الطلاق في مصر، لماذا؟ كثر الحديث بشأن الطلاق، و البعض يراه ظاهرة جديدة، و انا أراه مجرد تفعيل لحقيقة قديمة، في أجيال مضت، كانت هناك حالات فشل زوجي لا تقل عما لدينا اليوم، و لكن كانت الحياة تستمر شكلا بعد "السكتة الزوجية" ، و ربما لنهاية العمر، قدرة على التضحية ربما، استكانة ربما، قدرية في أغلب الأحوال، أو حرص نبيل على مصلحة الأبناء لابد من تقديره و احترامه في بعض الحالات، و لأننا كثيراً ما نتحدث عن مشاكل الطلاق، و المعاناة الزوجية ، فنقتصر على ما يخص المرأة دون الرجل، على إعتبارأنها هي الخاسر الأكبر في عملية الطلاق في مجتمعاتنا و وفقاً لموروثاتنا، فأنا هنا أحب إكمالاً للصورة الوافية التي يحسن أن نتصورها عن الوضع الراهن بمجتمعنا المصري، أن ألقي الضوء على الجانب الآخر من المعادلة السالبة .. و هو المطلق، فليس الطلاق جريمة يرتكبها الزوج بحق الزوجة دائماً، و لكن الطلاق هو فشل لزوج و زوجة في خلق المودة و الرحمة، لأسباب تخص الزوج حينا ، و الزوجة حينا، و تخص كليهما في اغلب الاحيان. و هنا أود أن أعرض نظرة واسعة على الخلل الذي أصاب علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعنا بصفة عامة، ليعاني الجميع، مطلقين و مطلقات، نظرة سأجتهد كي لا تكون ذكورية برغم أنها نظرة رجل ، و نبدأ بالحديث عن أسباب الانهيارات الزوجية سواء ترجمت إلى طلاق أم لم تترجم ، تتعقد أسباب الفشل في إقامة علاقة ناجحة بين زوجين و تتجذر لتصل إلى أساليب نشأتنا الأولى أحيانا، و لكل حالة خصوصيتها، و من المستحيل لأي فرد خارج طرفي العلاقة الزوجية أن يحكم من المخطيء و من المصيب، مهما كانت الظواهر واضحة، فالعلاقة الشديدة الحميمية ، هي بطبيعتها شديدة التعقيد أيضاً، و لا يجوز لنا أن نحكم على حالة بعينها، و لكن يمكننا رصد الأسباب العامة، و هنا نسرد أهمها برأينا
السبب الأول: لماذا نضع العربة أمام الحصان؟ الأصل في الزواج أنه وسيلة مشروعة لإرتباط رجل و إمرأة يميل كلاهما للآخر ميلا يظنان معه أن بإمكانهما إقامة حياة أسرية سعيدة … إذن فهو وسيلة للإرتباط، و الإنسان هو الغاية، و بنظرة إلى أحوالنا نجد أننا كعادتنا نضع العربة أمام الحصان، و نقلب الزواج إلى غاية في ذاته، بل و غاية الغايات أحياناً و خاصةً للمرأة ، فأما الزوج أو الزوجة فهو وسيلة للوصول إلى الوضع "متزوج / متزوجة"، و لهذا الخلط في منطق الهدف و الوسيلة تداعيات خطيرة على الفشل في ذلك الزواج المزمع، حيث يمر المقبل على الزواج شابا كان أو فتاة بتجربة "تجريع" يزين له فيها المحيطين به الشريك المناسب، و عادة ما يكون شريكاً مناسباً من الناحية النظرية البحتة، بمعنى التوافق في المستوى المادي و الاجتماعي و مستوى المؤهل .... الخ، و نسمي هذه الرؤية النظرية لما هو مناسب أو غير مناسب بأنها "رؤية عقلانية" و هو وصف ظالم للعقل، فالعقل الإنساني تجريبي بطبيعته، و الثوابت النظرية مستحدثة عليه ، و نحن بهذا التجريع الإجتماعي، الذي تتزوج فيه أسرتان و ليس رجل و امرأة، لا نعطي أدنى إعتبار للتوافق الشخصي بين العروسين، و بكثرة الإلحاح، و نتيجة لتأثره البشري بالايحاء، يتوهم الفتى أو الفتاة أنه متقبل لهذه العروس أو هذا العريس، و لا تكتشف الحقيقة، الا عندما تصهر الحرارة الناتجة عن الاحتكاك في التعامل الزوجي اليومي هذا الوهم الذي صنعته تجربة التجريع أو التبليع لو جازت التسمية، فتحدث الخلافات و تتعاظم مع الوقت، لأننا حولنا الزواج لهدف اجتماعي، و ليس اطار اجتماعي لاثنين يحبان أن يمضيا العمر معا كما يجب أن يكون
السبب الثاني: فترة اختبار أم فترة إعداد و تجهيز؟ بينما الأصل في فترة الخطبة أن تكون فترة إختبار للتوافق بين العروسين، و إعداد تدريجي لهما للتعايش و التواصل، إلا أننا قلبناها إلى فترة إعداد و تجهيز، لا يفيق منها العروسين إلا بعد إنتهاء شهر العسل، ينشغل فيها كل طرف منهما بإلتزاماته، فينغمس العريس في تجهيز الشقة أو الأثاث ...الخ ، و تلتهي العروس في إعداد ثوب الزفاف ، و "ستايل" الفرح، و بطاقات الدعوة ... الخ، و آخر شيء ننشغل به هو الإجابة عن سؤال التوافق، هل هما متوافقان ؟ هل هناك مشاعر عميقة من الممكن أن تتكون بينهما ؟ هل درجة إنسجامهما تكفي لإستمرار الحياة في حالة تجانس و ليس فس حالة تنافر؟ أسئلة عديدة يهملها الطرفين، و إذا بدت بادرة من أحدهم فأقلقت الطرف الآخر، يأتي دور الأهل في إعطاء جرعة إضافية من "التبليع"، بأنها "مشكلة بسيطة" و "بكرة لما يعاشرك هايفهمك و تفهميه" و "كل حاجة بعد الجواز بتتغير"، و ذلك طبيعي، لأننا بمجرد الخطبة إعتبرنا الزواج خطوة تالية حتمية للخطبة، فلا نرى خطيبين إلا و نبادر سائلين إياهم " إمتى هانفرح بيكم ؟ " لأننا أصلا سلمنا لا شعوريا باتمام التجربة و استغرقتنا تفاصيل الاتمام. و بهذا نكون قد أفرغنا الخطوبة من معناها لأننا ألغينا الجانب التجريبي فيها، فبرغم كون هذا التجريب قاصر لأنه لن يعتمد على عشرة كاملة، إلا أنه أفضل من اللا-شيء، و لكننا نصر على اهداره
السبب الثالث: خلل العلاقة المادية و الذمة المالية للزوجين المنطق السليم و العادل يجيز شكلين لا ثالث لهما في العلاقة المادية بين الزوجين، أحدهما هو النمط الإسلامي و نراه منطقيا و عادلا في ظل منظومته الكاملة، و فيه يتحمل الرجل مسؤولية الأسرة ماديا بالكامل، بما فيها النفقات الشخصية لزوجته، و القادر من واجبه أن يوفر للزوجة من يقوم عنها بأعمال المنزل الشاقة، و غير القادر عليه أن يعاونها بنفسه، فإذا كان الزوج معسرا و ساعدته زوجته فذاك دين عليه يرده كأي دين خارجي ، و إن عجز عن الكسب ، كان أي دعم لا يرده لزوجته بمثابة صدقة عليه و على أولادها شرعا، و هذا الفصل كان ضروريا في الإسلام في ظل قابلية التعدد ، فليس من العدل أن يتزوج الرجل بالجديدة من مال بعضه جاء من كد زوجته الأولى، و كذلك في ظل قابلية الطلاق من طرف الرجل، و الخلع من طرف المرأة، فليس من العدل أن يتزوج أحدهما الآخر ليبتز ماله ثم يستغل رخصة الطلاق او الخلع ليتخلص منه، و مقابل هذا كله يرث الرجل الضعف شرعا، و النمط المنطقي الآخر و هو عادل أيضا، و فيه تكون المسؤوليات المادية مشتركة بين الزوجين، فتشترك المرأة في مسؤولية دعم الاسرة ماديا، و تعتبر أي ثروات تتكون خلال فترة الزواج ملكا للأسرة، فلو حدث طلاق تقاسمها الزوجان مناصفة
لكننا الآن كثيرا ما نأخذ من النظام الأوروبي بعضه و نترك بعضا، و نأخذ من نظامنا الإسلامي بعضه و نترك بعضا، فنرث الضعف، و نقول بتعدد الزوجات، و بحق الطلاق وفقا للنفقة لا غير، ثم نطلب من الزوجة أن تساهم في تمويل الأسرة؟ ده ايه الاستنطاع الرسمي ده؟ و ليس هذا و حسب، لكن عليها القيام بمسؤليات البيت و رعاية الأطفال كاملة دون توفير من يعينها و دون أن يعينها الزوج، و في بعض الطبقات، الزوج يصبح عاطلا أغلب الوقت، و الزوجة تنفق على البيت و عليه، و تشتري له الكيف كذلك؟ هل هذا نظام نتوقع معه حياة طبيعية؟ لا سعادة الا مع العدل يا سادة
السبب الرابع: قصور النضج و عدم قبول الآخر
كلما زاد نضج الزوجين ( و لا علاقة للنضج الفعلي بالسن) زادت قدرتهما على قبول الاخر و بالتالي لا تولد الفروق الفردية بينهما احتكاكا شديدا يفقد العلاقة المودة و الرحمة، و حتى لو تولد الإحتكاك أحياناً، يحتفظ به الزوجان الناضجان سراً بينهما حتى يخمدان لهيبه بالحوار أو بعنصر الوقت، أما غير الناضجين، فسرعان ما تشتعل بينهما ناراً لا يطيقون إطفاءها، و السبب هو رفض الآخر و عدم القدرة على قبوله المصاحب للشخصية الضامرة، و هذا الرفض للآخر ليس قاصراً على الزوجين، و لكنه ممتد للأهل في الطرفين، فما أن تبلغ الأهل أخبار خلاف حاد بعد الزواج، إلا و يمدون النار بمزيد من الزيت لتتوهج، و هو موقف لعمري غريب !! خاصة لو قارناه بموقف نفس الأهل الذين كانوا يمارسون عملية التبليع قبل الزواج، فكأن دوافعهم قبل الزواج لهذا التبليع هي دوافع لا شعورية تتجه نحو التخلص من موضوع إتمام الزواج بأقصى سرعة و كأنه هم ثقيل، فإذا تم الزواج، إتخذ معسكري الأهل في الطرفين وضع القتال، و الذي تفري شظاياه أول ما تفري أبناءهم و أحفادهم على خط النار. و لست أرى لهذه التناقضات تفسيرا غير الشخصيات الغير ناضجة، و التي تندفع إندفاعات عاطفية غير مبررة من النقيض إلى النقيض، أما هذا النقص في نضجنا جميعاً رجالاً و نساءً، فله أسباب إجتماعية و سياسية و ثقافية يضيق بها المجال هنا ، لكن أولها و لا ريب أننا لا نحيا بعقولنا، جميع أعضاء جسمنا تعمل بكفاءة و تقودنا أحيانا، ما عدا القائد المنوط بالمهمة، العقل
السبب الخامس: نقص الإشباع العاطفي و الجنسي الإشباع العاطفي و الجنسي هما بالضرورة من أهم دوافع الرجل و المرأة للزواج، و على هذا يكون تهيأ كل منهما لإقامة علاقة عاطفية و جسدية مع شريك حياته، عنصراً محورياً لنجاح تجربة الزواج عن طريق تحقيق أحد أهم أهدافها، فلو عددنا نقاط الخلل في الصحة الجنسية و السلوك العاطفي في مجتمعنا، لوجدناها عديدة، و بحكم التخصص سأسهب هنا قليلا
فن الحب: أي انسان قادر على أن يحب، و لكن ليس كل انسان قادر على التعبير و التفاعل في حالة حب خلاقة ، الكلمات الرقراقة، اللفتات الرقيقة، ضمة حنان ، تربيت على كتف، نظرة تواصل، مفاجأة غير متوقعة، فسحة، أي شيء و كل شيء، المرأة تحتاج من الرجل الاحتواء و الابهار، و الرجل يحتاج من المرأة الحنان و الدهشة ، بس مش بمصيبة علشان مافيش واحدة تولع في البيت لجوزها، و نحن من أقل خلق الله قدرة على الاستمتاع باللحظة و التعبير عن العاطفة، رغم ان الشعوب المحيطة بنا من لبنان لسوريا للسودان أفضل حالا في هذا، لربما كنا الأكثر تأثرا بالطبيعة البدوية الجافة نتيجة الهجرات المتصلة عبر التاريخ من جزيرة العرب للوادي الخصيب قبل الاسلام بقرون؟ مجرد احتمال ضعيف
الختان النفسي للبنات: قد تجد أبا ينهر طفلته ذات الخمس أو الست سنوات لو ظهرت ساقيها عفواً أثناء اللعب! فما أن تبلغ سن العاشرة حتى تهبط عليها قائمة المحظورات، ممنوع اللعب مع الأولاد، ممنوع لبس مايوه، ممنوع … ممنوع، و هذه القائمة تهبط عليها وحدها ، بينما أخوها الذكر لا تتغير حياته و لا تهبط عليه المحظورات، و قد تسمع لخطيب المسجد المجاور لمنزلها يوم الجمعة واصفا المرأة بأنها كلها عورة و صوتها عورة و تقبل كشيطان
و تدبر كشيطان، و هي و الحمار و الكلب يقطعون الصلاة، و تسمع حديث النسوة العجائز عن خلف البنات ..... الخ، بهذا الخلل التربوي نجري لبناتنا عمليات
"الختان النفسي" إذا جاز التعبير و إن لم نختنهن مادياً. و هو ختان شديد و آثاره لا تقل عمقا عن الختان المادي بل قد تزيد. و عاماً بعد عام، تشب الفتاة ليتأصل في نفسها تدريجيا أننا مجتمع يجرم كل أشكال و تعبيرات الأنوثة ، ما عدا الأمومة، فيتحول رصيد العطاء الأنثوي بداخلها كاملا إلى شكل الأمومة المقبول إجتماعيا، فلا تتعجب لو سمعت زوجة تحدثك قائلة أنها حققت هدفها من الزواج يوم أنجبت قرة عينها، فهي بعد ذلك لا تبالي بذكر النحل الذي إنتهت مهمته و هو زوجها الفاضل ، سمعت قريبا عن أم تنصح ابنتها بالزواج من أي عريس "علشان تلحقي تجيبي عيل، و انشالله تطلقي بعدها مش مهم" أهكذا نعلم بناتنا يا سادة؟
ثقافة الفاعل و المفعول به: في لغتنا العربية يا سادة ، نستخدم وحدنا صيغتين للتعبير عن اللقاء الجنسي، صيغة الفاعل للرجل ، و صيغة المفعول به للمرأة !!! بينما في اللغات اللاتينية و الأنجلو-جرمانية ، يكون الحديث بصيغة الفاعلين، و المفارقة هنا ليست مفارقة لغة فقط و لكنه نمط حياة، نمط يرى في إيجابية المرأة في الفعل العاطفي نحو زوجها عيباً لا يليق، و يرى في التعامل مع المرأة كدمية في الفراش أمراً طبيعياً، فهي مفعول به، و من نافلة القول أنه نمط فاشل ، و مجافي للفطرة الانسانية السليمة، و هذا بسبب تربيتنا، نحن الرجال يا سيدي نحطم المرأة في صورة إبنة لنعاني منها في صورة زوجة. فلا نلومن إلا أنفسنا، البنت التي تخجل من "عار" أنوثتها لابد أن تكون "مفعولا به" في العلاقة الزوجية
تأخر سن الزواج: النشاط الجنسي للفتيان / الفتيات من سن البلوغ و حتى سن الزواج يقتصر في أغلب الأحوال بالنسبة للشباب و الفتيات على ممارسة العادة السرية، و هي سلوك جنسي فردي بينما الأصل في الجنس أنه سلوك ثنائي تفاعلي، و طول الفترة ما قبل الزواج تؤصل السلوك الفردي عند الفتى و الفتاة مما يؤدي للفشل في التفاعل الثنائي بعد الزواج، كما تمتد تجارب بعض الشباب من الممارسة الفردية إلى الممارسة مع المحترفات، و هي في أغلبها ممارسات غير طبيعية و تشوبها المبالغات و الإفتعال، فيتشكل وعي الشاب بالجنس على هذه العلاقة الشاذة مع المحترفة، فلا يجد بعد الزواج ما يرضي نزواته الغير سوية التي إعتادها.
الجهل الجنسي: على صعيد السادة الرجال، يشب الفتى و يبلغ مبلغ الرجال ليتعلم الجنس من الأصدقاء الأكثر جهلا، و ليسمع المبالغات و المهاترات عن هذا التابو المحرم من أصدقائه، و كثيراً ما يبالغ الأقران في وصف قدراتهم الذكرية و مواهبهم الفحولية، و يسمع كل منهم الآخرين فيعتقد أنهم صادقين و أنه وحده من يبالغ، فيترسخ بنفسه أنه أقل من أقرانه، و تترسخ بنفسه عقدة الخوف من الفشل في مجتمع يقرن الرجولة بالفحولة، و إنما يحجم الكثيرون عن الزواج من غير البكر لا لشيء إلا للخوف اللاشعوري من المقارنة وفقاً لدراسة نفسية حديثة، و البنات لسن أحسن حالا، وشوشة الودان، التي تغيرت الان لكلام ع المكشوف، لكن مازال ينضح جهلا، لان جاهلا يعلم جاهل، فالنتيجة جهل أس اتنين، و ذلك فضلا عن أفلام البورنو التي تعلم الشباب ممارسة الجنس بشكل مضلل، فهي أفلام معدة للفرجة، و ليس لاشباع الممثلين، فتلتزم بما يتيح اثارة المشاهد و ليس الابطال
السبب السادس: الهاجس الإجتماعي للزواج يضع مجتمعنا الزواج و الأمومة بالنسبة للمرأة ليس كأولوية فقط ، و لكن كقدر و معيار أحادي للنجاح، فمنذ نعومة أظفار الطفلة نسألها " تتجوزي مين من ولاد خالك و لا عمك؟" بينما نسأل أخوها الذكر " تحب تطلع إيه لما تكبر" و كأن المستقبل الوحيد للأنثى أن تكون زوجة، و ستجد المجتمعات النسائية تمصمص الشفاه حسرة على أستاذة جامعية نابهة لو أنها لم تتزوج، و كأن نبوغها العلمي لا شيء لأنها لم تفز بابن الحلال، كل هذا يشكل عناصر تقنين و قولبة لشخصية المرأة تجعل الزواج هاجسا مستديما لها منذ الطفولة و تؤثر عليها سلبا في أمور كثيرة، شعورها أنها كائن ناقص في ذاته، يجب عليه ليكتمل أن يرتبط برجل، فتتكون في أعماقها بذرة شعور بالنقص تجاه الرجل، ممزوجة حتماً بشيء من الكراهية و الرغبة في التمرد المكبوت و المجرم، ثم تصبح الفتاة فريسة للقلق الذي يصل أحيانا إلى حد القلق المرضي، لشعورها أن مصيرها مرهون بمن يتقدم لها من الخاطبين، و هو قلق عنيف، أن تشعر أن مصيرك مربوط بإرادة الغير، و يعبر هذا القلق عن نفسه بظواهر سلوكية، مثل التطرف في إظهار المفاتن الأنثوية لتحريك إرادة الآخر، أو التطرف الديني لتحريك إرادة الآخر لو كان هذا الآخر من المعسكر الذي يعجبه هذا ، كما يعبر القلق عن نفسه بظواهر نفس-جسمية كثيرة مثل الصداع و المغص و نوبات الدوار الغير مبررة طبياً ، و في النهاية، يالله ، أي رجل علشان نلحق، فتلحق العروس بقطار الزواج، ثم تسقط منه، لأنها من الأساس ركبت شعبطة مش بشكل منظم و صحي
السبب السابع: توافق فردين ممكن .. توافق قبيلتين مستحيل
في بداية البشرية ، و حتى بداية التاريخ المكتوب، كان الزواج قرارا فرديا للزوج و الزوجة في العالم كله، و مع تعقد المجتمعات و خروج مفاهيم النسب و الصهر مع ظهور مفاهيم الملكية الشخصية و الوراثة و ما اليها، و ذلك لدور النسب فيها ،هنا .. ظهر الزواج المؤسسي لو جاز التعبير ، أسرة تتزوج أسرة، و من واجب الزوج أن يرضي كل عائلة زوجته ، و العكس صحيح ، و استمر الوضع بهذا الحال قرونا عديدة، حتى فطنت المجتمعات الصناعية المتقدمة لأن جعل الزواج مؤسسيا يزيد من مصاعبه و تحديات الاستمرار، فكم حالة فشلت بسبب الأهل لا الزوج و لا الزوجة؟ فعادت هذه المجتمعات بالزواج تدريجيا لصورته الاولى، رجل يتزوج امرأة، احتفال عائلي، خلاص، لو ارتاح مع اهل زوجته يصادق من شاء منهم، فان لم يكن، مش مهم، مش ضروري، و العكس صحيح، لأن من السهل جدا بالمقارنة ان يتوافق شخصان على ان تتوافق قبيلتان
قد يبدو حديثنا هنا في أمر الزوج بعيدا عن الخط الذي إعتدناه قبلاً، و لكنه لا يقل أهمية، فما مصر إلا العديد من الأزواج و الزوجات و الأبناء و البنات في حلقات متشابكة، و عندما يمس العطب الخلية الأساسية المكونة للمجتمع، يكون على الملتزم بقضايا وطنه أن يدق نواقيس الخطر منبها، و يتحرى الأسباب مفصلاً، ثم يضع التصورات للحلول و البدائل، و لقد دققنا الأجراس و فصلنا الأسباب في حديثنا هذا، و في حديث قادم نتحدث عن الحلول المرئية لتجنب هذه الانهيارات، ثم نلج للبحث في أحوال المطلقين و المطلقات و كيف تتغير نظرة المجتمع للأفضل