30.3.08

أزمة مع وطن

هل نقول وداعاً يا مصر؟

أستمع الآن لاسطوانة أشجان مصر .. ليست اسطوانة تباع و تشترى ، لكنها كوكتيل شخصي أحفظه في سيارتي و مكتبي دوما، اسمعها كثيرا و أنا مسافر على الطريق الزراعي بين القاهرة حيث أعيش و طنطا حيث مسقط رأسي، بينما مشاهد الريف المصري تتوالي على يميني و شمالي، أو ما تبقى من الريف المصري لو شئنا الدقة، و أول ما فيها أنشودة كتبها الأبنودي و غناها علي الحجار، الرجل الذي يغني بأوتار قلبه و فيها يقول

راحل .. من تاني راحــــــل
تردني السواحــــــــــــــــــل
فايت قلبي في حـــــــاراتك
فــــــايت صوتي في سكاتك
و خضــــــــــــرتي في نباتك
يا مصـــــــر .. و تني راحل
***
و مهما أنزل بلــــــــــــــــــد
بانزلها بالجســــــــــــــــــــد
لكن القلب راحــــــــــــــــــل
له في السواحــــــــل ساحل
في غيرك .. ما انوجــــــــــد
و تليها أغنية أخرى لنفس الشاعر و من نفس المسلسل و بصوت الحجار لا تقل وجدا و لا شجنا

يالولا دقة اديكى .. ما انطــــــــــرق بــابى
طول عمرى عارى البدن.. وانتى جــلبابى
ياللى سهرتى الليالى يونسك صـــــــــوتى
متونسة بحس مين .. يا مصر فى غيابى؟

ثم تختم الأغنية بالبيت الدامي المدمي عندما تسمعه بصوت علي الحجار

أسكت الجرح يسكت .. ينطق التانى

أتذكر بصوت صلاح جاهين رباعيته الجميلة ، فيملكني الشجن ، الشجن ، تلك النعمة أو النقمة التي لا يشعر بها الا من كانت له نفس شاعرة

قالوا ابن آدم روح و بدنه كفــــــن

قالــــــــوا لأ .. بــــــــــــــــــــــــــدن
قالــــــــوا: لأ .. ده روح في بـــــدن
رفرف فؤادي مع الرايات في الهوا
أنا قلت لأ .. روح في بدن في وطن

هل حقاً نحن روح في بدن في وطن؟ لقد جربت الأسفار ، جميلة شائقة حين تكون جولة بعد جولة، نعود بعدها الى أحضان الوطن، و جربت الاغتراب الطويل عن مصر ، اي الاقامة خارجها و زيارتها في اجازات ، فوجدتها مريرة مؤلمة ، و أشهد أنني خلال عام و نصف قضيته خارجها ، و برغم أني زرتها خلال هذه المدة القصيرة أربعة مرات، قد كنت بالفعل أشبه برجل بلا روح، لكن ، ماذا نفعل؟ مصر حالة شديدة الخصوصية بالنسبة للمصريين ، وطننا الذي نتعذب فيه ، فاذا ابتعدنا قليلا .. نتعذب به ، و نشعره في فؤادنا وخزا مستمرا و في رؤوسنا صداعا مزمنا، ثم ألوم نفسي قائلا: و ماذا ينقصك لترحل؟ هناك من يرحل لطلب الرزق ، و هذا رحيل لابد منه ، و هناك من يرحل لطلب العلم ، و هذا مبرر معقول ، و هناك من يهاجر لأنه بلا مستقبل هنا ، لكن انت لماذا ترحل؟ كان هذا الحديث لنصفي المنطقي المنظم التفكير بالورقة و القلم ، فيقهقه نصفي الشاعر ، و يترنم اولاً بقصيدة صلاح جاهين ، اجمل من عبر عن حالنا نحن المصريين مع هذا الوطن

على اسم مصر التاريـــخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصـــــــــر عندي أحـــــب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكــــــه الأرض شرق وغــرب
وباحبهــــــا وهي مرميه جريحــــــــــــة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى اســــــــــتحيــــــاء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الــــــــــداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلاقيني جنبهــــــــــــــــــــــا في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمـــــة وضرب


آآآه يا عم صلاح ، يتنهد نصفي الشاعر و يرد على نصفي المفكر قائلاً: عاوز أسيبها علشان هم سابوها يا أبو العريف
المفكر: هما .. هما مين؟
الشاعر: المصريين ، البلد ماعدش فيها مصريين يا مولانا
المفكر: لا يا شيخ، امال فيها مين ؟ أمريكان؟
الشاعر: ياريت ، و الله يا ريت أي أمة ، بس يكون لها طعم و شكل و لون ، كنت هابقى مفتقد المصريين صحيح، المصريين بخفة دمهم ، و شقاوة عيونهم ، و ذكاء فطري في تصرفاتهم ، و تحايلهم على اكل العيش بكل شكل و لون ، لكن برده كنت هالاقي شعب تاني أعيش معاه على الأقل، لكن الموجود دلوقت ده ، لا شرق و لا غرب و لا وسط ، ده كبيره طبق سلاطة، القاسم المشترك الوحيد فيه هو التطرف، تطرف ديني أو تطرف لا ديني ، نقاب أو عري ، تطرف يساري و تطرف يميني ، فقر بدون دعم من الدولة ، أو غنى بدون دفع ضرائب ، كنا بلد اشتراكي ، النهاردة امريكا اكثر منا اشتراكية ، على الاقل من ناحية الضمان الاجتماعي
المفكر: كل ده كويس ، بس دي بلدنا ، لازم نحاول نتأقلم معاها، و لا ايه؟
الشاعر: في عرضك بلاش البقين دول ، انا عايز أعيش حياة طبيعية، انت مش واخد بالك انا و انت بقينا عاملين ازاي يا استاذنا؟ ده احنا داخلين في اكتئاب؟ نخلص الشغل ، ننفرد ببعضينا في غرفة المكتب مع كتاب او مع الكمبيوتر، ملينا انا و انت من بعض ، احنا عشنا عمرنا كله في حوار ، انت نفسك كنت بتقول "على درب سقراط أسير ، حياتي هي الناس ، و موهبتي هي الحوار" ، مش برده سقراط كان بيخرج بافكاره من حواره مع الناس في شوارع أثينا، لا عاد فيه ناس و لا عاد فيه حوار و لا أفكار
المفكر: يعني ، لسة على الاقل فيه حوار الكتروني
الشاعر: أيوة ، حوار الكتروني ، من حق اي حد فيه ان يظهر في حياتك حتى تحسبه صديقا، ثم فجأة و بدون أي مبرر أو سبب تلاقيه اختفى من حياتك فجأة زي ما ظهر فيها فجأة، حوار الكترونات، لا ترى فيه وجه محدثك ، لا تلاحظ لفتاته و لغة عينيه، حوار غير انساني يا عزيزي، انت مقتنع بيه؟
المفكر: يعني عاوزني أحاور مين؟ ماهو على ايدك ، منين أجيب ناس؟ فيه ناس علشان تقيم معاهم حوار لازم يرجعوا بطن امهم و يتولدوا من اول و جديد و يتربوا من تاني ، و بعدين نشتغل على نضافة ، انت ممكن تتحاور مع حد مختلف عنك في الفكر و الاتجاه ، بس يكون عنده في دماغه بنية تحتية ، يكون مد كابلات كهربا و مواسير مياه ، و احنا محاطين ببشر مجاري دماغها ضاربة ، يبقى نحمد ربنا على الشوية اللي باقيين أونلاين من غير مجاري ضاربة و عندهم كهربا و مية
الشاعر: طبعا لازم الناس مجاري راسها تضرب ، ما هم مرضى بالثلاثي
المفكر: ثلاثي ايه؟

الشاعر: أبو تريكة و خالد الجندي و هالة سرحان ، الكورة و مشايخ الفضاء و برامج النص التحتاني ، مهرجان لاي ماتش خايب كسبته دولة محتلة مرة في قارتها و كأننا فتحنا عكا ، و افندية عاوزين يشربونا بول الابل و يرضعونا و احنا بغال ، و شلة نسوان ضايعة من اللي لابسة جوانتي اسود و عمالة تاكل في نفسها و تتكلم على المرأة و هي مالهاش أي علاقة بالمرأة من أصله، للي تابت فعاوزة تخلي كل أشكال البوظان حلال علشان تبقى منحرفة بس شرعي ، للمعلمة الكبيرة اللي دايما باقول انها خدت الكاريير الغلط، و لو كانت اتولدت في الزمن الصح كانت هاتبقى زعيمة في وش البركة

المفكر: خلاص ، كفاية ، كأبتني، بس تعرف، ممكن يكون عندك حق ، ممكن يكون الحل هو الفراق ، الهجرة من مجتمع لسة بيخبط و بيناقش الاساسيات لمجتمع استقر على طريق و بيناقش التحسين للافضل ، تقدر تقول هجرة ثقافية يعني، على الاقل الجيل الناشيء يخرج في وسط أفضل و مايمرش بنفس المعاناة
الشاعر: يعني مقتنع؟
المفكر: انت عارفني ، لازم افكر و اتناقش قبل ماخد قرار ، بس في النهاية عندي شجاعة الاعتراف بالحق ، و انت كلامك مقنع، و حالة المجتمع واضحة للعبيط ، حاولنا الاول نعمل هجرة داخلية، مجتمع صغير من المستنيرين، فكرة حالمة عبيطة من بقايا حماس الشباب اللي في النزع الاخير، و فشلنا، يبقى مافيش غير الهجرة الخارجية
الشاعر: بس تفتكر ممكن نسيبها بالسهولة دي .. دي برده مصر
المفكر: انت هاتشتغلني؟ نفتح الباب تقول نقفله ، نقفله تقول نفتحه
الشاعر: مانت برده عارفني ، قلب متقلب و بمية حالة ، عصب مكشوف على الهوا مباشرة ، الهوا ، فاكر الهوا هوايا؟
المفكر يبتسم بشجن ، و يقول : أيوة فاكر ، و اشغل لك عقد غالي ، يضوي بأحلى الصبايا ، آآآه زمن عجيب
الشاعر: هانلاقي فين حليم جاي صوته من بلكونة بنت سهرانة مع النجوم؟ هانلاقي فين هناك صوت الشيخ رفعت من الراديو في رمضان؟ و لا صوت ثومة صاحبة العصمة لما نسهر معاها في ليالي الصيف ؟ صوت ترام اسكندرية في ليلة شتاء؟ ريحة البطاطا المشوية على البحر عند السلسلة ، سبيط و جمبري أبو أشرف و القطط تحتك تاكل حتة و تديلها حتة، علشان تتألف قلبها حرصا من انقضاضة جوع على الطبق باللي فيه؟ الجرائد من محطة قطار طنطا بعد الفجر ، صلاة الفجر في مسجد السيد البدوي ، الشاي و شيشة التمباك على القهوة الأحمدية امامه؟ الساعة ثلاثة ميعاد خروج مدرسة قاسم أمين للبنات و قوافل الصبايا في شارع الفالوجا بطنطا ، و يا بنت يا ام المريلة كحلي

المفكر: يا اخي احترم نفسك ، بنت ايه و مريلة ايه؟ احنا بقينا في منتصف العقد الرابع من العمر ، ثم اطمئن ، كل ده خلاص يا اما باظ يا اما تحت التخريب ، الموسيقى و حرموها ، حنى الشيخ رفعت حل محله مشايخ السعودية مع المؤثرات الصوتية و الايكو، السيد البدوي حرام علشان القبور في المساجد بدعة، الشيشة طبعا دي فسق مش عايزة كلام ، و البنات دلوقت ممكن تغنيلها يا بنت يا ام النقاب الكحلي ، يا ضلمة كابسة و حالة من الكولة ، لو قلت عنك في الغزل قولة ، هايقيموا علينا يا حلوة الحد احنا الاتنين

الشاعر: يعني فكرك كده يا ابو الافكار؟ نسافر؟
المفكر: ايوة يا ابو الاشعار ، فاكر البيت اللي بيقول

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الـــــــرأي أن تـتـرددا

ده الفرق بينا يا جميل ، انت ممكن تعزم مية مرة و تتراجع ، انا لأ ، صعب ، علشان باحسبها كويس ، حتى لو هناك كمان في بعض المعاناة ، على رأي الأبنودي، قتيل في غربة بيفرق عن قتيل الدار

الشاعر تنظر عيناه بعمق اللا-شيء، بينما دمعة تترقرق من عينيه، ثم يقول
مفارق يا مصـــــــــــــــر
و قبل الهجـــــــر أشتاق
مفارق يا مصـــــــــــــــر
و ما كل الفــــراق بغض
و لا كل العشق التصاق
قد آن للرضيــــــع فطام
و آن للحليل ..طــــــلاق

28.3.08

حدث في مجدستان

عندما يمتلك القائد قدرته على رد الفعل سياسيا


إما الوطني و إما الإخوان، إما حالة التفريط اللا-متناهية في الكرامة الوطنية و إما حالة التشنج الكفيلة في ردود أفعالها بأن تخرج مصر من العالم لتصبح على هامشه أكثر و أكثر كما حدث مع الضفة و القطاع تحت حكم حماس ، إما الفساد و خراب الذمم و الديمقراطية الهيكلية ، و إما فساد و خراب ذمم و ديكتاتورية و لكن على الطريقة الاخوانية ، هذا ما يريدون لنا أن نصدقه ، حتى يخاف المثقفون و الصفوة الفكرية من حكم الاخوان فيقبلون أيديهم وجها لظهر على الوطني، استراتيجية عفريت العلبة التي تحدثنا عنها سابقا، و التي تلعبها الحكومة مع الاخوان و بالاخوان

لكن لا، عندما تتوافر للأمم القيادات الرشيدة، و التي تملك طاقة الفعل و رد الفعل السياسي و الاقتصادي و الوطني ، لا تنحصر خياراتها في اثنين و لا حتى عشرة، و هاكم الأمثلة العديدة من واقعنا اليوم ، مقارنة مع وقائع من تاريخ دولة مجدستان الشقيق

المدمرة الأمريكية و جريمة في المياه الإقليمية المصرية

الصور الخاصة بالضحية محمد فؤاد عفيفي و أسرته مصممة من نسخة منشورة على مدونة زينوبيا

مات محمد عفيفي برصاص الاحتلال الأمريكي ، نعم ... أنت لم تخطيء و لا أنا ، فهو إحتلال ابتلينا به منذ آمن الرئيس السابق أن تسعة و تسعون بالمائة من أوراق اللعبة بيد أمريكا، فركع لها ركوعا جر وراءه البقية الباقية من الشيوخ التي ملأتها الشروخ، و لو كان السادات حياً اليوم لقال بلهجته الكوميدية المعروفة "يعني عاوزني أعملكوا ايه؟ أحارب أمريكا؟"

لكن من قال ان القدرة على رد الفعل و حفظ الكرامة الوطنية تعني الحرب؟ هناك مسافات بعيدة بين رد الفعل الوطني و بين إعلان الحرب ، فتعالوا نرى، ماذا حدث يوم تعرضت مجدستان الشقيقة لحادثة مشابهة إبان حكم الرئيس ناصر المجدي

مجدستان تتحفظ على المدمرة الأمريكية لحين انتهاء التحقيق

في تطور مثير لأزمة المدمرة الأمريكية التي أطلقت النار على لنش خدمي مجدي ، لتردي أحد ركاب اللنش قتيلاً ، أمر الرئيس "ناصر المجدي" بخروج لنشات الطوربيد من السلاح البحري المجدي، و من أقرب نقطة تمركز، لإجبار المدمرة الأمريكية على الرسو في البوغاز المجدي، في الوقت ذاته أمن الرئيس في لقائه مع وكالات الأنباء العالمية حياة طاقم المركب، قائلا حين سأله عن ذلك أحد المراسلين: نحن لسنا أمة بربرية حتى نشنق الطاقم في فروع الأشجار بعد طلائهم بالقار و الريش، لكننا أمام جريمة ارتكبت ليس في عرض البحر و لكن بمياهنا الاقليمية، و لو كنا نسمح للمدمرات الأمريكية بالعبور بالمضيق فهذا من باب الالتزام باتفاقات دولية سابقة، لكن هذا لن يعني أبدا قبول تجاوزات و جرائم

و ردا على سؤال حول خطأ قائد اللنش المجدي بالاقتراب من المدمرة و حول التحذير باللغة العربية قبل اطلاق النار، اجاب الرئيس المجدي قائلاً: هناك معايير و قوانين دولية تحكم مثل هذه الأمور، و لدينا شهادة لشهود عيان تعارض ادعاء طاقم المركب حول التحذير

و عما تنوي الحكومة المجدية فعله علق سيادته قائلاً: كأي دولة متحضرة ذات سيادة، ستقوم مجدستان بالتحقيق في جريمة القتل الواقعة بأراضيها، و سيسمح للولايات المتحدة بالاشتراك بمن ينوب عنها في التحقيقات وفقا للأعراف الدولية، لكون الجناة حاملين للجنسية الأمريكية، أما المدمرة ذاتها فستسلم للسلطات الأمريكية فور انتهاء التحقيقات، أما مصير الطاقم فهذا شأن يحدده القضاء وفقا للقانون المجدي و في اطار القوانين الدولية، و الى هذا الحين، سيتم التحفظ على الطاقم مع عدم المساس بسلامتهم و كرامتهم

و قد تفاوتت ردود الأفعال العالمية ازاء هذا التطور المثير، ففي حين علق المتحدث باسم الخارجية الفرنسية قائلا أن مجدستان مارست حقا مكفولا لها و في نطاق سيادتها على أراضيها، علق مندوب الحكومة البريطانية على القرار بأنه متهور و مبالغ فيه و قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه

قمة الإحجام و التبعية العربية
حال القمة العربية التي انقلبت قعراً هو ما تعرفونه جميعا، و موقف مصر منها هو ما تعرفونه جميعا، لكن ما لم تنشره وكالات الأنباء هو تفاعل مجدستان الشقيقة مع أزمة القمة العربية ، فلنستمع الآن لهذا الحوار الذي أجرته شبكة بي بي تي مع الرئيس المجدي صباح اليوم ، فاليكم نص الحوار كاملا
ناصر المجدي يحضر القمة دفاعا عن إستقلال القرار العربي
سيادة الرئيس ، لقد أثار حضورك للقمة تساؤلات حول الهدف منه في ظل غياب أغلب القيادات السياسية للدول العربية المحورية عن قمة دمشق ، فما هي خلفيات هذا القرار؟ سيدي العزيز ، هذا قرار أراه منطقيا تماما و لا يحتاج لخلفيات، لكن دعني أجيب سؤالك بسببين محوريين ، الأول هو ظروف الوطن العربي و حمامات الدم المنسابة بلا نهاية في غزة و في العراق، و الأزمة الرئاسية اللبنانية، و الحصار السياسي و الاقتصادي المتصاعد الذي تواجهه سوريا، و التوتر الامريكي الايراني الذي يهدد المنطقة بأسرها، فلو لم يجتمع الملوك و الرؤساء العرب في مثل هذا التوقيت ، فمتى يجتمعون؟ و أي مبرر لوجودهم من الأساس لو أنهم لم يتخذوا مواقف واضحة و فعالة تجاه كل هذا؟ اما السبب الثاني فهو استقلال القرار العربي ، فانا اتلقى تعليماتي من شعبي، من توجهاته و آلامه و آماله و طموحاته و ليس من الخارجية الأمريكية التي أعلنت عن عدم ترحيبها بقمة دمشق بشكل فج و غير مقبول ، فقمة دمشق شأن عربي ليس من حق الولايات المتحدة أن ترحب به أو ترفضه

سيدي ما هو تعليقك إذن حول ضعف التمثيل العربي من الدول المحورية؟ هذه قرارات دول مستقلة لا أتدخل فيها ، لكن لو أردت رأيي كمواطن عربي ، فانا ارى هذا الاحجام مخذلا و مخزيا ، فقادة دول مثل مصر و السعودية و الاردن و اليمن من واجبهم دوما ان يمثلوا شعوبهم ، فلو كان عدم حضور القمة معبرا عن رغبة الشعوب فلهم كل الحق في عدم الحضور ، و لو كان منفصلا عن نبض الشارع الوطني ، فعلى شعوبهم أن توضح لهم هذا بالطرق السلمية المعروفة ، اما لبنان و العراق فلكل منهما وضعها الخاص حاليا

فما تعليقكم حول مطالبة حماس الدول العربية باسقاط خطة السلام من جدول الاعمال و مناقشة الدعم العسكري لفلسطين؟ أي دعم؟ دعم توجهه حماس و فتح لشراء سلاح يواجهون به بعضهم بعضا في صراع على السلطة في بلد لم يوجد بعد؟ أننا نناقش المشكلة من أجل شعب فلسطين الحبيب و الذي أثبت كل من فتح و حماس عدم جدارتهم بقيادته ، ثم أن الحل العسكري لمشكلة فلسطين لا يمكن ان يكون جذريا ، نعم ، يجب استمرار المقاومة كما قاوم حزب الله حتى فرض الحل بتحرير الجنوب اللبناني في مطلع الألفية ، لكنها مقاومة ستختم على مائدة تفاوض بعد أن نثبت اننا قادرين على الحرب ، فالحرب مهمتها ان تثبت لعدوك أن بدائل السلام ستكون وخيمة عليه ، لكنها لا تنهي الصراع

20.3.08

المرأة في الإسلام من تاني-02


نواصل ما بدأناه في الإصدار السابق من هذه السلسلة ، للإدلاء بإجاباتنا حول القضايا التي أثارتها المدونة "قطرة المحيط" على مدونتها حول المرأة في الإسلام ، فبرغم أن صاحبة الأسئلة لم تشترك في الحوار ، إلا أن من اشتركوا و علقوا فيهم كل الخير و البركة، و أبدأ فأؤكد للمرة الألف ، ان ما أكتبه هنا، هو الاسلام كما أراه، و لا أدعي لنفسي ولاية و لا فضيلة ، و لست أدعي أنني داعية ، كأفنديات الفضائيات ، لكنني رجل مسلم ، عقلاني جدا، يقرأ في دينه كما في كل المعارف الانسانية قدر جهده و طاقته، فرأيي صواب يحتمل الخطأ ، و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب ، و أدعي أنه على هذا المبدأ سار رواد الاسلام الأوائل ، قبل أن نبتلى بـ "ملاك الحقيقة المطلقة" و هو التعبير الذي أعشقه للكبير الجليل الدكتور مراد وهبة ، و كالمقال الأول ، نكتب السؤال التي طرحته الأستاذة "فطرة المحيط" أولا ، ثم نجتهد في التفكير حول موضوعه معا
ليه العلاقة الزوجية فى الاسلام كأنها من طرف واحد ؟؟؟ ليه الزوج ميستأذنش زوجته لما يصوم؟؟ اشمعنى لو المرأة دعت زوجها للفراش ورفض يبقى عادى الملائكة مش هتلعنه ولا هيحصله اى حاجة؟

المشكلة الجنسية الشرق-عربية
أتفق معك أن هذا هو الانطباع السائد في الشرق العربي كله ، و ليس فقط بين المسلمين فيه ، فلو تأملت مفردات اللغة العربية المعبرة عن العلاقة الجنسية ، تجدين صيغة اسم الفاعل تعطى للرجل في فعل الجنس ، و صيغة اسم المفعول للمرأة ، و هكذا كانت من قبل ظهور الإسلام ، و حسب علمي فهي بالمثل في اللغة العبرية ، في اللغات السامية بشكل عام، ذلك أن المجتمعات السامية كانت في مجملها مجتمعات رعوية ذكورية ، ينظر فيها للمرأة على انها فرد مستهلك و غير منتج في المجتمع ، فمجتمع الرعي مهامة الاقتصادية لا تناسب المرأة بهذا الوقت، كالحروب على العشب و الماء ، و رعي الضأن و الجمال فرادى في الصحراء، فتكونت النظرة للمرأة كمتاع يملكه الأب ثم يسلمه للزوج ، و لو نظرت لنفس الفعل الجنسي في اللغات اللاتينية و الأنجلو-جيرمانية لوجدت صيغة الفاعل للرجل و المرأة معا ، و هي بهذا أدق تعبيرا عن فعل الجنس الطبيعي (لو استبعدنا الشذوذ السادي و المازوشيستي) لأنه فعل حواري يتم بين فاعلين و ليس به فاعل و مفعول به ، فاذن هي عادة و مفهوم عربي، و يكون السؤال هل أقر الاسلام ذلك؟ و الجواب عندي هو لا ، و ان كان عند بعض المشايخ ممن لا أرى رأيهم يجاب بنعم، فقد سأل الشيخ "يوسف القرضاوي" هذا السؤال، فتطوع بالاجابة بالايجاب، مبررا اجابته بما ادعى انه حقيقة علمية قائلا "فالمعروف علميا ان هذا الموضوع يطلبه الرجل و يرغبه أكثر من المرأة" و لست بحاجة أن أقول أن علم النفس الجنسي بريء من هذه الفتوى العلمية تماما ، فالعلم قد استقر على ان الرغبة متوازنة لدى كل من الرجل و المرأة، و الفروق فيها فروق فردية بين الرجال و النساء، و مع احترامي للقرضاوي فكلامه لا يثبت حتى مع حقائق الدين ، فضلا عن تهافته علميا، و لو فكر الشيخ و تدبر ، لوجد ان رسول الله قال لعثمان بن مظعون حين بلغه أنه يصوم النهار و يقوم الليل " أترغب عن سنتي؟" فقال عثمان: لا والله ولكن سنتك أريد ، فقال الرسول "فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وافطر وصل ونم" فهكذا أمر الرسول صحابته بمراعاة حق الزوجة في زوجها جنسيا ، ثم لننظر للفاروق عمر بن الخطاب يسأل ابنته حفصة "كم تطيق المرأة فراق زوجها" فتجيبه مجتهدة بأنها مدة أربعة أشهر ، فيصدر عمر أمرا بألا يغيب جندي عن المدينة أكثر من أربعة أشهر إلا لضرورة عسكرية قصوى، و كذلك نرى من المصطفى صلى الله عليه و سلم قوله " إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته، فلا يعجّلها، فان للنساء حوائج" و فيه نصح للرجال بتجنب سرعة انهاء اللقاء الحميم ، و التي هي من أكبر المشكلات الزوجية حتى اليوم و يمكن اجتنابها بالتدريب الذاتي ، فليس رسول الله ممن يجهل فطرة النساء و ان كان بعض شيوخنا اليوم يجهلون، كذلك سأل الإمام علي ابن أبي طالب ، إمام المتقين، لماذا يختضب؟ فأجاب "ان التهية ممّا يزيد في عفّة النساء، ولقد تترك النساء العفّة بترك أزواجهن التهية (التهيؤ للقاء زوجته بالتجمل) ، أيسرك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهية؟" و قد استند الإمام علي في قوله هذا على القاعدة القرآنية الخالدة "ولُهن مثلُ الذي عليهنّ بالمعروف" و هي قاعدة تجعل أي حق ذكر للرجل في زوجته قرآنيا من حق الزوجة على زوجها بالتبعية ، فلو كان من حقه أن يأتيها أنى شاء، فمن حقها هي أيضا ذلك و لا ريب ، و لو كان كم حق الرجل عرفاً أن تتزين زوجته و تتهيأ للقائه، فمن حق المرأة وجوبا أن يتزين لها و يحرص على أن يكون مرغوبا منها ، و هذا أمر من الفطرة كما هو من الدين

أما حديث الاستئذان قبل الصوم ، فكان السائل فيه رجلا، قال أن زوجته تصوم النوافل و هو لا يصبر عنها ، فأوصى الرسول المرأة بعدم الصوم بغير اذن زوجها في النوافل ، و لو كانت الحال معكوسة لكانت الاجابة نفسها، لأن الرسول أوصى أصحابه بحق الزوجة هذا حتى دون سؤال ، فمن واجب الرجل المسلم ايضا ألا يصوم بغير إذن زوجته قياسا ، و وفقا للقاعدة القرآنية آنفة الذكر و كذلك حديث النبي لابن مظعون، اما حديث لعن الملائكة للمرأة ، فلا يقصد به طبعا أن تكون المرأة مريضة أو غير مهيأة ثم يغصبها الزوج على اللقاء الحميم ، فهذا مجاف للفطرة ، لكنه حديث يعالج آفة اجتماعية محددة ، فكم من سيدة تستخدم سلاح الجنس للضغط على زوجها ، بالامتناع عنه حتى يلبي لها بعض المطالب؟ فهذا سلوك رخيص و لا يليق بزوجة ، فالزوجة هنا تتصرف تصرفا يليق فقط بالعاهرات، و لا يشمل هذا المرأة التي يغضبها زوجها أو يهينها أول النهار ثم يريد ممارسة الحب معها في آخره ، لأن هناك نهي صريح من النبي و توبيخ على مثل هذا السلوك في حديث سنورده لاحقاً
الرجل الناشــــــــز
سألت عزيزتنا عما يحدث للرجل الناشز الذي لا يعاشر زوجته معاشرة الأزواج في الإسلام؟ و تساءلت لو كان الرجل محاسبا كذلك على هذا الهجر كالعقاب المعنوي للمرأة بلعن الملائكة الذي حدث عنه الرسول؟ و جوابنا هو نعم ، الرجل الناشز المعرض عن زوجته لمدة تزيد عن أربعة أشهر ، يحق للزوجة أن تطلب التطليق منه فورا ، و يتم هذا التطليق مع الاحتفاظ بجميع حقوق المرأة ، فهذا مختلف عن الخلع الذي يتم في حالة رغبة المرأة في الطلاق دونما سبب ملموس عند زوجها ، فهذا رجل إما غير قادر على أداء واجباته أو عازف عن هذه الزوجة، و في هذه الحالة لها أن تبقى زوجة شكلية لو أرادت و لها أن تطلب فتطلق بعد تمام الأربعة أشهر من الهجر ، و نحن في مجتمعنا نستخدم تعبير المرأة الناشز و لا نستخدم تعبير الرجل الناشز ، و هذا من ضروب الظلم الجنسي في الشرق العربي ، و لا علاقة له بالدين ، لان وصف الرجل الناشز موجود و مستخدم فقهيا

ما هو فعلي و ما هو تصويري في القرآن و السنة
هل موضوع لعن الملائكة للمرأة الناشز في الحديث الشريف محمول على لفظه؟ فيعني ذلك تفرغ الملائكة للعن هذه المرأة؟ أم أنه صورة تعبيرية لغوية لبيان كبر الخطأ و الترغيب عنه؟ و تكريه المرأة أن تقع فيه؟ نحن لا ننفي قدرة الله جل و علا ، على جعل الملائكة تلعن من يشاء وجوبا لو أراد، فهو على كل شيء قدير ، لكننا من مطالعة اللغة القرآنية ، نجد العديد من الصور البلاغية ، التي يرسم فيها الوحي الالهي صورة كلية للتأثير في وجدان المتلقي ، كتلك الصورة الرائعة "ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ" فهي صورة بلاغية عرفنا أنها غير حقيقية لأنها أتت على شكل التشبيه الذي يصرح فيه بالمشبه و هو نور الله ، و المشبه به و هو باقي الآية و حرف التشبيه و هو الكاف ، لكن في العربية من الاستعارات التصريحية و المكنية ما لا تظهر فيه الصورة البلاغية بهذا الوضوح ، فعلينا دوما أن نكون واعين لمنطق التشبيه و التقريب في الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ، فليس كل ما يقال مأخوذ على حرفه فمن بؤس الفكر الوهابي أنهم قالوا بأن القرآن كله يفهم على حرفه، و ليس فيه مجاز ، و كان "عبد العزيز بن باز" و هو شيخ كفيف يتحدث حول هذا الموضوع يوماً، فاعترض عليه أستاذ من أساتذة جامعة الأزهر، حين كان الأزهر زاهرا بوجوه أساتذته الكبار ، و قال لابن الباز تعليقا أفحمه ، قائلا :على هذا فستبعث أنت يا شيخ عبد العزيز أعمى يوم القيامة ، لقول الله عز و جل "وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً" فارتج على بن باز و لم يملك له جوابا، فعلينا أن نذكر دوما امكانية المجاز لتعميق المعنى في القرآن ، لان المجاز من خصائص العربية التي نزل بها ، و كانت بلاغة البلغاء تقاس بعمق المجاز في انتاجهم الادبي نثرا أو شعرا و مدى قدرة هذا المجاز على ترسيخ المعنى المقصود

و مثال من أمثلة التباين بين التصوير و المعنى الحرفي، قول الله تبارك و تعالى "ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" فقد حدثنا القرآن في مطلع سورة فاطر عن أجنحة للملائكة، و نحن نفهم من الآية أن الله زود ملائكته بآلية للانتقال المادي تقوم مقام الجناح الذي نعرفه نحن في الطيور من حيث المساعدة على الطيران ، و لكننا لو فهمناها على كونها أجنحة كأجنحة الطير لكنا في ضلال بعيد من وجهين ، أولهما أن أجنحة الطير يستقيم بها فعل الطير مثنى و رباع ، لكنه لا يستقيم بثلاث ، ثانيا و هو الأهم و الأوضح ، أن الأجنحة و هي آلية للطيران تعتمد على مقاومة الهواء و الاندفاع عكس اتجاه رفرفة الجناح ، تصلح داخل الغلاف الجوي فقط لا غير ، و لا تصلح خارجه في الفضاء الكوني ، لذلك يجب علينا فهم التصوير القرآني حتى يستقيم لنا فهم آيات الله

ليه فى الاسلام لما الزوج يعوز يسيب زوجته بس بيقولها "انتى طالق طالق طالق" بسبب او من غير سبب، ولما الزوجة تعوز تسيب زوجها تبهدل فى المحاكم؟
العصمة بالتراضي
عصمة الزواج ، بمعنى الحق في حل الزواج تلقائيا و من طرف واحد، و بدون الاحتكام لأحد ، هي للرجل ، و كان الأساس في هذا أساسا من العدل الاقتصادي ، فقد كانت سنة المجتمع المسلم الأولى في الزواج ، و عليها سارت عادات العرب ، و مازالت في كثير من البلاد العربية ، أن الرجل يدبر منزلا، و يؤسسه ، و يدفع للمرأة صداق من مال أو جواهر تحتفظ به و لا تنفق منه شيئاً، و ليس من حقه أن يمسه بعد هذا ، و يشتري للمرأة ما تحتاج من ملابس و أدوات و غيرها، فلم تكن المرأة أو أهلها ، و مازالوا بأكثر الدول العربية ، تتكلف أي مشقة اقتصادية ، و عليه ، فقد اعتمد الشارع الأعظم على وضع العصمة بيد الرجل ، ما لم يتفق على غير هذا، حتى نتجنب ظهور محترفات زواج ، بشكل من أشكال النصب للاستيلاء على الصداق

لكن الأغلب من الفقهاء ، أجاز أن يوكل للمرأة شأن العصمة عند العقد ، او بعده بالاتفاق و التراضي، فاذا طلقت نفسها منه بكلمة أيضا صارت عليه حراما ، و ، و قال الشافعي عن سيدنا علي ابن أبي طالب أنه في هذه الحالة تكون الطلقة بائنة لا رجعة فيها ، و قال غيره من الفقهاء بل هي طلقة رجعية، يمكنهما المراجعة بعدها برضى كليهما، فالموضوع اذن من الممكن أن تشترطه المرأة لنفسها ، لو قبل الرجل ، و قد قال الامام مالك بجواز هذا الشرط من ضمن ما أجاز من شروط للزوجة أن تشترطها عند العقد ما لم تحل حراما
الخلع و الطلاق للضرر
أما الطلاق للضرر فهو طلاق للمرأة فيه أن تأخذ كل حقوقها الشرعية ، لأن زوجها لم يحترم قواعد المعاشرة بالمعروف ، فيحكم القاضي بطلاقها منه للضرر ، و لقد اعتبر بعض الفقهاء خصام الزوج لزوجته و عدم الحديث معها ضررا، فليس الضرر هو الضرب أو الايذاء البدني كما هو مشهور ، بل يشمل الهجر و الاهمال و الخصام و السب و الاهانة و غيرها ، ففي هذه الحالات ، يهدر الرجل حقه الزوجي على المرأة لما فعله بحقها ، أما المخالعة أو الخلع ، فهو مختلف في الشرع عنه في قانوننا ، فهو في القانون مثل الحل السريع لبعض السيدات اللاتي يحق لهن شرعا أن يطلقن للضرر، لكنهن يفضلن التنازل عن الحقوق المادية مقابل سرعة الخلاص من الوضع الزوجي المهين، أما شرعاً ، فالخلع مرجعيته الأساسية في واقعة زوجة "ثابت بن قيس" ، و التي اتت رسول الله فقالت "يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن لا أطيقه‏!‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ ‏أتردين عليه حديقته‏ ‏‏؟‏ قالت‏:‏ نعم" فلأن السبب كان مرتبطا بتغير مشاعر المرأة ، فقد احترم الاسلام هذه المشاعر ، و حكم في هذه الحالة برد ما كان الرجل قد قدمه للمرأة صداقا، حتى لا يقع على الرجل ظلم ، و حتى لا يستغل هذا المدخل من بعض المحترفات كوسيلة نصب شرعية، و خلاصة القول ، ان الرجل لو أساء العشرة ، فللمرأة ان تطلق و لها حقوقها ، فان كرهت ان تعيش معه دون اساءة منه، فلها ان تطلق ايضا و لكن ترد له صداقه، و هو موضوع لا يتطلب غير جلسة استماع واحدة يتأكد فيها القاضي ان الزوجة كارهة له و غير راغبة ، و ينصحهما معا ، ثم يمهلهما أياما ، فلو لو يتراجعا بمستند يطلق الزوجة و يحكم عليها برد ما أخذت ، فهو امر لا يستغرق أسبوعين لو طبق بهذه السلاسة ، و موضوع البهدلة في المحاكم مشكلة نظام في مصر و عجز في الادارة و ليست مشكلة تشريعات
ليه فى عقاب إلهى واضح وحازم للزوجة لو اخلت بمبدأ طاعة الزوج ، ومفيش اى عقاب للراجل لو اخل بالمبدأ وبهدلها؟ ليه القران قال للزوج يعمل ايه لو زوجته مبتسمعش كلامه او ناشز "عظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن" !! وماقلش للزوجة تعمل ايه لو زوجها مفترى؟
يرجع انتشار هذا المفهوم ، لفهم كلمة "ناشز" على أنها من لا تطيع زوجها ، لكن النشوز لغة هو الارتفاع و التمايز بالعلو، و من هذا قوله تعالى في سورة المجادلة "وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" فقد اتت هنا بمعنى القيام من المجلس ، و ليس العصيان بالطبع ، لان النشز هو التل المرتفع من الأرض ، و منه أتت هذه التشبيهات البلاغية، فالآية تحدثنا عن أسلوب معاملة زوجة تتكبر على زوجها و تتأبى عليه ، و لا يفوتنا أن مجتمع الوحي كانت لا تزال به بذور قبلية و عرقية ، كما هو الحال لليوم في الجزيرة العربية ، فتتكبر المرأة بقوة و منعة اهلها على زوجها و قد تعيره بان قبيلته أقل من قبيلتها و هكذا ، و قد يقترن بهذا الاستعلاء ، أن ترى الزوجة نفسها كثيرة على زوجها ، و هو ما يخشى منه ان يؤدي إلى خيانة زوجية ، لذلك جاءت الاشارة الى حفظ الغيب قبلها في نص الآية الكريمة "فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً" و لفظة " أطعنكم" في الآية تشير للطاعة في تغيير الأسلوب المتكبر، على أن استخدام الضرب قد انتفى اليوم كطريقة لمواجهة النشوز و ذلك لأنه يخالف المفهوم القرآني العام و هو مفهوم "المعروف" المتجدد و العظيم، و الذي علينا أن نتوقف عنده وقفة تليق بأهميته في ديننا
المعروف و المنكر ، من كنوز الدين الخاتم
المعروف لغة هو ما تعارف الناس على حسنه ، و فقها هو ما تعارف الناس على حسنه ما لم يحل حراما ، و في بعض المعاملات ، لم يامرنا الله بالتزام الحلال و اجتناب الحرام فقط ، لكنه تعالى أمرنا باتباع المعروف ، و ذلك لأنه متجدد عبر الزمان و المكان ، و من هذه الحالات ، التي يجب فيها اتباع الأساليب و الأعراف المقبولة و المحمودة في المجتمع و الوقت الذي نعيشه ، ما لم تحل حراما، معاملة الزوجات و حقوقهن سواء في حالة الاستمرار في علاقة الزوجية او انهائها بالطلاق، و معاملة الوالدين و صحبتهما في الدنيا بالمعروف وفقا لدرجة تمدن كل مجتمع ، فطريقة الكلام التي يقبلها والد من ابنه في نجد مثلا ، قد تعتبر جافية و غير مهذبة بما يكفي في سوريا، و هكذا ، نجد أن الآية التي نصت على وسائل ترويض الزوجة المتعالية ، لو تعارض أحد ما جاء فيها من وسائل مع المفهوم الاسلامي العام باتباع المعروف ، يغلب المفهوم العام المتطور الذي وضعه الله كآلية تطوير تلقائي في دينه الخاتم

و كمفهوم المعروف يأتنا مفهوم المنكر، فهو ما تعارف الناس على انكاره و سوئه في مجتمع ما و زمن ما و ان منع حلالا ، فمثلا، لا نستطيع القول أن كسر إشارات المرور حرام، و سيحتاج المشايخ الفضائيون لساعات يتحدثون فيها عن تعريض النفس للتلف و ما الى ذلك ليحصلوا على "رفية" تحريم ، بينما الواضح البين ، ان كل كسر لقانون المرور الذي تعارفنا عليه هو فعل منكر ، و كل اتباع لهذا القانون هو معروف ، فيطلب من المسلم أن يلتزم المعروف و يحرص عليه و يجتنب المنكر ، و عليه ، فلو كان ضرب المرأة جائزا ، كحد أقصى ، في زمن الوحي ، و هي عقوبة لم تكن قاصرة على النساء ، بدليل درة عمر بن الخطاب الشهيرة التي كان يضرب بها من يرتكب المخالفات المدنية، فليس من الممكن أن نقول بأنه بقي مباحا للزوج حتى الآن ، و الا أفقدنا الدين آليات تطويره ، و من يقول بأنه ليس من حقنا أن نمنع ما لم يحرم من الله و رسوله، فليرجع لما روي عن عمر بن الخطاب في مسند الإمام أحمد ، فقد روى عن جابر أنه قال "متعتان كانتا على عهد النبي (ص)، فنهانا عنهما عمر رضي الله تعالى عنه فانتهينا" فمن حق السلطة الزمنية في المجتمع المسلم أن تحدد المنكر من خلال القانون ، و هذا ما لدينا اليوم ، فالقانون يحرم ضرب الزوجة ، فهو حرام
هل شجع الإسلام على ضرب الزوجة حقا؟
فارق كبير شاسع بين التشجيع و الإباحة المسببة، فقد أباح الاسلام الرق ، لكنه جعل العتق أعظم ما يتقرب به المرء الى الله ، و أباح الخمر حينا ثم حرمها تدرجا، فالتغييرات الاجتماعية المفاجئة هي فكرة فاشلة بصورة عامة ، و لكنه أبدا لم يشجع على ضرب الزوجة ، و انظر لهذه الأحاديث عن الرسول لتعلم كم بغض الرسول في الضرب و كره فيه ، فمن يقرأ في طبقات "بن سعد" يجد أن الرسول كان ينهى العربان الأجلاف عن ضرب النساء ، فجادلوه بأن ذلك يفسد النساء و أطالوا الجدل، فقال لهم مغاضباً " أضربوهن و لا يضرب إلا شراركم" و هذه القراءة للنص تنم عن رفض الرسول لفعل الضرب، و قوله أخيراً اضربوهن و لا يضرب الا شراركم ليس معناه سماح بالضرب، و لكن معناه أن يتخير المرء لنفسه موقع الأشرار لو اختار أن يقهر زوجته بالضرب، كذلك لدينا أدلة كثيرة على تجريم الرسول لفعل الضرب، و منها قوله على منبره الشريف "لقد طاف الليلة بآل محمد نساء كثير، كلهن تشكو زوجها من الضرب، وايم الله لا تجدون أولئك خياركم‏" فها هو نبينا يقولها صريحة بأن من يضرب زوجته ليس بالكريم من الرجال، و لا بالخير الذي ينتظر منه الخير و البر، و قال صلى الله عليه و سلم في هذا أيضاً حديثين شافيين وردا في صحيح البخاري و مسلم على الترتيب، و هما "يعمد أحدكم فيجلد امرآته جلد العبد، ولعله يضاجعها من آخر يومه‏ لا يستحي" و الحديث الثاني "إني لأكره أن أرى الرجل ثائرا فرائص رقبته قائما على مريئته يضربها‏" فلدينا هذه الصحاح الشافيات، المواكبة لسنة الرسول المشرفة، حيث روي عنه أنه صلى الله عليه و سلم لم يضرب زوجة من زوجاته قط، و متماشية مع روح القرآن، و ما زال قينا من يقول أن المرأة تضرب كضرب الجارية للتأديب، أليس هذا بمدعاة للعجب؟
لقد نص القرآن على الحد الأقصى للعقاب ، و قال بعض العلماء أنه خاص بالمرأة التي يظن بها الخيانة في الخفاء، و ذلك لتعرض الآيات قبلها للنقيض و هو القانتات حافظات الغيب ، ثم كره الرسول في الفعل ، ثم تغير العصر ، و لم يعد لا الرجال و لا النساء ، فيما يفترض، في عصرنا بحاجة للايذاء البدني كوسيلة للترويض و التهذيب ، ففيم النقاش؟ و فيم ملء الدنيا و شغل الناس بالضرب بالسواك و ما اليه من أعاليل؟ يطرحون السنة النبوية لو حرمتهم من ضرب النساء، و يتمسكون بالقرآن ، و في مواقع أخرى يتعللون باتباع السنة و لو خالفت صريح النص القرآني الغير قابل للتأويل، و كأنهم على حياتنا و حياتهم يتآمرون و لا يشعرون

ليه كل ايات القران يبقى المذكر الاول "ذكر او انثى/المؤمنين والمؤمنات" إلا فى ايه واحدة "الزانية والزانى" ؟

تقديم المذكر على المؤنث عندما يذكران معا هما من تقاليد البلاغة العربية التي نزل بها القرآن، فليست من قواعد اللغة النحوية التي لا يمكن كسرها ، لكنها بلاغة يحسن اتباعها، لذلك اتبعت أغلب الآيات القرآنية هذا النهج ، و اختلفت الآية الثانية من سورة النور "ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ" ثم جاءت بعدها الآية التالية مباشرة بالترتيب التقليدي ، المذكر ثم المؤنث في قوله تعالى "ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ" ، و نحن نرى ، و الله أعلم بما أراد ، انه بدأ مرة بالانثى و مرة بالذكر ، لنفهم من ذلك اشارة الى ان فعل الغواية و التمهيد للزنى قد يأتي من الرجل حينا و من المرأة حينا ، على عكس ما تقول الأدبيات التراثية من أن المرأة هي التي تقوم بالغواية ، فلو بدأت الآيتان المتتاليتان بالذكر لكان ذلك اشارة لتغليب دور الرجال ، و العكس صحيح ، و الله أعلم

19.3.08

المرأة في الإسلام -01

نناقش اليوم الأسئلة الذكية التي سبق أن تكلمنا عنها ، و التي طرحتها المدونة "قطرة المحيط" في مدونتها المميزة ، و هو موضوع محبب إلى قلبي، فلقد بحثته بعد وفاة والدتي رحمها الله رحمة واسعة ، و كتبت فيه ، لأنني تعودت من هذه الراحلة الكريمة أن أحترم المرأة و أقدر دورها المحوري في حياتنا ، في حياة البشر جميعاً ، و الحق أقول ، انه لو كان لأحد أن يفخر بجنسه لحق للمرأة التي تدور الحياة حولها أن تفخر بهذا الجنس ، لكن بنهاية القول ، لا فضل لأحد منا في تحديد جنسه ، فلا مجال للفخر، و اليوم أناقش الأسئلة التي طرحتها العزيزة قطرة المحيط بعد أن سمحت لنا بمناقشة أطروحاتها الفكرية مشكورة ، و المقال الذي طرحتها به هنا لمن أراد أن يطلع عليه قبل قراءة المناقشة ، و عنوان المقال المتميز هو "عشر تساؤلات و حقيقة وحيدة" و أنا هنا أرى مختلفا معها ، أن هناك دوما أكثر من وجه للحقيقة ، مع كامل احترامي لفكرها و طروحها، لكن الفكر الديني في أي دين ، هو فكر يحتمل العديد من الأوجه ، و كل منا يستقي منه وفق المورد الذي يرد منه الماء

محدش ينكر ان الاسلام رفع مكانة المرأة ، ولكن هل رفعها كفاية لتكون على نفس مستوى مكانة الرجل؟
و هذا سؤال شيق ، و ذكي ، لأنك ستجد الكثير ممن يدعون العلم بدين الله و يملأون الفضائيات صياحا و ضجيجا يجيب عن هذا السؤال إجابة تؤكد معناه ، و محتواها أن المرأة و الرجل لا يستويان مكانة ، و ان هذه هي إرادة الله عز و جل ، و هو ما نراه خطأ و ضلالا أوقعنا فيه مشايخ الفضائيات من ضمن ما أوقعونا فيه من إشكاليات و شبهات و حيرة ، و الإجابة السديدة برأينا هي نعم ، لقد ساوى الإسلام في المكانة بين الرجل و المرأة ، و لو نظرنا لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم "النساء شقائق الرجال ، لا يكرمهن إلا كريم و لا يهينهن إلا لئيم" لرأيناه صلى الله عليه و سلم يعطي إقرارا مباشرا بالمساواة في قوله "شقائق" مما يعني لغة الندية مع الحميمية ، فهي ندية لكنها ليست ندية التناحر و الشجار ، لكنها ندية التقارب و التكامل، كذلك لو نظرنا لنص الآية الكريمة من سورة البقرة "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" لوجدنا نموذجاً آخر لعلاقة التبادلية الندية و الحميمية من القرآن الكريم، و حتى نتمم الإجابة عن مكانة المرأة في الإسلام ، لابد لنا من بحث النصوص التي قد يفهم منها غير ذلك ، ثم نرى فهمها الصحيح على عكس ما هو سائد في أدبيات شيوخ الفضائيات التي يستقون منها علومهم ، أو نتأكد من صحة نسبتها للنبي لو كانت تنسب للحديث الشريف

هل أخرجت حواء آدم من الجنة؟
قضية الخلق الأول كانت لعدة قرون مثار اهدار لمكانة المرأة ، بسبب الخلط الشائع الذي نتج من النظرة الكاثوليكية للمرأة على أنها كانت مدخل ابليس إلى آدم ، وفقا لنص العهد القديم ، و الذي نص أيضا على أن علاقة المرأة هي علاقة تبعية لزوجها و على أن معاناة الحيض ليست ضريبة طبيعية للأمومة و لكن عقاب إلهي لهذا الذنب ، يأتي في العهد القديم بعد عقاب إبليس مباشرة! لكن القرآن أتي بنظرة مغايرة تماما لهذه النظرة، فالخطأ فيما نفهمه من القرآن كان خطأ مشترك وقع فيه الزوجان معا على قدم المساواة، و من ذلك قوله تعالى "فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ" و قوله تعالى "وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً" و كذلك قوله "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ" فالقرآن لم يحمل حواء هذه المسئولية وحدها ، و انما مشتركة مع آدم ، فاذا انفرد في الخطاب بأحدهم انفرد بآدم




شهادة المرأة قضائياً
يثار اللغط اليوم حول آية شهادة المرأة في المعاملات التجارية من سورة البقرة "واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم ، فإن لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء ، أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى" و نحن نرى أن هذه الآية الكريمة مرتبطة بالحالة الذهنية للمرأة في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي، تلك المرأة الأمية، قليلة الاحتكاك بالمجتمع، قليلة الخبرة بالناس، و نظراً للحرص على دقة الشهادة تكون الإثنتان من هذه النوعية بمقام الواحد من الرجال في هذا العصر، و قبل أن يتشنج متشنج بقوله (يا عدو الله، كتاب الله صالح لكل زمان و مكان) نقول نعم، و لكن الله عز و جل بين لنا بقوله تعالى "هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" أن بعض آيات الكتاب و التي تعبر عن روح الدين و عن سنة الله في كونه هي آيات ثابتة و صالحة لكل زمان و مكان، فهي آيات لا تحتمل التأويل، و لا يتغير فهمها من عصر إلى عصر، لأنها الآيات الخاصة بنقاء العقيدة و ما يعين الإنسان على سلوك مسلك الباحث عن الحقيقة في حياته، و مسلك خليفة الله في أرضه، المتعاون مع بني جنسه لمهمته الأزلية في إعمار الأرض، و أما المتشابه منها، فهي الآيات المتعلقة بحياة الناس اليومية و التي تعرضت للتغيير و التطوير في حياة النبي (ص) و ذلك بالنسخ، عندما نسخ الله بعض أحكام القرآن بأخرى مع تغير و تطور مجتمع المدينة المنورة و تغير التوازنات الإجتماعية و السياسية فيه، كما كانت هذه الآيات الحياتية المتشابهة موضع إجتهاد من الرسول (ص) و من خلفائه الراشدين، فحد السرقة مثلاً في القرآن لا يرد فيه إستثناء، و لكن الرسول أوقف العمل به في الحرب و أوقف "عمر بن الخطاب" العمل به أثناء المجاعة، كما أن الآية المحددة لأنصبة توزيع الزكاة آية صريحة واضحة، و لم يمنع هذا "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه من حذف سهم المؤلفة قلوبهم حين اشتد عود الاسلام و استغنى عن شراء ولاء الاعراب المحيطين بالمدينة المنورة لتجنب خيانتهم ، فدور الآيات المتشابهات و سبب بقائها بكتاب الله أنه يتعين علينا أن نفهم منها روح الدين و توجهه العام في كل زمان و مكان، ثم نجد لعصرنا ما يتوافق معه، فنفهم منها روح القانون، و هذا ما فعله الفاروق "عمر بن الخطاب"، حين هدد السيد الذي يجوع عبده حتى يسرق بقطع يد هذا السيد الجائر، فالحدود هدفها منع الطغيان، و منع تهديد الفرد للجماعة، هكذا فهمها الفاروق، و هكذا يجب أن نفهم دور تلك الآيات المتعلقة بالأمور الدنيوية، و التي حدثنا رسولنا العظيم يوماً فقال "أنتم أدرى بشؤون دنياكم"، فالله قد بين لنا طريق الصواب بقرآنه الحكيم، و ترك للإنسان المكلف بالتفكير مهمة القيادة على هذا الطريق على حصان في عصر النبوة أو طائرة في عصرنا

و التفسير الذي أتى به المفسرون من السلف لآية المرأتين لم يعد صالحا في زماننا ، و هو موضوع أن المرأة من طبيعتها النسيان، و بذلك يكون التعليل هو تذكير الواحدة للأخرى، لأن علم النفس أثبت العكس، فالمرأة لها عقلية تنفيذية شديدة الولع بالتفاصيل مقارنة بالنظرة الكلية المجملة للرجل، و هذا يجعلها شاهدة لا تبارى لو توفرت لها التجربة و الإحتكاك الحياتي الكافيين، و إنما احتاجت لمن تعين و تذكر و تتمم الصورة في عصر نزول الوحي، لما ألم بها في هذا العصر من التهميش الذي أجاده المجتمع البدوي الذكوري، و حاربه الإسلام الذي حرص على أن يخرج المرأة في رأينا من ظلمات الجاهلية إلى نسيم الحرية تحت لوائه ، و عليه نقول، أنه من واقع فهمنا هذا، فالآية الكريمة في شأن شهادة المرأة جوهرها تحري العدل، و النظر للحالة العقلية للشاهد و تقدير قيمة شهادته من واقع حالته الذهنية ، فلا تستوي شهادة الطفل القابل للايحاء بشهادة البالغ، و لا تستوي شهادة ريفية أمية مع شهادة زوجها الحاصل على مؤهل ، و هكذا، فالامر لا علاقة له بجنس المرأة و لكن بحالتها الذهنية العامة ، ثم ان المرأة أصبحت قاضية و تقوم بعملها جيدا ، ففيم النقاش؟

درجة الرجال على النساء
كم منا يسيء فهم الآية الكريمة "و لهن مثل الذي عليهم بالمـــــــعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم" ؟ كثيرون فيما أعتقد ، فهذه ليست درجة تميز و لا شرف ، لكنها درجة تسامح و رحمة ، و قد فسرها "ابن عباس" رضي الله عنه بالتفسير الوحيد الذي نراه مقبولا حين قال: الدرجة التي ذكر الله تعالى في هذا الموضع، هي الصفح من الرجل لإمراته عن بعض الواجب عليها وإغضائه لها عنه مع أداء كل الواجب لها عليه، رحم الله "ابن عباس" بهذا القول الحكيم، فقد شاءت رحمة الله خالق الذكر و الأنثى، أن يبين لنا واجبات كل من الزوج و الزوجة نحو شريك حياته، ثم يوصي الرجال بالصفح عن بعض الحقوق، و ذلك لعلمه جل جلاله أن المرأة تمر في بعض الأوقات و الأحوال الجسمية المتعلقة برسالتها كأم، بأطوار قد تكون فيها مرهقة الجسد، أو مرهقة الذهن، أو سريعة الإنفعال لدرجة قد تمنعها لبعض الوقت من اكتمال واجباتها كزوجة، فأما الرجل، فعليه في مثل هذا أن يتجاوز و لا يتشدد في طلب حقوقه، كما لا يحق له أن يواجه التقصير من جانبها بتقصير من جانبه، حيث لها من الأعذار الفيسيولوجية ما ليس له، ثم أنها تتحمل من المعاناة في عملية استمرار النوع ما لا يتحمل ، فيا مشايخ الفضائيات و أئمة الزوايا، هذا الشرح موجود مع الشروح التقليدية التي توردون في كتب التراث ذاتها، فلماذا لا تستمعون القول فتتبعون أحسنه؟

نظام المواريث و ما يرتبط به
قال تعالى في سورة النساء "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، و هذا حق جعله الله للأبناء من الذكور، و ربطه إلزاماً بواجبات عديدة، فقد فصل الإسلام الذمة المالية للزوجة عن زوجها، و جعل عليه ما يلي: أن يتكفل بكل ما تحتاجه هي و أبناؤها كفالة تامة وفقاً لمستوى دخله و المستوى الإجتماعي للأسرة، بما في ذلك أن يستأجر لها مرضعة لو أرادت ، و كذلك من يساعدها في تدبير المنزل، و جميع ما تحتاجه الزوجة مكلف به الرجل حتى لو كانت ذات مال، فلو عجز الزوج مؤقتاً و إضطر للإقتراض من مال زوجته، فيشترط الشرع رضاها أولاً، فاذا رضيت و طابت نفسها و دون ادنى استخدام لسيف الحياء، يصبح هذا القرض دينا يؤديه لها حين ييسر الله له مهما طالت المدة و كبر الدين، و لو مات و لم يؤده، يقتطع من تركته قبل توزيع المواريث كأي دين آخر لمصرف أو لشخص، أما لو عجز الزوج عجزاً دائماً عن الكسب و الإنفاق، و أرادت الزوجة أن تنفق على نفسها و أبنائها، مع عدم إحتمال الرد لعجز الزوج، كان لها عند الله بما تنفقه حتى على نفسها صدقة

لقد فصل الإسلام إذاً فصلاً كاملاً بين الذمة المالية للزوجة و الزوج، فلماذا لم يقر ديننا بمبدأ التعاون بين الزوجين في الإنفاق ؟ نحن نرى أن هذا كان قمة العدل في الإسلام، فمع الظروف الإجتماعية التي إحتاجت لإباحة تعدد الزوجات، و مع الوجود المؤقت لإمكانية شراء الجواري، و التي نرى أن الإسلام أباحها ثم قضى عليها تدريجياً حتى لا يتسبب التحرير الفوري في أزمة بطالة و تشرد حادة، كان من الظلم أن تنصهر الذمتان الماليتان، ثم تجد المرأة زوجها يتزوج باخرى أو يتسرى بجارية، ربما من مالها، فأي إحساس أقسى من هذا؟ كما أن الإسلام أباح الطلاق للرجل، و الخلع للمرأة، و حدد الحقوق المالية للطرفين في هذه الحالات، و لأن الإنفصال برغبة أي من الطرفين منفرداً أمر وارد، كان لزاماً أن يحتفظ كل منهما بذمة مالية مستقلة. فحق الرجال قانونيا في وراثة الضعف، يجب أن يقوم امامه الزام قانوني للرجل بكفالة الزوجة و غيرها من النساء من أهله ممن لا عائل لهن غيره، و أمامنا في عصرنا الحالي أمر من إثنين لا ثالث لهما، إما أن نعود لإلتزام الرجل بواجباته المنوطة به مقابل حق وراثة الضعف، او أن نوحد بين الرجل و المرأة في الإرث، و نحن نرى ان الأولى بنا أن نتبع وصية الله بأن يتحمل الرجل واجبه مقابل حقوقه، أما ما يحدث الآن من توريث غير متكافيء، و قابلية طلاق من طرف واحد، و قابلية تعدد زوجات من مال الزوجة أحياناً فهذا ما لا يرضاه عدل الله جل و علا

أحاديث خلافية و مجرح في صحتها
أورد مسلم في صحيحه عن رواية أبي هريرة "ثم يقطع الصـــــــلاة المرأة والحمار والكلب" و للحديث صيغة أخرى تضيف لهؤلاء الثلاثة عناصر أخرى و هي اليهودي و المجوسي و الخنزير !!! فيا رسول الله سامحنا فيما افتراه بعضنا عليك، و هذا الحديث حسبنا فيه ما ردت به أم المؤمنين عائشة حين سمعت ما قاله أبو هريرة قائلة: "عدلتمونا بالكلاب والحمر؟ إلى أن قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته" ، فلو كان أبو هريرة قد لازم النبي ثلاث سنوات و روى عنه آلاف الأحاديث ، مما شكك الصحابة وقتها في صحة ما يرويه، و دفع فاروق الحق "عمر بن الخطاب" في خلافته لأن يمنعه من الرواية عن رسول الله ، فهذه زوجة النبي التي فاضت روحه الكريمة في حجرتها تدحض ما يقوله ، كذلك يتعارض الحديث مع العديد من أحاديثه صلى الله عليه التي كرمت المرأة ، و يتعارض مع النص القرآني " ولقد كرمنا بني ادم" فليس من التكريم أن يتساوى البشر مع الكلاب و الحمير ، و أخيرا عدم قبول منطق نقض الصلاة بمرور كائن حي امام المصلي، فمن يضمن للمصلي في أرض زراعية عدم مرور حمار أمامه، و ما هو الحد الادنى من الامتار اللازم لاعتبار ان هذا الحيوان مر أمامه و لم يمر بعيدا؟ ثم في روايته الاخرى، هل يتحرى المرء لو صلى بمكان عام عن كل من مر أمامه مخافة أن يكون يهوديا أو مجوسياً؟

و يروي البخاري عن رسول الله أنه قال " ما أفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة " و الحادثة التي يرد بها الحديث تثير الشكوك حول صدق نسبته للنبي الكريم، و قد روي هذا الحديث في سياق رد النبي (ص) على أخبار أتت من بعض القادمين من فارس، عندما سألهم الرسول عمن يلي أمر الفرس، فقالوا "إمرأة" ، فرد النبي بهذا الحديث، و الذي عده الرواة نبؤة صادقة بهزيمة الفرس بعد هذا بسنوات، و هذه واقعة يثبت تاريخ الدولة الساسانية أنها مكذوبة على رسول الله، فقد حدثت هذه الهزيمة على يد إمبراطور رجل هو "خسرو الثاني" أو "كسرى الثاني" كما صحفها العرب، و كان ذلك في موقعة "نينفي" أو "نينوى" كما صحفها العرب أيضاً، و كان ذلك في عام 627 م، قبل أن تجلس أية ملكة فارسية على العرش ، ببساطة لأن الملكتان الوحيدتان في هذه الدولة كانتا " بوران-دوخت" و هي ابنة "خسرو الثاني" الذي خسر المعركة، و لم تتول الا بعد هزيمته و وفاته، فحين تولت امرأة أمر الفرس كانوا مهزومين بالفعل ، و بعدها "آزامي دوخت" اختها و لم تستمر الا لبضعة أشهر

كذلك يروي البخاري عن الرسول أنه قال "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، و الشؤم في ثلاث: الفرس والمرأة والبيت" فهذا حديث يناقض أوله آخره!! كما أن البخاري نفسه يروي بعده مباشرة رواية أخرى للحديث تقول "كان في الجاهلية الطيرة من الدار والمرأة والفرس" و نحن نظن أن هذا هو الحديث الصحيح ، ففيه يحكي الرسول عن عادة خاطئة من الجاهلية و لا يقرر حقيقة ، و بهذا ينسجم الحديث مع غيره من أحاديث رسول الله التي نهت عن التشاؤم و التطير ، فما لنا لا نعمل العقول في تراثنا يا أمة المسلمين؟

أما الأحاديث التي تروي ، و هي أربعة ، عن موضوع أهل النار و أن أكثرهم من النساء ، فهذه مردود عليها من كتاب الله و من سنة النبي بعدة أدلة ، فمن ذلك قوله تعالى "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" و قوله تعالى "من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا" و كذلك قوله "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" و أخيرا قوله تعالى "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" فهذه أربعة آيات نرد بها الأحاديث الأربعة ، و غيرها بكتاب الله كثير، فلو نظرنا لحديث رسول الله ، لوجدنا منه قوله صلوات الله عليه "ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة تعينه على آخرته" فهل يستعان بأهل النار على الإحسان في الدنيا لتعيننا في الآخرة؟ و كذلك قول الرسول "إذا صلّت المرأة خَمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ" فهل من يقول بهذه الأحاديث يقول بأن أكثر أهل النار من النساء؟ أفلا نتق الله يا مشايخ في رسولنا الذي نسبنا اليه الكثير ظلما و عدوانا؟

و هناك خلاف هذا أحاديث كثيرة ، منها ما أثبت الامام الألباني ضعفه و تهافته ، بعد أن ظل يروى في كتب الحديث و ما زال لقرون عديدة ، و منها ما يروى كحديث و هي لم تنسب يوما للرسول لا بالعدل و لا بالافتراء، و كما نقول دائما، الحديث ظني الثبوت، فاذا وافق القرآن و سنة النبي إجمالا و سلامة الفطرة تفصيلا ، يقوى عندنا الظن بنسبته للرسول الكريم ، و لو كان خلاف ذلك ، فاغلب الظن فيه أنه مكذوب، لهذا كان الرسول يمنع من يريد أن يكتب عنه حديثه ، و كذلك فعل أبي بكر و الفاروق عمر ، بل أن الفاروق نهى بالتحديث عن رسول الله لان القرآن لم يكن مكتوبا بعد، و لعلمه أن الله لم يتعهد بحفظ الحديث بعيدا عن الاختلاق و الافتراء

ليه المرأة فى الاسلام دايما مفعول به ومتنفعش تبقى فاعل؟
و في الرد على هذا السؤال ، نسوق أمثلة من كتاب الله تدل على كون المرأة فاعلة أصيلة في القرآن ، و من أمثلة هذا في "مريم بنت عمران" قوله تعالى "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" و قوله "وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ" فهذه إمرأة وصلت من درجة الشفافية الروحانية ما لا يصل إليه الرجال، و ما يتعجب منه نبي الله زكريا نفسه ، فهذا في قدرة الفعل من حيث العبادة و التقوى و القوة الروحية ، فكذب الله بذلك ظن والدتها التي كانت قد نذرت ما في بطنها لعبادة الله ، إذ قالت بحكم البيئة الرعوية التي عاشت بها "وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ" لكن الله أثبت بواقع حال مريم إمكانية تفوق المرأة على الرجال في التقوى و القوة الروحية

كذلك يحدثنا القرآن عن إمرأة فرعون التي ضربت مثلا في عدم التأثر بالوسط المحيط بها و التمايز عنه في قوله تعالى "وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ " و كذلك قوله تعالى "وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ " فتبرأت من محيط الشر المحيط بها و من عملهم ، كذلك كانت قدرة المرأة على الشذوذ بالشر في محيط من الخير دليلاً آخر على قدرتها على الفعل المستقل " ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ" و أيضاً يحدثنا القرآن عن بلقيس ملكة سبأ في قوله تعالى "إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" ففي تعبيره أوتيت من كل شيء بيان لقدراتها كملكة مكينة في قومها ، كما أن القرآن نوه في نفس السورة عن طبيعة الحكم الديمقراطي القائم على الشورى الذي كانت بلقيس تتبعه ، و من هذه الأمثلة تتبين لنا قدرة المرأة على الفعل في شأن الدنيا و القوة على العمل المادي و الحكم

ليه المرأة مكتوب عليها تبقى ديل لـولي راجل؟ متسافرش من غير راجل ، متتجوزش من غير اذن ولي ...الخ؟
و هذا سؤال لا نلوم فيه صديقتنا قطرة المحيط و لكننا نلوم التفسيرات التراثية لمفهوم القوامة الذي أتي به القرآن ، و ملأ به دعاة الفضائيات الدنيا و شغلوا الناس، و ليتهم ملأوا الدنيا بفهمه السليم ، اذا لنفعوا الناس ، لكنهم نشروا الفهم الوهابي المغلف بالبداوة للنص القرآني الكريم ، و فيه يقول الله تعالى "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" و هذا لمن يفهم معنى القوامة لغة، هو بمثابة تكليف للرجال و ليس تشريفا و لا رفعا في القدر و المكانة فوق المرأة ، و ليس حقا يكتسبه الرجل على المرأة بحق إنفاقه عليها كما يدعون، و تأتي مشكلتهم من فهمهم لمعنى القوامة، و فهمهم لمعنى "بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" و علاقة ذلك بالإنفاق

أما معنى القوامة فهو برأينا و فهمنا اللغوي، أن يكون الرجل قائماً على شؤون زوجته، و هو هنا يكون معادلاً موضوعياً للأب من إبنته، مهتماً بأمرها، مشاركاً لها و ناصحاً، مشغولاً بما فيه خيرها و خير أسرته، غافراً لهفواتها، مقدراً لمواهبها، مشجعاً لها على ما فيه الخير لها، و قد نمتد بفهمنا لللآية لتشتمل على مسؤولية الرجل عن كل النساء من أهل بيته، أماً و أختاً و زوجةً و إبنة، فالقوامة في فهمنا هي إحتواء أبوي و ليست تسلطا ذكريا، فأما "بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" و علاقتها بما قبلها، فنرى فيه غير ما رأى المفسرون الأوائل و الأواخر من المتأثرين بالثقافة العربية في مجتمعنا الذكوري، ففضل الله الذي أعطاه لبعض الرجال و الذي نراه معنياً هنا، هو الإنخفاض النسبي لإنفعالات الرجال و إنفجاراتهم العاطفية – و نعني هنا الناضجين منهم – و قدرتهم على التحكم العقلي في المشاعر مقارنة بالمرأة، فليس الأمر أن الرجل أرجح عقلاً، فقد أثبت العلم و تجربة القرنين العشرين و الواحد و العشرين بطلان هذا الزعم، و لكن أحد الخصائص النفسية التي خص الله بها الرجل للقيام بمهامه الكونية بما فيها القوامة هي خاصية الإنتظام العاطفي النسبي، و نؤكد أنه نسبي، مقارنة بالمرأة، فمن المطلوب من الرجل أن يرعى زوجته في الملمات و المواقف الحرجة داعما لها أو مواسياً، و ذلك بما وهب كثير من الرجال من ثبات عاطفي، و مما ميز الله الرجل به عن المرأة تفوق الرجل العضلي في أغلب الرجال على أغلب النساء، و هنا يطلب من الرجل أن يقوم على ما يحتاج لهذه القوة البدنية من شأن زوجته، مساعدا و معيناً لها بغير تأفف، فالأمر ليس مميزات تفتضي منح الرجل رتبة أعلى، و لكن مزايا يأمر الله الرجل أن يوظفها لرعاية زوجته، و نص الآية الكريمة يذكر الرجل أنه ليس وحده ما يوظف قدراته لدعم زوجته ، بل هي الأخرى توظف مميزاتها من العطاء و الحنان و الحب لسعادة الأسرة كلها، و إلا لقال تعالى (بما فضل الله به الرجال على النساء) لكن اللفظ القرآني " بعضهم على بعض" يفيد معنيين اثنيين ، الأول أن التميز متبادل بين الرجال و النساء ، و الثاني أنه تميز نسبي ، فمن الرجال من لا يملك ثباتا و لا رباطة جأش ، و قد تفوقه زوجته في هذا، فيكون من واجبها أن تعينه فيه ، فهي علاقة تبادلية متغيرة

فأما علاقة الثبات و القوة العضلية و الإنفاق بعدها في الآية الكريمة بالقوامة قبلهما، فنختلف فيه –مع احترامنا- مع كل إجتهادات السلف في فهم النص، فنراه علاقة تفصيل و ليس علاقة تعليل و تبرير، أي أن معنى الآية كما نراه يكون: الرجال يقومون على رعاية النساء، و يستخدمون في هذه الرعاية ما خصهم به الله من ثبات عاطفي في الشدائد و من قوة بدنية تتحمل ما لا تتحمله المرأة من بعض المشقات، و ما يرزقهم به الله من خير يوسعون به على أهلهم من النساء كواجب أصيل من واجبات الرجل نحو أهله من النساء، بينما ترى التفاسير السلفية معنى الآية بشكل مغاير لتكون: الرجال متسودون على المرأة بحق التفوق العضوي و العقلي و النفسي الذي خصهم الله به، و بحق أموالهم التي ينفقونها على النساء، لذلك وجب على المرأة أن تخضع لوصايتهم الكاملة، فيكون المعنى خضوع أنثوي مقابل القدرات و التمويل الذكري، و هو فهم للآية الكريمة أثرت فيه بيئة و ثقافة المفسرين من السلف مع تقديرنا لجهدهم، و قد كانت علاقة الرجل و المرأة في ثقافتهم علاقة يسيطر عليها القهر كما سيطر على كافة العلاقات الإنسانية في زمنهم

فأما السفر ، فلها أن تسافر بغير ولي في رأي أغلب العلماء عدا الوهابيين و السلفيين ، فموضوع السفر مع الزوج أو أحد المحارم هو موضوع كان يقصد منه تأمين المرأة ، و لذلك دارت الأحاديث التي تروى فيه لو صحت عن السفر مسيرة يوم فأكثر ، و هذا لطبيعة السفر في هاتيك الأيام و مخاطره الني كانت كبيرة على الرجال و أكثر على النساء، فاعتاد الناس ألا يسافروا الا في تجمع من القوافل ، و هذا امر انقضى اليوم و الى الابد ، و حتى السعودية الوهابية اضطرت لمخالفته و القبول بوجود طبيبات و مدرسات و غيرها بغير محارم ، لأنه موضوع غير عملي في عصرنا، كذلك زواج الأبكار ، كان يتم دائما في عمر أقل من عمر الرشد بتقاليد تلك الأيام ، فكان الولي شرطا لضمان عدم خداع القاصر و التغرير بها تحت اسم الزواج، و قد أجاز الكثير من العلماء زواج البكر الراشدة بغير ولي ، و ساقوا في هذا العديد من الأدلة

فهذه ثلاثة ناقشناها ، و قلنا فيها برأينا الذي نراه حقا ، و لا ندعي أنه الحق ، و بفهمنا الذي نفهمه من الإسلام ، و لكننا لا ندعي أنه الإسلام، و الله أعلم، و في المقال اللاحق ، نجيب بقية الأسئلة التي طرحتها الصديقة قطرة المحيط ان شاء الله و كان في العمر بقية

بذور الشك-03

هنا أجيب عن أسئلة طرحها علي الصديق "ديموزي" حول العديد من الطروح العقائدية ، فلو وصلنا من "قطرة المحيط" تصريح بإقامة الحوار قبل أن ننتهي من مقالنا هذا ، فسوف يسعدنا أن يمتد الحوار لتلك الشبهات التي طرحتها على مدونتها المميزة ، و الآن نبدأ الرد ، و أحب أن أوضح بداية أنني هنا لا أدعي أنني أمتك الحقيقة المطلقة ، و لا أدعي أنني أتكلم باسم الإسلام مدافعا عنه ، فإيماني أن العقائد لا تحتاج لدفاع ، إنها خيار شخصي بين الفرد و الله ، و لن يضر أي دين أن يخرج منه أي عدد و لن يفيد أي دين أن يدخله المليارات ، فالأصل في الأديان أنها أفكار و عقائد ، و هذه معاني مطلقة لا يمسها ضرر و لا نفع ، و لهذا أتعجب دوما من كلمات مثل "مؤامرة على الإسلام" أو "هجوم ضاري على المسيحية" ، هذا عندي كأن يقول شخص ما بوجود مؤامرة على النزاهة أو هجوم على الحب ، الأديان منظومة مباديء و أفكار، نفيد منها لو أحسنا فهمها و اعتناقها ، و نفيد الآخرين ، و نضار منها و نضر الآخرين لو أسأنا الفهم و الاعتناق

حول تاريخية المسيح
يقول السيد ديموزي أن التاريخ لا يشير إلى وجود حقيقي لشخصية المسيح ، لكن لدينا مصادر تاريخية متعددة تتحدث عن أحد الربيين اليهود الذي كان يقلب الغوغاء ضد النسر الروماني، وفق تعبير كاتب النص الروماني ، و حديث آخر عن الربي الذي يعالج الأمراض في الجليل ، و هكذا، فنحن لا نتوقع من معاصريه من الرومان أن يكتبوا عنه أنه نبي؟ أليس كذلك؟ و لهذا بصفة عامة يجب علينا الحرص في المطابقة البحثية للتاريخ الديني ، مراعين فارق الثقافات و اللغات الذي ساد منطقتنا التي أصبحت اليوم عربية ، فمثلا، العديد من كتب السيرة و الحديث تتحدث عن "كسرى الفرس" و عن "كسرى أنوشروان" و في هذا خلط كبير لأن كسرى لم يكن لقبا لملوك فارس في أي زمان و أي مكان ، فاللقب كان دائما "شاهنشاه" او ملك الملوك ، فهل نتعجل و نقول أن هذه الأحاديث غير صحيحة و تعارض التاريخ؟ لا ، بل نبحث أكثر لنجد أن تعاقب الملكين خسرو الأول و خسرو الثاني تسببا لعرب الجزيرة العربية المجاورة لفارس في الخلط ، معتقدين أن كسرو التي صحفوها لكسرى هو لقب ملك فارس على غرار قيصر لقب ملك البيزنطيون الشرقيون

الميثاق و الشهادة على الناس
ثم يسأل صديقنا ديموزي عن الآية الكريمة من سورة الأعراف "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ" و نحن نقدم له كل العذر فيما تساءل عنه ، فنرى أن الدفوع التي وردت في التفسيرات التراثية كلها دارت حول إستخراج كل بني آدم من ظهره و إشهاد الله لهم بأنه خالقهم ، و نشير هنا أول ما نشير إلى تفاوت الأحاديث التي رويت عن رسول الله في هذا الشأن تفاوتا كبيرا برغم أننا نفهم أيضاً انها جميعا قيلت بذات الموقف و حول ذات الآية ، ثم نشير إلى تفاوت ما تقوله هذه الأحاديث بأن الله مسح ظهر آدم فأخرج كل ذريته مع نص الآية الكريمة التي تقول و بكل وضوح "من بني آدم" و ليس من آدم ذاته ، و كذلك تستخدم مرتين "من" الدالة على التبعيض ، بينما تتحدث هذه التفسيرات عن جمع إعجازي لكل بني آدم من صلبه ؟ فما هو التفسير الذي نراه صحيحا إذاً؟

حتى نفهم هذه الآية حق فهمها ، ننظر في الآيات التي تشير إلى معنى قريب من معناها بكتاب الله ، و هي "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" من سورة النحل ، و كذلك في ذات السورة نجد قوله تعالى "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ" ثم ننظر للآية الكريمة "وَإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبِـيِّـينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإبْرَاهِيـمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ وأخَذْنا مِنْهُمْ ميثاقاً غَلـيظا" ، و من سورة القصص قوله تعالى " وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ" و من مجمل الآيات الكريمات ، نفهم أن الحديث في الآية الكريمة هو عن الأنبياء و الصالحين من كل أمة في كل زمان ، الذين يسمعون كلمة الله وحيا من الأنبياء أو قراءة للوحي من الصالحين و العلماء، فيشهدوا لله بالربوبية ، و يعملون على نشر الإيمان و القيم الإنسانية السامية ، فيستجيب لهم من يستجيب و يعرض عنهم من يعرض، فبهذا يصبحون شهداء على المعرضين عن كلمة الحق ، حتى لا يدعي هؤلاء يوم البعث أنهم غفلوا عن حقيقة الربوبية لله و عن التزام منهج الحق و الخير و الجمال لإعمار الأرض ، و سبب اللبس في فهم الآية هو إستخدام الله تعالى لتعبير "من ظهورهم" و هو لتأكيد بشرية الرسل و انتمائهم للبشر ، و كذلك انتماء الصالحين و الشهداء للبشر للتدليل على امكانية الايمان و الالتزام بمنهج الله من قبل البشر ، و لهذا نراه تعالى في الآية التي فصل فيها أسماء بعضا من عباده من الأنبياء و الرسل أتى باسم عيسى عليه السلام مقترنا باسم السيدة العذراء لبيان استثناءه من قاعدة "من ظهورهم" ، فقاعدة الإشهاد على الناس في القرآن لا تتمثل في أن يشهد كل فرد على نفسه بالايمان بالله قبل الخليقة ، لأن هذا كما قلت أنت ليس بالعدل طالما سيولد و ليس هذا الموقف ماثلا بذهنه ، و لكن الاشهاد على الناس يكون من خلال الأنبياء و الصالحين من البشر ليثبتوا أنه في كل زمان و مكان كان الصلاح و العلم الحق بالله ممكنا و متاحا لمن اجتهد و سار على الدرب

و ندلل على فهمنا هذا للآية الكريمة من سياق الآيات السابقة و التالية لها، ففيها يخبرنا الله عن بني إسرائيل قائلا " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ ٱلْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ * وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ" ففي هذا السياق القرآني ، يقول لنا الله ، أنه توعد بني إسرائيل بأن يقيض لهم في الدنيا من يضطهدهم جزاء عصيانهم المتكرر ، و ذلك لمن لم يتب منهم عن مبدأ العصيان و استحلال الدماء ، فمن تاب فان الله كما هو سريع العقاب فهو غفور رحيم ، ثم فرقهم الله في التيه في كل أصقاع الأرض ، و هي مرحلة الشتات في التاريخ اليهودي، و ينبهنا الله أن الكلام هنا ليس عاما على كل يهودي ، فمنهم صالحين و منهم طالحين، ثم تأتي منهم أجيال فمنها من يفضل الانطلاق في الحياة بلا وازع من خلق و دين برغم العلم الذي أنزله لهم الله ، و منهم من يلتزم بهذا العلم من أهل الكتاب ، و هؤلاء أجرهم على الله، ثم يحدثنا الله عن واقعة جبل الطور و حادثة زعزع الله فيها الجبل بكيفية اعجازية حتى ظنوا أنه منهار عليهم، ثم تأتي الآية التي رمنا فهمها لتذكرنا بأن الله يأخذ من بني آدم الأنبياء ليشهد كل أمة على نفسها من خلال واحد أو أكثر منها ، و هذا لكثرة الانبياء من اليهود ، حتى لا يدعي أحد بأنه كان غافلا عن حقيقة الألوهية و مبدأ الحق و الخير، و نرى أن كثير من الأنبياء كان من أب مشرك ، و هذه الحقيقة تنفي الاعتذار الذي قد يسوقه بعضهم بأنه ورث الشرك عن أبيه و أن هذا أمر لا حيلة له فيه، و نفس المعنى يأتي بقوله تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً * وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ" فالآية الكريمة تحدثنا عن المسلمين الذين أرادهم الله امة وسطية بعيدة عن كل تطرف و كل تعصب ، تأخذ من الأمور بأوسطها و أيسرها على الناس، لاثبات امكانية الوصول لهذه الدرجة من الرقي الانساني، و التي كان سابقنا إليها و من هدانا إليها نبينا صلى الله عليه و سلم، فهو شهيد علينا بأن البشر يمكن ان يصل إلى أعلى مراتب الرقي و التحضر في ظلال الايمان، و من أهم عناصر الايمان عدم التحجر على فهم معين ، و قد كان تحويل القبلة اختبار من الله للمسلمين ، ليظهر منهم من يفهم الاسلام كدين مضمون لا يؤثر فيه تحويل القبلة لانها ليست مقدسة في ذاتها و لكن بأمر الله، و من يفهم الاسلام كدين طقوس و نصوص و أحرف، فهذا تفسير تلك الآية الكريمة كما نفهمه و الله أعلم، و نعلم أن هذا التفسير لا يرضي الطرفين ، فلا يرضي منكر الآيات من اللا-دينيين و لا يرضي مقدسي التفاسير التراثية من المتأسلمين ، و لكن على الله قصد السبيل

حديث الجبر و الإختيار
هو حديث قديم بقدم علم الكلام في الإسلام ، و تعددت فيه الآراء و تشعبت، لكننا سنحاول الإيجاز فيه قدر الجهد ، مبينين أمر الآيات التي ساقها صديقنا "ديموزي" و منها قوله تعالى "فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" فنحن نرى في موضوع الجبر و الاختيار الخلافي أن الانسان مختار تمام الاختيار ، و ان مشيئة الله هي التي قدرت للإنسان أن يكون عاقلا مختارا لا بهيميا مسيرا على غريزة ، فهو عز و جل قد شاء لنا المشيئة ، و ذلك ما نفهم من قوله تعالى "وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً" من سورة الإنسان و مثلها في سورة التكوير، فالانسان مختار تماما ، و لكنه ليس اختيار أخذه عنوة ، تعالى الله عن هذا ، و لكنه اختيار أراده له الله و شاءه و يسره له ، و هي مشيئة جماعية و سببية ، بمعنى أن الرجل لا يشاء أن يولد يوم كذا من شهر كذا ، لكن والده و والدته يشاءان المعاشرة في ذات ليلة تسبق هذا الميلاد بعدة أشهر ، فيكون الميلاد نتاج هذه المشيئة السابقة للوالدين ، كذلك لا يختار الرجل أن يصاب بالسرطان ، لكنه يدخن مفرطا فيزيد من احتمالات الاصابة وفقا لتكوينه الجيني ، و هو لم يختر هذا التكوين لكن اختاره الوالدان مع خيار الزواج ، اما الاية التي أتى بها صديقنا بتحديد الله جعل الرجس على الذين لا يؤمنون ، فالانسان يختار طريقه أولا بارادته الممنوحة من الله ، فييسر الله له طريقه الذي اختاره ، فمن يختر طريق الخير يهيء الله له من الاحداث ما يعينه ، دون الاخلال بقاعدة الاختيار البشري، و من البشر من يتم طريق الهدى بهذا التيسير و منهم من يحيد عنه برغمه، و نفس الوضع يسري على المكذبين في الآية الثانية التي ساقها الصديق من سورة الأعراف ، فالله يترك الضالين في طريق الضلال الذي اختاروه ، فكأنه بهذا يستدرجهم لاتمام ضلالهم، و الله اعلم

17.3.08

محور الشر-02


الصناديق و قطرة المــــــــــــــحيط
هو تعليق على مقال عميق في محتواه الفكري ، شهي في صياغته و لغته كالخبز الإيطالي الذي تلتهمه لا شعوريا حتى نهايته ، إنه مقال للمدونة قطرة المحيط أو دروب أوف ذي أوشن في سياق مجلتنا الإلكترونية الجديدة "مصر الجديدة" التي ولدت على يدي الرائعة دوما فانتازيا ، يشارك بها نخبة من المدونين و المدونات ، منهم السهل الممتنع إيجيبت أناتوميست و غيره من المميزين، تحدثنا قطرة المحيط في مقالها عن الإخوان "البعدا" الذين بدأت حولهم هذه السلسلة منذ أسابيع ، و الذين بدأت رحلتي معهم ، أو بشكل أدق ضدهم، منذ أيام الجامعة ، لكن هذا ليس ما لفت نظري و لا ما دفعني للتعليق ، ما رسم البسمة على وجهي هي نظرية الصناديق التي نعيش فيها ، لكل منا صندوقه و كل مجموعة صناديق متقاربة تتجمع في شكل بلوك "صناديقي" مميز بلونه و زيه ، و كل بلوك بالطبع مغلق على نفسه ، و هي نفس النظرية التي يسميها صديقي د/أحمد عبد الله نظرية القبائل ، على طراز "أنت معانا و لا مع التانيين" و التي أسميها أنا نظرية القطعان البشرية ، ثم هالني أن أجد قطرة المحيط تسميها في مفطع لاحق من مقالها بالقطعان أيضاً، إلى هذا الحدد تتشابه الأفكار حين تتشابه الهموم؟ لكن ما هالني لأكثر و أكثر ، هو زيارتي لمدونتها ، لأجد أن عمرها 19 عاما ، فلا أملك إلا أن أقول ، ولادة يا مصر ، و أقول ما قلته من قبل لمجموعة من المدونين التقيت بهم ، و كانوا من شباب الجامعات و حديثي التخرج ، أنهم أفضل منا ، لقد ساعدهم انفتاح العصر على النضوج المبكر مقارنة بنا نحن المساكين الذي كانوا يبحثون عن الكتب الممنوعة في أزبكية القاهرة ، و النبي دانيال بالاسكندرية ، و طه الحكيم بطنطا ، و هؤلاء هم أملنا جميعا، و بهم نبتسم للغد الذي نحلم به أفضل ، و بهم نعود للمعركة كلما دفعتنا شيخوختنا المبكرة للخروج منها، معركة النور ضد الظلام ، و المستقبل ضد الماضي ، و انا من أمثلة الهاربين الذين عادوا، فبعد أن قررت أن أتحول للكتابة بالانجليزية تماما ، عدت لسببين ، أولهما مبادرة فانتازيا مع مصر الجديدة التي أخجلتني من صلابتها، على طراز صيحة جهاد في فيلم "واإسلاماه" ، و ثانيهما طلب من شاب ناشيء عز علي أن يطلب مني أن اترجم مقالا بعينه للعربية حتى يستطيع قراءته و لا أستجيب ، فترجمته و بذهني تتردد كلمات "صاحبة العصمة" أم كلثوم و هي تقول "تعالوا يا أجيال يا رمز الأمل ، من بعد جيلنا و احملوا ما حمل ، و افتكروا بكرة و اذكرونا بخير ، مع كل غنوة من غناوي العمل" ، المهم ، لقد طالت المقدمة و آن لنا أن ندخل في الموضوع عن محورنا الشرير ثانية

لقد علقت قطرة المحيط على العديد من الملامح المشوهة للتيار المتأسلم ، و أنا أشاركها هذه النظرة إلى ما لا نهاية ، فعلقت على السيف الذي يزين شعار الاخوان المسلمين ، و هو شعار قد أفهمه أنا كعربي رمزاً للشهامة و الدفاع عن الحمى ، و لكنهم ينسون أنه لدى العالم اليوم ، أصبح وضع السلاح في شعار لا يصلح إلا للقراصنة ، حتى و ان كان العالم يضج بالعنف و الدماء، و كذلك علقت على شعارهم الدائم "الإسلام هو الحل" و عنه تعودت أن أقول على عيني و راسي الاسلام يا سيدي، بس انت مين؟ ايه علاقتك بالاسلام؟ معاك توكيل من الله عز و جل بالحديث نيابة عنه؟" ثم علقت على موضوع ذي شجون ، و هو موضوع دولة صدر الإسلام ، و التي يمنون الناس بأنهم قادرون على بعثها من جديد ، بعدل عمر بن الخطاب و باشتراكية عمر بن عبد العزيز ، ثم يصورون هذه الدولة بالمدينة المنورة كدولة طوباوية و كأنها جنة على الأرض ، متجاهلين حقيقة تاريخية ، هي أن عظمة هذه الدولة كانت في بشريتها ، و في الأخطاء و الضعف البشري فيها، كانوا بشراً رغم طيب معدنهم و عظمة إيمانهم، يضعفون يوم حنين و يتفرقون عن رسول الله ، و يولون هاربين ، فيعاتبهم الوحي الإلهي، ثم يتوب الله عليهم لأنه سبحانه و تعالى أدرى بضعف البشر من مخلوقاته ، و تغري السلطة و السطوة بعضهم فيجادلون صاحب الحق و ولي الأمر في حقه، و يخرجون عليه ، كما فعل طلحة و الزبير و السيدة عائشة مع علي رضي اللهم عنهم أجمعين، و في بشريتهم هذه تكمن عظمة التجربة ، فلو كانوا ملائكة من السماء لما كانت لسيدنا محمد عظمة الإنجاز الذي حققه بتحويل نفس القبائل المتناحرة إلى أمة موحدة مرهوبة الجانب

ثم أخذتني اللينكات إلى مدونة قطرة المحيط أقرأ بعض مواضيعها ، و بالطبع جذبت عيني الموضوعات التي أهوى البحث و الخوض فيها ، و على قمتها يأتي كل ما له علاقة بعلم الاجتماع البشري و ما يرتبط به من علم الأديان و الاعتقاد ، و رأيت صاحبة المدونة تنتقد الفهم الذي وصل إليها عن الدين ، و لا أقول وصل إليها لأنها لم تبحث و لم تقرأ ، بل من الواضح أنها فعلت ، لكنه وصل إليها نتيجة تسود الفكر المغلق بدأ من الأشعرية في نهاية العصر العباسي ، و حتى سلفية و وهابية اليوم ، على أغلب الكتابات الإسلامية، هذا الفكر الظلامي الذي روج لبعض كتب التراث و أخفى بعضها و تجاهله ، كأن أئمة المعتزلة أهل العدل و التوحيد ليسوا من تراثنا ، و كأن هؤلاء النجوم الزهر الذين جعلوا من العقل المصدر الثالث للتشريع و الفقه مع القرآن و السنة ليسوا من سلفنا الصالح ، لقد طرحت المدونة الشابة أسئلة حيرى حول بعض ما قرأته و لم يقبله عقلها عن وضع المرأة في الإسلام، و للأسف ، دارت إجابات المعلقين عليها حول محور يكاد يكون واحدا و هو "كده كويس قوي ، كفاية عليكم كده يا ستات ، هو انتو كنتو طايلين أساسا؟" وهكذا ، تظل الأسئلة التي طرحتها بلا إجابة ، لأن الفكر السائد في فهم الدين و فقهه فكر عقيم عنين، عاجز عن ادارة حوار أو إبحار في علوم التاريخ و الاجتماع الانساني و تاريخ الأديان ليحاور عقل الشابة المثقفة

تسأل قطرة المحيط بذكاء عن الإسلام ، و هل رفع مكانة المرأة لتصبح مساوية للرجل؟ و السبب طبعا هو شيوع نظرية القوامة بفهمها القاصر عن المعنى القرآني الجليل ، فيرد من يرد بأن ربنا عايز كده ، عايز الستات يبقوا معلقين برقبة الرجال ، و سألت عن دور المرأة و وضعها دائما كمفعول به في العقل العربي و ليست فاعلا، كما سألت عن القوامة و هل معناها تبعية المرأة للرجل؟ و سألت لماذا ينهى الرسول المرأة عن الصوم دون إذن من زوجها ، و يأمرها بالاستجابة لدعوته للفراش و يقول بلعن الملائكة لها لو لم تفعل؟ و سألت عن حق الطلاق و لماذا هو للرجل فقط؟ و سألت عن عقاب المرأة الناشز و عدم وجود عقاب مماثل للرجل الذي لا يفي بواجباته كزوج ، و عن تقديم المذكر على المؤنث في نصوص الآيات الشريفات عدا آية الزنا ، حيث قدمت فيها المرأة؟ كلها أسئلة ذكية تحتاج لإجابات مقنعة ، و أنا لست من ملاك الحقيقة المطلقة ، و لست ممن يدعون أنهم يعرفون كل شيء و لديهم كل الإجابات ، فهذا جهل أعوذ بالله منه ، و لكنني أدعي أن لي بعض العلم بمدرسة اندثرت أو كادت من مدارس الفقه الإسلامي و الفلسفة الإسلامية، هي مدرسة أهل الرأي ، و هي مدرسة واسعة تضم العديد من المفكرين و الفقهاء على اختلافهم ، بعامل مشترك واحد ، هو إطلاق إعمال العقل و الرأي لتدقيق النصوص و إثبات أو نفي صحة نسبتها فيما يخص الحديث و السير، ثم الوصول لأفضل تفاعل مع النص في ظروف زماننا و مكاننا ، و لو سمحت لي صاحبة المقال ، لأجبت على ما سألته في مقالي القادم مع إجاباتي عن أسئلة صديقنا الملحد التي وعدناه بها في المقال القادم من سلسلة "منطق الإيمان" بإذن الله

13.3.08

بذور الشك -02


ردود على الدكتورة وفاء سلطان
تحل هذه الكلمات المقتضبة محل مقال كنت بالفعل قد بدأته للرد على بعض الدفوع التي قالت بها الدكتورة "وفاء سلطان" في موقع الحوار المتمدن ، و تهاجم بها كل ما له علاقة بالاسلام ، لم تكن لدي مشكلة في الحوار معها بناء على الفارق العقائدي، فأنا أحترم من يفكر حتى لو ضل به عقله من وجهة نظري ، فهذا أمر يقع في نطاق حرية الاعتقاد ، لكن الفكرة ماتت بعد المقال الأول بسبب تعليق لصديقي "محمود" أعقبه بريد يحمل بعض الروابط التي تكشف عن طبيعة "وفاء سلطان" و وجهها الحقيقي ، و ما صارت تحمله من ود مفاجيئ لدولة إسرائيل ، لقد طلبت من صديقي الدليل فأهداني مشكورا بعض الروابط التي تكفي لشم رائحة الخيانة من مواطنة سورية بلادها مازالت تحت الاحتلال الاسرائيلي و مع ذلك تعتبر أن العداء لإسرائيل هو صرعة بالية ، عفوا دكتورة وفاء ، في هذا الصدد فقط أحب أن أكون "دقة قديمة" و أبقى كذلك ، فالخيانة ليست وجهة نظر ، و بيع تراث الوطن و من ضمنه الود لأصدقاء هذا الوطن و العداء لمن يحتله ، ليس في الماضي ، و لكن اليوم و غداّ ، لا يسمى باسم آخر غير الخيانة و بيع الثوابت الوطنية ، هو ضرب من التحضر يشبه تحضر المخنثين سياسيا الذين قادوا هذا الوطن العربي إلى اللا-مكان و اللا-زمان ، فلا المدنية و لا العلمانية و لا الحضارة دفعت "ديجول" لمصافحة النازي ، و لا "جيفارا" للنوم بفراش أمريكا ، و لا "ناصر" لمهادنة الصهيونية ، و لو كانت الصلابة في ثوابت الأوطان جهلا و تخلفا ، فاللهم اشهد أنني أول الجهلاء و اجعلني للمتخلفين اماما، شكرا صديقي محمود للنور الذي ألقيت ، هي بالفعل لا تستحق غير التجاهل ، تحياتي و تقديري

10.3.08

بذور الشك -01

ردود على الدكتورة وفاء سلطان

في مدونته "بحث عن الحقيقة" كتب صاحب المدونة مدافعاً عن آراء و أفكار الطبيبة السورية "وفاء سلطان" التي قلبت الدنيا بحديثها الذي أصفه بأنه غير لائق و غير متحضر في برنامج الاتجاه المعاكس ، و لم أفكر حين طالعت محتوى الحوار أن أرد على ما قالته الدكتورة "وفاء" لأن السباب و حالات الهوس اللحظي الذي يتحدث فيها الانسان من منطلق كراهيته للآخر ، هي أمور لا تناقش و لا تستحق عناء الرد ، و لكنني وجدت على هذه المدونة مقالا لها مختلف في شكله عما قالته بحوارها ، فهو أكثر عقلانية و أكثر هدوءا و به دفوع فكرية تقتضي الرد ، و لست أرد هنا مدافعاً عن الدين ، لأن الايمان بقلوب أتباع أي دين لا يحتاج لحماية ، و لكنني أرد انتصارا للحقيقة أيضا و لكن من وجهة نظري التي تخالف رأي الدكتورة و رأي المدون "ملحد" صاحب هذه المدونة ، و الذي وجدت فيه هو الآخر لياقة و تهذيبا أقدرهما

و للفكر الالحادي بوطننا العربي مشكلتان، أولهما أنه فكر في أغلبه ، ناتج عن تخلف المؤسسات الدينية الرسمية و الأهلية في التعامل مع المقدس ، فتقدمه هذه المؤسسات للناس بدون فصله عن غير المقدس من التراث البشري الذي يدور حوله، فيرجع الفرد العيوب و القصور التراثية في فهم و تناول الدين للدين ذاته ، مما يؤثر بصلابة اعتقاده ، أما المشكلة الثانية فهي طاقة العنف و الحماسة الحمقاء التي نتمتع بها ، متطرفين في الحب و الكره معاً، فنرى الملحد عندنا لا يقل عدوانية و تطرفا عن المتطرف الديني ، و هو ما يجافي المنطق السليم الذي يدعي الملحد أنه قاده لرفض الفكر الديني ، و بعد هاتين المشكلتين يأتي تعامل رجال الدين مع مشكلة الالحاد نفسها ليزيدها تعقيداً ، فنجدهم يقولبون الملحد دوما ، في قالب شخص منحل فاسد بلا أخلاق يهرب من الدين ليعيش على هواه ، و كما يقول "ملحد" اتهموا "وفاء سلطان" بأنها عاهرة !! ما علاقة سوء الأدب في عرض أفكارها اللا-دينية في التليفزيون بالدعارة و العهر؟؟ كذلك نجد شيوخ الفضائيات يردون على دفوع الالحاد مبرهنين على كلامهم بالنصوص المقدسة ، ناسين أنهم يتحدثون لمن لا يعتبر هذه النصوص دليلا ، بل يشكك في قدسيتها من الأساس ، و هذا ما ننتوي أن نخالفه في ردودنا هذه على أفكار "وفاء سلطان" الواردة بمقالتها ، و سنعرض هنا أطروحاتها و تساؤلاتها في شكل أسئلة نجيب عليها من واقع فهمنا المنطقي لديننا الذي به نؤمن ، و في كل ما نقول ، لا ندعي أننا نمتلك الحقيقة ، لكننا ندعي أننا نطلبها و نحاول البحث عنها، و الله المستعان

ألم يكن الله قادرا على إرسال رسالة واضحة لا تحتاج إلى بشر كي يؤولوها ويفسروها، خوفا من الضياع في دهاليز التأويل والتفسير؟
بلى ، الله تعالى قادر على إرسال هذه الرسالة ، و قد فعل ، و القرآن ليس كتابا مطلسما ليحتاج إلى تأويل ، و ليس تفسير القرآن حرفة أمرنا الدين بأن يحترفها بعضنا ، بل نحن من اختلق هذه الحرفة و مثيلاتها اختلاقا ، كذلك لم يأمر المسيح بالكهنوت و الرتب و ما اليها و لكن ابتدعها بولس الرسول، القرآن يا سيدتي كتاب منزل بلسان عربي مبين ، كل ما نحتاجه للالمام به ، ان نلم باللغة العربية التي بها نزل ، و هذا حال أي فكر إلهي أو بشري ، فاللغة وعاء الفكر ، أما مطالعة التفاسير فهي للاستدلال و الاستنارة بمعرفة كيف فهم السابقون المحتوى الفكري للقرآن الكريم ، لكنها ليست ملزمة على الاطلاق ، كذلك لو قرأت بعض الشروح و الاعمال النقدية حول "الحرب و السلام" للرائع "تولستوي" ، فهذا لا ينفي قدرتك على استنباط أفكاره من كتاباته ذاتها ، لكنك تحاولين الاستنارة بقراءات الاخرين للحصول على ميزة التراكم المعرفي ، و لقد تأثرت أنت هنا بالفكر الذي يروج له من نقول لهم علماء الدين و هو أن القرآن و فهمه و الاسلام و فقهه مهنة كمهنة الطب أو الهندسة تحتاج "نرخيص مزاولة مهنة الفكر الديني" و هذا ضلال ما بعده ضلال ، فقد كان علماء السلف أنفسهم كالامام" ابي حنيفة" و غيره من غير المتخصصين ، تجارا و صناعا ، بل كان الانبياء كذلك ، و نحن نجد في القرأن ما لا نحصيه من الأوامر بالتفكير و اعمال العقل في الكون و في أنفسنا و غيرها ، مما يجعل التفكير و التدبر فرض عين على كل مسلم ، بل إننا نفهم "ذكر الله" الوارد في القرآن لا على كونه تسبيحا بتكرار الاسماء ، و لكن على كونه تذكر المهمة التي وكلت الينا بالاعمار و النجاح و تحقيق سلام العالم ، لان الله هو من وكلنا بها ، و تذكر هذه المهمة دوما يدعونا للانتباه لسلوكنا ليكون في اتجاه تحقيق هذه المهمة

لماذا لم يوعز الله لـ “نبيّه” ليكتب القرآن قبل أن يموت كي يُجنب الناس الضياع بين النقل والتنقيط والتحريك والتفسير؟
بل أوحى الله لنبيه بكتابة القرآن ، و قد كتب القرآن فور نزوله منجما بيد كتاب الوحي المتعددين ، و كانت هذه هي الآلية التي من خلالها حفظ الله لنا القرآن ، فنجده اليوم بين الكتب المقدسة الوحيد الذي كتب في حياة صاحب الرسالة ، و الوحيد الموجود كاملا بلغته الأم التي أوحي بها ، و لهذا أهمية قصوى حيث تلعب الترجمة دورا جللا في تحريف الفكر الديني عن موضعه ، لان الترجمة تنتج من فهم المترجم لمحتوى النص ، مما يعني تفاعل بشري مع هذا النص ، اما موضوع التنقيط و الضبط بالحركات الذي قام به "نصر بن عاصم" و "يحيى بن يعمر" تحت إشراف فقيه لغوي عتيد هو" الحجاج بن يوسف الثقفي" ، فأمر لا نرى فيه ريبة و لا عيباً ، بل نراه عين المنطق ، لقد كتب القرآن على عهد الرسول بطريقة الكتابة السائدة بوقته بغير نقط و لا شكل فوق الأحرف ، و هذه مرحلة مرت بها جميع اللغات السامية ، ثم لفتت الحاجة الى تثبيت أسلوب قراءة القرآن مع تقادم العهد بالرسول و انخفاض نسبي بعدد الحفاظ بالنسبة لاجمالي عدد المسلمين بعد توسع الامبراطورية الاسلامية و انضمام غير العرب للمعسكر الاسلامي و حاجتهم لقراءة القرآن ، فأمر "عبد الملك" الأموي بهذا الضبط ليتمم به المصحف العثماني ، و الاختلاف بين القراءات و التي يسود منها قراءة "حفص" عن "عاصم" و قراءة "ورش" عن "نافع" اختلاف يسير لا يكاد يغير المعني المحتوى بشكل كبير ، و لو قارنا حفظ القرآن بهذا الاسلوب بالكتابين السابقين له في ظل ثقافة رعوية سمعية لا تعتمد على التدوين لوجدنا طفرة نوعية كبيرة

كيف يحتاج الله إلى أن ينسخ أقواله خلال وقت قصير جدا بالنسبة لديمومة الله، ولا يسمح للإنسان أن ينسخ تلك الأقوال خلال عمر طويل جدا بالنسبة لحياة الإنسان؟
اللوم هنا لا يقع عليك سيدتي و لكن على من يرجعون النسخ في القرآن لقاعدة البداء ، بمعنى ورود منهج أفضل يبديه الله على الأول ، و هذا ما لا نتفق معهم فيه ، لقد كان النسخ في القرآن درسا و منهجا ، كبيان و تطبيق عملي لقاعدة التطوير وفق احتياجات المجتمع ، و قاعدة مراعاة مقتضى الحال ، ففي العبادة مثلا يؤمر الرسول بقيام أغلب الليل في مرحلة التأهيل النفسي للنبوة ، و ذلك قبل إلقاء أعبائها عليه كما نصت الايات الكريمات ، فقد كانت الآية الخامسة من سورة المزمل " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً" تالية و مبررة للآية الأولى و هي "قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً" ، ثم انتهت مرحلة التأهيل الروحي الأولي فنزلت بينهما الآيتان اللتان خففتا قيام الليل إلى نصف الليل أو أقل أو أكثر قليلاً ، و ذلك في مرحلة الابلاغ و الدعوة التي احتاجت منه صلى الله عليه و سلم الراحة ليلا، ليقوم بمهمته نهارا، و كذلك الأمر في الخمر و في القوانين المدنية و الجنائية التي غيرت في القرآن ذاته ليضرب الله لنا مثلا أنها ليست مقدسة لذاتها و لكن كضوابط اجتماعية للحفاظ على سلامة المجتمع و مصالح أفراده ، لكننا لم نستوعب الدرس ، فاعتقدنا أن التطبيق في القرن السابع الميلادي هو ذاته المطلوب أن نطبقه اليوم ، و كان هذا خطأنا المعرفي الكبير و ليس خطأ الدين أو القرآن، و على هذا ، فهو سبحانه لم يحتج للتغيير في كلماته ، لكن شاءت ارادته أن يضرب لنا المثل في التطوير و فهم روح القوانين و الضوابط و مراعاة مقتضى الحال ، أما تجمدنا و تقديسنا لغير المقدس من التراث و الفهم الموروث للدين فهذا يعاب على المسلمين و ليس على الاسلام سيدتي ، و أتفق معك فيه ، لكني أختلف في إلى من نوجهه

كيف يكتب الله كتابه بلغة قبيلة لا علاقة لها بسكان الأرض من قريب أو بعيد، ثمّ يفرض على العالمين أن يقرأوه بلغة تلك القبيلة فهموه أم لم يفهموه؟
عزيزتي ، هنا يبدأ رفض الآخر في دفعنا للجنوح الغير منطقي، فمادام كتابا فلابد له من لغة ، سواء كانت اللغة العربية بلهجة الحجاز أو غيرها ، فما المانع إذن أن تكون اللغة العربية و باللهجة القرشية؟ و كونها لغة قبيلة بدوية فهذا ليس عيبا بالنسبة لنص مقدس ، بل هو ميزة ، ذلك أن اللغات العالمية لو جاز التعبير ، كاللغة الرومانية و الفارسية وقت هبوط الوحي ، عادة ما تتأثر بالطبيعة الامبراطورية الكوسموبويلتانية للحضارة التي تمثلها ، فتجد اللفظ مستخدما في عدد لا حصر له من التوظيفات ، فتكون مشكلة الفهم و التأويل أصعب ، لعدم النقاء اللغوي بحكم تعدد الشعوب التي تستخدم اللغة و تمزجها بعض الشيء مع لغاتها ، اما اللغات المحلية الصحراوية فهي عادة أكثر وضوحا و تحديدا مما عداها ، و ان كانت ليس هناك لغة على وجه الارض محددة المعنى بنسبة مائة بالمائة ، لكن الامر نسبي في النهاية، فضلا عن ذلك ، تميزت العربية نسبيا بثراء لغوي ، و بتأصيل قوي في علاقة الجذر اللغوي بالمشتقات ، مما يجعل الوصول لمعنى محدد للالفاظ و بالتالي الفكر القرآني سهل نسبيا

أما قراءة غير العربي للقرآن بالعربية و هو لا يفهمها ، فاعلمي سيدتي أن أول الأئمة الأربعة و أقربهم عهدا بصاحب الرسالة (ص) و هو الامام" أبو حنيفة النعمان" قال بجواز قراءته للمعنى بلغته ، أما من جاؤا بعده ، فقد عاصروا بدايات عصر تجميد الفكر الديني فرفضوا هذا و قالوا ببطلان صلاته ، لكن حتى يومنا هذا ، من المقبول للمصلي أن يقرأ و يتعبد بالقرآن على لغته طالما لا يعرف العربية بناء على اجتهاد الامام" أبي حنيفة" رحمه الله، و هذه هي رحمة الاختلاف بين الأئمة التي حرمنا منها في عصور الجمود الفكري و الديني

هل هناك تراكيب لغوية غامضة في القرآن؟ حديث عن مثل البعوضة فما فوقها
ضربت الكاتبة مثلا بالاية السادسة و العشرين من سورة البقرة " إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ" على غموض في القرآن ، ثم استدلت بتفسير الجلالين على أن التفاسير لا تزيد القرآن إلا غموضا، و نحن نخالفها في الأولى و نوافقها في الثانية ، فاما الاية فلا غموض فيها ، إنه سبحانه يوضح المنهج القرآني في توضيح و تقريب المعنى للأذهان و لو بضرب الأمثال بمخلوقات من أهون مخلوقاته ، كالبعوض ، فالأمر ليس تفخيما لغويا و نصوص مطلسمة كما قلنا آنفا ، و لكنه رسالة دينية و تربوية الهية ، تهدف لابلاغ المضمون بكل السبل و منها الأمثلة التقريبية أو الميتافور بلغة البيداجولوجي الحديث

أما قولها بأن تفسير الجلالين يشرح الآية بأسلوب يبعد معناها و لا يقربه فهذا صحيح ، و لكن تفسير الجلالين ليس قرآنا و لا هو من أركان الايمان ، انه جهد بشري تقادمت به القرون لا أكثر و لا أقل ، نقدر الجهد المبذول فيه و نطالعه للالمام و الافادة و لكننا لا نقدسه و لا نتوقف عنده قليلا أو كثيرا
سؤال عن آية الإستئذان من سورة النور و آيتي الموءودة من سورة التكوير
تورد الدكتورة "وفاء" آية من سورة النور و هي "يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" و تتساءل عن طول الجملة الخبرية في الآية الكريمة ، و هو ما لا نرى فيه عيبا و لا قدحا نرد عليه ، ثم تسأل ما الذي تعلمه المسلم من ترديدها عبر أربعة عشر قرناً ، و على ذلك أرد قائلا إنه احترام الخصوصية يا دكتورة ، و مراعاة مقتضى الحال في البيئة القرآنية الأولى ، الآية تحدثنا عن وجوب تجنيب الأبناء و الأرقاء بالمنزل و الخدم قياسا على الاثنين مطالعة مواقف خاصة بين الرجل و زوجته ، حتى و ان كانت مجرد تحلل من بعض أو كل الثياب ، و قد قصرت الآية ذلك على أوقات يكثر بها مظنة اللقاء الزوجي مراعاة للبيئة و الزمن اللذان لم توجد بهما أبواب لتقرع ، و لكن خيمة يختلي الزوجان بجانب منها مستور بخباء من قماش ، أو بيت ريفي لا أبواب داخلية بين غرفه ، و لكن ستائر في أفضل الأحوال و لا شيء في أسوئها ، و على هذا فيجب الاستئذان الصوتي من قبل الاقتراب من مكان راحة الأب و الأم من البيت أو الخيمة ، و الله أعلم ، اما الحكمة العريضة التي نتعلمها فهي احترام الخصوصية يا سيدتي و عدم التطفل على القريب أو البعيد

ثم تورد لنا الدكتورة قصة من طفولتها عن مدرس التربية الدينية الفظ ، جاحظ العينين كبير اللحية أشعثها حين سألته ببراءة عن الآية الكريمة " وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ" و لماذا يسأل الله المقتولة و ليس القاتل ، فثار المدرس الجهول الغير تربوي و طردها من الفصل قائلأ لها "أتعلمين الله كيف يسأل يا كافرة" ، و أعتقد أنها كما قالت ، نزل حاجز بينها و بين التعلق الفطري بالدين و محاولة فهمه من هذا اليوم المبكر من صباها، و الذي اتهمت فيه بالكفر ظلما و عدوانا ، و ما كانت الا صبية غراء تحاول أن تفهم ، و أجيبك أنا يد دكتورة أن الآية لا تسأل سؤالا استفهاميا يقصد منه الحصول على اجابة ، و لكنه سؤال تقريري للتعجب يفيد قتلها بلا ذنب جنته ، و هو نمط لغوي وارد في العربية و غيرها من اللغات الحية ، و مازلنا حتى الآن في تصويراتنا نسأل الأهرام عن عظمة من بناها و الورود عن رعاية من رواها و لا ننتظر من أيهما رداً، و غيرها من ضروب الأسئلة التقريرية أو التعجبية و ليس فيها معنى الاستفهام ، و الله اعلم

الغزو في قرآنكم قانون وفي مفهومي رذيلة؟

ليس هذا خطأ معرفيا قاصرا عليك ، لكنه خطأ شديد الشيوع ، يخلط فيه الكثيرون بين القتال كواجب ديني في حالة واحدة و هي التي وردت بقوله تعالى "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ" فتلك الآية هي التي تحدد الاطار العام للقتال الاسلامي دفاعا عن النفس و الوطن و العرض و المال و غيرها ، و تنص صراحة على عدم الاعتداء و البدأ به ، و بين الآيات التي جاءت كما في سورة التوبة خاصة لحالات بعينها، كحالات الدفاع ضد الخطر الاقليمي كخطر الغساسنة ، و في غيرها خاصة بقتال يهود المدينة بعد نقض العهد المدني مع الرسول (ص) ، و كذلك يخلطون بين الدين و بين أمور الدولة الاسلامية الناشئة و التخطيط لتوسعها الامبراطوري ، و هذا لا عيب فيه ، فالعصر كان عصر امبراطوريات و الدولة فيه اما أن تكون تابعة أو متبوعة ، و لا يوجد خيار ذلك ، و كان الخيار الاستراتيجي و ليس الديني هو أن تكون دولة المدينة دولة متبوعة ، و لهذا فتحت الأمصار بعد وفاة الرسول الكريم



السبي (اغتصاب المرأة الأسيرة) في قرآنكم فضيلة وفي مفهومي رذيلة

إذا كانت البشرية اليوم قد منعت الرق ، بينما لم يمنعه الاسلام و لا غيره من الاديان ، قبل القرن الثامن عشر و مع ظهور طاقة البخار لتغني عن عضلات العبيد ، فهذا شيء جميل أتاحه لنا التطور العلمي ، لكنه لم يكن ممكنا قبل ذلك مع الحفاظ على علاقات انتاج ناجحة، و من الرق استرقاق الاماء ، و الاستخدام الجنسي لهن ، و هو أمر لم يقتصر على العرب و لا المسلمين بهذا الوقت ، لكنه كان وضعا اجتماعيا سائدا و مقبولا في اطاره الزمني ، و قد خفف الاسلام من وطأة الرق على الارقاء بتحريم توظيف السبايا و الجواري في الدعارة لحساب السيد ، و هو ما كان موجودا قبله ، و كذلك تحسين معاملة الأسرى و الأرقاء كإخوان في معاشهم و حياتهم كما نص القرآن ، و التشجيع على العتق ككفارة للذنوب و على فك قيد الأسرى و قبول الفداء و غيرها ، و ثانية ، كل حضارات الكرة الأرضية وقتها لم تر في سبي النساء و الاستمتاع بهن جنسيا سلوكا شائنا ، و هذه أمور لا تغير بيوم و ليلة و بقرار سيادي ، و لكن تغير على مدى الدهر

الغنائم في قرآنكم قانون، وفي مفهومي رذيلة

عفوا و لكن هذا تحامل صريح ، اقرأي سيدتي معاهدة تسليم فرنسا التي وقعها الجنرال "بيتان" لصالح الألمان لتعلمي أن غنائم الحرب كانت و لا زالت سلوكا منطقيا بهدف حرمان العدو من امدادات و تسليح قد يستخدمه في المستقبل و كذلك الاستفادة من هذا المتاع في تمويل المجهود الحربي للمنتصر و زيادة قوته ، هي أمور تعتمد على طبيعة الصراع و قد تدخل الدين لا لفرض الغنائم و لكن لتنظيم أسلوب توزيع الثروة في المجتمع و منها ما نتج عن الحرب من غنائم





نكاح ماطاب لكم وما ملكت أيمانكم في قرآنكم قانون، وفي مفهومي رذيلة ، إتيان الرجل للمرأة أنى شاء في قرآنكم شريعة وفي مفهومي رذيلة
مرة ثانية ، لقد كان تعدد الزوجات سلوكا محمودا في أوانه ، و لا عيب فيه لذلك ، و قد وضع الله الحد الأعلى و هو الأربعة و لم يضع حدا أدنى، أما التخفف من طقسية الجنس عند اليهود و تحرير الوضعيات الجنسية لكسر الملل و تحقيق الانطلاق الجنسي الهام للتوازن النفسي في الآية الكريمة فلا ندري أي رذيلة فيه؟؟ الطوباوية البولسية في فهم المسيحية و التي تجعل من البتولية فضيلة كبرى لا تعدلها فضيلة و تنظر للزواج على أنه أهون الضررين هي التي ربطت الجنس بالخطيئة بعقول البشر ، و هذا مجافي للطبيعة تماما ، و انت كطبيبة نفسية تدركين أهمية الجنس في تكوين الشخصية و الاحتفاظ بتوازنها
طلاق المرأة بالثلاث في قرآنكم حق من حقوق الرجل وفي مفهومي رذيلة ، عدم قبول شهادة المرأة كشهادة الرجل في قرآنكم قانون وفي مفهومي ظلم ورذيلة

الطلاق الغير رجعي من طلقة واحدة هو الخلع، و قد تأسس الخلع على حالة حكم فيها النبي بالتفريق لامرأة كانت ترى زوجها قليلا بين الرجال (مش مالي عينها بالبلدي) فلا ظلم في هذا ، اما المراجعة فهي سعة و يسر ، و هي مرهونة بموافقة المرأة على الرجوع لزوجها ، و الا لا يصح له أن يراجعها برأي المستنير من العلماء ، و انما طلب من الرجل ان يأخذ مبادرة المراجعة و عرضها حفاظا على كبرياء المرأة، و هذه هي درجة الرجال على النساء في الاية تشجيعا لهم على الاخذ بزمام المبادرة بطلب الرجوع لعلاقة الزوجية ، حفاظا على الأسرة ، أما موضوع الشهادة فكان خاصا بالمعاملات التجارية و التي كانت خبرة النساء بها محدودة بهذا الزمن مما يقلل من مصداقية الشهادة لانخفاض الوعي ، و هو مرهون بتغير هذا الوضع ، و دور القاضي الجنائي أن يعتد بشهادة الشاهد أو الشاهدة وفق ما يستقر في وجدانه عن أهلية الشاهد و مصداقية شهادته ، الفهم الحرفي للقرآن و ليس روحه العامة هو ما يؤدي بنا للخروج عن هذه الروح الجليلة

و ختاما، أرى أن معارف الدكتورة القرآنية و الدينية بشكل عام شديدة المحدودية ، فقد توقعت ممن أثارت هذه الزوبعة قوة لا أراها و هناك من الملحدين من يثيرون إشكاليات فلسفية أعمق منها بكثير ، و لكننا رددنا لأنها أفكار تبدو أعمق من حقيقتها بكثير جداً ، و لا تقارب الا الشطآن التقليدية للهجوم الصوتي على الدين و الذي لا يدعمه بحث متعمق و لا درس فاحص للآيات و العقائد المحتواة بها