أوجه القصور في التجربة الناصرية الأولى
بقيام حركة الجيش في يوليو 1952م، ثم إعلان الجمهورية برئاسة اللواء محمد نجيب رحمه الله، بدأت الدولة المصرية الثانية في تاريخنا المعاصر، لكن تراثا من الحقبة الانتقالية التي بيناها في القسم السابق كان نارا تحت الرماد في الأعوام الثلاثة من 1952م وحتى 1954م، فقد كانت خطة الضباط الأحرار أول الأمر هي تسليم السلطة في مصر للمدنيين، وتحديدا لحزب الوفد الذي كان ممثلا للأغلبية رغم الانشقاقات وتداعيات معاهدة 1936م ثم إلغائها. وكان شرط الضباط الوحيد هو تصحيح عثرة قانون الاحتكار الذي نفذه محمد علي، نازعا ملكية الأرض الزراعية من المصريين، وهذا من خلال قانون لتحديد الملكية الزراعية. من هذه النقطة بدأ أول وجوه القصور في التجربة الناصرية الأولى.مجلس قيادة الثورة .. التركيب والجدول الزمني
حدث تفاهم بين كل من الإخوان المسلمين والوفديين على رفض شرط الضباط الأحرار، وكان تقديرهم أن الشارع معهم، واستطاعوا جذب اللواء محمد نجيب لمعسكرهم، وتصاعدت الأزمة عام 1954م، مع تصريحات للواء نجيب للصحف المصرية حول حل مجلس قيادة الثورة وعودة الضباط للثكنات العسكرية، وذلك دون الاتفاق على المناطق الخلافية مع الضباط، فحدث الصراع الشهير، بين نجيب مدعوما من الإخوان المسلمين والإقطاعيين القدامى والوفديين، وجمال عبد الناصر رحمه الله مدعوما بالقطاع الأكبر من الجيش ومجلس قيادة الثورة وقاعدة عمالية وطلابية ناشئة، وهو الصراع الذي حسمه ناصر لصالحه. مستجيبا لرأي الفقيه الدستوري الأكبر عبد الرازق السنهوري، في استمرار حكومة ثورية إصلاحية تتحرك بخطوات واسعة نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبسرعة لا توفرها الديمقراطية عادة، وتأجيل خطوة الديمقراطية حتى تقطع الحكومة الثورية خطوات واسعة في مضمار التغيير، وتستقر الأمور. وهنا كان أول قصور في التجربة الناصرية الأولى.نفهم أن تكون البلاد في عام 1952م بعد ما تردت إليه أوضاعها سياسيا واجتماعيا بحاجة ملحة لنظام ثوري لفترة مؤقتة، ينهض بحاجاتها الملحة تنمويا وإصلاحيا، أو دعنا نقول أنها بحاجة إلى حكومة فترة انتقالية، لمدة تتراوح بين العامين والخمسة أعوام، فهذا الشكل الانتقالي معهود في الظروف المشابهة عالميا، لكن القصور في ثورتنا المصرية نتج عن عاملين محوريين، وهما
1. عدم تحديد مدة زمنية قصيرة يصدر خلالها الدستور الدائم وتعود للحكم مدنيته المطلقة، ولا يمنع هذا من استمرار قائد الثورة في موقعه الرئاسي بانتخابات نزيهة، كان سينجح فيها ولا ريب بحكم شعبيته الهائلة في الشارع المصري، كذلك لا يمنع عودة الحكم للشكل المدني من استمرار الأكفاء من العناصر العسكرية في مواقعهم بعد استقالتهم من الجيش.
2. استمرار مجلس قيادة الثورة عسكريا صرفا، وكان الأولى والأقرب لكفاءة صناعة القرار ضم عناصر مدنية مشهود لها بالنزاهة والوطنية كأعضاء في المجلس لا كمستشارين
No comments:
Post a Comment