8.6.08

انهيار برج بابل- 07-08-09

(7)
الإمام في يوركشاير

"وتذكرتك يا عالية .. وتذكرت عيونك .. آه .. يخرب بيت عيونك يا عالية .. شو حلوين" .. يستيقظ على صوت "فيروز" ينبعث من المحمول، فترتسم على شفتيه ابتسامة وهو يتمطى فاردا ذراعيه، إنها نغمة "ماري" الخاصة، يمد يده مبتسما ويلتقط المحمول فيحرر طرفه من سلك الشاحن ويرد ليسمع صوتها قائلة: صباح الخير يا كسول
- تمنيت قبل النوم أن أصحو على صوت "فيروز" من نغمتك الخاصة وبعده صوتك، أنشودتان متتاليتان كغناء الحسون يضمنان لي يوما سيمفونيا
- آه من الأكاديمي الشاعر، مزاج الشاعر اليوم مهيأ للغزل؟
- لأنه اشتاق إليك جدا ويحتاج إليك بلا حدود
- أهي الأحلام؟
- نعم، تعبت والأمر يزداد يوما بعد يوم
- وماذا تقترح؟
- ليس بجدولي محاضرات الأحد القادم، يمكنني القدوم للإسكندرية اليوم وأعود مساء الأحد، بودي لو قضيت أطول وقت معك .. فهل وقتك يسمح؟
يضحك ضحكة خافتة تردها بمثلها، وتقول: سأجعله يسمح
- رائع، سأهاتفك حين أشرف على الإسكندرية يا أعظم مستشرقة[1] في الإسكندرية وشمال الدلتا
ردت ضاحكة: لا توجد مستشرقات في الثغر غيري، الباقون كلهم في قاهرتك الخانقة
"ماري" .. المرأة الوحيدة التي فكر بالزواج منها ولكن لم تتحول أفكاره لبيت وأطفال وحياة، فهي الباندورا التي هبطت لحظة ثم طارت! وهذا قدر البشر، فليس كل ما يفكر فيه المرء يستطيعه وإلا لتغير وجه التاريخ، هي مستشرقة إنجليزية تعرف عليها في شيفلد أثناء بعثة الدكتوراه، كانت حينها محاضراً للغات الآرامية والنبطية والعربية القديمة في قسم اللغات الشرقية، رآها في المكتبة للمرة الأولى ثم تكررت جلستهما متقاربين عن غير عمد، فرفوف المكتبة التي ضمت المراجع العربية والآرامية كانت متقاربة بطبيعة الحال، وقارب هذا بينهما كأنه ذراع القدر، شدت انتباهه بجمالها وبساطتها ودأبها على المطالعة لساعات، فضلا عن وضوح انفعالاتها على وجهها وهي تقرأ على نقيض أغلب بنات جلدتها، ولفت هو انتباهها بعفة نظرته للفتيات مقارنة بمن قابلت من الطلاب العرب، وبمطالعته الطويلة وعادته حين يفكر فيغمض عينيه ويسند جبهته بيمناه، بينما سبابة يده اليسرى تنقر فوق الكتاب بلطف، مع تآلف الوجوه تعودا على تبادل تحية الصباح والمساء، وذات يوم كانت تجلس أمامه تماماً، وعندما قام ليلتمس كتابا ثم عاد ليجلس لمح في يدها كتابا مطبوعا بما بدت له إحدى اللغات السامية، لكنها ليست عربية ولا نبطية، فابتسم وهو يحييها تحية الصباح ثم أشار للكتاب سائلاً: أي لغة؟
- الآرامية .. السريانية تحديداً، لو أن "يسوع" سار على أرض جيروساليم في القرن الأول للميلاد فقد تكلم هذه اللغة[2] بلهجة أهل الجليل وقتها
- "لو أن"؟ يبدو أن لديك شكوكاً في هذا؟
قالها باسماً بود فشجعها على المضي في حديثها بغير تحفظ، أجابته بقولها: أنا لا أدرية[3]، قرأت كثيرا في الإسلام فضلا عن اليهودية والمسيحية، لكنني لم أجد برا أرسو عليه بعد
تداعت في رأسه الأفكار عن المذهب اللا أدري وهو يسمع جملة "ماري" ويتهيأ للرد عليها قائلاً: لا أدرية لأنك لم تتوصلي بعد للإجابة؟ أم لأنك ترين الوصول للإجابة مستحيلاً؟
- أي حقيقة في الوجود من الممكن إثباتها .. الحقائق بطبيعتها تتوق للإثبات
- فأنت لا أدرية من نوعي المفضل إذا .. باحثة عن الحقيقة
- بشكل ما نعم، وحتى اليوم لم أجد ما يقنعني بأي من الأديان الابراهيمية الثلاثة تماما، فالأساطير تطغى على الحقائق، أو ما يمكن أن يكون حقائق
- ولكن .. أليس طبيعيا أن تكون في مركز العقيدة نواة أصلية صحيحة، ثم تتراكم فوقها طبقات التفاعل البشري ككرة الجليد؟ فيصبح واجب الفكر والعلم هنا هو كشف النواة الأصلية وإزالة ركام العصور من فوقها؟
- لكن الركام في كثير من الأحيان أهم لأتباع الدين من النواة ذاتها، ولكن .. من الواضح أنك أيضا مهتم بالأديان؟
- "علي الإمام" طالب دراسات عليا .. أعد لدرجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي هنا
مدت يدها لتحتوي يده الممدودة في مصافحة واثقة، لطالما أحب الثقة والكبرياء في مصافحة المرأة الأوروبية على خلاف أغلب النساء العربيات، تمتد أيديهن لمصافحة الرجل في تردد وخفر متكلفين كأنها ستمسك عقرباً ساما! ابتسمت وهي تقدم نفسها بدورها قائلة: "ماري ماكسميليان" محاضر اللغة العربية بقسم اللغات الشرقية، وباحثة في اللغات السامية والأديان الإبراهيمية
- لي عظيم الشرف
- بل الشرف لي، جمعتني الصدفة السعيدة بعالم متخصص في دائرة اهتماماتي الفكرية، فما هو موضوع بحثك للدكتوراه؟
- الحراك الاجتماعي والاقتصادي في التاريخ الإسلامي ما بين الراشدين والأمويين ومروراً بمرحلة الفتنة الكبرى، موضوع معقد رفض في جامعة القاهرة وقبل هنا في شيفلد
- أثرت فضولي بمجرد العنوان، كأنك تقول لي أننا يجب أن نصبح أصدقاء، لكن .. جامعة القاهرة معناها أنك مصري؟
اتسعت ابتسامتها حين أجابها بالايجاب، فخمن أن الدوجلاس الصغيرة أوحت لها بهوية خليجية، لقد تعود هذا الخلط، ويبدو أنها كانت أحسن ظنا بمصر منها بغيرها لهذا اتسعت بسمتها، ثم فاجأته ناطقة بعربية سليمة: إذن يمكنني دعوتك على فنجان قهوة لأننا على أرض إنجليزية
أجابها بعربية واضحة المخارج راقت لأذنها: رفض دعوة مثقفة جميلة يعد دليلا على فساد الذوق، وأنا حريص ألا أتهم في ذوقي
ضحكت ضحكة قصيرة وهي تقول: هناك طفل من كل خمسة في الشرق يولد شاعراً، بعد كل هذه السنين من الدراسة لم أحصر شعراء العربية من الطبقة الأولى!
- الشعراء لا يولدون، بل يصنعهم الحوار مع الجميلات مع فنجان من القهوة
- مم .. واضح أن نزعتك الشعرية فوق المتوسطة
كانت هذه بداية أعظم علاقة صداقة يراودها الحب المستحيل في حياته، كان يصفها يقول أحياناً: هناك درجة من صداقة الرجل والمرأة هي في أحد جوانبها حب مستحيل، لأنه حب صادق فهو لا يموت، ولأنه مستحيل فهو ينزوي كعضو ضامر، ويتخذ شكل صداقة لا نستطيع العيش بدونها، هذه هي "ماري ماكسميليان" .. قول الحق الذي فيه يمترون
...

(8)
في انتظار القادم

...
قاعة المحاضرات الرئيسية في المؤتمر العلمي الثامن للتاريخ الإسلامي في الرباط، قاعة ذات جدران بيضاء تزينها منمنمات نحاسية، وتتسلل حزم النور من نوافذها الخشبية الصغيرة أعلى الجدران لتتخذ ألوان الزجاج الذي زينت به فتضفي جوا بهيجا على المحفل العلمي، كنت أعرض يومها ورقة بحثية أعددتها اثناء زيارتي البحثية في العراق بعنوان: "الإمام محمد المهدي تاريخيا"، وكان الحضور في القاعة كثيفا، ربما جذبهم النجاح الذي حققه بحث العام الماضي، والذي كان بعنوان "الجذور المصرية للعقيدة الدرزية"[4]، وتزامن عرضه مصادفة مع انعقاد المؤتمر في بيروت على مرأى ومسمع من دروز لبنان، فأعجب به بعضهم وكان للبقية رأي آخر تراوح بين الانزعاج العاقل والعداء السافر، وبفضل الفريقين من المعجبين والساخطين معا تجاوز بحثي المحفل الأكاديمي في ذلك الحين ووصل للصحف ورجل الشارع في بيروت .. وقفت خلف البوديوم، وبحكم العادة وليس الظمأ مددت يدي لكأس أمامي أرتشف منه جرعة ماء، ثم استأنف بعد المقدمة التقليدية قائلاً: لدينا فكرة متواترة طريفة في مختلف الحضارات، هي فكرة انتظار المصلح القادم في آخر الزمان لإنقاذ الكون قبل نهاية الدهر، فكرة عالمية مثلت حجر الزاوية في المعتقدات الإيسكاتولوجية[5] لمختلف الشعوب، فهي فكرة ذكية تعتمد على حلم جميل .. أمل عام في وعي الشعوب قوامه تصحيح مسار البشر بطريقة إعجازية قبل أن يسدل ستار النهاية .. حلم يواسي إحباطات البسطاء ويلهمهم الصبر والسلوان في كل العقائد، ففي الإسلام، يعتقد السنة بهبوط المسيح بين يدي القيامة ليقود جيشا من المسلمين، ويحكم الأرض بالعدل بعد أن يقتل المسيخ الدجال، كذلك يؤمن بعضهم بمهدي آخر الزمان، زعيم يولد من نسل الرسول ويكون اسمه "محمد بن عبد الله"، أما المذهب الشيعي الإثنى عشري فينتظر انتهاء الغيبة الكبرى وعودة "محمد المهدي" الملقب بصاحب الزمان ليقود جيش الحق، وفي المسيحية هناك عودة المسيح وإقامة الملك الألفي، ألف سنة يحكم فيها "يسوع" الأرض بدون شرور أو آثام، وبينما ينتظر المسيحي إقبال المسيح في بعثته الثانية، مازال اليهودي ينتظره في بعثته الأولى، ينتظر الميسايا ملك اليهود ويعتقد أنه لم يبعث بعد لأنه ينكر نبوة "يسوع" الناصري! وليس الأمر قاصرا على الأديان الإبراهيمية، بل سبقتها بعض العقائد في هذا المضمار، فللزرداشتية ينتمي أقدم نص على الإطلاق حول أحداث القيامة وأهوالها، نص يرجع لعشر قرون قبل ميلاد المسيح في "زاندي هيومن ياشت"[6] ويأتي فيه ذكر ثبات الشمس قريبا من الأرض، ونزع البركة من الأيام والشهور والسنين حتى تأتي مملكة العدل والحق، فيبعث "أوشيدار"[7] و"أوشيدارماه" و"سوشياند"، ثلاثة مخلصين يفصل بين كل منهم ومن يليه ألف عام، أما في البوذية فهناك نصوص عن انتشار الشرور والآثام في نهاية الزمان، حتى يظهر "ميتريا" بوذا المستقبل، فيجدد تعاليم بوذا في السلوكيات العشر المحمودة والسلوكيات العشر المذمومة، ثم لدينا الهندوسية التي تنتظر عودة "فيشنو" في آخر الزمان متجسدا في أقنومه العاشر "كالكي" ليقيم مجتمع العدل البشري، وأخيرا الميثرية التي تنتظر عودة "ميثرا"[8] ليقود جيش النور ويحكم الأرض ألف سنة بالتمام هو الآخر[9]، فالجميع إذن يا سادة في انتظار "جودو"[10]، واليوم ندرس معا أحد أشكال الانتظار من خلال بحثنا لتاريخية الإمام "محمد المهدي"، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الاثنى عشرية
تمهلت قليلا لأراقب رد الفعل على مقدمتي تلك، فلاحظت همهمات كثيرة، حرصت على نفي الطائفية عن بحثي حتى لا يفهم منه هجوم على الشيعة الإمامية، فاستأنفت قائلاً: الرؤية العقائدية لحياة الإمام المهدي لا تقتصر على المصادر الشيعية كما يظن البعض، فالعديد من المصادر السنية قالت بها، ومنها وفيات الأعيان والعرف الوردي للسيوطي ومروج الذهب للمسعودي والإتحاف للشبراوي[11]، وحياة هذا الإمام الغائب - مع وافر الاحترام للشق العقائدي والرمزي فيها – تفيض بالغموض والريب التاريخية، فكما هو موضح أمامكم بشاشة العرض، لدينا بعض الملاحظات على الرواية التراثية، ملاحظات تتساءل هل وجد "المهدي" من الأساس أم لا؟ والشك في الوجود التاريخي للمهدي ليس جديدا، فقد أنكر العديد من الباحثين مثل "هنري كوبان" أنه ولد من الأساس[12]، ومن المنكرين باحث شيعي إمامي هو الأستاذ "أحمد الكاتب"[13]، فأنا لم آتِ بأمر مبتدع، لكنني أطرح مزيدا من الأدلة المفندة للروايات التراثية، وطرح هذه الأدلة لا يعني بالضرورة نفي وجود الإمام تاريخيا، لكنه يلقي ظلالا حول قصته كما وصلت إلينا، فقد تولى "الحسن العسكري" الإمامة بعد والده "علي الهادي" لمدة ست سنوات، ثم مات فجأة عام 874م وهو في ريعان الشباب عن عمر ناهز 28 عاما، وتقر مراجع الإثنى عشرية[14] بأن "الحسن"لم يعرف عنه طوال حياته أنه تزوج جارية رومية أو تسرى بها، ولا أنه أنجب ولداً، وتبرر ذلك بحرصه على حياة طفله، وهذا قول تنتابه ريب، لأن خلافة "المتوكل" التي عاصرها الإمام "الحسن العسكري" كانت أفضل حالا في تعاملها مع أئمة آل البيت من خلافات سابقة ولاحقة، فالانتفاضات الشيعية التي أخمدت بحمامات الدم في عهد الخلفاء السابقين من عباسيين وأمويين تمت السيطرة عليها دون دماء في عهد "المتوكل"، والذي كان هيابا لسفك الدم المنتسب لعترة الرسول من العلويين ومن شايعهم، ولهذا انتهت ثورة "محمد بن صالح" عام 847م بسجنه ثم الإفراج عنه، ومثلها ثورة " يحيى بن عمر" عام 849م[15]، فلماذا لم يخُفِ أئمة سابقون أبناءهم رغم الاضطهاد بينما قرر "الحسن" إخفاء ولده رغم تحسن العلاقة بالسلطة؟ ومنذ متى اتقى أئمة آل البيت الأخطار بإخفاء أنفسهم وأبناءهم؟ لهذا نقول بأن تحسن العلاقة نسبيا بين السلطة والأئمة في عهد المتوكل يلقي بأول الظلال على دافع الغيبة الصغرى[16] ومنطقها، ثم تقول مصادر الإمامية أن أم "المهدي" كانت جارية رومية، أرسل "علي الهادي" من يشتريها من سوق الجواري ليتزوجها ابنه "الحسن"، وعين صفتها أن اسمها "نرجس"، وأنها ابنة "يوشع" قيصر الروم، وبغض النظر عن صعوبة تصور رجل يبحث عن ابنة قيصر بسوق الجواري، تكمن المفاجأة في عدم وجود قيصر بهذا الاسم في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية التي سماها العرب دولة الروم، كذلك تدعي الرواية التراثية أن "يوشع" هذا يتصل نسبه بأحد حواريي المسيح، فهل وجد فوق الأرض قيصر بيزنطي ينحدر من أصل عبراني؟ حتى يكون جده من الحواريين؟ لا، فقبل ولادة "المهدي" بجيلين وحتى عشرات الأجيال بعده كانت الأسرة الماسيدونية تعتلي عرش الإمبراطورية البيزنطية! ثم نأتي لأغرب الصفات التي اشترطها "الهادي" في جارية ولده، فقد اشترط جهلها التام بلسان العرب، فما هدف التأكيد على من كلف بشرائها ألا تعرف من العربية حرفاً؟ لا نجد هدفا مقنعا إلا أن يكون لسانها الأجنبي أمرا مطلوبا في ذاته حرصا على عدم افشاء سر خطير!
سيطر الاهتمام على وجوه الحاضرين في مجملهم، بينما ميزت وجوها علاها وجوم يشوبه غضب، لابد أنهم من الإثنى عشرية، فمع كونهم من أكثر الفرق الإسلامية اعتدالا في الفكر والفقه، إلا أن كل ما يتعلق بالغيبة لديهم تابو مقدس، تجاهلت تلك التفاعلات المتوقعة والتي أكاد أقول بأني تعودتها، وعدت لطرحي النقدي قائلا: ثم تقول الرواية التراثية بولادة "محمد بن الحسن بن علي" في ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان من العام 255 أو 256 هجرية، لكننا مع البرمجيات الحديثة نجد أن اليوم الموافق للخامس عشر من شعبان عام 255 هجرية كان الخميس وليس الجمعة، الخميس 28 يوليو عام 869 م، أما لو أخذنا بالاحتمال الثاني لسنة الولادة وهو عام 256 هجرية، فسيكون موافقا ليوم الثلاثاء 18 يوليو عام 870م، ففي كل الأحوال لم يولد الإمام يوم الجمعة كما حرص صانع الخبر أن يصور لنا لمكانة اليوم الخاصة عند المسلمين ولما جاء في الأخبار عن ولادة المهدي في يوم جمعة
فاجأني قيام أحد الواجمين منفعلا بغير طلب الكلمة في اقتحام لم يرق لي كثيرا، كأنه اكتشف سقطة يلج منها للهجوم على أطروحتي، فقال متحمساً: نعرف جميعا أن تلك البرمجيات تحتمل الخطأ بنسبة في حدود يوم كامل، فلماذا تفترض تهافت خبر ولادة "المهدي" يوم جمعة، ولا تفترض خطأ البرمجية التي استخدمتها، فيكون اليوم هو الجمعة بدلا من الخميس عام 255 هجرية؟
ابتسمت ابتسامة حاولت أن أضع فيها من الود ما استطعت وأجبت قائلا: قد تخطيء البرمجيات في حدود اليوم، لكن كم يبلغ معدل الخطأ في أخبار شفوية نتناقلها لأكثر من ألف ومائة عام؟ ما هو الأقرب؟ خطأ برنامج أم خطأ حكاية شفوية؟ ولنتذكر كذلك أن البرنامج منزه عن الغرض، لكن عندما يتعلق الأمر بأموال الخمس[17] التي طالما جمعت تحت اسم "المهدي"، يتعين علينا ألا ننفي احتمال الغرض في الأخبار، أليس كذلك؟
جلس السائل كاظما غيظه، لم أقصد لإحراجه، لهذا علقت بمودة لم تخلُ من حزم: قلت وأؤكد، لست هنا لأفند فرضيات فرقة لحساب فرقة، ولو كنت اليوم أنقد رواية من التراث الشيعي فلطالما نقدت روايات التراث السني، فأنا لا أصنف نفسي كباحث تاريخي والحقيقة التاريخية هي مطلبي ومرامي، فأرجو أن يتسع صدر الزملاء من الإمامية لبحث اليوم، وأنا أعرف منهم علماء أجلاء من أكثر الناس حرصا على الحقيقة العلمية وجرأة عليها
قلتها و أنا أنظر بوجه صديقي العراقي الشيعي الدكتور "كاظمي عبد الأمير" الأستاذ بجامعة بغداد والمتخصص في تاريخ العصر العباسي، فيبادلني النظر مبتسما ولسان حاله يقول: لا فائدة فيك .. ستظل تلعب بالنار دوما، لا شك عندي أن وصف العالم الحريص على الحقيقة يصدق أكثر ما يصدق في شخص "كاظمي" كما عرفته، لكننا كنا نختلف دوما حول مواجهة العامة بحقائق التاريخ فيما يمس معتقداتهم، كان هو يعارض هذا، ويقول أن مهنة التاريخ عندها تنقلب مهنة بحث عن المتاعب كالصحافة، وقد تنتهي مسيرة الباحث فيها بالقتل على يد متعصب جهول، فكنت أحتج عليه بقول الإمام "علي" رضي الله عنه "إن الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء"[18]
أنظر لعقارب ساعتي فأتعجل حتى لا أتجاوز الوقت المحدد لي وأستأنف قائلاً: أنكر "جعفر" أخو الإمام "الحسن العسكري" أن الإمام أنجب ولداً، فلقبه الإمامية بلقب غير مقبول لواحد من آل البيت هو "جعفر الكذاب"[19]! وفي هذا اعتراضنا الثالث على الرواية التراثية التي تطلب منا أن نكذب ابن الإمام "علي الهادي" وشقيق الإمام "الحسن" ونصدق واحدا من أتباعه هو " عثمان بن سعيد"! ثم نأتي للغيبتين الصغرى والكبرى، فالرواية التراثية تدعي أن "الحسن العسكري" مات وولده "محمد" له من العمر خمس سنوات، لم يره أحد خلالها، وحين مات الأب وأصبح الطفل إماماً لم يخرج من عزلته، بل اختار الاستمرار في غيبة صغرى كان له خلالها نقباء أربعة بالتتابع، ينقلون حاجات الناس إليه وينقلون تعاليمه للناس، فتاوى وأحكام وآراء، كان هؤلاء النقباء هم "عثمان بن سعيد" ثم "محمد بن عثمان" ثم "الحسين بن روح" ثم "علي بن محمد السمري"، واستمر هذا الوضع 74 عاما بالتمام! أي أن المهدي المفترض عاش حتى بلغ التاسعة والسبعين من عمره، ولم يره في هذا العمر المديد مخلوق غير سفرائه هؤلاء الواحد تلو الآخر! حتى مات "السمري" آخر نقبائه عام 944م، فدخل في غيبة كبرى يفترض أنه فيها ليومنا هذا حي يرزق! .. السادة الحضور، سأفترض تصورا من خيالي لسياق الأحداث، ولنر معا إلى أي مدى تبلغ منطقيته مقارنة بمنطقية الرواية التراثية، نحن أمام موقف دقيق وضع فيه الشخص المحوري في هذه القصة وهو "عثمان بن سعيد"، شخصية تجمع نقائضا بدورها، تقول بعض المراجع[20] إنه "عثمان بن سعيد الأسدي" وأن نسبه ينتهي للصحابي الجليل "عمار بن ياسر"، وفي هذا تناقض، فعمار بن ياسر عبسي! فهل صاحبنا "عثمان" أسدي أم عبسي؟ أم أنها محاولة لزيادة الثقة فيه بنسبه لأحد ثقات الصحابة؟ والآن .. دعونا نعود لصلب الموضوع، لقد خلق موت "الحسن العسكري" في ريعان الشباب بغير وارث للإمامة موقفا دقيقا، حيث تفيد الأخبار أن أخاه "جعفر" كان عاطلا من المواهب الكاريزمية اللازمة للإمامة وملأ الفراغ الروحي والسياسي الذي خلفه، مما مثل تهديدا بانقطاع الإمامة، وبالتالي انقطاع الخمس الذي يدفعه الشيعي للإمام لينفقه فيما يصلح أمر الناس كما يرى؟ فيصبح المذهب مهددا بانقطاع القيادة الروحية وجفاف الرافد الاقتصادي الذي يموله، فماذا لو أن "عثمان" فكر أن ينقذ الإمامة بفكرة ذكية؟ يبتاع جارية رومية –ونعلم من تاجر الرقيق أنه طلبها رومية لا تفقه من العربية حرفا ولا تنطق بحرف[21] - ثم يخرج على أتباع الإمام مدعيا أن إمامه المتوفي كانت له أم ولد منذ ست سنوات وأنجب منها طفلاً اسمه "محمد"، ويدعي أن زوجته هذه تعين أن تكون رومية وأن تكون ابنة قيصر ومن نسل أحد الحواريين وفقا لرؤيا رآها والده! ففي علاقتها بأحد حواريي المسيح مبرر روحي شديد الإيحاء لاختيارها أما للإمام! ثم يدعى صاحبنا قصة الغيبة الصغرى، وهي كذلك قصة ذكية جداً، وجاذبيتها كانت أسطورية للبسطاء، فلم يسمعوا لصراخ "جعفر" الذي نفى كل هذا، كذلك رأى "المتوكل" في فكرة الإمام الغائب ضمانا لعدم ثورة الشيعة ضده، لأنهم في الواقع بغير قيادة حقيقية، فانحازت الخلافة لفكرة الغيبة[22]، واستقر الأمر لعثمان على هذا، وجمع من الناس الخمس على هذا الأساس دهرا، ثم حضره الموت فأورث التركة الثمينة لابنه "محمد" من بعده، واستعان "محمد بن عثمان" برجل يدعى "الحسين بن روح" على جمع مال الخمس من التجار ووجوه الشيعة، وربما اكتشف "الحسين" السر عرضاً من طول مخالطة "محمد بن عثمان"، أو غير ذلك، فوكله "محمد" مكانه حين احتضر، ثم تلاه النقيب الأخير "علي السمري"، والذي أجاب من سأله وهو يحتضر عن النقيب بعده قائلا: الله بالغ أمره، ثم مات، لكن أحد الأتباع لم تعجبه هذه الخاتمة الغامضة، فظهر بعد وفاة "السمري" بمدة خطاب ممهور بخاتم الإمام الغائب يقول فيه "يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً"[23]
- أنت تتهم قطبا وعالما كعثمان بن سعيد بالنصب بغير بينة، وتريد نقض عقيدة راسخة عبر القرون بشبهات
هكذا اندفع ذات الرجل الذي قاطعني أول مرة وبنفس الأسلوب المقتحم، لأجيبه أنا في اقتضاب وود أقل هذه المرة: من يدعي وجود شخصية تاريخية هو من يتعين عليه التدليل على وجودها، الشخصيات غير المرئية تاريخيا نسميها أسطورية
سكت لحظة حتى أسيطر على حدتي، ثم استأنفت بهدوء: أنا أفند روايات تراثية بمقارنة تاريخية وطرح بديل، هذا منهج متعارف عليه وليس من اختراعي، فهل كنت تتوقع دليلا ماديا في شكل مخطوط بيد "الحسن العسكري" يقول فيه أنه لم ينجب؟ كيف للإمام أن يتنبأ بالتدليس عليه بعد موته؟ الأولى لو كان هناك ولد، أن يترك والده الذي أخفاه دليلا ماديا لأتباعه حتى يقروا بإمامة هذا الابن
أنهيت بقية محاضرتي سريعا في جو شابه التوتر، ثم عدت لمجلسي بجوار "كاظمي" الذي نظر إلي بود وقال: الناس يريدون التفاصيل، لهذا تخترع لهم التفاصيل اختراعا، لكن هذا لا ينفي وجود الحقيقة المجملة، الغيبة لم تكن خوفا من اضطهاد، بل اختبار إيماني، أن تصدق الإمام دون أن تراه، ألسنا نعبد الله بغير أن نراه؟
تأملت وجه صديقي بإعجاب ولم أجبه! حاصرني منطقه الهاديء المدافع عن اعتقاده أكثر مما حاصرني الغاضبون باندفاعهم و ..
...
وانقضى الطريق سريعا مع ذكريات الرباط، وهاهي بوابات الإسكندرية على مرمى البصر، اقتربنا من حيث لقياك يا نصف عقلي الحلو، هكذا همس "علي" حين لاحت بوابات الإسكندرية أمامه، ثم انطلقت من شفتيه أبيات قيس بن الملوح في جبل التوباد إذ قال:
تلكم الربوة كانت ملعباً .. لشبابينا وكانت مرتعـــا
كم بنينا من حصـاها أربعاً .. و انثنينا فمحـونا الأربعا
وخططنا في نقى الرمل فلم تحفـظ الريح ولا الرمل وعى
قد يهون العمر إلا سـاعة ... و تهون الأرض إلا موضعا
...

(9)
البانـــــدورا

عندما انتهى الطريق المتهالك وأشرف بسيارته على شاطئ أبي قير الرملي، كان قرص الشمس يذوب شفقا في الأفق، فأضاء الأنوار الكاشفة وهو يدلف بالسيارة يسارا على الشاطئ الرملي بمحاذاة البحر، ماراً على العديد من مطاعم المأكولات البحرية التي اشتهرت بها أبوقير، من أحدها علا صوت التليفزيون لتقتحم أذنه أغنية تقول كلماتها "حط النقط على الحروف .. قبل ما نطلع سوا ع الروف" فيغلق زجاج السيارة متأففاً، ثم يتراجع محدثا نفسه يسألها: لماذا التأفف؟ أليس لكل زمن ولكل مجتمع فنونه التي تعبر عنه، كنا في الستينات نغني "ابنك يقولك يا بطل هات لي النهار .. ابنك يقولك يا بطل هات لي انتصار .. ابنك يقول أنا حوالية .. الميت مليون العربية .. ومافيش مكان للأمريكان بين الديار" واليوم نغني عن "الروف" و"بابا أوبح"! وكل من تلك الأغاني ناسبت زمانها ومجتمعها ورجالها، فليس لنا أن نعترض على نصيبنا من الفن اليوم، لو جاز أن نسميه فنا! هكذا فكر وهو يتابع بنظره صف السيارات الواقفة عن يساره أمام المطاعم، عدد مفزع من السيارات الحديثة اللامعة، يذكر أنه يوم اشترى سيارته اليابانية التي يقودها منذ عشر سنوات قال له زملاؤه في الجامعة أنه لو استثمر علمه ومهاراته التعليمية –يعنون في الدروس الخصوصية وطباعة المذكرات غالية الثمن – لبدل سيارة فارهة كل عام، يومها أجاب قائلا: تأسرني العشرة ولا أميل للتغيير كثيرا، ولا أرى مجالا لأستاذ جامعي غير مدرج الكلية، ولن أطبع مذكرة لطلبتي كأنهم في الابتدائي، التاريخ مادة بحثية مفتوحة الآفاق ولا يدرس إلا بالبحث الحر والتنظير
الشاطيء مزدحم نوعا بزحام يوم الخميس التقليدي، تمنى ألا تكون الربوة مشغولة بغيرهما اليوم، فهو يحتاج لحوار هاديء معها لا يعكر الزحام والهرج صفوه، عندما قارب الشاطئ على الانتهاء لاحت الربوة، أو ما يحب أن يدعوها ربوة، وهي للدقة تبة رملية مرتفعة قليلاً يقع أسفلها مقهى ومطعم النورس، مطعمه المفضل في أبي قير .. حين رأى أحد نادلي المطعم سيارته وتحقق منه داخلها، اندفع نحوه مرحبا فابتسم "علي" بود وهو يرد تحيته سائلا عن حاله وحال أسرته، أجاب النادل حامدا الله كعادة المصريين في السراء والضراء، واستأذن لحظات ليعد له جلسته "الملوكي" فوق الربوة، وخلال لحظات بالفعل كان النادل النحيف الذي يرتدي زيا رياضيا أحمر عليه شعار النادي الأهلي قد أعد جلسة منعزلة فوق الربوة، بسط قطعا من الكليم، ووضع فوقها طاولتين متلاصقتين نصب فوقهما مظلتين، ثم علق بأحدهما مصباحا كهربيا وبالأخرى صاعق ناموس، بسط مفارشا بيضاء نظيفة على الطاولتين ورص حولهما أربعة كراسٍ معدنية لامعة ذات كسوة جلدية حمراء أخرجها للتو من الكشك الخشبي خلف المطعم، ثم أشار له ليتفضل، غادر السيارة منتعشا ومبتهجا بالجو والتطلع للقاء افتقده كثيرا، رفع يمناه شاكرا للنادل وهو يجلس، ولم تمر لحظات بعد جلوسه حتى كان كوب زجاجي مترع بالشاي الأحمر يوضع أمامه ويتصاعد منه البخار، والشاي الساخن مشهد شهي حين يميل جو الإسكندرية للبرودة، صب لنفسه كوبا من الماء من زجاجة زاد البخار المتكاثف على سطحها من عطشه بينما النادل يسرع للكشك الخشبي خلف المطعم ويعود حاملا جهاز كاسيت قديم أسود اللون، وضعه على أحد الكراسي الخالية ثم اتجه إليه سائلاً عم يحب سماعه، اختار أغنية "الحب كله" من بين ما ردده النادل على سمعه من أغاني كوكب الشرق، وبعد لحظة كانت "ثومة" تملأ الجو بصوتها الأسطوري، صوت الشجن والنشوة وهي تقول: واسقيني واملا اسقيني تاني، من الحب، منك، من نور زماني .. اسقيني ياللي من يوم ما شفتك حسيت كأني اتخلقت تاني
ينظر "علي" في ساعته ثم يسترخي في مقعده متأملا البحر، ما زال أمامه نصف ساعة قبل وصولها، ليتها تصل مبكرة فترى الشفق الذي تحبه، هكذا تمنى وهو يرشف كوب الشاي الساخن، يضيق صدره قليلا من رطوبة البحر، إنها حساسية الصدر السخيفة رفيقة عمره، يخرج بخاخا موسعا للشعب الهوائية من حقيبته السوداء الصغيرة التي لا تفارق كتفه، فيستنشقه ثم يستقبل نسيم البحر بشهيق عميق ومتعة روحية غير متناهية .. يستدعي خليج أبي قير لذهنه دوما صورة الحملة الفرنسية، والمغامر العسكري العبقري " نابليون بونابرت"، علت شفتيه ابتسامة حين تذكر صورته بالزي الشرقي بعد أن ادعى الإسلام! وقد زادت العباءة والعمامة قصر قامته ظهورا، كيف فطن الفرنسي لمدخل التقرب الديني عظيم الجدوى لدى الشرقيين؟ لعل هذا هو الفارق بين العظماء والمجهولين من البشر، القدرة على قراءة الواقع وتحليله والنفاذ منه إلى الوسيلة التي تحقق الهدف، لم تلبث ابتسامته أن فترت بينما تستدعي ذاكرته خطاب "نابليون" الذي وجهه لأهل مصر بواسطة علماء الأزهر! فقال فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله إلا الله، لا ولد له ولا شريك في ملكه، قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطة فطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني أدام الله ملكه، أدام الله إجلال السلطان العثماني، وأدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، ولعن الله المماليك أعداء السلطان، وأصلح حال الأمة المصرية"
وهكذا فالإجلال للمحتل التركي والغازي الفرنسي، أما الأمة المصرية فغاية ما يرجى لها صلاح حالها على يد العارف بالله "بونابرت"، والذي تسمى في ثوبه الجديد باسم يناسبه هو "عبد الله باشا بونابردي"! وصلى الجمع في المساجد، ومشى في الأسواق بحرس قليل، فمن أوحى له بخطة العلاقات العامة الجهنمية تلك؟ من يعرف كل هذه المفاتيح لتخدير الثورة ضد الغزو غير خائن مصري؟ أو متعاون مصري بلغة عرَّاب الخيانة؟ فسواء "تاليرون" وزير خارجية فرنسا الذي نصح بالتودد للمسلمين في خطته أو "شارل ماجلون" القنصل الفرنسي الذي اقترح الحملة، لم تكن مداركهما لتعي الثقافة المصرية بهذا العمق لولا تعاون من عميل محلي، رجل يعلم يقينا أن المصريين يقبلون حكم الترك لأنهم مسلمون، فلماذا لا يحل الفرنسيون محل الأتراك لو ادعوا بأنهم كذلك مسلمون؟ .. نفس المنطق الذي عمل به الجنرال "مينو" لاحقاً، فعندما قتل "سليمان الحلبي" الجنرال "كليبر" لاستهانته بالمقدسات ودخوله الجامع الأزهر بالخيول قامعا ثورة القاهرة، خلفه الداهية "مينو"، فصدق على إعدام "الحلبي" بالخازوق بعد حرق يده اليمنى، وأمر بتركه على الخازوق في موضع يقال له تل العقارب حتى تنهشه الجوارح، ثم ارتد على عقبيه فأعاد حقن نفس المخدر في عروق مصر الثائرة، وإذا بالجنرال الفرنسي يهده الله فيسلم ويحسن إسلامه! بل ويسمي نفسه "عبد الله جاك مينو"، ويزيد فيتزوج ابنة واحد من أعيان رشيد، ولتكتمل التراجيديا ينجب منها ولد فيسميه "سليمان"، ويقنع من حوله أنه اختار الاسم تيمنا باسم الشهيد الحلبي الذي ندم على إعدامه! فطن "مينو" للعبة الإسلام السياسي القديمة، وفهم أن الأمويين والعباسيين دجنوا الفقه الديني ليوافق حكمهم، فجعلوا الخروج على حاكم مسلم أيا كانت جرائمه خروجا عن الدين وحرابة يعاقب فاعلها بالقتل، فالمسلم لا يشق طاعة حاكم مسلم، إن أحسن الحاكم المسلم فله الأجر وعلى الرعية الشكر، وإن أساء فعليه الوزر وعلى الرعية الصبر[24]، فقط الصبر! فلماذا لا يستغل الجنرال الفرنسي هذا لإضفاء شرعية على الاحتلال؟ شرعية توفر عليه الكثير من الدماء والأموال[25] بمجرد أن يشهر إسلامه؟
توقفت خواطره التاريخية حين لمح طيفا محببا يتقدم نحو الربوة، فعاد للحاضر وعلت شفتيه ابتسامة ليست كابتسامته في كل حين، ابتسامة يكاد يضيء معها وجهه، تلوح له بيديها فيرد ملوحا، وتقبل نحوه بعودها الممشوق الريان في بنطلون أبيض رقيق يناسب لون الحذاء الرياضي، وتي-شيرت أزرق فوقه جاكت خفيف من كتان رمادي فاتح، وقد أرسلت شعرها الأسود اللامع كإطار عبقري حول وجهها الثلجي المشرب بالحمرة، حتى في ملامحها قاربت "ماري" باندورا خياله! كانت "أم كلثوم" في هذه اللحظة تشدو بقولها: "يا أرق من نسمة .. وأجمل من ملك .. إنت روحي وكل عمري .. ونور حياتي .. يا حياتي إيه أنا بالنسبة لك؟" .. نعم .. إيه أنا بالنسبة لكِ أيتها الجميلة الرشيقة؟ أجمل عالمة رآها، أو أعلم جميلة، يأتيه صوتها وقد اقتربت قائلة: الصيف ودع آخر أيامه ومال الجو للبرد يا عاشق الهواء الطلق
تتجه نحوه مصافحة، ثم تجلس على الكرسي أمامه وتتم جملتها ضاحكة: مازلت تخشى قبول دعوتي للعشاء في بيتي حتى لا تفترسك الإنجليزية الشريرة وتنتهك عفافك؟ شرفة شقتي في هذا الوقت من العام قطعة من الجنة
أجاب وهو يحيط وجهها بنظرات من عينين حانيتين وابتسامة رضا تعلو شفتيه: أي مكان تحلين فيه جنتي، وليت الإنجليزية الشريرة افترستني منذ الأزل
قالت وهي تشعل سيجارة من علبته، وتتسع ضحكتها الحبيبة لقلبه: بعد أن تتزوجك طبعا .. افتراس شرعي
- بالضبط .. لكنها رفضت
قالها مبتسما، لكنها أجابت وقد فترت ابتسامتها: تعلم أن موضوع الرفض هذا يثيرني فضلا عن كونه غير صحيح
أجابها في تغيير ظاهري لموضوع الحوار: هناك شاعر فلسطيني اسمه "محمود درويش" كان ..
- لست سائحة أمريكية، أعرفه ولدي بعض دواوينه
- لا أتعجب لهذا، المهم أنه وقع يوما في هوى فتاة اسرائيلية وحال بينهما الصراع العربي الإسرائيلي، فكتب قصيدة قال فيها: "بين ريتا وعيوني بندقية .. والذي يعرف ريتا ينحني .. ويصلي لله في العيون العسلية" أظن بإمكاني أن أنسج على منواله فأقول: بين "ماري" وعيوني عجرفة وجودية .. والذي يعرف "ماري" يرى نور الإله بوجه المجدلية"
بدا التأثر واضحا على نظرتها، فعاجلها بقوله: لابأس .. كفانا مشاكسة اليوم
نظرت له وابتسمت وهي توميء برأسها متجاوزة الموقف الذي ظلله الشجن ، التفت مناديا النادل، ثم ما لبثا أن عاد كل منهما لشروده، تنتابه خواطر وذكريات، أدرك "علي" في العام التالي على تعارفهما أنه يحبها ويتمنى الحياة بقربها، كانت نموذجا لباندورا خياله، لا يعيبها غير روحانيتها المحدودة، رغم رهف روحها وجيشان عاطفتها، لكنه تنازل عن هذا أمام تفاهم وتناغم سرعان ما تطور بينهما، كان يعرف أنها تخطط للإقامة بمصر حتى تتم دراساتها الاستشراقية، فتقدم لها يطلبها للزواج، وفوجئ مفاجأة مؤلمة في تلك الليلة الباردة التي طمسها الضباب حين أجابته برفض رقيق، سألها شغوفاً بمعرفة السبب الذي يحول دون سعادته، فقال: كل شيء خلال الشهور الماضية كان يقول أنك .. أعني
- أحبك، لن أخجل أن أقولها أيها الشرقي الذي يستأذن ليقبل حبيبته .. أحبك ولا أخجل من هذا، بل لعلي فخورة به، لكن سبب الرفض لا يتعلق برغبتي أنا
- سأصعق لو كان سببا عنصريا
قالها مازحا بمرارة، ولدهشته أجابت بما هو أغرب من العنصرية، قالت متلعثمة من حرج الموقف وألم الذكرى: لم تبتعد كثيرا، فالسبب ديني
أجابها وقد اتسعت عيناه دهشة: لأني مسلم؟
- ولو كنت مسيحيا لما تغير الأمر، أنا على عهد مع أمي التي فارقت دنيانا منذ ثلاث سنوات
تهيأت لتقص عليه قصتها، فملأت صدرها بشهيق عميق تستجمع خلاله شجاعتها، ثم قالت: كانت أمي مثقفة وجودية[26] متطرفة، وعلى النقيض كان أبي انجيليا متشددا، تحابا في الجامعة وتزوجا قبل أن تتبلور شخصيتيهما، ربما جعلهما هذا أكثر تطرفا، فكل منهما كان يتصرف وكأنه في حالة حرب مع الآخر للحفاظ على هويته، فالآخر أقرب إليه من أنفاسه، ولهذا يحتاج لرفضه بشدة حتى يحتفظ لفكره بحدود آمنة، وهكذا فشلا في إقامة زوجية ناجحة، كان أبي متسلطا بما يكفي لتطالب أمي بالطلاق منه، لكنها لم تفعل، الانفصال كان من شأنه أن يعرضني أنا وهي لهزة مالية عنيفة، فتحملت كل شيء لأجلي .. ولأنها كانت تعتقد أن التربية الدينية هي ما أفسد عقل أبي، طلبت وعدي وهي على فراش الموت ألا أربط مصيري برجل يؤمن بقوى خارجة عن ذاته، بأي رجل يؤمن بإله .. طلبت وعدي .. ونالته
أجاب مشدوها من المنطق العجيب: هل أنت جادة؟
- أترى وفائي بالعهد لأمي الراحلة أمرا تافها أو هزليا؟
- بل حكم الموتى للأحياء هو الهزلي، وأغرب منه تقييم الإنسان ورفضه مقدما لأنه يؤمن بالله! هذه ليست فلسفة وجودية .. بل تطرفا فكريا
- لا علاقة لطلبها هذا بفكرها الوجودي، ولكن بمعاناتها مع رجل تعود أن يبيح لنفسه مايريد، بعد أن يجد له مظلة دينية تقبله مهما كان شائنا وغير أخلاقي ، تصور رجل كهذا مع مثقفة واقعة في غرام معتقداتها الفكرية ومثاليتها لأبعد حد
أفاق من الذكرى على صوت النادل الذي حضر ملبياً، فابتسم وهو يشير نحو "ماري" قائلاً: سيدة الحفل تختار الطعام للجميع

17 comments:

Che Ahmad said...

العزيز دكتور اياد

مش عارف دا حظي ولا ايه اللى خلاني اتواجد هنا فى اللحظة دي بالذات بعد ما كنت على وشك اقفل الكومبيوتر

خلينا فى الفصل الدسم الثري المرة دي

بحب جدا دمج المعلومات فى الروايات لتصبح امتاع ثقافي كمان بعد الامتاع الادبي
اراهن ان كلمات على الامام هى اقتناع دكتور اياد وجزء مما رأي من جراء زياراته للعراق على حسب ما اذكر فى بوست قبل كدا

عجبني جدا تعامل الدكتور الكبير مع قداره النادل وقداته على التمييز بين وجوده فى محفل علمي لا يحتمل الهزل وبين مكان رايح يستريح فيه وبياخد ويدي فى الكلام

عجبني كمان وجود بعض عيوب فى شخصية علي الامام كالشيشة مثلا وعدم ظهوره بالرجل اللذي لا يخطئ اختيار رائع للأغنية ووصف هايل دخلني جوا الكادر وحسسني انى بتفرج على فيلم مش بقرا رواية

فعلا اضايقت نفسيا لما عرفت سبب عدم ارتباط الحبيبين وإن كنت احب وفاء ماري لأمها الرائع

وعجبت فعلا عن امكانيته الفصل بين شجن الماضي وبهجه الحاضر فى اخر جمله فى الفصل

حبي وامتناني
ودايما على انتظار

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي Che

ده من حسن ظني ، ليكون تعليقك أول تعليق على الفصل الجديد من أحزان أمير المؤمنين ، عن دمج المعلومات يا صديقي فلا أخفيك سرا يا صديقي أن الهدف الأساسي من الرواية هو تقديم مجموعة من المعلومات و الرؤى في قالب قصصي يفضله القراء في العالم أجمع، و خاصة الشباب، على العلوم التي تسرد سردا

ملحوظتك غاية بالذكاء بشأن الدكتور علي في حياته الخاصة، فهو انسان عادي و ليس شخصا من الشخوص القشرية التي تدخل تحت قشرة بعينها و تعيش فيها

اما عن أم ماري، فهي نموذج التطرف الضد-ديني في الرواية، و هو تطرف غير محمود سواء كان دينيا أو لا دينيا

شكري و امتناني الكبيرين لك يا صديقي، و كلي سعادة أن الفصل حاز اعجابك
تحياتي و تقديري

ايوية said...

نص عقلي الحلو
وقفت عند تلك الجملة كثيرا بالرغم من ان الفصل دة ملئ باحداث كثيرة تستحق الوقوف عندها لكن لا ادرى لماذا توقف عند تلك الجملة ولم استطيع ان اتخطاها او ان لا افكر فيها
مازلت اصر انى لا ارى الدكتور على فى الاحداث وارى امامى الدكتور اياد

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزتي أيوية
الرجل و المرأة ليس احتياجهما لبعضهما عاطفيا و حسب، بل يحتاجان دوما لعملية تلقيح فكري بين عقل الرجل و عقل المرأة، فحوار يشترك به الجنسين هو دائما أكثر فعالية و الهاما من حوار الجنس الواحد، انا على الاقل أؤمن بهذا

قد يكون الدكتور علي هو ما اتمنى ان اكون، فهو افضل مني خلقا، متفرغ لدراساته الاكاديمية، ، طائر طليق

تحياتي و تقديري للعزيزة دائما آية

د/أبويحيى وادم said...

بيان رقم 3

وبدأت مسيرة الحملة ولن تتوقف بأذن الله حتى نرى ثمارها

(لغتي هويتي)
إلى كل الايجابيين المشاركين معنا ،إلى كل من تعاطف ورحب بحملتنا ولا يعلم ماذا يفعل حان وقت العمل الواجبات العملية 1- أنظر فى مدونتك التي تكتب بها جيدا وحاول ان تجعلها خالية من الألفاظ الأجنبية الغير مطلوبة ولها بدائل عربية جميلة وكذلك المنتديات وتعليقاتك وردودك على المعلقين لديك وأسمك الذى تظهر به المدونة عند التعليق
2- موضوعك القادم بالمدونة أو المنتدى أن شاء الله يكون باللغة العربية قدرالمستطاع فى نفس المجال الذى تكتب به ولمزيد من نشر الحملة يا حبذا لو كان عن اللغة العربية وهذه بعض المواضيع التي اخترناها لك
0 تاريخ اللغة العربية 0 أثر تحول اللغة العربية إلى العامية على الهوية
0 بلاغة اللغة العربية 0 هذه مصطلحات غير عربية يجب الاستغناء عنها
0 مدى تأثير العربية في اللغات الأخرى 0 طرائف ونوادر في اللغة العربية
0 خواطر وأشعار حول اللغة العربية سواء من مكتوبك أو منقولك

3- هذه المواضيع المطروحة ما هي إلا مجرد أفكار لفتح باب التفكير و لك مطلق الحرية في اختيار مواضيع أخرى متعلقة بالأمر نفسه

4- إن قمت بكتابة موضوع بالفعل في الإطار الخاص بالحملة نرجوا إعلامنا به حتى نضع جميعا الرابط الخاص بالموضوع على المدونات ونجمع روابط كل المواضيع المتصلة بالحملة هنا بالمدونة
[Photo] قم بتفعيل الحملة بنشر الرسالة المتفق عليها لدى كل المدونات التي تعرفها وادعوهم للتفاعل معها وأشرح لهم الأسباب والهدف من الحملة
وفقنا الله جميعا وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي د يحيى

شكرا لدعوتكم لنا للمشاركة، و غن كنت برغم حبي و تعلقي باللغة العربية، إلا أنني أراني غير مواكب من ناحية الفكر لحملتكم، و ذلك للأسباب التالية:
- أحزن لما آل إليه مستوى اللغة عند النشأ ، لكنني أرى الحل الارتقاء بالمضمون الثقافي و الذي سيتبعه ارتقاء بالوعاء الثقافي و هو اللغة
- أخذ الغرب عنا بعد اصطلاحاته العلمية حين كنا روادا للعلوم و الفنون، و لا عيب اليوم في أن نأخذ عنه نسخا مصحفة من هذه التعبيرات لأنه اصبح رائدا، فليس مستساغا ان ندعو التليفزيون إذاعة مرئية مثلا
- الصراع مع العامية غير مجدي، في كل انحاء الدنيا هناك اللغة الرسمية و بجوارها لغة الحياة اليومية، و منذ الفراعنة كان هذا هو الوضع و لليوم

تحياتي و تقديري

eshrakatt said...

حيرتنى
دكتور اياد ولا دكتور على انا حاسه انك عايش حاله حتى مارى هى الواحده من النساء التى تنتظرها انا مش هقدر اعلق لحد لما اقرأها تانى وتالت بس انت جاوبت على سؤال من اسألتى المهدى ؟ هكمل بحث ونتناقش فيه
المشكله انت انت الى بقيت اللغز ليه حاسه انك اكبر من سنك لما بتكتب تعليق بحس انك عجوز اوى ايه كميه الحزن الى جواك دى اسمحلى احلل شخصيتك انت المفروض برج الاسد يعنى شخصيه منطلقه ممكن اعرف ارقامك الشخصيه تاريخ ميلادك كامل.
الدنيا ابسط من كده يا دكتور ابسط بكتير انا اسفه لو بتكلم فى حاجه مش من حقى بس انا مش بقدر امنع نفسى من تحليل الشخصيات وانت من الشخصيات الى لفتت نظرى ومعرفش ليه حاسه انك حاطت نفسك فى قالب مش بتاعك لما بقرا ليك بحس انك لابس بدلة جدك
اقولك بلاش اكمل كفايه كده انا اسفه لو اتعديت حدودى
تمرد يا دكتور اياد تمرد بعنف اقتحم الحياه الحياه تحترم من يقتحمها
للمره الاخيره اسفه لو اتعديت حدودى

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزتي eshrakatt
بالعكس يا عزيزتي ، لا يوجد تعدي حدود في الموضوع اطلاقا، بخصوص المهدي هانتظر تعليقك بعد البحث، أما بخصوصي أنا ، فأنا بالفعل دائما ما يقدر الناس عمري من أربعين الى 45 سنة :( ، مش بس كلامي، كمان شكلا، بس صدقيني انا لا اصطنع هذا، هي طبيعة مركبة، بس انا نفسي دايما كنت باتمنى اتولد في مصر العشرينات و افوتكم بعافية على 74 كده، يمكن احساسي ده منعكس على لغتي، ههههه ، سعيدة بقى على رأي أفلام زمان

محمد إبراهيم محروس said...

الحقيقة استمتعت بمروري من هنا
واستمتعت باللغة المكتوبة
جميل جدا ما قرأته من فصول عزيزي
وأتمنى أن أقرأ باقي الرواية
الف الف شكر لك
وخالص تحياتي

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي أستاذ محمد ابراهيم محروس
سعدت جدا بتشريفك و سماع هذا الرأي من روائي و قصصي مثلكم، لان الشكل الروائي جديد علي قليلا، كما سعدت بالتعرف على مدونتك، و سيسعدني متابعتها
تحياتي و تقديري و أهلا بك دوما

Meero Deepo said...

عزيزى د.إياد

قارب الشهر على الإنتهاء والفصل الرابع لم يظهر بعد

ألا تعلم كم نشتاق لقراءة باقى فصول الرواية

تحياتى للدكتور على... الفارس المحارب وسط قوافل المهزومين

وعظيم كرهى وحنقى للدكتورة مارى.... رأس ميدوسا

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزتي ميرو ديبو
أهلا و سهلا بك يا عزيزتي
ان شاء الله قريبا، الفصل من الرواية يحتاج لبال رائق لا املكه حاليا لكثرة مشاغل العمل، لكن قريبا ان شاء الله يظهر

شكرا نيابة عن الدكتور علي

و ليه بس انا عملت لك ايه ؟ نيابة عن ماري، لا اظن ماري هذه ممن يمكن وصفهن بالميدوسا، فهي شراراة حوار، و هذا عكس الصنمية الخاصة بميدوسا

تحية و تقدير و سعادة يا دكتورة

Anonymous said...

اقرأ وأشكر الرب
في عصر العولمه المقلوبه هناك من
يبحث وينتج لنا أدبا راقياً

حفظك الرب

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي غير معرف
شكرا لك ، و اهلا بك دوما، يشرفني قراءتك و تعليقك على ما يجد من فصول باذن الله
تحياتي و تقديري

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي غير معرف
شكرا لك ، و اهلا بك دوما، يشرفني قراءتك و تعليقك على ما يجد من فصول باذن الله
تحياتي و تقديري

جمال عبد الناصر said...

وصلتنا لنص البئر وقطعت الحبل بنا :)

أكمل فعقولنا تتغذى بهذا الابداع

Dr. Eyad Harfoush said...

صديقي جمال عبد الناصر

يا الله، كم هو اسم جميل نفتقده، ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر، ان شاء الله يكتمل الفصل الرابع و ينشر قريبا، جزيل شكري و امتناني لك يا عزيزي على تعليقك الرقيق المشجع

تحياتي و تقديري