13.7.10

جسر الكرامة-08


ناصر ومصدق .. والإحجام عن التعددية السياسية
كانت تجربة الدكتور مصدق في إيران وإجهاضها على يد المخابرات المركزية الأمريكية ماثلة أمام عيني ناصر طوال الوقت، ففي عام 1951م أمم الدكتور محمد مصدق، رئيس الوزراء الإيراني المنتخب، صناعة البترول في إيران بتأميم الشركة الآنجلو-إيرانية للبترول، وبعد شد وجذب يشبه ما حدث مع ناصر عند تأميم القناة، حركت المخابرات المركزية الأمريكية في شراكة مع نظيرته البريطانية انقلابا أطاح بمصدق وأعاد للشاه الموالي للغرب يدا مطلقة في القرار الإيراني.

كانت شعبية ناصر في الشارع المصري، بل والعربي، منذ 1956م فصاعدا أكثر من كافية لاستمراره في الحكم، فلم يكن نموذج التنظيم السياسي الواحد الذي انتهجته الثورة هادفا لتثبيت الزعيم الراحل في موقع الرئاسة، لكن دافعه الجوهري كان تجنب مصير حكومة مصدق الوطنية، والتي أطاحت بها المؤامرة الآنجلو-أمريكية بيد معارضة إيرانية، وكان التقارب الزمني للتجربتين مبررا نفسيا لهذا الهاجس.

لكن ما نراه الآن، وما كان متعسرا رؤيته في مطلع الخمسينات، هو بعد الحالة الإيرانية عن الحالة المصرية، بحيث لا تجوز المقارنة بين الحالتين، وبحيث يصبح الخوف من ثورة مضادة في مصر هاجسا ينقصه التبرير الكافي. فما هي الفروق بين تجربة مصدق وتجربة ناصر؟

1. كان ناصر مؤيدا من المؤسسة العسكرية ولم يكن لمصدق نفس درجة التأييد من المؤسسة العسكرية الإيرانية.
2. مناطق النفوذ البترولي المقسمة بين القوى العظمي الدولية كانت ومازالت خطوطا حمراء، تقدم هذه القوى على أي فعل أو موقف لحمايتها، بعيدا عن أية معايير خلقية أو إنسانية. لهذا حاول اللوبي الآنجلو-أمريكي الرجعي الإطاحة بناصر لكنه لم يتفانى في هذا بنفس الدرجة التي أظهرها في حالة الدكتور مصدق.
3. وجود الشاه وسرعة تكليف رئيس وزراء جديد بعد الإطاحة بحكومة مصدق وسجنه وفرت غطاء شرعيا لم يكن متاحا في التجربة المصرية لو حاولت الإطاحة بناصر.
4. المحيط الإقليمي لإيران من دول الجوار لم يكن كثير الارتباط أو الاهتمام بنظام مصدق، وإن قدره كل أحرار العالم تقديرا سلبيا، أما في حالة ناصر، فعملية إطاحة به كانت كفيلة بغليان المنطقة العربية البترولية، خاصة في العراق والكويت، لهذا كانت محاولات المخابرات الأمريكية مع ناصر محاولات اغتيال سرية دائما ، وليست محاولات انقلابية.

ولهذا نقول أن الإحجام عن التعددية السياسية منذ 1956م فصاعدا كان قصورا يفتقر للتبرير الكافي

No comments: