24.5.11

الزجاج المكسور .. تقسيم الدول في ذاكرة العالم

يونيو القادم هو الشهر  الأخير في عمر السودان كما عرفناه، فاعتبارا من ٩ يوليو ۲۰۱۱م يتم التقسيم، وتعلن جمهورية جنوب السودان وعاصمتها جوبا مستقلة عن الشمال وعاصمته الخرطوم، والسؤال الحتمي هنا: ما هي الخطايا السياسية والاجتماعية التي تؤدي ببلد لفقد وحدته والنهاية المؤلمة بقطع أوصاله وتقسيم أراضيه؟ دروس من التاريخ نحتاج لاستعادتها لعلنا نعتبر ونفهم أن منطق "الغزوات" الانتخابية، واستقواء الأغلبية الطائفية أو العرقية في فرض هويتها على الآخر قد تكلف الوطن وجوده نفسه  

تقسيم السودان: يتوهم البعض أن تقسيم البلاد يحدث في البلاد ذات التركيبة الطائفية أو العرقية المتكافئة عدديا (كأنها خناقة)، والنموذج الأوضح في تفنيد زعمهم هو النموذج السوداني، حيث نسبة المسيحيين فيه ٥% من تعداد السكان مقابل ۲۰% للأديان المحلية و٧٥% أغلبية مسلمة، وحيث قامت الأقلية المسيحية بالدور الأكبر في تقسيمه، فبعدما حصل الشعب السوداني على حق تقرير مصيره وانفصاله عن مصر في ۱٩٥٤ مباشرة، وقبل أن يتم الاستقلال عمليا، بدأت الحرب الأهلية الأولى ودامت ۱٧ عاما حتى وقع "النميري" اتفاقية أديس آبابا مع الجنوبيين في ۱٩٧۲ برعاية مجلس الكنائس العالمي وظهرت منطقة الحكم الذاتي في الجنوب، لكن السلام انتهى وعادت الحرب الأهلية في ۱٩٨۳ حين قرر "النميري" تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان بأكمله، فبدأت أمريكا تضع أنفها في القضية، ثم دولت القضية وظهرت قوات الأمم المتحدة في السودان لاحقا، وزاد الأمر سوءا مع وصول "عمر البشير" وجبهة الإنقاذ الإسلامية للسلطة، وتصاعد الصراع والتدويل حتى تم استفتاء الجنوبيين "وحدهم" على تقرير مصيرهم وفقا للقانون الدولي في يناير الماضي قبيل الثورة المصرية، وقرر حوالي ٩٩% من الجنوبيين الانفصال الذي سينفذ في غضون خمسين يوما بقوة الأمم المتحدة، بعد حروب راح ضحيتها قرابة المليون نسمة، والمتوقع استمرارها حتى يتم تقرير مصير إقليم آبي البترولي  

كردستان العراق: تأججت الاحتجاجات الكردية مع وصول البعث للسلطة  عام ۱٩٦٨م ومحاولته فرض الصبغة العربية على المناطق الكردية شمال العراق، بزعم أن الأقلية الكردية (۱٥%) لابد أن تقبل بطمس هويتها لصالح هوية الأغلبية العربية (٨۰%) كباقي الأقليات، وكانت حجة الكرد القوية أن دستور البلاد لا يمثلهم ونظامها لا يحترم خصوصيتهم، ومن حقهم وفقا للقوانين الدولية تقرير مصيرهم، وتفاقم الأمر حتى أدى لتدخل الاتحاد السوفيتي لحماية الأقلية الكردية وفرض على نظام "أحمد حسن البكر" اتفاقية الحكم الذاتي عام ۱٩٧۰، وبعد كل محاولة لطمس الهوية من يومها وحتى انهيار نظام "صدام حسين" في ۲۰۰۳ كانت المقاومة الكردية القوية تؤدي لمزيد من استقلالية كردستان بتضحيات بشرية كبيرة، وتم استفتاء الشعب الكردي على تقرير مصيره باستفتاء شعبي كذلك في ۲۰۰٥ فقرر بنسبة ٩٨% الانفصال عن العراق، ويتوقع محللون سياسيون انفصال كردستان في ۲۰۱٦ رسميا

تقسيم الهند: يتوهم البعض كذلك أن التمايز الجغرافي شرط لتقسيم بلد من البلاد على أساس عرقي أو ديني، والنموذج الهندي يكذب هذه المزاعم، حيث لم تكن شبه القارة الهندية في ۱٩٤٧ متمايزة إلى مناطق مسلمة وهندوسية محددة، لهذا تم سلخ الشعب سلخا من بعضه بالترحيل أثناء التقسيم وتمت أكبر عملية تهجير في التاريخ بنقل قرابة العشرين مليون ما بين مسلم وهندوسي ليتم التقسيم، فراح ضحيته قرابة النصف مليون نسمة، وصارت الهند بلدين متصارعين يستنفذان طاقتهما في الصراع بين أبناء الشعب الواحد سابقا كما أراد المستعمر قبل رحيله، لأن الأغلبية الهندوسية لم تستوعب الأقلية المسلمة كما ينبغي في رأيي، باستثناء شخصية غاندي الجامعة

وبعد .. تقسيم وتفتيت الشعوب يخدم قوى دولية في مقدمتها الولايات المتحدة، واليمين المتطرف العالمي عموما، فمن التالي؟

هناك وهم بشري عريق اسمه "هذه الأمور لا تحدث لي" .. نحن مختلفون .. مصر مختلفة عن تونس .. ليبيا ليست مصر .. سوريا ليست ليبيا، والحقيقة أن لكل شعب ولكل بلد خصوصيته، ومع ذلك تتشابه النتائج عبر التاريخ وفي كل العالم حين تتشابه المقدمات والعوامل

حفظ الله مصر من كيد الأعداء وحماقة بعض الأبناء