11.7.10

جسر الكرامة-05

العثمانيون ونزح الحضارة
وشهدت مصر ظاهرة جديدة تمثلت في السطو على حضارتها وثقافتها بنزح الفنانون والصناع إلى استانبول، ليؤسسوا مجدا معماريا ومدنيا للباب العالي، ولولا اختلاف اللغة لنقل الترك علماء الأزهر وخطباء المساجد لحاضرتهم.

أما عن المعاناة الاقتصادية في مصر العثمانية فحدث ولا حرج، ويكفي أن عبارة أليمة تجدها مكررة في تاريخ الجبرتي كل بضعة صفحات، يقول فيها "وزادت الأسعار، وحل بالناس مالا يوصف، فتغيرت القلوب والطباع، وكثر الحسد والحقد، وعربدت أولاد الحرام وفقد الأمن، ورحلت الفلاحون عن بلادهم وانتشروا في المدينة بأولادهم وهم يصيحون من الجوع، وأكلوا ما كان يتساقط في الشوارع من قشور البطيخ وغيره، فلا يجد الزبال شيئا يكنسه، وأكلوا الحمير الميتة، ومات كثير من الفقراء من شدة الجوع وعز الدرهم والدينار في أيدي الناس"، فهل بعد هذا العناء عناء؟

سمات الانحطاط

بغض النظر عن أوهام بعض التيارات السياسية اليوم والتي تكثر الحديث عن مآسر الدولة السنية، والخلافة الإسلامية، وتمن علينا برفض السلطان عبد الحميد تمكين اليهود من وطن قومي بفلسطين، وتنسى أن تبرر لنا لماذا احتل هو وقومه فلسطين أساسا؟ وقد كانت مسلمة قبل أن يسمع أجداد عثمان طغرل اسم النبي عليه الصلاة والسلام! بغض النظر عن كل هذا، كانت مصر العثمانية هي عصر الانحطاط الرابع في تاريخنا، والذي رأينا معا في هذا الفصل من كتابنا أن عصور الانحطاط فيه اشتركت في سمات أهمها:

1. فقدان مصر لاستقلالها وحرية إرادتها الوطنية، سواء بالاحتلال الكلي أو الجزئي أو التبعية لغيرها، سواء صحب هذا تسيد بطانة أجنبية على أهم المواقع في الدولة والجيش أم لا.

2. استنزاف خيرات مصر بنهبها على يد الغزاة والمتعاونين معهم من المصريين، ومعاناة المصريين من ضغوط اقتصادية تراوحت بين الفقر والبؤس والمجاعة الحقيقية في بعض الأحيان.

3. انكفاء مصر داخل حدودها الجغرافية، واختفاء نفوذها من محيطها الاستراتيجي.

وختمت حلقات الانحطاط العثماني المتصلة بتزايد نفوذ المماليك مرة ثانية ممثلين في مناصب شيخ البلد وأمير الحج التي احتكروها، فقد استعان بهم الترك على قهر الانتفاضات المصرية التي أثارها الجوع والطغيان، كما استعانوا بهم في جباية الضرائب والمكوس، وقل عدد الحاميات العثمانية في مصر، وهمش دور الباشا العثماني وصار شكليا، حتى جاءت الحملة الفرنسية فلم يتصد لها البكوات المماليك ولا الباشا التركي. فاحتلت مصر وكان الاحتلال الفرنسي هو قاع الهوان العثماني المملوكي في مصر، ولم تخرج الحملة بغير المقاومة المتصلة في الأقاليم والصعيد فضلا عن ثورتي القاهرة، وبخروج الفرنسيين وثورة المصريين على خورشيد باشا العثماني وخلعه، وترشيح محمد علي باشا للباب العالي سلفا له، بدأت نهضة مصر الحديثة، وأول دولة مصرية مستقلة منذ عهد الفراعنة، مصرية وليست متمصرة.

No comments: