21.6.09

رجال لم تختبر

ومازال في القلب من الشعر بقية .. من وحي وصف لخيانات الرجال في كتاب "رثاء الشغالة" للإعلامية اللامعة (بلدياتي) دعاء فاروق


نحن رجالُ .. لم تختبر
خانات هوياتنا خاوية
حدقات عيوننا خاوية
وخزنات بنادقنا خاوية
نحن رجال .. لم تختبر
رايات ثورتنا بالية
خيول عزتنا طاوية
وجمال رحلتنا صادية
ولأننا لم نختبر
فكل الاحتمالات سارية
قد نبايع في العراق عليا
وقد نرقص في الشام لمعاوية
قد نصول كصولة الفرسان
أو
نتأود برقاعة الجارية
قد نزود عن الحمى
وقد نقايض بالحمى
ونسأل الله العافية
***
نحن رجال لم تختبر
لا رجاء للعيال .. ولا عزاء للنساء
فنحن هو الصنف المعروض تحت لافتة الذكر
بزمن التخنث والغباء
لم تصقلنا خطوب .. ولا خضبتنا دماء
نضالنا هواء .. كلامنا هراء .. وشرفنا هباء
قد نتشابه أو نتباين .. في النهاية
تختلف الأوزان والألوان والأسماء
والصنف صنف واحد
يباع كالغلمان ويورث كالإماء
ذراعه خيال .. لا زند ولا عضد
وشفتاه سراب .. لا ماء ولا رواء
ساقاه كالحبال .. لا سعي ولا ثبات
وصدره جليد .. لا أمن ولا غناء
***
نحن رجال لم تختبر
بسمتنا مغشوشة
كحشيشنا
المغشوش بالحناء
وفحولتنا مختومة
باسم الحبة الزرقاء والصفراء
سلبتنا الدنيا أجمل ما كان فينا
وجرت العولمة منا مجرى الدماء
نكرهها .. ونلعق نعالها
نجرعها داءَ .. ونطلبها دواء
نحن رجال لم تختبر
نعمل بالكيمياء .. ونضاجع بالكيمياء .. وننام بالكيمياء
يتحرش بنا شرطي .. فنتحرش بالنساء
يضرب ابن باربرا قفانا .. فنضرب النساء
تنهش أمريكا رجولتنا .. فنغتصب النساء
لا حيلة لنا .. ولا حيلة للنساء
فنحن هو الصنف المعروض تحت لافتة الذكر
بزمن التخنث والغباء
صنف تورده المعونة الأمريكية
مغلفا وجاهزا لعيش الإماء
مسجون العزيمة .. مهزوم العنفوان .. منزوع الكبرياء

16.6.09

أوباما والوهم العربي


بداية أود القول أنني أحترم شخص الرئيس الأمريكي الجديد "باراك أوباما" لأنني أعتقد أنه سيكون خلال ولايته عند حسن ظن الجماهير التي انتخبته ووضعته في البيت الأبيض، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون عند حسن ظننا، خاصة لو كانت ظنوننا قائمة على الأوهام أكثر مما تقوم على التحليل الاستراتيجي لتحركات السياسة العالمية، "أوباما" مواطن أمريكي بدرجة رئيس جمهورية منتخب وفقا لدستور الولايات المتحدة الذي يتبعه الرؤساء ولا يعدلونه وفق هواهم، أمريكي أولا وثانيا وحتى عاشرا، ولن تغير تماحيكنا هذه الحقيقة، أعني تماحيك من عينه أنه مسلم أو والده مسلم أو اسمه الحقيقي "أبو عمامة" أو أنه أفريقي الهوى ومتعاطف مع العالم العربي ... الخ، وهذه ليست أول مرة نتمحك فيها برئيس أمريكي، لمجرد أن سلفه كان مطلع أسلافنا، فهذه عادتنا منذ السبعينات، منذ أن فقدنا عزيمتنا وارادتنا الحرة وصرنا شعوبا بغير ارادة ولا كرامة ولا استقلال وطني، وهي على حد تعبير أستاذ الأساتذة "هيكل" المرة الثالثة التي يبيعون لنا فيها الوهم الأمريكي ونشتريه نحن بكل سذاجة، فتعالوا بنا نسترجع لوحة كوميدية من ماضي الوهم العربي العريق

كان الرئيس الأمريكي "ليندون جونسون" مطبقا للسياسة الأمريكية دون رطوش وبكل فجاجة ووقاحة، وكان رئيسا ديمقراطيا داعما للتدخل الامريكي في الخارج بسياسة الذراع الثقيلة، فزاد من تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام والتي كان سلفه الأكثر مثالية "جون كينيدي" يخطط لانهائها، وكان على الهامش مواليا لحليفة بلده اسرائيل إلى مالا نهاية، فلم يحرص على علاقات جيدة مع العالم العربي سوى مع الحليفة الثانية للولايات المتحدة في المنطقة وهي العربية السعودية، وهكذا قمنا كعادتنا بشخصنة خلافنا معه، ولعناه في الأشعار والأزجال والكاريكاتير، وحين انتهت ولايته عام 1969م وجاء خلفه "ريتشارد نيكسون" حاول ملوك ورؤساء العرب الترويج لنيكسون على أنه "حاجة تانية خاااالص" وعن هذا كتب الفاجومي قصيدة طريفة للغاية يلخص فيها حالة التماحيك وقتها بقوله

أب ت ث جح .. ألف باء .. جونسون روح .. نيكسون جاء
قولوا هأوأو .. قولوا هاء .. على صحافتنا الغير غراء
***
ذات صباح .. يا فتاح .. بالجرانين على ريق النوم
جم على سهوه كبسوا القهوه .. وابتدأوا ف تضييع اليوم
اللي يقول النصر نميس .. ينفع تاكسي ويمشي رميس
واللي يقول الفورد يا بيه .. أجعص من أجعصها جعيص
واللي يقول جونسون دا حمار .. راجل عقله عقل صغار
راجل تيس .. من غير حيث .. ينصب ألف جنازه بطار
بس اهو راح .. وحنرتاح .. وحنتبحبح بقي ونقول
يخرب بيته ويدلق زيته .. ويعيش نيكسون لنا على طول
نيكسون عال .. ومش بطال .. وإللي يقول غير كده مقفول
شفت كلامه .. إلا كلامه .. صح كلام راجل مسئول
ولا عنيه .. يا ختي عليه .. فيهم سكس ماهوش معقول
***

ألا نجد هذا قريبا من الكلام الدوار حاليا عن "أوباما"؟ نعم الرجل له حضور واضح، وحديثه زاخر بالقيم الإنسانية التي ينهي بها نمط الواقعية السياسية السمجة لعقود، ونعم له توجهات اقتصادية مناسبة جدا للأزمة الحالية والخروج منها، برافو عليه وعلى من انتخبوه ليصلح لهم ما أفسده سلفه البليد، لكن مالنا نحن بكل هذا؟ ماذا سنفيد من قيادته أو حضوره أو ذكائه؟ لا شيء تماما إلا أن حليف عدونا التقليدي أصبح به أكثر قوة، وهو أمر يدعو للقلق، برافو على المجتمع الأمريكي الذي وصل لدرجة من النضج ينتخب فيها رئيسا ملونا، وتنافس فيها امرأة على كرسي الرئاسة فتبلي بلاء حسنا، برافو عليهم .. ويا خيبة من مازالوا يناقشون هل الدولة المدنية ومجتمع المؤسسات الدستورية تناسبنا؟ هل المصريون المسيحيون مواطنون أم ذميون؟ هل يمكن أن ننتخب قبطيا للرئاسة؟ برافو عليهم ولا عزاء لنا في عالم سريع التطور والتحور ولا يأبه بالغافلين والمأفونين وفاقدي الزمن والتمييز

11.6.09

الفارق والشتان


صفتان أراهما ضروريتين للإنسان الناجح في أي مجال، أما الأولى فمراعاة مقتضى الحال، وأما الثانية فمعرفة أقدار الرجال، فمراعاة مقتضى الحال تجعله يضع الكلمة في موضعها، ويضع الأمور في نصابها لتحقيق أفضل النتائج، سواء في مجال العمل أو الأدب أو الحياة العامة أو الخاصة، وكذلك معرفة أقدار الرجال ضرورية في كل هذه المجالات، فلا يساوي المرء بين غير الأسوياء، ولا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع، وللعرب في هذين الأمرين أقوالا ومأثورات وصلت الغاية في إحكام المضمون وبلاغة الشكل، وهنا نسوق منها بعض الأمثلة المختارة لبلاغتها وحكمتها

في سقيفة بني ساعدة، حين قال قائل من الأنصار للمهاجرين "منا أمير ومنكم أمير" أجابه الفاروق "عمر بن الخطاب" بقوله الشهير "هيهات لا يجتمع اثنان في قرن .. والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم منهم" يعني بذلك المهاجرين .. فذاك مثال لمراعاة مقتضى الحال

وحين أرسل "معاوية" لعلي خطاب يدعوه لقبول خلافته قائلا أن كليهما من بني عبد مناف ولا فضل لأحدهما على الآخر، أجابه كريم الوجه قائلا "وأما قولك إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل .. فعلمري إنا بنو أب واحد .. ولكن .. ليس أمية كهاشم .. ولا حرب كعبد المطلب .. ولا أبوسفيان كأبي طالب .. ولا المهاجر كالطليق .. ولا الصريح كاللصيق .. ولا المحق كالمبطل" فذاك من بيان الفرق بين أقدار الرجال، وحين خطب "معاوية" أحد زوجات "علي" بعد استشهاده، ردت الزوجة على الوسيط الذي ندبه "معاوية" بقولها "يريد صاحبك ليحل محل أمير المؤمنين في فراشه بعد أن غصب كرسي خلافته؟ والله لا يكون هذا أبدا .. فليوم من علي خير من ملء الأرض مثل معاوية حيا وميتا" وهذا قول من عرفت قدر زوجها الراحل فردت خاطبا دونه في كل شيء

ومن الشعر الحديث أبيات رائعة لنزار قباني رحمه الله قال فيها "أتهددين بحبك الثاني وزند غير زندي؟ إني لأعرف يا رخيصة أنني ما عدت وحدي .. هذا الذي يسعى اليك الآن لا أرضاه عبدي .. فليمضغ النهد الذي خلفته أنقاض نهد .. يكفيه ذلا أنه قد جاء ماء البئر بعدي" وهذا استعلاء الشاعر بأدبه عمن سواه