(26)
من قتل الإمام؟
من قتل الإمام؟
الجمعة، الرابع عشر من سبتمبر
ينتبه "علي" من نومه في نور الشروق، ليلة قاسية عاش فيها مأساة اغتيال الإمام "علي" كمن شهدها، وسادته مبللة بدموعه، لا عجب، بل العجب كل العجب أنه ليس غارقا في عرقه كما يحدث مع أحلام أهون من هذا ألف مرة؟ بل إن قلبه برغم الحزن والكآبة هاديء لا يضطرب نبضه! فهل هدأت نفسه بهدوء روح الإمام التي صعدت إلى بارئها؟ لقد استشهد الإمام، فهل هذا آخر عهده بتلك الأحلام؟ ارتجف قلبه رجفة طفيفة لهذا الخاطر، لقد تعلق بهذه الأحلام، يخافها ويخشى من أثرها على صحته وعافية قلبه، لكنها أصبحت بعضا من كيانه، لعله يخافها وينتظرها كل ليلة في آن واحد، لا داعي للخوف من توقفها على أي حال، فهي لم تأت أبداً مرتبة بترتيب زمني، هكذا حدث نفسه مطمئنا وهو يقوم للحمام فيأخذ دشا باردا، كانت برودة الماء في حمامه غير متسقة مع عاداته في هذا الوقت من العام، لكنه شعر بحاجة إلى ماء بارد يغمر جسمه! ربما من أثر الحلم! انتهى من اغتساله ومر في طريقه للمطبخ ليشرب أمام غرفة "عزة" التي تشغلها "ماري" حاليا، فرأى النور ينبعث من شراعة الباب الزجاجية! الساعة تقترب من السادسة، فهل استيقظت مبكرا؟ أو ربما نست النور مضاءً ونامت، لم يلق للأمر بالا، شرب حتى ارتوى ولكن بقيت في حلقه مرارة يشعر بها منذ فتح عينيه، عاد لغرفته فصلى الفجر واستلقى في فراشه يفكر في السؤال القديم الجديد والسر الذي لم يسبر أغواره أبدا رغم طول البحث فيه، مصرع الإمام الذي يكتنفه الغموض من كل جوانبه!كان أول ما أثار تعجبه قديما هو المصادفة التعسة التي أفلح فيها "عبد الرحمن بن ملجم" في قتل "علي" بينما فشل "البرك بن عبد الله" في قتل "معاوية"، وقتل "عمرو بن بكر" رئيس الشرطة "خارجة بن أبي حبيبة" بدلا من "عمرو بن العاص"! فمصادر التاريخ تجمع على أن الثلاثة اتفقوا عندما التقوا في موسم الحج على قتل من يرونهم رؤوس الفتنة الثلاثة، وتواعدوا للتنفيذ في ليلة التاسع عشر من رمضان من العام التالي، وتعاهدوا ألا يتراجع أحد منهم عن الرجل الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه[1]، لكن من هاجم "علياً" لم يكن رجلا واحدا بل ثلاثة، إذ كان مع "ابن ملجم" كل من "شبيب بن بجرة" و"وردان بن مجالد"، فأما "عبد الرحمن بن ملجم" فالشائع عنه أنه خارجي، لكن من الخوارج من نفى ذلك وقال أنه لا يعرف بينهم، ويؤيد هذا أنه لم يشهد صفين ولا النهروان ولا سكن حروراء[2] معهم، فهل أُلصِق بالخوارج للتغطية على الجهة التي استخدمته؟ والخوارج هم الطائفة الأضعف تنظيرا والأخفض صوتا بين الفرق الإسلامية، فلو أراد متآمر أن ينسبه لفرقة دون أن يتعرض لمعارضة تذكر فليس أمثل من الخوارج لهذا، ونهاية الزنيم لا خلاف فيها، فقد ضربت عنقه في الكوفة قصاصا، وهو الوحيد من القتلة الثلاثة الذي لقي جزاء فعلته، وقد جاء في تحفة السالمي وصف لزيارة "ابن بطوطة" لعمان، وتعجبه مما يقوله الإباضية[3] في قاتل "علي" هذا من ثناء ومديح! أما العضو الثاني في عصابة الاغتيال "شبيب بن بجرة" فلا ذكر له بين الخوارج، ونعرف من الأخبار أنه فر من المسجد واختفى حتى ظهر ثانية في خلافة "معاوية"، فدخل على "معاوية" في مجلسه متباهيا أمامه بأنه من قتلة "علي"، فأمر "معاوية" قوم الرجل من قبيلة أشجع بإخراجه من الكوفة[4]! فقط إخراجه من الكوفة بغير حبس ولا عقاب؟ والمتواتر تاريخيا عاش في الكوفة ولم يطرد بالفعل، حتى خرج برغبته إلى الطف تمردا على والي الكوفة "المغيرة بن شعبة"، والذي أرسل له قوة هزمه وقتلته[5]، وأما ثالث الفجرة فهو "وردان بن مجالد" الخارجي من تيم الرباب، وقد عرفته المدعوة "قطام" بعبد الرحمن ليعينه على القتل، وقالت بعض المراجع أنه ابن عمها[6]، فر من المسجد ولم يأت له ذكر في التاريخ بعدها[7]، لم يرو أحد أنه طلب في قصاص ولا عوقب بعقاب! غير رواية ضعيفة وردت في أعلام الخوارج، قيل فيها أن أحد أقاربه قد قتله بدون تحديد لهذا القريب ولا دافع القتل ولا وقته، أما "قطام" فهي مشكلة المشكلة، فلا نعلم عنها حتى اسمها ونسبها، هل هي "قطام بنت الشجنة"[8] أم "بنت سخينة"[9]؟ فلو كان الاسمان يحتملان لبسا لتقارب الحروف، فما حكاية "قطام بنت علقمة"[10] و"بنت الأخضر"[11] و"بنت الأصبغ"[12]؟ لهذه الدرجة لم يحاول أحد بعد قتل الإمام أن يتحري حقيقتها فضلا عن عقابها؟ وقد خرجت امرأة من خوارج الكوفة تدعى "قطام" على "معاوية" ضمن ما عرف بخروج أبي مريم[13]، فهل هي "قطام" ذاتها أم سمية لها؟
ثم نأتي للأشعث بن قيس، فهل له دور حقيقي في اغتيال الإمام أم زج به في السياق؟ فقد شهد موقعة صفين مع الإمام، لكن صلة قامت بينه وبين "معاوية" بعد ذلك وتراسلا كثيرا[14]! وهو من استضاف "عبد الرحمن بن ملجم" شهرا في الكوفة قبل الجريمة، وحاول التأكد من موت "علي" في اليوم التالي للواقعة فأرسل غلامه ليرى كيف أصبح الأمير، فعاد الغلام إليه وقال: "رأيت عينيه داخلتين في رأسه"، فعلق "الأشعث" أمام من حضر من أصحابه "عينيْ دميغ ورب الكعبة"[15]، فهل يعني ضلوعه دورا خفيا لمعاوية في الاغتيال؟ يزيد من شكوكنا حقيقة أن "معاوية" أطلق سراح "البرك بن عبد الله"[16]، الذي هاجمه فجرحه بنية قتله؟ وما هي طبيعة الجرح في الإلية الذي تحدثت عنه الأخبار وتطلب علاجه إما كي بالنار أو دواء يشرب فينقطع النسل؟ حتى اليوم لم يتوصل العلم لشراب سحري يحل محل الكي في جرح قطعي بالإلية! وينقطع معه النسل! فهل كان هناك جرح ودواء أم أن الجرح والدواء كلاهما حبكة درامية؟ وهل توانى "عمرو" عن إمامة الصلاة في الليلة المشئومة وأناب عنه "خارجة" مصادفة؟ ألا تصبح المصادفات بهذا كثيرة في تلك الليلة؟ ليلة نرى باطنها مخالفا لما تعارفنا عليه تاريخيا تمام الخلاف!
هكذا كان "علي" يفكر حين تمدد على فراشه والكرى يغالبه، حتى غلبه فنام وهو يمني نفسه بساعة من نوم هاديء بلا أحلام دامية
6 comments:
:(
كأنك تفند كل مادرسته
اذا كان ما ورد صحيح فشهادتي باطله
لي عوده بعد القراءه المستفيضه من مصادر أخرى عن موضوع بن مقرن وابراهيم باشا
لا زلت امقت لفظ وهابيين
كأنه مجحف بحق حركه دينيه تصحيحيه
ظُلمت لاقحام السياسه فيها .
كل السياسات العربيه تستخدم الدين كأفيون للشعوب
ليس عار في الوهابيه
تحيتي دكتور
عزيزي الغير معرف
أهلا و سهلا بك يا صديقي ، ما درسته هو جانب من التاريخ الإسلامي ، و ما أورده هنا جانب آخر ، لأني أرى ان تكامل الجوانب يعطي صورة اوضح
أما الوهابية فأنا اقر لها ببداية صحيحة ، لكنها سرعان ما انحرفت على يد من أسسها ذاته
تحياتي و تقديري
ليس دفاعا عن الوهابيه لاني غير سعودي
لكن ان تسقط النهروان بخوارجها وعلي كرم الله وجهه على حمله محمد علي باشا على الدوله السعوديه اسقاط في غير محله .
_ محمد علي باشا كانت له اطماع مدفوعا من الدوله العثمانيه ، وترامي اطراف دوله ناشئه مثل الدوله السعوديه شكل خطرا ولو البس لباس الدفاع عن الحجاج والحريات الدينيه لانه حتى والدوله العثمانيه متوليه الاماكن المقدسه ثبت التضييق على الفرق الاسلاميه الاخرى مثل الشيعه
_ كل الاخطاء للوهابيه التي ضخمتها كجرائم ، لاتعدو عن كونها خوف من ان تستفحل المعتقدات الشركيه المتفشيه في العالم العربي ،
ثم البدو في طباعهم غلظه فما فعلوه نتاج طبيعي وليس جريمه مقصوده بحق مقدسات اسلاميه هو مجرد اجتهاد
_ اضفيت القداسه على ابراهيم باشا ووالده والذين تبعوا اغلب من حكم مصر وهم ليسوا من ابناء نيلها
لو كان محمد علي مهتما جدا بحال المسلمين لما هرب احد حكام ال سعود من سجنه بعد حنقه على الباب العالي
وقامت الدوله السعوديه من جديد
_ للتاريخ وجهين
تحيتي لك دكتور
عزيزي غير معرف
أهلا و سهلا بك و بالخلاف في اطاره ذلك المهذب الرقيق الذي تحدثت به
أما عن الوهابية ، فقد وضعت فيها بذرة الفساد مع تحالفها مع السلطة ، و وعد السلطة فرضها على رقاب الناس ، و بداية طريق الشق عن الصدور
و اما عن ابراهيم باشا فهو ليس مثل والده في كثير ، لو استفضت في سيرة الرجل تراه قائدا عبقريا و ليس كثير الأطماع ، على عكس والده الذي كان سياسيا أكثر منه قائدا مخلصا لفكرة ، و انت على حق في ملاحظتك الذكية عن افلاته للسعوديين مرة ثانية
تحياتي و تقديري و شكري
د/ أياد
======
لم أنهى إلا قراءة هذه الفصول العشرة ولذلك أرجو أن تتقبل تعليقى بصدر رحب إن كان فيه تقصير ما:
- الرواية جميلة جدا ، زلكنى أجدها أكثر كشرح لوجهة نظرك ، بصراحة أجدها مسودة لرواية
- "على الأمام" عنده ربو وبشرب سجائر وهو دكتور فى الجامعة
- "على الأمام" أشعر فيه ببعض المراهقة ، عل هى خفة دم مصرية أم محاولة لمداراة حزنه وأفكاره ، أو ماذا تقصد بها؟؟
=======
لا أخفيك اعجابى وخاصة بالمعلومات فى الرواية وده فعلا أكتر حاجة عجبانى و معها شاعريتك التى تنثرها على النصوص
أخي الحبيب Arabic ID
عن تدخين علي مع الربو أعرف رجلا هكذا حقيقة و كمان طبيب مش استاذ تاريخ اسلامي ههههههه
عن المتناقضات في شخصية علي التي تجعلك تشعر بهذا فهي أصيلة في شخصيته، فعي الإمام شاعر قبل أن يكون مفكر أو مؤرخ، لذلك فالفورانات العاطفية اصيلة فيه
مع وافر التحية و التقدير
انتظر رأيك في بقية الفصول
Post a Comment