محمد علي والدولة المصرية الأولى
برغم جنسية محمد علي الألبانية ولغته الأجنبية، كانت دولته التي أسسها في مصر واستقل بها عن نفوذ الآستانة زمنا طويلا دولة مصرية لا متمصرة، فلماذا؟ لأن الباشا عول على المصريين للمرة الأولى منذ عهد الفراعين، فكان منهم الوزراء والقادة والساسة والوجهاء، ومن استعان بهم من الأجانب كانوا قلة حين نقارنهم بالمصريين، كذلك كان جنود جيشها الوطني وصغار ضباطه مصريين، وإن كان قواده وكبار ضباطه أتراكا من بني جلدة الحاكم، واستقلت إرادة مصر الوطنية، وتنامى نفوذها الإقليمي في السودان والشام والجزيرة العربية، وازدهر التعليم وبدأ المتعلمون حملة ضد الخرافات التي تأصلت في العقلية المصرية زمن الترك والمماليك، ومرت البلاد بنهضة صناعية وزراعية وتجارية لم تعرفها من قبل عبر تاريخها، ولم تعرفها من بعد عدا في حقبة الستينات، ولم يعب دولة محمد علي من الناحية الاقتصادية غير قانون الاحتكار الذي اغتصب به الباشا حيازات الفلاحين الزراعية وأعلن نفسه مالكا وحيدا للأراضي المصرية المنزرعة.
هكذا كان لمحمد علي الفضل في أول مشروع حضاري لدولة مصرية في العصر الحديث، وإن كانت المؤامرة الأوروبية العثمانية قد قهرت حلمه وهو فوق سنام المجد، تماما كما كسرت القوى الآنجلو-أمريكية الصهيونية بتحالفها مع الأنظمة العربية الرجعية الحلم الناصري وهو في أوج العنفوان. ولو كانت الدولة المصرية قد انكفأت داخل حدودها بعد انهيار الحلم الامبراطوري لمحمد علي، إلا أنها حافظت على استقلالها النوعي رغم التبعية الاسمية للباب العالي بقية عهد محمد علي ثم عهد ولديه إبراهيم باشا وسعيد باشا، ثم عهد حفيده الخديو إسماعيل، حتى ثار المصريون على عسف الخديو توفيق بقيادة القائمقام المصري أحمد عرابي، فاستغاث الخديو العلوي بالإنجليز، ليحتلوا مصر عام 1882م، تاركين تبعيتها اسميا للباب العالي حتى قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، ففصل الإنجليز مصر عن الباب العالي وأعلنوا الحماية عليها.
وبرغم الاحتلال العسكري المباشر والهيمنة الإنجليزية الوقحة خلال الفترة ما بين 1882م و1952م، لم يحل بمصر ما يمكننا أن نطلق عليه عصر انحطاط جديد، لكنها دخلت عصرا انتقاليا هذه المرة، لتوافر سمات الحقبة الانتقالية التي فصلناها سابقا فيه
هكذا كان لمحمد علي الفضل في أول مشروع حضاري لدولة مصرية في العصر الحديث، وإن كانت المؤامرة الأوروبية العثمانية قد قهرت حلمه وهو فوق سنام المجد، تماما كما كسرت القوى الآنجلو-أمريكية الصهيونية بتحالفها مع الأنظمة العربية الرجعية الحلم الناصري وهو في أوج العنفوان. ولو كانت الدولة المصرية قد انكفأت داخل حدودها بعد انهيار الحلم الامبراطوري لمحمد علي، إلا أنها حافظت على استقلالها النوعي رغم التبعية الاسمية للباب العالي بقية عهد محمد علي ثم عهد ولديه إبراهيم باشا وسعيد باشا، ثم عهد حفيده الخديو إسماعيل، حتى ثار المصريون على عسف الخديو توفيق بقيادة القائمقام المصري أحمد عرابي، فاستغاث الخديو العلوي بالإنجليز، ليحتلوا مصر عام 1882م، تاركين تبعيتها اسميا للباب العالي حتى قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، ففصل الإنجليز مصر عن الباب العالي وأعلنوا الحماية عليها.
وبرغم الاحتلال العسكري المباشر والهيمنة الإنجليزية الوقحة خلال الفترة ما بين 1882م و1952م، لم يحل بمصر ما يمكننا أن نطلق عليه عصر انحطاط جديد، لكنها دخلت عصرا انتقاليا هذه المرة، لتوافر سمات الحقبة الانتقالية التي فصلناها سابقا فيه
مصر في العصر الانتقالي المعاصر (1882-1952م)
لا يمكننا نعت هذه الحقبة بعصر الانحطاط، ولا يمكننا كذلك وصف أي من مراحلها بالدولة المصرية المستقلة حقيقة، لماذا؟
كانت مقاومة الإرادة المصرية للتبعية الأجنبية خلال تلك الحقبة هي الأروع في تاريخها كله برأينا، فقد كانت مقاومة لم تعرف الانقطاع إلا لتتصل من جديد، وكان هذا بفضل مسيرة التنوير التي أطلقها محمد علي باشا وأسهم فيها حفيده إسماعيل إسهاما ملموسا، فبفضل العلم أدرك المصريون قيمة الحرية واستقلال الإرادة الوطنية، وأن الحرية ليست جوهر كرامة الفرد والمجتمع فحسب، لكنها كذلك لقمة الخبز على مائدة كل أسرة، والماء النظيف في كل بيت، والأمن على الأنفس والأموال والأعراض في كل حي، لهذا كانت بسالتهم واتصال نضالهم ملحمة لعلها الأروع بطول تاريخهم، والأكثر فاعلية، وذلك رغم الحقبة الخاملة قرب نهاية تلك الفترة الانتقالية. وكانت أهم مراحل النضال الوطني هي:
1. واجه الاحتلال أول ما واجه جيش مصر الوطني في التل الكبير بقيادة عرابي، وهزم الجيش المصري بعد تضحيات جليلة قدمها رجاله.
2. مات توفيق ليتولى الحكم بعده أكبر أولاده الذكور وهو عباس حلمي الثاني، وكان الخديو عباس أو "أفندينا عباس" كما سماه المصريون حبا وتكريما وطنيا بما يكفي لينحاز للشعب في مناوئة سلطة الاحتلال، فكان شوكة في حلق المستعمر ما بين 1892م وقيام الحرب العالمية الأولى، حين عزله الإنجليز وولوا مكانه خائنا جديدا من الأسرة العلوية بعد توفيق هو السلطان حسين كامل. وأعلنت الحماية رسميا. وقد تزامن حكم عباس حلمي مع مقاومة الزعيم مصطفى كامل ثم محمد فريد.
3. بانتهاء الحرب العالمية ظهر دور الوفد المصري بقيادة الزعيم سعد زغلول في المقاومة السلمية للاحتلال، واندلعت ثورة 1919م في الأحداث الشهيرة التي كانت من أروع صفحات النضال الوطني، حتى أعلن الاستقلال الشكلي عام 1922م بتولية فؤاد الأول ملكا على مصر.
4. منذ 1928 وحتى 1952 دخلت مصر حقبة تبادل الوفد مع وزارات الأقليات السلطة فيها، حتى شكل النحاس الذي تزعم الوفد خلفا لسعد زغلول خمسة وزارات في تلك الفترة التي لم تتجاوز الأربعة عشر عاما، وفقد النحاس الإجماع الشعبي بعد معاهدة 1936م التي حالف فيها الإنجليز في زمن الحرب ضد النازي وإن كان دافعه لعقدها وطنيا وهو خروج الإنجليز من القاهرة للقناة. وفقد المزيد من التعاطف الشعبي بعد خروج مكرم عبيد باشا أحد أقطاب الوفد من الحزب ونشره الكتاب الأسود الذي ألقى ظلالا كثيفة على الذمة المالية للسيدة زينب الوكيل زوجة النحاس وعلى دور فؤاد سراج الدين الذي بدأ يهمش دور مصطفى النحاس.
5. بعد تصاعد الأحداث وحريق القاهرة عام 1952م، وتأسيسا على تداعيات معاهدة 1936م وحرب فلسطين 1948م، قامت حركة الجيش في 23 يوليو 1952م، لتبدأ مسيرة الدولة المصرية الثانية، بعد دولة محمد علي باشا في تاريخنا الحديث والمعاصر.
كانت مقاومة الإرادة المصرية للتبعية الأجنبية خلال تلك الحقبة هي الأروع في تاريخها كله برأينا، فقد كانت مقاومة لم تعرف الانقطاع إلا لتتصل من جديد، وكان هذا بفضل مسيرة التنوير التي أطلقها محمد علي باشا وأسهم فيها حفيده إسماعيل إسهاما ملموسا، فبفضل العلم أدرك المصريون قيمة الحرية واستقلال الإرادة الوطنية، وأن الحرية ليست جوهر كرامة الفرد والمجتمع فحسب، لكنها كذلك لقمة الخبز على مائدة كل أسرة، والماء النظيف في كل بيت، والأمن على الأنفس والأموال والأعراض في كل حي، لهذا كانت بسالتهم واتصال نضالهم ملحمة لعلها الأروع بطول تاريخهم، والأكثر فاعلية، وذلك رغم الحقبة الخاملة قرب نهاية تلك الفترة الانتقالية. وكانت أهم مراحل النضال الوطني هي:
1. واجه الاحتلال أول ما واجه جيش مصر الوطني في التل الكبير بقيادة عرابي، وهزم الجيش المصري بعد تضحيات جليلة قدمها رجاله.
2. مات توفيق ليتولى الحكم بعده أكبر أولاده الذكور وهو عباس حلمي الثاني، وكان الخديو عباس أو "أفندينا عباس" كما سماه المصريون حبا وتكريما وطنيا بما يكفي لينحاز للشعب في مناوئة سلطة الاحتلال، فكان شوكة في حلق المستعمر ما بين 1892م وقيام الحرب العالمية الأولى، حين عزله الإنجليز وولوا مكانه خائنا جديدا من الأسرة العلوية بعد توفيق هو السلطان حسين كامل. وأعلنت الحماية رسميا. وقد تزامن حكم عباس حلمي مع مقاومة الزعيم مصطفى كامل ثم محمد فريد.
3. بانتهاء الحرب العالمية ظهر دور الوفد المصري بقيادة الزعيم سعد زغلول في المقاومة السلمية للاحتلال، واندلعت ثورة 1919م في الأحداث الشهيرة التي كانت من أروع صفحات النضال الوطني، حتى أعلن الاستقلال الشكلي عام 1922م بتولية فؤاد الأول ملكا على مصر.
4. منذ 1928 وحتى 1952 دخلت مصر حقبة تبادل الوفد مع وزارات الأقليات السلطة فيها، حتى شكل النحاس الذي تزعم الوفد خلفا لسعد زغلول خمسة وزارات في تلك الفترة التي لم تتجاوز الأربعة عشر عاما، وفقد النحاس الإجماع الشعبي بعد معاهدة 1936م التي حالف فيها الإنجليز في زمن الحرب ضد النازي وإن كان دافعه لعقدها وطنيا وهو خروج الإنجليز من القاهرة للقناة. وفقد المزيد من التعاطف الشعبي بعد خروج مكرم عبيد باشا أحد أقطاب الوفد من الحزب ونشره الكتاب الأسود الذي ألقى ظلالا كثيفة على الذمة المالية للسيدة زينب الوكيل زوجة النحاس وعلى دور فؤاد سراج الدين الذي بدأ يهمش دور مصطفى النحاس.
5. بعد تصاعد الأحداث وحريق القاهرة عام 1952م، وتأسيسا على تداعيات معاهدة 1936م وحرب فلسطين 1948م، قامت حركة الجيش في 23 يوليو 1952م، لتبدأ مسيرة الدولة المصرية الثانية، بعد دولة محمد علي باشا في تاريخنا الحديث والمعاصر.
No comments:
Post a Comment