لقطة تاريخية 1
أسر الأمريكان البطل الأمريكي اللاتيني آرنستو شي جيفارا جريحا بعد أن فرغت طلقات بندقيته وأطلقوا عليه النار بمنتهى الخسة ثم مثلوا بجثته بقطع كفيه بحجة مطابقة البصمات، حينها كتب عمنا أحمد فؤاد نجم قصيدته الشهيرة التي لحنها وغناها الشيخ إمام جيفارا مات، وفي نهايتها أبيات تقول كلماتها (يمكن صرخ من الألم، من لسعة النار في الحشا، يمكن ضحك أو ابتسم أو ارتعش أو انتشى، يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع لاجل الجياع، يمكن وصية للي شايلين القضية بالصراع، صور كتير ملو الخيال وألف مليون احتمال، لكن أكيد ولا جدال، جيفارا مات موتة رجال) عبارات جعلها لحن الشيخ إمام تحفر القلوب حفرا حتى اليوم
لقطة تاريخية2
كانت ليلى بنت لكيز مخطوبة لابن عمها البراق، وقد سقطت أسيرة في يد قبيلة فارسية متاخمة لمضارب قومها، وحاول سيد القوم أن ينالها فأبت فأمر بها فعذبت وضربت ضربا شديدا، فأنشدت تقول (ليت للبراق عيناً فترى .. ما اقاسي من بلاءٍ وعنا، يا كليباً يا عقيلاً أخوتي .. يا جنيداً ساعدوني بالبكا، عذبت اختكم يا ويلكم .. بعذاب الفكر صبحاً ومسا، غللوني قيدوني ضربوا .. ملمس العفة مني بالعصا) ويقال أن هذا الشعر بلغ قومها وهم بعد في مجلسهم يتباحثون في كيفية معالجة الأمر، ويختلفون بين من يقول بالإغارة على القبيلة الفارسية ومن يقول بالتفاوض والحل السلمي، فما كان من ابن عمها البراق إلا أن قام من وسط الجمع ودخل بيته فلبس زرد الحرب وتمنطق بالسيف في قرابه وخرج فامتطى فرسه ودخل على القوم المجتمعين بهذه الهيئة فقال: أنا ماض لأهلك دون أسوار محبسها، فمن أراد شرفا فليلحق بي، ومن أراد عارا فليلحق بأمه، ثم انطلق لا يلوي عنان فرسه، وتباينت الروايات في مصيره ومصير ليلى، لكن عبارته وذكراه عاشا ليصلا إلينا بعد تلك القرون، لأنه كذلك طلب ميتة الرجال
لقطة تاريخية 3
في كربلاء، كان العباس بن علي بن أبي طالب يحمل لواء أخيه الحسين بن علي رضي الله عنه، ولما طلب الحسين منه ليلة المعركة أن يرحل بأهله من الميدان ويخلي بين الحسين وبين الأمويين، أجابه العباس (ولِمَ نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبداً)، وقبيل المعركة كان خاله عبد الله بن حزام على صلة بعبيد الله بن زياد فحصل على الأمان للعباس وأهل بيته ليخرجوا من كربلاء إلى حيث أرادوا، لكنه رفض ثانية وقال (أتُؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟ أمان الله خير من أمان ابن سمية) وحين منع الماء عن معسكر الحسين قام العباس فجالد بسيفه حتى بلغ الماء وملأ منه قربة وقد أثخنته الجراح، وفي طريقه لخيمة النساء والأطفال تمكن منه عدوه فسقط شهيدا ليلقب ضمن ألقابه بلقب ساقي العطاشى
واقعية الواقعين
نبرة تسود اليوم في الفضائيات كما في فضاء الإنترنت كما في المقاهي والشوارع كلما جرى حوار حول حال العرب وفلسطين والسد الواطي وحزب الله وإيران وسوريا وكل ما له علاقة بالصراع الممتد من أربعينات القرن العشرين وحتى اليوم بين العرب والصهيونية، وهي نبرة تسمي نفسها واقعية ونسميها واقعة وساقطة، يحمل لواءها جماعة الواقعين في عرض اسرائيل، والواقعين في هوى أمريكا، والواقعين على حذاء مشايخ البترول اللصوص، وأميرهم ومؤسس جماعتهم بلا منازع هو عار مصر، الواقع بن الواقعة، محمد أظلم السادات، ومثله صديقه الشاه المخلوع، وصاحبه بن زين، ورفيقه الحسن الخامس، ونني عينه فيصل هاوس-كيبر الحرمين، وكل هؤلاء ماتوا اليوم، لكن شتان ما بين موت وموت، فموت الرجال جعل من أبطاله نبراسا في ضمير البشر أبد الدهر، وموت الكلاب والنعاج استقر بالواقعين في مزبلة التاريخ، اللهم إلا على ألسنة الواقعين المعاصرين من أمثالهم، وبعض المضللين المفتونين، ممن يمدحونهم ويرون في ريادتهم للقوادة وتعريس الطرق السلمية كياسة وبعد نظر، وهؤلاء لا أجد ما يعبر عن منطقهم غير قول الشاعر العراقي مظفر النواب في رائعته يا قاتلتي إذ يقول (شارك في الحل السلمي قليلا .. أولاد القحبة كيف قليل؟ نصف لواط يعني؟)، أما ريادة الوقوع والواقعين اليوم فيتصدرها العجوز الذي ملأته الشروخ هنا في مصر، وشبيهه النفطي في السعودية، وابن عمهم حفيد زين في الأردن، فضلا عن الغلام الهلوك في قطر، أما المرابطون على ثغور الشرف والرجولة والعزة فاقتصر معسكرهم على سوريا وإيران وحزب الله، وكان الله بالسر عليم
شوارب القطط
ونحن، أنا وأنت، هل نحن أفضل حالا من كل الواقعين الذين رصدناهم أعلاه؟ إجابتي بلا، لسنا أفضل إطلاقا، كانت لدينا فرصة منذ أربعة أعوام لطلب موت الرجال في لبنان ولم نذهب لنطلبه، وكانت ومازالت الفرصة لدينا في غزة ولم نفعل، لماذا؟ لأنهم وضعوا في أفواهنا شكيمة الالتزام بما لا يلزم، لقد أقنعونا ولو بشكل غير واع أن واجبنا أن ننجب أطفالا ونجري طول العمر لنوفر لأطفالنا رفاهية فارغة في أوطان فقدت كرامتها، رسخوا في لا وعينا أن الحياة مستحيلة لو كانت الشقة أقل من مائتي متر في حي كذا أو كيت، وأن الانتقال لا يجوز بغير سيارة صفتها كيت وكيت، وأن الأطفال بغير المدرسة الأجنبية سيفقدون هويتهم الهلامية، وأن خاتم الشبكة لا يمكن أن يقل عن كذا قيراط، وأن التليفزيون أقل من 32 بوصة لا يرى بالعين المجردة، وأن التكييف المركزي هو حد الكفاف، وأنك لو لم تشتر لكل طفل شقة ليتزوج فيها بعد عشرين عاما وتوفر له نفقات تعليمه في جامعة خاصة أو في الخارج فقد ضيعت من تعول وحسبك بهذا اثما، وهكذا فقدنا في تلك الدوامة أعز ما نملك، رجولتنا، فالرجولة في جوهرها قدرة على الغضب والرفض، وقدرة على الوقوف بشمم في وجه واقعية الدياثة، وقدرة على أن تستقبل الموت واقفا فتكتب لك حياة الرجال أو موت يليق بالرجال، الرجولة قدرة على الفعل الثوري يا شوارب القطط من المحيط إلى الخليج
2 comments:
عزيزي الدكتور
أكثر ما يدوي صداه في التاريخ الثقافي العربي هو شعر الفخر حيث ينبري الجميع في قول أنا جدع وإمتد هذا للآن وسيمتد للأبد وسنظل نضرب بالنعال لأننا أساتذة في الكلام الجعجعة بلا طحين فالرجل العربي سيظل يحمل شوارب القطة لأن الشكل هو مايركز عليه لإبراز رجولته المفقودة والمهدرة يوميا في ظل غياب المضمون اللهم إلا بعض النماذج الفلتات مثل نصرالله وأردوجان.. زهقنا من الكلام بقى يادكتور.. لا إنت ولا أنا نستطيع التضحية بالسيارة الأوتوماتيك ولا إشتراك النادي للأولاد ولا أن نخرجهم من مدارسهم إلي المدارس الحكومية التي تعلمنا فيها لانستطيع أن نفعل هذا في سبيل أي قضية.. أصدقني القول هل تستطيع أنت فعل هذا؟؟.. إذا كانت إجابتك نعم فأعلمنا بالتفاصيل وإذا كانت لا فمن فضلك دعنا مستمتعين بسجائرنا وماتشات المنتخب والأهم بشوارب القطط التي نحملها
يبدو يا سيدي أنك لم تتم المقال لآخره، فأول ما قلته تحت عنوان شوارب القطط أن قلت أني أنا وأنت ومن هو مثلنا قد تم تدجيننا بلزوميات ما لا يلزم التي ذكرتها في سؤالك يا سيدي، إجابتي لا، ولو كانت الإجابة نعم لما كنت في مكاني هنا، فميادين الشرف هناك في جنوب لبنان وغزة
لكني أختلف معك بخصوص أن علينا أن نصمت، لقد وصلنا لحالة تعاير فيها البغي الفاضلات بفضلهن، ويعاير فيها النظام المصري حزب الله وسوريا، يا سيدي، علينا ان نتكلم ونقول لحزب الله اسمح لنا ان نبوس السيف في يديك، ونقول له أننا عجزة، لكننا نعرف ذلك ونكره ذاتنا التي انحطينا اليها
تحياتي وشكري لتعليقك سيدي
Post a Comment