في دولته، تذكرت أغنية الشيخ إمام من كلمات عمنا أحمد فؤاد نجم اللي قال فيها

احنا معاك .. احنا معاك
ريسنا يا أنور
إحنا معاك .. احنا معاك
تخرب تعمر

***

إحنا معاك يا ابو لمعه يا قمعه
يلي خربت بلدنا ف جمعه
إحنا معاك مهما تغلبنا
نجري وراك ونبيع مبادئنا
احنا معاك .. احنا معاك

***

إحنا معاك يا بايع أراضينا

يلي سايب أعدائنا ف سينا

بكره يا ريس بكره تخلي

الاستعمار يتحكم فينا

احنا معاك .. احنا معاك

***

إحنا معاك يا بطل مغوار

شوفنا الست ف خط النار

بكره الحلوه تقابل وزرا

وانت يا ريس تعمل زار

احنا معاك .. احنا معاك

***

إحنا معاك يا طابخ ف الأنجر

رز بكاري وسلطة بنجر

عامللي نفسك ولا بيكاديللي

وانت منفذ أمر كسينجر

احنا معاك .. احنا معاك


وهنا تسمعها بصوت الشيخ إمام رحمه الله :

http://www.youtube.com/watch?v=nNkm4o_DRAA

7.12.09

كلمة ونص-01

متى يحيط النظام صحفجيته علما بأن مصر توقفت عن سداد فواتير الريادة العربية منذ عام 1970م ولم يعد لنا أي فضل على أي بلد عربي؟ لقد وضع ابن ست البرين 99 بالمائة من أوراق اللعبة بيد أمريكا ووطى على رجلها يبوسها، أما في العصر المبارك فقد خرجنا من معسكر الشرف وأصبحنا دولة صديقة .. صديقة الطلبة يا مريحة العزاب

1.12.09

وطن بلا عمود

ناصر كمان وكمان

عدة ومضات مرت بي مؤخرا لتدفعني للكتابة في ذات الأمر من جديد .. لعل آخرها الوكسة القومية التي صرنا نطالب بعدها بقطع العلاقات الدبلوماسية مع شعب عربي بسبب ماتش كورة، أتذكر حديث والدتي التي توفي الزعيم وهي في الجزائر مع والدي الذي كان عضوا في بعثة تعريب الجزائر، حين حدثتني عن النائحات على جمال في شوارع مدينة بليدة التي سكنها والدي، وفي العاصمة على السواء، وأتذكر حوارا تليفزيونيا مع الشاعر الخطير دائما أحمد فؤاد نجم، فيه شرح الفارق والشتان بين علاقته بالحقبة الناصرية والحقبتين التاليتين عليها برغم تجربة السجن في الحقبتين الأولى والثانية، كان ضمن ما حكى موقف مر به صبيحة وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وهو في السجن، إذ دخلت عليه والدته زائرة وهي تبكي بكاء حارا لموت الزعيم، تعجب منها الشاعر وسألها قائلا "بتعيطي ع اللي سجن ابنك؟" .. فأجابته فلاحة كفر أبو نجم الفطرية العريقة بكلمة عميقة الأثر قائلة "إنت مسطول والحشيش لحس دماغك وخلاك مش فاهم حاجة .. ده عمود الخيمة وقع يا وله" لتمنح الزعيم خالد الذكر وساما شعبيا ضمن أوسمة عدة حازها ناصر الفقراء والمهمشين نظير انحيازه لهم والتزامه بالخط العامل على تحسين ظروف معيشتهم، لعل من أهمها وسام آخر صرخت به سيدة ريفية في الجنازة والتقطته ميكروفونات وعدسات التصوير وقتها وهي تقول "يا ويل الغلابة بعدك يا جمال" كأنها كانت تتنبأ بالويل الذي حل بهم بالفعل بعده

الومضة الثانية كانت مع مقال عن حالة مذرية بنا وليست مزرية بصاحبها، فهي الحالة التي وصل إليها أحد أبطال معركة العبور (والتي اختزلت مؤخرا في الضربة الجوية لظروف سياسية سيسقطها التاريخ فور نهاية المنعطف الذي نسير فيه حاليا)، المقال نقلته المدونة نجلاء محمد هنا ، وفيه يرفع البطل صورة الزعيم جمال عبد الناصر على السور الذي افترش الأرض بجواره، وتتداعى الذكريات في هذا الصدد، فأذكر صور ناصر مرفوعة في كل مظاهرة مصرية من أجل لقمة العيش أو من أجل الكرامة والعزة الوطنية، وأذكر عميد الأسرى العرب المحرر بيد أسود حزب الله سمير القنطار وهو ينسب نفسه لمدرسة جمال عبد الناصر الوطنية في خطابه الذي وجهه لائما لوليد جمبلاط، وأذكر عنوان مقال كويتي عن زمن كان فيه الشارع الكويتي ذاته ناصريا، وغيرها وغيرها كثير، فيطرح السؤال نفسه بقوة .. هل أثر أي زعيم أو رئيس عربي في وجدان الشعوب العربية في التاريخين الحديث والمعاصر مثل جمال عبد الناصر؟ لقد حقق ناصر الكثير من مشروعه الطموح لهذا الوطن وأخفق في الكثير كذلك، لكنه يبقى برغم الإخفاقات والكبوات الأعمق أثرا ورسوخا في الوجدان، وتقديري أن أثره هو أثر الرجل أكثر منه أثر الرئيس

في حوار مع صديقة عزيزة تختلف معي حول الزعيم جمال عبد الناصر، قلت لها إن حبي في جوهره يتجه لعبد الناصر الرجل أكثر مما هو للزعيم الأسطوري وصاحب المشروع الحضاري الكبير، فمحمد علي كان له مشروع حضاري كان النقلة الأولى لمصر في التاريخ الحديث قبل نقلة الستينات، لكن مؤسس الأسرة العلوية لا يملك نفس التأثير في الوجدان الذي لناصر، ربما لمحدودية كاريزمته الذاتية وخصاله الشخصية مقارنة بناصر، ولعل بعض المراثي التي بكت الزعيم كانت الأوضح تعبيرا عن تعلق الوجدان العربي بعبد الناصر الرجل والإنسان ربما أكثر بالتعلق بعبد الناصر الرئيس والزعيم، في ذلك قال المبدع الأروع صلاح جاهين بعد بضعة أعوام من وفاة ناصر، أجدها تعبر تماما عن إحساسي الشخصي تجاه الزعيم الراحل رحمه الله
أنا العجوز الشايب الحزين
أنا العجوز من غير ما تمضى السنين
أنا العجوز من قبل سن الأربعين
عمرى انهاردة رغم المرار ده
فى عمر وردة .. عشرين سنة
كان لى صديق وكان حبيب عمرى
هو اللى علمنى المشيب بدرى
حضرت مولد كل شعراية بيضا
عبرت سوالفه كما الشهاب تجرى
علمنى مشية الرجال
سلمنى راية النضال
ولحد هذا اليوم بيلهمنى
وخياله كل ما أقع يقومنى
وكل ما اتبعتر يلملنى

وقالت سعاد الصباح في رسالتها لروحه بعد عقود من وفاته عبارات رائعة، أقتطع منها هنا أكثرها مساسا بجانبه الإنساني وليس التاريخي أو السياسي


كان كبيراً كالمسافات .. مضيئاً كالمنارات
جديداً كالنبوءات .. عميق الصوت كالكهان
وكان فى عينيه برقٌ دائم .. يشبه ما تقوله النيران للنيران
***
كان هو الأجمل فى تاريخنا .. والنخلة الأطول فى صحرائنا
كان هو الحلم الذى يورق فى أهدابنا
كان هو الشعر الذى يولد مثل البرق من شفاهنا
كان بنا يطير فوق جغرافية المكان
***
يا ناصر العظيم
هل تقرأ فى منفاك أخبار الوطن؟
فبعضه مغتصب .. وبعضه مؤجر
وبعضه مقطع .. وبعضه مرقع
وبعضه مستسلم .. وبعضه ممزق
وبعضه ليس له سقف ولا أبواب
يا ناصر العظيم لا تسأل عن الأعراب
فإنهم قد أتقنوا صناعة السباب
وواصلوا الحوار بالظفر وبالأنياب
وحاصروا شعوبهم بالنار والحراب
يا ناصر العظيم .. سامحنى
فما لدى ما أقوله فى زمن الخراب

وكتب عنه كاتب تلك السطور العام في قصة العائش في الوهم من مجموعة السيرة الذاتية لفتاة ليل عبارة يراها موجزة موقف الوجدان المصري من ناصر، يقول فيها: آخر ما تحتفظ به ذاكرة ماهر من يوم وفاة الزعيم هو مشهد جيرانه وهم يخرجون من البيوت ويتجمعون في الطريق بلا حول ولا قوة ولا وجهة، المشهد التالي في ذاكرته كان مشهده هو شخصيا وهو ذائب بين الملايين في الجنازة المهيبة التي أعلن بها الشعب حبه للرجل، وتقديره للزعيم، وتجاوزه عن أخطاء الإنسان في شخص عبد الناصر رحمه الله

27.11.09

خالد الإسلامبولي .. حيرتي الدائمة


كان الفتى وسيظل بالنسبة لي حالة محيرة، فهو من ناحية مرتكب لجريمة اغتيال تنافي كل القيم الحضارية، ومرفوضة من حيث المبدأ، لكنه من ناحية أخرى سجل بالرصاص نهاية "أنور السادات" الذي أرى عهده البذرة الأساسية لكل ما نمر به اليوم من آلام وأوهام في عهد خليفته، فحاز السادات بهذا نهاية يستحقها، وتنبأ له بها الشاعر "أحمد فؤاد نجم" قبل اغتياله بقوله "هيروح فين واحنا محاوطينه، هيموت متدهول في الدم" وقد كان، ذكرتني به وقائع فيلم "اغتيال فرعون" الإيراني المثير للجدل، وكذلك قصيدة "نجم" عنه، والتي وجدتها منشورة بكثير من الأخطاء في عدة رسائل على الفيسبوك، فرأيت هنا حفاظا على حق الشعر الذي غناه الراحل "إمام عيسى" من ألحانه أن أورد النص الصحيح للقصيدة، الملاحظة التي لا يعرفها كثيرون أن الملازم أول "خالد الاسلامبولي" لم يكن عضوا في الجماعة الإسلامية ولا غيرها، وإنما تم التنسيق بينه وبين "عبود الزمر" بسبب الهدف المشترك، وعن طريق وسيط، أما الفكرة الرائجة فسببها لحيته التي أطلقها في معتقله بعد الاغتيال والجلباب الذي ارتداه وهو في انتظار حكم الإعدام، ولأسباب نفسية يمكننا فهمها تماما

في قصيدته عن خالد يقول الفجومي

منين أجيب ناس لمعناة الكلام عارفين
شبه الأمارة إذا حفظوا الوداد عارفين
شرعت سن القلم .. رمحي جرح قمحي
جعلت عشق الغنا زادي ..وناس عارفين
***
ياليل يا عين يا وطن .. يا ورد في بساتين
يا جرحي يا غنوتي .. يا ناسي يا غايبين
موالي من غربتي اخضر .. خضاره حزين
حزين كلام الغنا .. والسامعين عارفين
***
آه يا زمان الخنا .. يا ماشي بالمعكوس
فيك أي شيء ينشري .. وكل شيء بفلوس
حطيت عديم الرجا .. ع الخايب المتعوس
خراب وحاكم أغا .. يا قهرة العارفين
***
ركِب الأغا ع البلد .. ركّب عليها الخوف
خاين قليل التنا .. جاهل عديم الشوف
خان التراب والهوا .. خنق الضمير ف الجوف
وداس بنعل الوطا .. ع الحق والعارفين
***
مين في البلد يا بلد .. كان صوته من راسه
يحسب يكيد العدا.. ويصون وداد ناسه
دار المدار بالخرس .. وسقانا من كاسه
مين تحت حكم الأغا .. ينطق يقول عارفين؟
***
ياللي قريتوا الجرايد .. كله كلام مغشوش
ومركبين في الصحافة .. بتوع وليها كروش
يدوسوا زر البتاعة .. ينزل كلام مطروش
حمضان في حبر المطابع .. وكلنا عارفين
***
أصل الحكاية ولد .. فارس ولا زيه
خد من بلال ندهته .. ومن النبي ضيه
ومن الحسين وقفته .. في محنته زيه
قدم شبابه فدا .. والحق له عارفين
***
خالد
يا ابن الربيع والأمل .. والشمس والزينة
مين يا فتى أعلمك .. فعل الخريف فينا
وكبرت برة الزمان .. اللي ابتلاك بينا
نايمين على ودننا .. مع إننا عارفين
***
صاح من سكون الخرس .. كروان بغنيوة
الملك لك يا فتى .. يا مصري يا حليوة
رقصت نجوم الفلك .. بالضي تتعانق
والشمس ويا القمر .. في برجهم عارفين
***
شيل الغطا يا عطا .. عبد السلام مددين
عبد الحميد يا فتى .. قطب الرجال يا حسين
داعي المروءة دعا .. والعمر مش عمرين
خالد يقول صحبتي .. واحنا الجميع عارفين
***
الله أكبر هنا .. ع الباغي والجبار
طعن الفتى طعنته .. خار الأغا وانهار
المجد ده ابننا .. والفارس الكرار
راكب على مهرنا .. والكدابين عارفين
***
مين يا فتى علمك ..
لعب العصا ع الخيل
وازاي قطفت القمر .. من فوق شواشي الليل
وطبعت نجم السما .. بالوشم على زندك
الاسم خالد .. ولكن عاشق ولك هندك
أم الدلال علمك .. طبع الأسود عندك
مين يا فتى علمك .. عشق الملاح والميل
هندك يا أدهم هنا .. أصلك وسلسالك
والناس يا خالد .. هنا عمك ، هنا خالك
يا غنوة من قهرنا .. اسمك وموالك
ويا الربيع والامل .. في دمنا عايشين
وليه اجيب ناس .. لمعناة الكلام عارفين
واحنا الامارة .. اذا حفظوا الوداد عارفين

19.11.09

هوامش على دفتر الوكسة


ليست الوكسة في هزيمة منتخب بلد عربي أمام آخر هنا أو هناك، فالطبيعي أن الرياضة غاية والبطولات وسيلة ممارسة وإطار، لكن الوكسة المريرة هي كل ما حدث من تجاوزات بل وسفالات وانفلات أمني وحضاري مخيف، كل ما حدث من مهافيف المصريين والجزائريين على السواء بالغ السخف والبشاعة، إصابات بشرية وتخريب وتهديدات وتعزيزات أمنية واستحكامات معارك، شباب تافه مغيب سياسيا وعمليا وناشط تعصبيا يسد الطرقات هنا وهناك فتتعطل المصالح والأشغال، كل هذا جعلني أمر الأيام الماضية بغثيان متكرر من الكل هنا وهناك، ربما زاده الزكام وحرارتي المرتفعة ولكن الأساس يبقى حالة اشمئزاز من قوم تنتمي إليهم رغم أنفك، هم هذه القبائل العربية من الصحراء العربية للصحراء المغربية، وتتوالى عبر الأيام الأربعة في رأسي أشعار وأقوال ونغمات تعمق شعور الازدراء
لقد بدأ شاعرنا العملاق "نزار قباني" مشواره الفكري عروبيا كما بدأت، لكنه سخط في منتصف الطريق كما أراني اليوم ساخطا وحانقا على الجميع، فكتب مجموعة هي شئنا أم أبينا من أروع قصائده، فكانت تلك القصائد هي زادي العقلي المتكرر عبر تلك الأيام، فحين اغتالت بعض الفصائل العربية المتناحرة في بيروت زوجته بلقيس في تفجير إرهابي كتب يقول في قصيدة سماها باسم الفقيدة
أين السموأل؟ والمهلهل؟
والغطاريف الأوائل؟
فقبائلٌ أكلتْ قبائل..
وثعالب قتلت ثعالب
وعناكب قتلت عناكب
قسماً بعينيك اللتين اليهما
تأوي ملايين الكواكب
سأقول يا قمري عن العرب العجائب
فهل البطولة كذبة ٌ عربية ٌ؟
أم مثلنا التاريخ كاذبْ؟
ثم كان أن كتب في التسعينات قصيدته القنبلة "متى يعلنون وفاة العرب" ومنها يقول
أنا منذ خمسينَ عاما .. أراقبُ حال العربْ.
وهم يرعدونَ ، ولايمُطرونْ
وهم يدخلون الحروب ، ولايخرجونْ
وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكا .. ولا يهضمونْ
---
أنا...بعْدَ خمسين عاما
أحاول تسجيل ما قد رأيتْ
رأيتُ شعوبا تظنّ بأنّ رجالَ المباحثِ أمْرٌ من الله
مثل الصداع ومثل الزكام
ومثلَ الجُذامِ .. ومثل الجَرَبْ
رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاث القديمْ
ولكنني...ما رأيتُ العَرَبْ
فمتي يعلنون وفاة العرب؟

18.11.09

أحلام مستغانمي .. أحبك

أحلام
يا امرأة تفهم لأكثر مما يجب
وتنبض أكثر مما يجب
وتصدق أكثر مما يجب
في بادية جرداء تدعى بلاد العرب
***
أحلام
يا امرأة أراد البدو قتلها .. لأنها عاشت بالكلمات
كم أعشق امرأة تورق في دمي النرجس والكلمات
وكم أكرهكن .. وعذرا .. أزدريكن
أيتها المشنوقات بالحرير
والتائهات في غياهب الضمير
والمأسورات في ركاب الحمير
الساكنات في نعوش الوهم
والمشبوحات للأبد .. بين اليأس والرجاء
في رضا عنترة الموهوم
عنترة يا سيداتي مات
لا تبحثن عن رفاته
فقد بلي الرفات
ولكن، هل يجدي القول في موتى
هل يسمع الموتى الكلمات
القاهرة في نوفمبر 2009م

5.11.09

Business Trip to Morocco

Apologies for absence here as I will be in a business trip to Morocco and not sure I will be accessing online regularly. Cheers.

30.10.09

يوميات شبه الوطن


كما أن هناك جزر وأشباه جزر .. هناك أوطان وأشباه أوطان
  • الإعلامي المحسوب على النظام المصري "عماد الدين أديب" يطرح للمرة الثانية موضوع الخروج الآمن للرئيس من السلطة فيما يشبه جس النبض لمبادرة تصالح وطني، ورد فعل أغلب الأوساط المثقفة كان رفض المبدأ بمنطق "ماتقدرش" والقول بأنه تنبغي المحاسبة والاعتراف بالأخطاء ... الخ، أتذكر كلمة سمعتها منذ سنوات تقول أن المثقفين المصريين حالمون ومثاليون ولهذا لن يتمكنوا من تحقيق الحياة الديمقراطية لهذا الوطن، فالوصول لتلك الحياة يمر بحلول وسط مثل الماجنا كارتا الانجليزية وغيرها من المكاسب الدستورية التدريجية، ومبادرة الخروج الآمن قد تكون الحل المغري الوحيد للنظام للتنازل عن خطط توريث السلطة بعد أن استنفذ فسيولوجيا خطط التمديد، أما رفضها والكلام عن محاكمات وحساب وغيره فلن يؤدي لغير تأكيد النظرية التي تقول بحتمية التوريث كحل وحيد لتأمين النظام بكل عناصره
  • اجتياح صهيوني جديد للمسجد الأقصى يتبعه رد فعل شعبي باهت في الشارع العربي وغيبوبة رسمية من الحكومات العربية، أتذكر أيام العدوان الأخير على غزة وكيف صار عدد الضحايا المتزايد عادة يومية نتابعها في النشرات بقلوب فاترة الحماس مع طول المدة، ثم أتذكر قول "فيصل" ملك العربية السعودية أنه رجل عجوز يتمنى الصلاة في القدس قبل موته، و أتذكر نص خطابه التحريضي للرئيس الأمريكي مطالبا بعدوان صهيوني ضد مصر وسوريا قبيل النكسة، أضحك وأنا أقول لنفسي: ربما قصد أنه يتمنى الصلاة في هيكل سليمان قبل موته
  • هيكل أستاذ الأجيال والعقلية الاستراتيجة الجبارة يعرض روشتة دستورية رفيعة المستوى باقتراح مجلس أمناء دستوري ينقل السلطة لرئيس جديد في ظل ديمقراطية حقيقية فتخرج عليه الأقلام المدربة على النباح من الأهرام والأخبار، لتصدق فيهم أبيات الفاجومي
نفس العصابة الأمريكاني مربعة
فوق الغلابة والديابة مضبعة
والصحفجية العرصجية الأربعة
لابسين صاجات وكل حاكم له غنا
ثم يأت رد
السيد الوزير مفيد شهاب بما معناه أنه ليس لدينا أزمة دستورية لنلجأ لهذا، فماذا يسمى الموقف الحالي إذن؟ مرشح مرتقب للرئاسة هو ابن الرئيس الحالي يترشح للانتخاب في ظل سلطة والده بحيث تصبح كلمة "نزيهة" اسم حريمي لا أكثر، وبذات الوقت مادة في الدستور تحجب طاقات خلاقة بالبلد عن الساحة وعن دخول المنافسة من الأساس، ماذا يسمى هذا لو لم يكن أزمة دستورية؟ أزمة عاطفية؟
  • قرار شيخ الأزهر بمنع حجاب المدرسات داخل الفصول أثناء الشرح أقل ما يوصف به هو الاستنارة، فعملية التواصل البشري مع المدرس لن تتم مع معلمة محجوبة الوجه، فمتى تنفذ قرارات وزير الصحة الموجودة بالفعل من زمن بمنع الطبيبات والممرضات المنتقبات من ممارسة المهنة لتعارض حجب الوجه مع الاطمئنان النفسي الذي تعطيه ملامح الطبيب الهادئة لمريضه؟ وبينما تتزايد صرخات تيار الصبغة الدينية كما أسميه أنا أو التدين البديل كما أسماه الرائع "علاء الأسواني" يدور الحديث في الجلسات الأسرية حول تجارب الجميع في الشوارع والمواصلات مع منتقبات يظهر شعر الذراعين أو الساقين منهن عرضا ليكشف أنهن رجال متنكرين في الحقيقة، كارثة أمنية ومصيبة وجدت الجميع حولي قد لاحظها من قبل ومرت مرور الكرام، وهذا يؤكد قولنا بخروج النقاب من حيز الحرية الشخصية بسبب طمس الهوية الجنائية، ففي أعرق البلاد الحرة لن تتمكن من السير في الشارع مغطيا وجهك بشراب فوال على غرار قطاع الطرق في الغرب دون أن يوقفك رجل شرطة اشتباها في الاعداد لجريمة

15.8.09

مفلوق دوت كوم-03


حصيلة جديدة من مواقف وكلمات وأخبار تفلق الحجر أحببت أن أشارككم فيها يا أصدقائي الرائعين
  • يحكي لي صديقي عن مشاهد الدجل التي رآها، حيث كان الشيخ (أو القسيس لست أذكر) يخاطب المرأة التي ركبها العفريت، طالبا من العفريت أن يخرج، فيهدد العفريت بالخروج من عينها، فيرفض الشيخ في مشهد مسرحي حتى لا يفسد عينها، ثم يعرض العفريت الخروج من بطنها فيعترض مولانا حتى لا يفتح بطنها، وأخيرا يتفقان على خروجه من إصبع رجلها الكبير، وفجأة .. تك .. يتفجر ما يفترض أنه دم من إبهام القدم ويفترض أن بسلامته سي العفريت خرج معه، أضحك ملأ فمي وأقول له: يعني ماحدش كان قادر يرد ع العفريت وهو بيقول أخرج منين ويقوله ما تخرج من مطرح ما دخلت يا روح والدتك؟ ولا حد يوضح للشيخ العبيط الذي يمثل المشهد بنفس تفاصيله منذ خمسمائة عام أن هناك فتحات جسم طبيعية فما وأنفا وشرجا يمكن لجنابه الخروج من أيها؟ أليس من واجب الدجالين تطوير أداءهم في الألفية الثالثة؟
  • أربع محاولات لتهريب كم مهول من الآثار المصرية عبر ميناء دمياط آخرها خبأ فيها الكلاب قطع الآثار في سيارات الأثاث الضخمة وكانت الشحنة موجهة لأسبانيا!! أتذكر أغنية درويش وأتخيل كلماتها محورة .. فين آثارك ياللي هربت الآثار؟ دول فاتولك مجد وإنت بعته بكام دولار
  • بما أن خلق الله اتخذوا موقفا من اثنين حيال موضوع عمرة رمضان وأنفلونزا الخنازير والطيور، إذ منعت بعض الدول رعاياها من العمرة كإيران وتونس، بينما لم تمنع دول أخرى كالجزائر والخليج العربي، قررنا نحن أن نوسطن الأمور، فمن حصل على فيزا قبل يوم تلتاشر الجاري يسافر ومن حصل عليها بعدها لا.. تصرف حكومة خايفة تمنع يقولوا عليها كافرة أو تسمح يقولوا عليها مش خايفة ع الناس ومش بتنفذ توصيات المجتمع الدولي!! أتذكر مثل شعبي قبيح حبتين مضمونة أننا بلد عاوزة ... وخايفة من الحبل
  • جماعة جديدة ع الفيسبوك لدعم ترشيح "جمال مبارك" للرئاسة .. على الطريقة القدييييمة بتاعة: أعطنا جمال يا ريس .. والنبي ما تحرمنا منه .. ده انت عمرك ما بخلت على مصر بحاجة .. والنبي "جمال" يا ريس .. طب حتة صغننة!! أنا واحدة ست .. أنا عندي برد .. وتكرس المجموعة لترشيحه بأنه الحل لكل مشاكلنا وبأن في عينيه التي تشع .. ذكاء .. يكمن مستقبل مصر المشرق، وأن الشمس باختصار لن تشرق في العام ألفين واحداشر إلا لو كان فوق كرسي الرئاسة شاب أربعيني عيونه سوداء واسمه "جمال" .. أكثر ما أضحكني في موقع المجموعة هو وصفهم له بأنه "متعلم على مستوى عالي جدا" فأقول في بالي: جميل .. هأنذا رجل بسيط من رعية سيادته المنتظرة تلقى تعليمه في المدارس المصرية العادية خاااااالص أم خمستاشر جنبه في السنة ولكنني مستعد لمناظرة السيد رئيس لجنة السياسات في التاريخ المعاصر والتخطيط الاستراتيجي والاقتصاد والاستراتيجية العسكرية والعلاقات الدولية، وهي العلوم التي تؤهل للرئاسة، ولست وحدي من يستطيع ذلك، لكن مثلي آلاف الرجال على ضفتي النهر الخالد، فمصر لم تعقم ولكن عقمت كرامة بعض بنيها فقبلوا أن يصبحوا تراثا أو عقارا
  • لو عقدت مسابقة عالمية لاختيار النجم المتجدد الشكل دائما حتى لا تكاد تعرف له سحنة فستحتار لجنة التحكيم بين مرشحين اثنين .. المطربة "مادونا" والشيخ "خالد الجندي" الشهير بداعية النيولوك
  • يستمر معجم العامية المصرية الجديد في إنتاج بدائعه، وتراكيبه اللغوية الفريدة، امبارح سمعت واحدة بتقول لواحد في الشارع تحت بيتنا: قد كده هو حد جبان آخر حاجة .. تذكرت القصري وهو يقول: أنا ف عرض المجمع اللغوي

24.7.09

سؤال تاريخ عام 2080م


في اختبار التاريخ بالصف الثالث الثانوي عام 2080م كان السؤال الأول هو عقد مقارنة بين رئيسين مصريين، كليهما كان اسمه "جمال" وحكم الأول مصر ما بين 1954-1970م والثاني ما بين 2010-2038م، فشرع الطالب في الإجابة الكترونيا على الحاسب النقال فكتب
  • كلاهما تنتمي جذوره الأسرية للطبقة الكادحة المصرية، الأول من صعيد مصر والثاني من محافظة المنوفية في الدلتا، وبينما استمر الأول في انتمائه لتلك الطبقة معلنا انحيازه الدائم لها، كان الثاني وهو المولود في الرفاهية منتميا لطبقته المستحدثة، وهي الطبقة الفوق-فوقية الراقية، والتي ظهرت بمصر في عصر الرئيس السادات ونمت وترعرعت في عصر الرئيس مبارك الأول
  • الأول نشأ ودرس في مدارس مصرية عامة مع أقرانه من أبناء الطبقة المتوسطة المصرية التي انتمى إليها والده، والثاني نشأ وترعرع في مدارس أمريكية مع أقرانه من أبناء البعثات الدبلوماسية الأمريكية والانجليزية والاسرائيلية وغيرهم من أنجال كريمة المجتمع التي تربع والده على قمتها
  • الأول تخرج في الكلية الحربية ودرس في كلية أركان حرب وعمل مدرسا بها، بعدما عمل في المعسكرات ووحدات القتال من منقباد للد والرملة في فلسطين واشترك في حرب عام 1948 كأركان حرب الكتيبة السادسة وجرح في هذه الحرب، بينما الثاني عمل في البنوك الانجليزية بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية بالقاهرة ليكتسب بذلك خبرة اقتصادية رائعة في تحقيق الربح الذاتي من المضاربات الاقتصادية، وهو ما ساعده لاحقا على تنمية أرصدة المعاشات من خلال المضاربات قبل كارثة البورصة الأمريكية عام 2013م
  • الأول وصل للسلطة عبر الشرعية الثورية التي فرضتها حركة الجيش عام 1952م ثم الشرعية الانتخابية عام 1954م، الثاني وصل للحكم من خلال الواقعية الوراثية وعبر الشرعية الدستورية المعدلة بعد تعديل الدستور المصري، وفي نطاق من رضا المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة زعيمة العالم الحر وفي انتخابات امتازت بالشفافية المعتادة
  • تبنى الأول خطا اقتصاديا اشتراكيا كان قوامه انشاء القطاع العام المصري لتشهد مصر أعلى معدلات نمو في تاريخها الحديث ما بين 1962 و1965م، وبدأ ثورة صناعية مصرية سبقت بداية الصين للتصنيع، وانتعشت خلال عهده صناعة النسيج في خطوة تطويرية كانت الثانية بعد خطوة طلعت حرب المؤسسة، أما الثاني فتبنى خطا اقتصاديا يمينيا بعد بيع القطاع العام المصري في عهد والده، وفي هذا الاطار تمت خصخصة قناة السويس والبنك الأهلي وهضبة الأهرام وتم منح امتياز تشغيل لآثار الأقصر وأسوان لشركات فرنسية وايطالية، وزادت في عهده صادرات مصر من النسيج المصنع من خامات اسرائيلية 100% وذلك في اطار اتفاقية الكويز الثانية عام 2018م
  • تبنى الأول منهجا متشددا حيال دولة اسرائيل الصديقة، فالتزم بلاءات ثلاثة هي لا مفاوضات مباشرة ولا صلح ولا اعتراف، وكانت هذه الثلاثية ملزمة لجميع الدول العربية خلال حياته ففاوض اسرائيل من فاوضها سرا كملك الأردن، أما الثاني فقد انتعشت في عهده علاقات الصداقة والتبادل التجاري المتميز مع اسرائيل الشقيقة، كما تمتعت مصر بمعونات اسرائيلية عينية في شكل قمح وبذور ومعدات اسرائيلية مجانية خاصة خلال الأزمة الاقتصادية ما بين 2019 و2025 فيما عرف ببرنامج مكافحة الجوع
  • بينما منيت مصر بهزيمة عسكرية في عهد الأول، إثر هجوم اسرائيل عليها عام 1967م واحتلال سيناء، فقد تحررت مصر في عهد الثاني من النفوذ اللبناني الذي بدأ في عهد سلفه، وذلك بعد أن وظف بذكاء بالغ علاقاته مع الولايات المتحدة لانشاء قواعد أمريكية جديدة ومتطورة تعد الأكبر في الشرق الأوسط، مكنت القوات الأمريكية من فرض نفوذها على مصر برا وبحرا وجوا وضيقت الخناق على القوات اللبنانية التي تدخلت لحماية العمق المصري بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 2020م وقبل تجديد معاهدة السلام مع اسرائيل الشقيقة
  • بينما ساءت في عهد الأول العلاقات المصرية بالبيت الحاكم السعودي بسبب تآمر السعوديون ضد الوحدة العربية وبسبب موقفهم في حرب اليمن، فقد تميز عهد الثاني بعلاقات استثنائية كان للمركز الثقافي السعودي خلالها دورا رائدا في صياغة الوعي المصري وعملية التمدين والتطوير الوهابية الإسلامية الأمريكية المشتركة، كما انتعش النشاط التجاري باستيراد القمح والدواجن المجمدة وبيض المائدة من القطر السعودي الشقيق في اتفاقية التعاون الاقتصادي الثلاثية بين مصر والسعودية واسرائيل
  • كانت ثروة الأول عند وفاته قرابة الأربعة آلاف جنيه مصري في شكل حسابات توفير في بنوك مصرية وأسهم شركات قطاع عام مصرية، بينما لم تكن للثاني حتى وفاته أية معاملات مع البنوك المصرية ولا المؤسسات المالية المصرية
  • شيعت جنازة الأول بعد وفاته حشود قدرت ببضعة ملايين ودفن في مسجده المسمى باسمه في القاهرة، بينما تلقت رئاسة الجمهورية بعد وفاة الثاني آلاف الرسائل الالكترونية والمكالمات الهاتفية المعزية في وفاته بحكم طبيعة عصر الاتصالات، ودفن في الحديقة الخلفية لقصره في شرم الشيخ
  • لم يمارس أحد من عائلة الأول السياسة بعده، مما يعكس تقصيرا واضحا في تربية أنجاله سياسيا، بينما تولى ابن الثاني الرئاسة بعده، ليعقبه حفيده الأول ثم حفيده الثاني، وهو الرئيس الحالي، وذلك بعد أن تم التعديل الثالث عشر للدستور المصري ليستوعب الفكر الجمهوري الوراثي الرائد الذي قدمته مصر "توني مبارك" للعالم الحر وأشادت به الأنظمة الديمقراطية في العالم

عندما انتهى من الإجابة التي أسهب فيها كانت المدرسة الأمريكية التي تراقب على اللجنة من خلال كاميرات المراقبة البانورامية تنبه الطلاب لمضي الوقت من خلال الإذاعة الداخلية للفصل

21.6.09

رجال لم تختبر

ومازال في القلب من الشعر بقية .. من وحي وصف لخيانات الرجال في كتاب "رثاء الشغالة" للإعلامية اللامعة (بلدياتي) دعاء فاروق


نحن رجالُ .. لم تختبر
خانات هوياتنا خاوية
حدقات عيوننا خاوية
وخزنات بنادقنا خاوية
نحن رجال .. لم تختبر
رايات ثورتنا بالية
خيول عزتنا طاوية
وجمال رحلتنا صادية
ولأننا لم نختبر
فكل الاحتمالات سارية
قد نبايع في العراق عليا
وقد نرقص في الشام لمعاوية
قد نصول كصولة الفرسان
أو
نتأود برقاعة الجارية
قد نزود عن الحمى
وقد نقايض بالحمى
ونسأل الله العافية
***
نحن رجال لم تختبر
لا رجاء للعيال .. ولا عزاء للنساء
فنحن هو الصنف المعروض تحت لافتة الذكر
بزمن التخنث والغباء
لم تصقلنا خطوب .. ولا خضبتنا دماء
نضالنا هواء .. كلامنا هراء .. وشرفنا هباء
قد نتشابه أو نتباين .. في النهاية
تختلف الأوزان والألوان والأسماء
والصنف صنف واحد
يباع كالغلمان ويورث كالإماء
ذراعه خيال .. لا زند ولا عضد
وشفتاه سراب .. لا ماء ولا رواء
ساقاه كالحبال .. لا سعي ولا ثبات
وصدره جليد .. لا أمن ولا غناء
***
نحن رجال لم تختبر
بسمتنا مغشوشة
كحشيشنا
المغشوش بالحناء
وفحولتنا مختومة
باسم الحبة الزرقاء والصفراء
سلبتنا الدنيا أجمل ما كان فينا
وجرت العولمة منا مجرى الدماء
نكرهها .. ونلعق نعالها
نجرعها داءَ .. ونطلبها دواء
نحن رجال لم تختبر
نعمل بالكيمياء .. ونضاجع بالكيمياء .. وننام بالكيمياء
يتحرش بنا شرطي .. فنتحرش بالنساء
يضرب ابن باربرا قفانا .. فنضرب النساء
تنهش أمريكا رجولتنا .. فنغتصب النساء
لا حيلة لنا .. ولا حيلة للنساء
فنحن هو الصنف المعروض تحت لافتة الذكر
بزمن التخنث والغباء
صنف تورده المعونة الأمريكية
مغلفا وجاهزا لعيش الإماء
مسجون العزيمة .. مهزوم العنفوان .. منزوع الكبرياء

16.6.09

أوباما والوهم العربي


بداية أود القول أنني أحترم شخص الرئيس الأمريكي الجديد "باراك أوباما" لأنني أعتقد أنه سيكون خلال ولايته عند حسن ظن الجماهير التي انتخبته ووضعته في البيت الأبيض، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون عند حسن ظننا، خاصة لو كانت ظنوننا قائمة على الأوهام أكثر مما تقوم على التحليل الاستراتيجي لتحركات السياسة العالمية، "أوباما" مواطن أمريكي بدرجة رئيس جمهورية منتخب وفقا لدستور الولايات المتحدة الذي يتبعه الرؤساء ولا يعدلونه وفق هواهم، أمريكي أولا وثانيا وحتى عاشرا، ولن تغير تماحيكنا هذه الحقيقة، أعني تماحيك من عينه أنه مسلم أو والده مسلم أو اسمه الحقيقي "أبو عمامة" أو أنه أفريقي الهوى ومتعاطف مع العالم العربي ... الخ، وهذه ليست أول مرة نتمحك فيها برئيس أمريكي، لمجرد أن سلفه كان مطلع أسلافنا، فهذه عادتنا منذ السبعينات، منذ أن فقدنا عزيمتنا وارادتنا الحرة وصرنا شعوبا بغير ارادة ولا كرامة ولا استقلال وطني، وهي على حد تعبير أستاذ الأساتذة "هيكل" المرة الثالثة التي يبيعون لنا فيها الوهم الأمريكي ونشتريه نحن بكل سذاجة، فتعالوا بنا نسترجع لوحة كوميدية من ماضي الوهم العربي العريق

كان الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" مطبقا للسياسة الأمريكية دون رطوش وبكل فجاجة ووقاحة، وكان رئيسا ديمقراطيا داعما للتدخل الامريكي في الخارج بسياسة الذراع الثقيلة، فزاد من تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام والتي كان سلفه الأكثر مثالية "جون كينيدي" يخطط لانهائها، وكان على الهامش مواليا لحليفة بلده اسرائيل إلى مالا نهاية، فلم يحرص على علاقات جيدة مع العالم العربي سوى مع الحليفة الثانية للولايات المتحدة في المنطقة وهي العربية السعودية، وهكذا قمنا كعادتنا بشخصنة خلافنا معه، ولعناه في الأشعار والأزجال والكاريكاتير، وحين انتهت ولايته عام 1969م وجاء خلفه "ريتشارد نيكسون" حاول ملوك ورؤساء العرب الترويج لنيكسون على أنه "حاجة تانية خاااالص" وعن هذا كتب الفاجومي قصيدة طريفة للغاية يلخص فيها حالة التماحيك وقتها بقوله

أب ت ث جح .. ألف باء .. جونسون روح .. نيكسون جاء
قولوا هأوأو .. قولوا هاء .. على صحافتنا الغير غراء
***
ذات صباح .. يا فتاح .. بالجرانين على ريق النوم
جم على سهوه كبسوا القهوه .. وابتدأوا ف تضييع اليوم
اللي يقول النصر نميس .. ينفع تاكسي ويمشي رميس
واللي يقول الفورد يا بيه .. أجعص من أجعصها جعيص
واللي يقول جونسون دا حمار .. راجل عقله عقل صغار
راجل تيس .. من غير حيث .. ينصب ألف جنازه بطار
بس اهو راح .. وحنرتاح .. وحنتبحبح بقي ونقول
يخرب بيته ويدلق زيته .. ويعيش نيكسون لنا على طول
نيكسون عال .. ومش بطال .. وإللي يقول غير كده مقفول
شفت كلامه .. إلا كلامه .. صح كلام راجل مسئول
ولا عنيه .. يا ختي عليه .. فيهم سكس ماهوش معقول
***

ألا نجد هذا قريبا من الكلام الدوار حاليا عن "أوباما"؟ نعم الرجل له حضور واضح، وحديثه زاخر بالقيم الإنسانية التي ينهي بها نمط الواقعية السياسية السمجة لعقود، ونعم له توجهات اقتصادية مناسبة جدا للأزمة الحالية والخروج منها، برافو عليه وعلى من انتخبوه ليصلح لهم ما أفسده سلفه البليد، لكن مالنا نحن بكل هذا؟ ماذا سنفيد من قيادته أو حضوره أو ذكائه؟ لا شيء تماما إلا أن حليف عدونا التقليدي أصبح به أكثر قوة، وهو أمر يدعو للقلق، برافو على المجتمع الأمريكي الذي وصل لدرجة من النضج ينتخب فيها رئيسا ملونا، وتنافس فيها امرأة على كرسي الرئاسة فتبلي بلاء حسنا، برافو عليهم .. ويا خيبة من مازالوا يناقشون هل الدولة المدنية ومجتمع المؤسسات الدستورية تناسبنا؟ هل المصريون المسيحيون مواطنون أم ذميون؟ هل يمكن أن ننتخب قبطيا للرئاسة؟ برافو عليهم ولا عزاء لنا في عالم سريع التطور والتحور ولا يأبه بالغافلين والمأفونين وفاقدي الزمن والتمييز

11.6.09

الفارق والشتان


صفتان أراهما ضروريتين للإنسان الناجح في أي مجال، أما الأولى فمراعاة مقتضى الحال، وأما الثانية فمعرفة أقدار الرجال، فمراعاة مقتضى الحال تجعله يضع الكلمة في موضعها، ويضع الأمور في نصابها لتحقيق أفضل النتائج، سواء في مجال العمل أو الأدب أو الحياة العامة أو الخاصة، وكذلك معرفة أقدار الرجال ضرورية في كل هذه المجالات، فلا يساوي المرء بين غير الأسوياء، ولا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع، وللعرب في هذين الأمرين أقوالا ومأثورات وصلت الغاية في إحكام المضمون وبلاغة الشكل، وهنا نسوق منها بعض الأمثلة المختارة لبلاغتها وحكمتها

في سقيفة بني ساعدة، حين قال قائل من الأنصار للمهاجرين "منا أمير ومنكم أمير" أجابه الفاروق "عمر بن الخطاب" بقوله الشهير "هيهات لا يجتمع اثنان في قرن .. والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم منهم" يعني بذلك المهاجرين .. فذاك مثال لمراعاة مقتضى الحال

وحين أرسل "معاوية" لعلي خطاب يدعوه لقبول خلافته قائلا أن كليهما من بني عبد مناف ولا فضل لأحدهما على الآخر، أجابه كريم الوجه قائلا "وأما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل .. فعلمري إنا بنو أب واحد .. ولكن .. ليس أمية كهاشم .. ولا حرب كعبد المطلب .. ولا أبوسفيان كأبي طالب .. ولا المهاجر كالطليق .. ولا الصريح كاللصيق .. ولا المحق كالمبطل" فذاك من بيان الفرق بين أقدار الرجال، وحين خطب "معاوية" أحد زوجات "علي" بعد استشهاده، ردت الزوجة على الوسيط الذي ندبه "معاوية" بقولها "يريد صاحبك ليحل محل أمير المؤمنين في فراشه بعد أن غصب كرسي خلافته؟ والله لا يكون هذا أبدا .. فليوم من علي خير من ملء الأرض مثل معاوية حيا وميتا" وهذا قول من عرفت قدر زوجها الراحل فردت خاطبا دونه في كل شيء

ومن الشعر الحديث أبيات رائعة لنزار قباني رحمه الله قال فيها "أتهددين بحبك الثاني وزند غير زندي؟ إني لأعرف يا رخيصة أنني ما عدت وحدي .. هذا الذي يسعى اليك الآن لا أرضاه عبدي .. فليمضغ النهد الذي خلفته أنقاض نهد .. يكفيه ذلا أنه قد جاء ماء البئر بعدي" وهذا استعلاء الشاعر بأدبه عمن سواه

26.4.09

فسيفساء العالم القديم-02


سوريا
الأجناس والأعراق السورية
  1. العرب ويمثلون 90% من تعداد السكان
  2. الأكراد ويشكلون قرابة السبعة بالمائة
  3. التركمان السوريون وعددهم أقل من مائة ألف
  4. السوريان وعددهم حوالي 700,000 نسمة، ولهم أهمية خاصة في التاريخ المسيحي إذ مثلت الكنيسة السوريانية الشرقية مذهبا مستقلا عن الكاثوليك والأرثوذكس معا منذ المجامع المسكونية الأولى واحتفظت لنفسها بشخصيتها المستقلة دينيا وعرقيا
  5. الأرمن ويمثلون أكثر من 150,000 نسمة، وهذه عرقية وافدة وليست أصيلة، إذ لجأت هذه الأقلية لسوريا مع الشتات الأرمني الذي أعقب المذابح العثمانية للأرمن

الأديان والطوائف

  1. المسلمون السنة يمثلون حوالي 70% من السكان
  2. العلويون ويمثلون حوالي 15% من السكان، واسم الطائفة ينتسب لسيدنا "علي بن أبي طالب" وتسمى كذلك بالنصيرية نسبة لمحمد بن نصير، وقد تأسس المذهب العلوي في تقديرنا نتيجة الالتقاء الفكري بين الشيعة الاثنى عشرية والمسيحيين السوريان من جهة ثانية ثم الاحتكاك بالصليبيين من جهة ثالثة، ونتج عن هذا معتقدات دينية وفكرية تمزج بين الإسلام والمسيحية والديانات الشرقية القديمة قبلهما
  3. الروم الأرثوذكس ويشكلون 5% من السكان
  4. الدروز ويمثلون أيضا قرابة 5% من السكان
  5. المسيحيون السوريان النسطوريون والشيعة الاثنى عشرية النزارية ويمثلان معا 5% من السكان

اللغات الحية

  1. العربية
  2. الكردية
  3. التركمانية
  4. الآرامية السوريانية

22.4.09

فسيفساء العالم القديم-01


لعل جانبا واحدا من جوانب هويتنا لا يختلف عليه عاقل، وهو أننا كمصريون خاصة وكعرب عامة نسكن ما يطلق عليه العالم القديم، قلب العالم الذي خرجت منه حضارة البشر كما يقول المؤرخ والفيلسوف الكبير "ويل ديورانت" في موسوعته عن قصة الحضارة، ولأنه قديم فهو أكثر بقاع الأرض ثراء بأعراقه وعقائده وقومياته، ربما لهذا أضحك وآسى في آن واحد حين أرى الملاسنات الخارجة بين أبناء العالم القديم، المسلمون مقابل المسيحيين، العرب مقابل الأكراد، الشيعة مقابل السنة، القبط مقابل النساطرة، وكل فريق يحاول أن يثبت لنفسه امتلاك الحقوق والحقائق المطلقة ونفيها عن الفريق المقابل، فخطر لي كتابة مقالة عن أعراق العالم القديم ولغاته وأديانه التي مازالت حية حتى كتابة هذه السطور، ولا أعني بهذا الدفع باستحالة التقارب بين شعوب هذا العالم القديم، والذي سميناه بالعالم العربي حينا وبالعالم الإسلامي حينا، وحقيقة الأمر أنه ليس عربيا صرفا ولا إسلاميا خالصا، بل إنني أرى في التعددية ثراء يفيد شعوب هذا العالم لو تقاربت وتكاتفت في نموذج شبيه بالاتحاد الأوروبي، ولعل أول خطوات التقارب أن ندرك أن العالم المحيط بنا أكبر وأكثر تعقيدا من أن يختصر في عرق واحد أو دين واحد، فتعالوا نتناول أقطار العالم القديم واحدا تلو الآخر ونتعرف على نسيجه السكاني شديد التعددية كالفسيفساء، ولما كنا نتحدث عن العالم القديم، وجبت البداية مع ميزوبوتاميا التي بارت مصر القديمة في عراقة حضارتها

العراق

الأديان والطوائف العراقية
  1. المسلمون الشيعة وأكثرهم من الاثنى عشرية ويمثلون 63% من السكان، وكانت أحد إشكاليات النظام السابق في العراق هي فرض مذهب الحاكم السني على هوية الدولة ومناصبها الرئيسية برغم وجود تلك الأغلبية الشيعية الواضحة، ويتميز المذهب الإثنى عشري كما هو معروف للجميع بمبدأ الإمامة، والذي يقول بتوارث القيادة الدينية بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في إثنى عشر إماما من عترته أولهم "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه وآخرهم "محمد المهدي" أو المنتظر صاحب الزمان كما يطلقون عليه، والذي ينتظرون بعثته في نهاية العالم ليقيم العدل في الأرض ويقودهم ضد قوى الضلال
  2. المسلمون السنة ويمثلون 32% من تعداد السكان، وعقيدة هؤلاء معروفة لنا جميعا، وأكثر المذاهب الفقهية شيوعا بين العراقيين من العرب هو المذهب الحنفي، والمذهب الشافعي بين الأكراد، وهؤلاء كما هو معروف يؤمنون بعودة المسيح عيسى بن مريم في نهاية العالم ليقود جيشا منهم ويوحد العالم تحت ملكه بعد أن يهزم المسيخ الدجال
  3. المسيحيون السوريان ويمثلون 3% تقريبا من السكان، وينقسمون إلى ثلاثة طوائف تحتية، هي المسيحيون النساطرة وهم أقل من واحد بالمائة من السكان، ثم اليعاقبة وهم كذلك أقل من واحد بالمائة، وأخيرا الكاثوليك الكلدانيون ولا يمثلون نسبة مئوية تذكر، وجدير بالذكر أن من هؤلاء الرجل الصالح الذي يأتي ذكره في السيرة النبوية باسم "يوسف بن متى" ومازال النساطرة حتى اليوم يتركزون حول نينوى التي سكنها الرجل الصالح كما ورد في السيرة النبوية، والسوريان بكل طوائفهم يؤمنون بالملك الألفي للمسيح بعد عودته، إذ يملك لمدة ألف سنة يلعب فيها الذئب مع الحملان ويعم السلام والأمن ربوع الأرض
  4. اليزدانيون وتتمركز غالبيتهم حول الموصل وأغلبهم من القومية الكردية، ويحجون إلى مرقد "عدي بن مسافر الأموي" وهو من نسل "مروان بن الحكم" لأنهم يؤمنون بتجسد الخالق الأول في شخصه، وخالق الكون لديهم هو "ملك طاووس" والذي كان ملكا هوى في الخطيئة ثم تاب وبكى وظل يبكي لسبعة آلاف عام، وأنشأ الكون بعد ذلك، ويتجسد هذا الملك في بعض البشر من الصالحين وفق عقيدتهم، ولهذا فهم ينتظرون عودة "ملك طاووس" مجسدا في بشر في نهاية العالم



  5. الآليفيون وعقيدتهم مزيج من العلوية والزرادشتية، واللتان يأتي تفصيلهما لاحقا، ويبلغ تعدادهم حوالي المائة ألف، ونلاحظ أن اسم العقيدة شديد القرب من العلوية عند نطقها باللهجة الفارسية، ولهذا يخلط الكثيرون بينهم وبين العلويين، وإن كانوا هم يرفضون هذا ويرون أنفسهم عقيدة مستقلة
  6. المندائيون أتباع "يوحنا المعمدان" أو النبي "يحيى بن زكريا" كما ورد في القرآن الكريم، وهم مشهورون بالتطهر بالماء ولبس الثياب البيضاء، ويعيشون في مجموعات قرب مجاري الأنهار، إذ يمارسون طقس المعمودية بالغمر الكامل في الماء الجاري يوم الأحد من كل أسبوع، والأنبياء الحقيقيون عندهم "آدم" و "قابيل" و"إينوخ" و "نوح" و "سام بن نوح" و "رام بن سام" وآخرهم " يوحنا المعمدان"، ويرجح البعض أنهم الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن كأحد الطوائف الموحدة بالله، وهم ينتظرون عودة "،يوحنا المعمدان" والذي سيمحو التوراة من الأرض لأنهم يعتبرونها كتابا مزورا ويدعو للشر ، وعددهم قرابة الستين ألف، وقد نزحت منهم أعداد كبيرة لسوريا هروبا من اضطهاد عرقي بعد غزو العراق والانفلات الأمني فيه
  7. الزرادشتيون أتباع الفلسفة الدينية لزرادشت، ويسمون كذلك بالمزدائيين نسبة إلى "آهورا-مازدا" خالق الكون في عقيدتهم والمتحكم في مصائره، ويؤمنون بعودة "زرادشت" للحياة من جديد في نهاية العالم واستقراره فيه لعدة قرون تعيش الأرض فيها بسلام، ويقدر عددهم في العراق بحوالي الثلاثون ألف نسمة معظمهم من الأكراد

  8. الشاباك ويعدهم البعض فرقة من اليزدانيين وإن كانوا هم يرفضون هذا ويعدون أنفسهم ديانة مستقلة

الأعراق والأجناس العراقية

  1. العرب ويشكلون 60% من إجمالي سكان العراق، وهؤلاء كلنا يعرف عنهم ما ينبغي، أو ربما أكثر مما ينبغي
  2. الأكراد وهو ثاني المجموعات العرقية ويمثلون 20% من السكان تقريبا، وهي أمة عريقة سكنت المنطقة المعروفة بكردستان والواقعة بين أراضي العراق وتركيا وسوريا وإيران، وهي جماعة احتفظت بتماسكها ونقائها العرقي إلى حد بعيد رغم وجودها في خضم سكاني يحيطها من جميع الجهات، وأكراد العراق هم ثاني تجمع سكاني كردي بعد أكراد تركيا البالغ عددهم خمسة عشر مليونا، وأشهر شخصياتهم في تاريخنا "صلاح الدين الأيوبي" وأسرته التي تبدأ من والده "نجم الدين أيوب" وعمه "أسد الدين شيركوه" ثم إخوته وأبناءهم، وكذلك العائلة التيمورية الشهيرة في حياتنا الأدبية والفنية المعاصرة، وقد عانى الأكراد من الاضطهاد في زمن البعث العراقي الذي كانت قوميته ذات نعرة إثنية على عكس القومية الناصرية القائمة على التحالف الاستراتيجي بين العرب

  3. التركمان ويمثلون حوالي 12% تقريبا، ويتجاوز عددهم الثلاثة ملايين، وقد ظهرت هذه التسمية في القرن العشرين حين فصلت بريطانيا إقليم كركوك عن تركيا وضمته للملكة العراقية الوليدة، وتعرضوا للاضهاد منذ زمن الحكم الملكي في العراق، نظرا لأن الملك فيصل الهاشمي كان ينتقم من الترك ممثلين في هذه الأقلية، وذلك لمعاصرته ومشاركته في الثورة العربية المدعومة من بريطانيا ضد الدولة العثمانية
  4. السوريان ويبلغون خمسة بالمائة من السكان، وهم ينتسبون للدولة الأكادية القديمة، ويدين معظمهم بالمسيحية وينقسمون للثلاث طوائف سالفة الذكر
  5. اللوريون أقل من ثلاثة بالمائة

اللغات الحية

  1. العربية وهذه كذلك نعرفها جميعا
  2. الكردية بلهجاتها المختلفة وأهمها اللهجة السورانية في الشمال، والكيرمانجية في الوسط والكيرندية في الجنوب
  3. الآديغية القوقازية ويتحدث بها قرابة العشرين ألف عراقي، وهي أحد اللغات القوقازية الشمالية
  4. السوريانية أو الآرامية الحديثة وهي لغة 30 ألف عراقي، وهي ذات اللغة التي تحدث بها المسيح في القرن الأول للميلاد بتطورات طفيفة في لكنتها
  5. الأرمينية ويتحدث بها 60 ألف نسمة في العراق
  6. الكلدانية، وهي الأخرى من اللغات الناشئة عن الآرامية، ويتحدث بها قرابة الربع مليون عراقي
  7. الدومارية وهي أحد اللغات الهندو-أوروبية ويتحدث بها ثلاثمائة ألف نسمة
  8. الفارسية وهي لغة ربع مليون عراقي كذلك
  9. الشاباك ويتحدث بها أقل من عشرة آلاف
  10. الجورانية وهي الأخرى أقل من عشرة آلاف

ونحن هنا نتحدث عن لغات متباينة تفرعت من أصول غير حية، وليست لهجات متفاوتة لأصول حية وإن كان بين بعضها وبعض تقارب لأنه معظمها خرج من اللغات الهندو-أوروبية، ولكل هذا، صار العراق هو مصيدة اليمين المتطرف الأمريكي والعالمي الذي دخلها ليصطاد المال والبترول، وقد نال ما أراد، لكن حمام الدم اللانهائي هو ما لم يحسب له حساب بالطبع

21.3.09

سبع شرقاوي


آخر أبطال الوجدان الشعبي ضد الاحتلال
منين اجيب ناس لمعناة الكلام يتـــــــلوه
كلام قالوه ناس وياما بكرة ناس يقولوه
القول على سبع .. لكن سبع شرقـــاوي
الاسم لادهم ولكن نأبه شرقـــــــــــاوي
حكايته ياللعجب فيها العقــــــــول بتتوه
هكذا غنى "عبد الحليم حافظ" ابن قرية الحلوات في محافظة الشرقية من كلمات الشاعر الشرقاوي "مرسي جميل عزيز" موال آخر الأبطال الشعبيين في تراثنا، والذي كان كفاحه الذي أسبغه عليه الخيال الشعبي موجها ضد الاستعمار الانجليزي، وكانت نسخة "حليم" هي النسخة الثانية غنائيا بعد موال "محمد رشدي" عن الشرقاوي والذي غناه عام 1962م ، و قال في مطلعه

منين أجيب ناس لمعنات الكـــلام يتلوه
شبه المؤيد إذا حفظ العلــــــــــوم وتلوه
الحادثة اللى جرت على سبع شرقاوى
الاسم أدهم لكن النأب شرقــــــــــــاوى
مواله أهل البلد جــــــيل بعد جيل غنوه



وقد علمت من زوجتي مؤخرا أن اسم النبي حارسه وصاينه الفنان "محمد رجب" الذي أهابت به "هيفاء وهبي" أن يتكرم فيحوش صاحبه عنها، قد تطورت بطولته ما شاء الله ليمثل النسخة الثالثة من دراما أدهم الشرقاوي بعد نسختي "عبد الله غيث" في الستينات و"عزت العلايلي" في مسلسله في الثمانينات، وعموما التدرج بين غيث والعلايلي ورجب يناسب انتكاساتنا من الستينات للثمانينات للألفية الجديدة




أما عن بطلنا الشرقاوي، فالمفارقة الأولى فيه أنه لم يكن شرقاويا، أو بالأدق لم يكن شرقاويا مباشرا، فقد ولد وعاش في قرية من قرى مركز إيتاي البارود هي قرية زبيدة، أي أنه كان بحراويا، لكن البادي من لقبه أن له أصول شرقاوية نزحت من تلك المحافظة ذات الأصول العربية إلى البحيرة ذات الأصول العربية كذلك، والتصاهر والهجرات بين المحافظتين ذات العرق العربي كانت متصلة، فهو برأينا شرقاوي مستبحر أو بحراوي ذو أصول شرقاوية، وقد ولد كما تقول مراجع الشرطة عام 1898م، وقتل برصاصات الغدر عام 1921 وعمره 23 عاما فقط لا غير، فما حكاية البطل الشعبي "أدهم عبد الحليم عبد الرحمن الشرقاوي"؟ الذي جعل منه التراث الشعبي المصري آخر ملاحمه؟

كان فتى قويا يملك تلك القوة الاستثنائية المسماة في الريف بعرق الصبا، قوة عضلية ربانية ليست مؤسسة على ممارسة الرياضة، وقال بعض معاصريه أنه كان يرفع حجر الطاحونة بيديه ويكسر فروع الأشجار الغليظة بيديه العاريتين، كما كان يجيد ركوب الخيل كعادة أبناء الأسر الموسرة من محافظة البحيرة في ذلك الزمان، وقد تورط "الأدهم" في البطولة تورطا غير مقصود على عكس ما جاء في الموال والسيرة الشعبية، فعندما كان أدهم الطالب في مدرسة الشوربجي بكفر الزيات في عمر المراهقة، قتل القاتل المحترف "عبد الرؤوف عيد" عم ادهم الشرقاوي، الحاج "محمود الشرقاوي" الذي ظلمته السيرة الشعبية بادعاء شهادته ضد ابن أخيه في المحكمة، وهو من كان مصرعه بداية طريق أدهم مع الشقاوة، وكان القاتل المحترف قد قتله بايعاز من "إبراهيم بك حافظ" صاحب الأرض المتاخمة لأرض عم أدهم، والذي رفض بيعها له فقتله، وقد صمم أدهم على الأخذ بثأر عمه من البك الباغي، والذي وصله عزم الفتى، فاكترى قاتلا محترفا ليقتل أدهم، لكن أدهم تمكن من خطف بندقية القاتل المحترف وقتله بها، فحوكم في هذه الجريمة ودخل السجن، وقيل أن سجنه وهو في حالة دفاع شرعي عن النفس كان بإيعاز من البك القريب من السلطة والانجليز، وفي السجن صادف "أدهم" قاتل عمه الأجير، فقتله، وقد نقب جدار الزنزانة في سجن المركز البسيط وفر مع مجموعة من المساجين للصحراء المتاخمة لقرى البحيرة، وهناك سكن مع هؤلاء الذين صاروا عصابته في أحد كهوف الصحراء الغربية، وتمكن من تسليح عصابته بسرقة سلاحليك مركز ايتاي البارود ذاته، واحترف أدهم وعصابته السطو على الأغنياء والمرابين، لكنه لم يسط أبدا على بهائم الفلاحين الغلابة، ولهذا فقد رد له البسطاء الجميل الذي أسداه بالكف عنهم، فحولوه من خارج عادي على القانون إلى بطل مناضل ضد الاستعمار، خاصة وقد ألهبت قصة هروبه من السجن واستيلائه على السلاح خيال الفلاح لأبعد حد، وفي عام 1921 تمكنت قوة بوليس مصرية من العاصمة من حصار أدهم وعصابته في الصحراء، وقتل أدهم برصاص هذه القوة البوليسية المصرية، وليست انجليزية، وكان هذا الاهتمام الزائد بالخارج الريفي عن القانون على إثر قتله لنسيب وزير الأوقاف وقتها لسبب غير معروف

وسيبقى الجدل للأبد بين من يقولون أن أدهم كان بطلا ومن يرونه خارجا عن القانون حتى وإن اعتاد توزيع اللحم والمال على أهل بلدته في المناسبات الدينية والأعياد، والحقيقة أن أدهم في ذلك مثله كمثل "ياسين" الصعيدي الذي تمرد على السلطة الجائرة، ومثل "علي الزيبق" و"حسن المغنواتي" وغيرهم كثيرون، فكل من تمرد على التابو الاجتماعي أو بالأحرى على السلطة الجائرة التي اعتاد الفلاح المصري الخضوع والرضوخ لها إلى مالا نهاية، يرى فيه الفلاح المصري تعبيرا عن الثورة المكبوتة في صدره، ويراه بطلا خارقا لأنه فعل ما لم يفعله غيره من ملايين الخانعين من الرجال بطول الوادي وعرضه، وفي المقال القادم نتناول سيرة "ياسين" البطل الأقدم من أدهم في الخيال الشعبي، والصعيدي الأسمر الذي "قتلوه السودانية يابوي من فوق ضهر الهجين" كما غنت ليلى مراد في الزمن الجميل

14.3.09

حوار مع صديقي المؤسف


قصة قصيرة

كانت الشمس غائبة خلف تخوم السحب في هذا اليوم الشتوي الطقس من يناير، ودرجة الحرارة خارج السور الزجاجي للمقهي منخفضة للحد الذي جعل الدكتور "عماد عز العرب" - أو "ع ع" كما يسميه طلبته بقسم الفلسفة بكلية الآداب - يتنازل عن فكرة الغذاء في مطعم السمك المفضل لديه في حي بحري ويكتفي بشيء من الباتيه مع الشاي، فالجو منذر بمطر غزير، وعليه أن يقف بسيارته بعيداً عن المطعم لأن الشارع الضيق الذي يقع به المطعم لا يتسع لوقوف السيارات على جانبيه وإلا ناوشتها القبلات جانبية من عربات الكارو، تلك التي تحمل السمك من حلقة الانفوشي التي كانت يوماً شهيرة تكتظ بروادها قبل الانفتاح، والسير على الأقدام في شوارع بحري النصف ممهدة بعد المطر ليس بالشيء الجيد من وجهة نظر البنطلون والحذاء

بينما كان "عماد" يتناول الباتيه ويرشف الشاي، دخل المقهى رجل ملتحٍ يرتدي جلباباً قصيراً يعلو كعبه بمسافة تبلغ عشرين سنتيمتراً على الأقل، وتغطي لحيته النصف الأعلى من صدره، بينما تغطي رأسه عمامة مكونة من طاقية حجازية لف حولها شالاً أبيض تدلت ذؤابتاه على كتفه، أشاح "عماد" بوجهه عن الداخل فنظر نحو البحر، لا يخفي امتعاضه من التطرف بكل أشكاله، سواء حمل المتطرف فوق صدره سواكاً في جيب جلبابه أو صليباً في سلسلة ضخمة، يحترم بالطبع حرية المظهر للجميع، ولا يريد لأحد أن يمنع المسلم أو المسيحي من ارتداء ما يشاء وقتما يشاء، لكنه يرى في هذه المظاهرات الدينية التي تسود البلد في الألفية الثالثة نذير شر مستطير، المسلم يرص فوق زجاج سيارته إشارات دينية مختلفة ويعلق مسبحة في مرآتها، والمسيحي يلصق سمكة على خلفية السيارة ويعلق صليباً في المرآة، مظاهرة يقول بها كل فريق للآخر "نحن هنا ونزداد عددا وقوة كل يوم" ، قرأ ذات مرة في جريدة الصباح عن قرار لوزير الداخلية بمنع الإشارات الدينية في وسائل النقل الخاصة والعامة، كان هذا القرار الحكيم منذ بضعة سنوات، لكنه لم، وبينما هو في هذه الخواطر المتتابعة ناظراً نحو البحر، أتاه سوط من يمينه قائلاً
- عماد عز العرب!

فالتفت و اذا بمحدثه هو صاحب الجلباب الأبيض واللحية الكثة نفسه، فأجاب والدهشة تعقد لسانه
- نعم، أنا عماد!
- أعرف أنك هو برغم ما فعلته بك السنون، يبدو أنك تزوجت وحملت الهم مبكرا مثلي

شعر بالحرج، فالبادي من "العشم" الذي يتحدث به الرجل أنه يعرفه حق المعرفة، وهو يشعر بألفة مع ملامحه خلف اللحية حين اقترب، لكنه لا يذكر اسمه ولا أين التقى به؟ لعله زميل دراسة قديم من المرحلة الجامعية أو الثانوية قبلها
- يخونك البسكويت وقطع الشوكولاتة "بيمبو" من كانتين مدرسة طنطا الثانوية بنين، أم أنك صرت سكندريا ونسيت طنطا وأهلها؟
يا الله، يتذكر الآن فقط من طريقة كلامه المميزة، هو "محمود نافع" بطل الملاكمة في مدرسته الثانوية، كانوا يطلقون عليه "محمود الثور" لقوته وقوة اندفاعه الشديدة الغير متعقلة، قام من كرسيه معانقاًً لزميله القديم ومعتذراً عن عدم التعرف عليه فورا، ومتحججا بالهيئة الجديدة التي اتخذها "محمود" لنفسه، فأجابه صاحبه قائلا
- ليست الهيئة وحسب، بل قلبا وقالبا والحمد لله، عقباً لك
آه، بدأ الصديق القديم في ممارسة واجبه الدعوي مبكرا جدا، هكذا فكر "عماد" بداخله، فاستقر رأيه أن الأفضل هو الاقتصار على الترحيب وواجب ضيافة سريع ثم ينسحب من هذا اللقاء قبل أن يتطور بينهما الحديث، فحديث الأضداد كما علمته التجارب ينتهي بجفاء على أقل تقدير، وقد ينتهي بمصيبة في بعض الأحيان، دعاه "عماد" للجلوس وهو يتمنى الاعتذار من الطرف الآخر، لكن "محمود" سحب الكرسي المقابل له وجلس بعد أن كوم الجلباب بيديه في حجره، قائلاً
- ياه .. والله زمان، كم وعشرون عاما مرت منذ كنا معا في الثانوية العامة؟ لقد دخلت أنت الآداب هنا في الإسكندرية وقتها، أليس كذلك؟
- نعم، وأنا الآن أستاذ مساعد في قسم الفلسفة بها، وماذا عنك أنت
؟
ضحك "محمود" بدون صوت قائلاً
- تعرف أيام الشقاوة يا صاحبي لا أرجعها الله، لم ألحق إلا بالمعهد الفني التجاري المجاور لمدرستنا بالكاد، لكنه كان فاتحة خير بفضل الله، ففي المعهد شرح الله صدري وأبعدني عن صحاب السوء، ثم وجدت نفسي في العمل الحر فتركت المعهد وتفرغت للتجارة، فبها تسعة أعشار الرزق

جاء الجرسون فوقف بأدب خلف "عماد" الذي التفت إليه ثم إلى "محمود" سائلاً
- ماذا تشرب يا "محمود" بيه؟
- قرفة باللبن إن شاء الله
- وأنا سآخذ قهوتي

انحنى الجرسون في أدب قائلاً
- أتحب الشيشة مع القهوة يا دكتور؟
- ليس بعد

انصرف الجرسون فقال "محمود" معلقا
- تبدو عميلا دائما هنا؟ أنا لا أجلس في المقاهي عادة، لكن الجو المطير اضطرني لذلك، صحيح، فلتنادني "محمود"، ولو كان لابد من الألقاب فلتكن الشيخ "محمود"، لقد ألغى صاحبك الألقاب منذ عقود، أمازلت ناصريا أم هداك الله؟
- هدانا الله جميعا لما يحب ويرضى، لم أكن ناصريا أبدا، فبرغم تقديري للرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" وقناعتي بسياساته وتوجهاته، إلا أني لا أحب الانتساب لفرد، سواء كان "ناصر" أو "ماركس" أو "ماو"
- أي توجهات وأي سياسات، لقد راح على يد "عبد الناصر" هذا رجال يساوي ظفر أحدهم رقبته، رحم الله الشيخ الشهيد "سيد قطب" صاحب الظلال العظيم

إذن فقد كتب القتال على "عماد" في هذا اليوم المطير، في حوار لم يكن متحمسا له، لكن ولم لا؟ لقد كتب "مصطفى محمود" كتابه "حوار مع صديقي الملحد" حين ظهرت نبرة إلحاد محدودة مع التطور العلمي، أما اليوم، وبعد اتفاقية "سادات-تلمساني" في سبعينات القرن الماضي، فقد تبدلت الدنيا، وارتفعت نبرة التطرف الديني لعنان السماء، وهذا لا يقل خطرا، فلماذا لا يقيم حوارا يكتبه وينشره؟ حوار مع واحد من هؤلاء الرجال المؤسفين، والذين اختزلوا صورة المسلم كما أرادها الله عز وجل لهذه الصورة الممسوخة اللا-إنسانية التي روجوا لها، هكذا قال عماد في سريرته وهو يخرج سيجارة من علبته ويشعلها، سحب نفساً وهو يعتدل فوق كرسيه متأهباً للحوار، وقال
- لكن "قطب" لم يعدم بسبب مؤلفه المتميز "في ظلال القرآن"، ولكن بسبب ضلوعه في مؤامرة عام خمسة وستين، فضلا عن تكريسه للإرهاب في كتابه المدمر "معالم على الطريق"، وضلوعه في المؤامرة ثابت باعترافه واعتراف غيره كما تعلم
- اعترافات تحت التعذيب
- و الكتاب؟ كتبه أيضاً تحت التعذيب؟
- كتبه وهو أسير في سجن النظام الكافر
-
يدهشني ذلك، فالنظام الذي يعذب السجناء لا يوزع عليهم أوراقا وأقلاما سواء كان نظاما كافرا أو غير كافر

أسقط في يد "محمود" من هذه الملحوظة الذكية، فتبدلت ملامحه من الحدة والحماس إلى صورة حانية وهو يقول
- أقلقتني عليك يا صديقي القديم، أعرفك وأعرف طيب سريرتك، لهذا أخشى عليك من شدة يوم عظيم، فحبك لمثل هذا الرجل يجعلك تحشر معه يوم الدين، ومثله يكون محشره عصيبا

ضحك "عماد" وهو يعجب من مهارة الزميل السلفي في تحويل دفة الحوار ، ثم قال والابتسامة لا تفارق وجهه
- حذار يا شيخ "محمود"، فأنت بهذا تحدد مصير الرجل يوم الحشر، وهذا أمر نهانا الله عنه، والرجل بين يدي ربه، إن شاء عذب وإن شاء غفر، فلا تنذرني بما لا تملك لنفسك منه نجاة

ظهرت على "محمود" علامات الحماس ثانية، فقد أعطته الجملة الأخيرة دلالة على خلفية دينية لدى صديقه القديم أغرته بالدق على وترها، فاقترب بجزعه من الطاولة التي تفصله عن "عماد" قائلاً بلهجة ودود
- صدقت، لهذا أقول أنك خسارة، ولكن سبحان الله، "إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ"، ماذا أقول لك يا صديقي، أسأل الله العلي القدير أن يهديك
كانت فكرة الحوار معه قد اختمرت برأس "عماد"، لهذا عاجله قائلا
- آمين، هل لديك ارتباطات اليوم؟
- أبداً، أتيت للثغر في عمل وانتهيت منه، وكان يجب أن أعود لطنطا لكن المطر حبسني عن العودة، ولا أحب العودة في الظلام، لهذا سأجد لي فندقا أقضي فيه ليلتي
- لك عندي إذن عرض لا يقاوم، مادمت متحمسا للدعوة لطريق الخير الذي ترى أنك تسلكه، ما رأيك لو قضيت الليل عندي ونتسلى بالحوار؟ هذا لو كنت مستعدا لحوار رجل حصل على الدكتوراة في فلسفة "ابن رشد" و"ابن طفيل"، ومن يدري، قد تقنعني
- أهلا بالحوار، لكن ألن يضايق هذا أسرتك؟
- لن يضايقهم لأنهم لم يوجدوا بعد
- لم تتزوج حتى هذه السن؟
- ولن أفعل، فما رأيك؟ أم تريد الانسحاب من المناظرة الودية؟
- لا يا سيدي، نبات شاكرين ونحاورك قادرين بإذن المولى عز وجل
- اتفقنا، نشرب القهوة والقرفة ثم نمضي للعشاء في المنزل ونمكل ليلتنا هناك

تعجب "عماد" لحماسه المفاجيء لاستضافة أحد الأصدقاء المؤسفين في بيته وإقامة حوار طويل معه! وهو من كان يرى في الحوار معهم مضيعة للوقت، ويتجنبه في الجامعة والمحافل البحثية والعلمية والأدبية التي يرتادها هنا وفي القاهرة، ربما أراد التأكد من نظرياته حول المحتوى الفكري لتلك التيارات التي تمور وتفور في مصر اليوم

جاء الجرسون بقهوة عماد وقرفة صديقه المؤسف كما سماه، ووضع كوبان من الماء المثلج على المنضدة، تناول "محمود" كأسه ورفعه إلى شفتيه بعد أن جمع لحيته الكثة وخفضها بيسراه، ولدهشة عماد بدأ صديقه يرشف الماء من الكأس بصوت مسموع، توقف بعد رشفتين وأبعد الكأس عن فمه ثم أخذ شهيقا عميقا وزفره، ثم أعاد الكرة ثلاث مرات قبل أن يضع الكأس على المنضدة وهو يمسح ما تسرب من خيوط الماء على لحيته، فلما رأى "عماد" ينظر اليه، ضحك وهز رأسه كالمتعجب من جهل صاحبه وقال
- مالك؟ أراك كالمشدوه
- ماذا كنت تفعل الآن؟ لماذا كنت تنفخ في الماء كأنك ساحر؟
- لا تتجاوز حتى لا تقع في محظور، فهكذا كان سيدك المصطفى يشرب الماء، ولم افعل إلا تحري سنته، حصلت على الدكتوراة يا رجل ولم تقرأ بديهيات دينك؟
- بديهيات الدين؟
- طبعاً فقد روى "البخاري" في صحيحه عن "أنس بن مالك" أن الرسول أمرنا بمص الماء مصاً من الإناء وأن نتنفس ثلاثاً أثناء الشرب، وقال (ص) أن هذا "أروَى وأمرَأ وأبرأ" وهذا من الإعجاز العلمي في الطب النبوي الشريف

قاوم "عماد" رغبة في الضحك حتى لا يشعر ضيفه بالسخرية وقال
- وما الإعجاز؟
- نصيحة الرسول تلك تقي من اتبعها من تضخم الرئتين وقصور الشرايين التاجية وتضخم الكبد والاستسقاء والعياذ بالله، وهناك طبيب ألماني عالمي أسلم حين سمع الحديث ووجده متفقا مع أحدث ما وصل إليه العلم الحديث، سبحان الله
- وما اسم هذا الطبيب العالمي؟ وفي أي جامعات ألمانيا؟

هكذا سأله "عماد" وهو يبتسم ابتسامة الواثق من كذب موضوع الطبيب هذا، وصدق حدثه إذ قال صاحبه
- وهل تتوقع أن أحفظ اسمه؟ يا أخي ما مصلحتي في الكذب عليك؟ سبحان الله
- عفوا، لم أقصد أنك تكذبني، لكنك تردد قول مرسل سمعته أو قرأته بغير مرجع موثق، فأمر طبيب عالمي يسلم بسبب حديث نبوي كان لابد وأن يردد في وكالات الأنباء عالميا
-
أصبحت مشككا يا صاحبي على عادة الفلاسفة، رحم الله الإمام "الغزالي" حين كتب في تهافت الفلاسفة وفلسفتهم

ضحك "عماد" وهو يتناول رشفة من قهوته ثم يرد قائلا
- ورحم الله ابن رشد حين رد عليه وفند أطروحاته في كتابه القيم "تهافت التهافت"، هل قرأت "تهافت الفلاسفة" للغزالي؟
- لا، لكنني سمعت درسا عنه في المسجد
- مم .. مسجد "الوليد"، مستعمرة جماعتكم في طنط
ا

قطب "محمود" حاجبيه و هو يقول منفعلاً
- لا والله، بل دوحة الإخوان ودوحة الإسلام في طنطا بإذن الله، ولو كره الكافرون
- مالك يا رجل؟ تتحدث كأنك تخاطب أباجهل أو أبالهب؟
- أنت من قال عن مسجدنا مستعمرة
- لم أقصد المسجد، ولكن الشارع الذي انتشرت فيه مكتباتكم ومحلاتكم ونباتاتكم الطبية، عموما حقك علي في التعبير القاسي، لكن قل لي، هل فكرت في حديث النبي الذي رويته لي الساعة؟ ألم يلفت نظرك شيء فيه؟
- تدبرته طبعا كما يجب تدبر القرآن والحديث لاستلهام الحكمة من منابعها الصافية، ولم يلفت نظري فيه شيء
- أما لاحظت أن الرسول في العبارة التالية نهانا عن النفخ في الطعام والشراب، حتى لا يتأذى من يشاركنا الطعام والشراب وتأنف نفسه الطعام؟
- نعم، حكمة وأدب نبوي جليل
- فكيف تجمع هذه الوصية بالحديث عن طريقة شرب الماء تلك
؟

لم يجبه صديقه ولكنه شرد مفكرا، فعاجله "عماد" قائلا
- ولو افترضنا صحة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، فبأي صفة قاله؟
- بصفته النبي الخاتم طبعا
- رويدك، ألم يسأل الرسول في غزوة بدر عن الموقع الذي اختاره، أهو موقع اختاره كقائد أم أوحي إليه به؟ فأجاب بأنه اختياره كقائد، وقبل بمشورة من اقترح أن يعسكروا أمام البئر ليكون لهم ويحرموا منه عدوهم؟ ومثل ذلك حدث في واقعة تلقيح النخل، وفي استشارة التجار له في مقدار ما يربحون، فقال في ذلك كله أنه من أمور دنيانا ونحن أدرى بها
- نعم، وبعد؟
- فقد كان الصحابة إذن يميزون بين أكثر من شخصية اعتبارية للرسول، فقد كان (ص) رسول الله المبعوث خاتما للأنبياء، وكان حاكم المدينة المنورة المبايع من أهلها، وكان القائد الأعلى للجيش، وكان الرجل والزوج لأهل بيته، وقد دلهم النبي في واقعتي النخل والتجارة أن سنته هي أقواله وأفعاله وتصديقه بصفته كنبي، وفيما يخص أمور الدين وتحسين وتنمية المجتمع الإسلامي، فليس كل ما قاله الرسول قد قاله بصفة النبوة

هنا هب "محمود" واقفاً، وملامحه تنبأ بشر، وقال
- أعوذ بالله، لقد أفسدتك الفلسفة، أنت تنكر معلوما من الدين بالضرورة في قوله تعالى "وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ" سأمضي لحال سبيلي
قام "عماد" فأمسك صديقه من ذراعه وطلب منه أن يهدأ، ثم سأله
- لو كان كل حديث الرسول وحيا يوحى، فما الفارق بين الحديث النبوي والحديث القدسي؟ اقرأ للشيخ "مصطفى العدوي" كتابه "الصحيح المسند من الأحاديث النبوية" تعرف أن الفارق بينهما كبير، فالأول ينسبه الرسول لنفسه والثاني ينسب لله، أما الآية عن الوحي فتعني القرآن الكريم، فالقرآن وحده هو الوحي، وحتى الحديث القدسي قد يكون بالوحي أو الإلهام أو غيرها

أرتج على "محمود" مرة أخرى، وقد أيقن أن محاوره أعلم منه بعلوم الدين، فهو حتى لم يسمع بالشيخ "مصطفى" هذا، لهذا استغل فرصة توقف المطر عن الهطول فتراجع عن فكرة المبيت وودع صديقه خارجا، كان يردد في نفسه وهو خارج قول الله تبارك وتعالى "مَا يُجَادِلُ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي ٱلْبِلاَدِ" بينما كان "عماد" يدفع الحساب وهو يردد في نفسه قوله تعالى من سورة النحل "ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ"