أخرج من قيدك .. من ليلك .. للنور يغرد في عينيك .. تحدثنا في مقال سابق عن كيمياء الخوف، والعناصر التي ركبتها في نفوس الجماهير المصرية في مجملها، عدا من رحم ربي، وتفضلت الأستاذة جميلة إسماعيل بالإشارة للمقال في صفحتها مما أكسبه زخما حواريا نشكرها عليه، وسأل الأصدقاء عن العلاج من هذا الرهاب الذي يقبض القلوب ويكتم الأنفاس فلا تنطق ولا تتحرك في العمل الوطني الذي صار ضرورة مرحلة وفرض عين على كل مصري، واليوم نحاول الإجابة معا، لنكون روشتة علاج ليخرج كل منا من قيده، ومن ليله، للنور يغرد في عينيه، وهي روشتة أتوجه بالحديث فيها لنفسي قبل الآخرين، فلا يحسبن أحد أن كاتب هذه السطور يزعم لنفسه تميزا عن قارئها، إنما يحاول أن يصوغ وصايا ميسورة لا حذلقة فيها، ولكن أثرها النفسي كبير
- لا تتجمل ولا تغير الأسماء: لا يوجد إنسان يواجه نفسه بأنه جبان، فهو يسمي سلوكه واقعية، أو حكمة أو حنكة أو حتى سلبية، لكنه أبدا لا يواجه نفسه بحقيقة أن إحجامه جبن لا أكثر ولا أقل، فلو حاول كل منا ألا يميع أخطاءه وسلبياته لخطا أول خطوات الخلاص منها، ومواجهة الذات بأن ما يمنعنا من الإقدام على المشاركة السياسية هو الخوف بشكل أو بآخر يجعلنا ننفر من وصمة الجبن ونحاول أن نغير سلوكنا، أما تسمية الجبن بالواقعية فتربت على مشاعرنا، بل وتدفعنا للتعالي على غيرنا ممن شارك وتفاعل ونقول أنه مسكين .. عايش في الوهم وغير واقعي، فيكون هذا استعلاء بالأدنى على الأفضل، وهو قمة الضلال
- كن فاعلا في محيطك أولا: مستحيل أن يكون المرء سلبيا في بيته، أو مطية في عمله، أو شرابة خرج في مجتمعه الضيق، ثم يكون بعد هذا فاعلا في قضية وطنية أو فكرية، فالفعل الإيجابي طاقة متجددة تتضاعف كلما بذلت منها، وأن يكون الشخص فاعلا عادة، وأن يكون مفعولا به أو مفعولا فيه عادة كذلك، والفاعل لن يكون فاعلا إلا لو كون رؤيته وقناعاته أولا، فالنظر سابق على الفعل، والمعرفة سابقة على النظر والتدبر، وهكذا تكون المتوالية هي المعرفة والثقافة، ثم النظر والتدبر وتكوين القناعات، ثم الفعل وفقا لتلك القناعات، في عملك وبيتك وبين رفاقك أولا، ثم في معترك الحياة العامة بكل صورها
- تآلف مع خوفك .. لتقتله: في طفولتي المبكرة تعرضت لتجربة أليمة مع كلب شرس، نتج عنها رهاب من الكلاب لازمني عدة سنوات، ولكن مع مشارف المراهقة، والشعور بالذات مع حلاقة بشاير الشارب، لم يعد الخوف من الكلاب مناسبا لمشروع الرجل الذي أريد أن أكون، فبدأت أقلل المسافة بيني وبين الكلاب الضالة في الشارع شيئا فشيئا، وبدأت أمر أمام البوابة الحديدية القريبة التي يقبع خلفها كلب حراسة ضخم أقرب فأقرب وأحاول الثبات رغم نباحه المتصاعد، وهكذا حتى شفيت من الرهاب، وبعدها بسنوات درست في كلية الطب أن ما فعلته وأنا مراهق بالسليقة هو العلاج المعروف لحالات الرهاب عن طريق اعتياد ما تخافه تدريجيا، ومواجهة كلاب النظام لا تختلف كثيرا عن هذا، عليك بكسر حاجز الخوف مرة واحدة، ولن تضطر لكسره ثانية لأنك لن تجده، فإذا أقدمت ووقفت في مظاهرة مثلا، لا تدع الخوف يفكر لك، حاول أن تندمج فيما حولك أو تفكر في أي موضوع بعيدا عما تخشاه، فللكلاب عيون وأنوف ترى أمارات الخوف وتشم رائحته، وفي الغالب يدفعهم خوفك للتحرش بك، فإذا حدث وقبض عليك أو وجدت قصاصة ورق صفراء مقطوعة من كراسة يسلمها لك في بيتك مخبر وعليها اسم ضابط تقابله في الثالثة مساء بمقر مباحث أمن الدولة، تماسك ووطن نفسك على ساعات أو أيام ستمر كيفما اتفق، ولكنها حتما ستمر، ولا تدع واحدا منهم يرى خوفا في عينيك والا أيقظت ساديته وأغريته بالبطش بك، فإذا شعرت في أي لحظة بدبيب القلق وبنفسك تتململ، فاطلب من الله التثبيت وتذكر أن التخشيبة هوان يوم والصمت هوان عمر، تذكر أنك على حق وأن السجن في حكم الطواغيت يشرف ولا يشين، استدع صورة والدك وسل نفسك، كيف يحب أن يراك في موقف كهذا؟ أبيا أم منسحقا؟ ردد في صدرك ما تحفظ من آيات القرآن أو الكتاب المقدس، وستعجب كم تمر التجربة التي كنت ترهبها لتصبح ذكرى كغيرها، مش انتهت أحزان من قبلها؟ وحتى لو حدث وتطاول عليك ذنب من الأذناب لا سمح الله، فتذكر قول محمد أبو سويلم في فيلم الأرض: لا هي شجاعة من اللي ضرب ولا قلة شجاعة من اللي انضرب. تذكر أن الاعتداء عليك بغلبة القيد أو الكثرة من جراء موقف حر، ليس إهانة ولا جرحا في كرامتك ولا قدحا في آدميتك، بل تعزيز لها
- الغنى بالاستغناء .. وليس بالتقسيط: كم من السلع أو الأشياء التي نشتريها بالتقسيط ضرورة من ضرورات الحياة وكم منها تكميلي إن لم يكن ترفيهيا؟ وحتى الضروريات كالشقة أو وسيلة الانتقال هل نقتصر فيها على الضروري نوعا وكما؟ هل نحتاج لتلك الشقة الأكبر؟ هل لهذه السيارة الأغلى ضرورة ملحة؟ هل نقدر على أي منهما دون إرهاق مادي وبدون تقسيط أو حتى بتقسيط بسيط؟ هل نتعامل مع كارت الائتمان كأن غيرنا سيسدده؟ كل تلك أسئلة يجب أن يسألها كل منا لنفسه، وتذكر المثل الشعبي العبقري، الدَين مجبنة ومبخلة، فهم المدين يورثه جبنا وبخلا، فهل يرضى أحدنا لنفسه تلك الصفات؟ وهل مع الجبن والبخل كرامة؟
- تخير ما تراه وما تسمعه: اللاوعي يسجل جوانبا من الشخصية الدرامية التي تراها حتى لو كنت ترفضها وتزدريها، وهذه الجوانب تؤثر فيك لا شعوريا وفي قراراتك ومواقفك، فمشاهدة أبو العلا البشري في الثمانينات لها أثر يختلف عن أثر سعد الدالي اليوم، وليس معنى هذا أنك ستدخن بانجو لو شاهدت اللنبي، لكن المؤكد أن نفورك من مشهد المدمن ثقيل اللسان سيقل، أعرض قدر جهدك عن مشاهدة كليبات التعذيب والدم والبشاعة، وقلل من تعرضك لصندوق الفضائيات في ريسبشن بيتك، بحيث تشاهد فقط ما تختاره لا ما يلقونه في عينيك وأذنيك، تواصل مع النضال الوطني المصري في الماضي بصوت إمام عيسى، استرجع أيام الانتصار والانكسار الوطني بصوت أم كلثوم وحليم، جرب أناشيد قناة المنار الحماسية، فالموسيقى لو اخترت المناسب منها لا تبارى في شحذ الهمم والارتقاء بالذات
- عليك بنفسك .. فأبرأ ذمتك: على مستوى العمل والحياة والسياسة ستجد المنافق المتملق، وستجد السلبي الانهزامي، وستجد الذاتي الغير آبه لما حوله، ستجد الغبي القول والضعيف الصوال، وستجد بالمقابل نماذجا مشرقة وإن قلت، فتخير لنفسك، مسئوليتك فردية أمام الله وأمام ضميرك وأمام أولادك ذات يوم، شارك قدر جهدك واستطاعتك بالكلمة والموقف والنشاط في قضية وطنك فضلا عن كل قضية تعتقد أنها حق، وتذكر لو ناوشك اليأس الإمام الحسين في محنة كربلاء، يقاتل زودا عن حق يعرف لا محالة أنه لن ينتصر فيه، لم يتذرع بغلبة الباطل وكثرة عدده، ولم يتحجج بأن الناس قد بايعوا يزيدا وبيعته هو لن تزيد ولن تنقص شيئا، لم يقل بواقعية الواقعين، ولم يحم رأسه الشريف بمهادنة الظلم، كما يتذرع اليوم بعض الأفاقين بالحفاظ على سلامة الجماعات والأفراد بمهادنة النظام
- كن واضحا في قبولك ورفضك: أحد الوسائل شديدة الفعالية في توجيه سلوك البشر هي الاستجابة التي يبديها المجتمع بناء على هذا السلوك، فكن واضحا قاطعا غير هياب في دعمك وتشجيعك لكل من يخدم قضيتك وقضية بلادك، وفي الإقصاء لأذناب النظام ممن يمثلون شوكة في حلق الإجماع الوطني
- صدر حماسك وحاصر يأسك: كلنا ينتابه الحماس حينا واليأس حينا في طريق التغيير الطويل الذي بدأته مصر برأيي منذ عام 2004 ومازال ممتدا لعدة أعوام مقبلة فيما نراه، علينا أن نكون دعما لبعضنا البعض حين البأس وحين اليأس، فانشر حماسك فيمن حولك وبين من يصلهم صوتك بالعمل والقلم والكلمة حين تكون مفعما بالحماس، فإذا ناوشك اليأس فاكتمه في صدرك حتى لا تفشيه فيمن حولك، حتى تمر موجة القنوط وتستعيد صلابتك
No comments:
Post a Comment