17.7.10

دمشق يا مهد الدنيا


محظوظة بين المدن هي بيروت، إذ باسمها صدحت فيروز "لبيروت من قلبي سلام"، ثم غنت ماجدة الرومي "يا بيروت يا ست الدنيا يا بيروت" ليثبت اسمها في وجدان كل عربي، لكن مدينة أخرى تبقى عندي في الصدارة، فلو كانت بيروت ست الدنيا، فهي مهدها، هي مهد الدنيا من نظرة تاريخية، لأن الحفريات تؤكد أنها واحدة من أقدم المدن المعمورة عمرانا متصلا في التاريخ، وهي مهد الدنيا لأن منها انطلقت ممالك غيرت وجه العالم القديم، وهي مهد الدنيا لأنك تشعر فيها براحة الطفل في مهده، إنها مدينة الياسمين، وجنة الغوطتين، وحاضرة الأمويين، الشام، دمشق الحبيبة

ودمشق المدينة لا تستطيع أن تفصلها عن دمشق البشر، فالدمشقيون هم ساحة الأمويين ببساطتها الممزوجة بجلالها، هم شموخ جبل قسيون تلطفه خضرته اليانعة، هم عراقة المسجد الأموي وتعدديته، هم عبق التاريخ في سوق الحوامدية وراحة المكدود في البيوت الدمشقية، هم النسيم العليل والسيف النضيد والقهوة الفواحة والخبز الشهي وماء الزهر والعباءة الدمشقية

كل هذا يراه كل زائر لدمشق ويستمتع به، لكن دمشق تبقى للناصري حالة وجد صوفية، تبقى له نيرفانا من زمن الحلم، فالساعة ونصف الساعة التي تطير فيها من القاهرة لدمشق تأخذك فعليا لقرابة الأربعين عاما للوراء، لتجد نفسك في قاهرة الستينات المفقودة، يوم كانت القاهرة أنظف وأجمل وأهدأ، ويوم كانت محتفظة بثراء شخصيتها، وحدها دمشق لم يشوهها النفط الخليجي بذوقه الفج، وحدها دمشق احتفظت بمقاهيها ولم تحل محلها مشارب القهوة أمريكية النمط، وحدها دمشق لم تغزها المولات التجارية في كل شارع ولم ترقص بعد على موسيقى أمريكية، وحدها دمشق تحتفظ بلافتات محالها وشوارعها وميادينها عربية، ووحدها دمشق لم تدخل سبق الفيران الرأسمالية، حتى فنادق النجوم الخمس صبغتها دمشق بصبغتها وليس العكس، فدمشق مدينة تعتد بذاتها في شموخ كأهلها، وترفض أن تميع أو تزول صفاتها المميزة

لكل هذا وأكثر .. لدمشق مهد الدنيا من قلبي ألف سلام وسلام، فلي بجنوب الغوطتين شجون

No comments: