كتبت ونقحت روايتي "انهيار برج بابل" على مدار أعوام أربعة ما بين 2006 و2009م، وكنت قد شرعت بنشرها مسلسلة تحت اسمها القديم "أحزان أمير المؤمنين" في مدونتي هنا فصلا تلو آخر، وما أن بدأت معالم الشخصية المحورية للرواية في الظهور، وهي شخصية الدكتور "علي الإمام" أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة، حتى تكرر سؤال من الأصدقاء عن علاقتي أنا بتلك الشخصية، لمساحة من التقارب رأوها ظاهرة في سياق الأحداث، فكانت إجابتي دوما أن علي قد يشبهني في بعض جوانب شخصيته، لكنه ليس أنا، بل لعله من أتمنى أن أكون، فهو نسختي الأكمل والأجمل والأنبل مني بكثير، ويبقى المشترك الأعظم بيني وبينه هو كتاب التاريخ
تذكرت هذا الربط بيني وبين بطل روايتي التي تصدر خلال أيام وتعرض بمعرض القاهرة للكتاب مؤخرا، حين وصفتني صديقة عزيزة بوصف لعله أدق ما وصفت به منذ سنوات، كان حوارا مع الصديقة العزيزة سكوت هنصوت حين وصفتني برجل يخرج لتوه من كتاب التاريخ، فكان مزاحا ذكيا ثاقبا في محتواه ومفارقته، وذكرني ببطلة روايتنا، المستشرقة الانجليزية ماري ماكسميليان وهي تصف علي بأنه يكاد يعيش خلال حقبتين تاريخيتين تحديدا، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى سبعينات القرن الماضي، أما الحقبة الثانية، فهي حوادت الفتنة الكبرى والقرنين الفارقين في تاريخ الإسلام، وهما السابع والثامن الميلادي، ويبقى المشترك بين الحقبتين هو كم مفزع من المنحنيات الحادة وكم أكبر من الفرص الضائعة
لعل بمقدوري أن أجد سببا منطقيا لارتباطي الشخصي، والذي بنيت عليه ارتباط شخصية بطل روايتي بهما، ففي الأولى الحديثة نوعا أسست حياتنا المعاصرة بكل سلبياتها وإيجابياتها المجهضة، وفي الحقبة الأقدم تشكل الفكر الديني الذي يهيمن اليوم على حياتنا الروحية في العالم الإسلامي، لكن السبب المنطقي لا يشرح عمق التأثير النفسي للمرحلتين بكل معطياتهما في حياة ووجدان إنسان يعيش في الألفية الثالثة، وولد في ذيل الحقبة المعاصرة منهما، تأثير يصل لحد أن تعايش الشخصية التاريخية وتتولد بينكما ألفة، وتنافر شخصية تاريخية أخرى حتى تشتعل بينكما كراهية تجعلك تقاتلها في نومك وتقتلها أو تقتلك، ولدرجة أن تقابل شخصا في حياتك اليومية فتجد عقلك اللا واعي يربطه مباشرة بشخصية تاريخية كأنه معادلها المعاصر، وتزداد دهشتك يوما فيوم حين تجد الشخصية المعاصرة تتصرف وتتعامل بذات نهج الشخصية التاريخية التي ألصقها بها عقلك، حتى يمكنك أن تقول لرفاقك: سيفعل فلان كذا وكيت، فيفعل! وتقول لهم لو حدث كذا سيقول كيت وكيت، فيقول، مثل تلك الأمور تحدث في حياة الناس، لكن معدل تكرارها حين يكون متزايدا يكسبك شعورا بأنك تتحرك بآلة الزمن بين العصور
ما الذي يجعل وجدانك يعيش بموسيقى وايقاع وفنون وآداب زمن غير زمنك؟ الهوان السياسي والخلل الاجتماعي الحاد سببان وجيهان ولكنهما لا يكفيان مبررا لحالة النوستالجيا المرضية التي تملكك، وكنت سأجدها مبررة في حالة من يعجز عن فهم عصره وعلومه ومستحدثاته، فيهرب للماضي لعدم قدرته العقلية على استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل، وهي حالة السلفيين برأيي، الذين يدعو بعض دعاتهم لتكديس مخزون الحديد وتربية الخيول حتى تكون لدينا مقومات معركة آراماجدون التي ستقوم قبل نهاية العالم وبعد ردة بشرية موهومة يزعمونها ونراها متناقضة مع النص القرآني قطعي الثبوت والدلالة، لكنني أزعم أن عقلي بحمد الله قادر على استيعاب منطق وعلوم عصره وعلى استشراف مستقبله، فلماذا الارتباط المرضي بالماضي؟ هل تكفي النزعة الرومانسية سببا للحياة في كتاب تاريخ؟ هل قبح زماننا مبرر للنوستالجيا لهذه الدرجة؟ تلكم هي المسألة
تذكرت هذا الربط بيني وبين بطل روايتي التي تصدر خلال أيام وتعرض بمعرض القاهرة للكتاب مؤخرا، حين وصفتني صديقة عزيزة بوصف لعله أدق ما وصفت به منذ سنوات، كان حوارا مع الصديقة العزيزة سكوت هنصوت حين وصفتني برجل يخرج لتوه من كتاب التاريخ، فكان مزاحا ذكيا ثاقبا في محتواه ومفارقته، وذكرني ببطلة روايتنا، المستشرقة الانجليزية ماري ماكسميليان وهي تصف علي بأنه يكاد يعيش خلال حقبتين تاريخيتين تحديدا، فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى سبعينات القرن الماضي، أما الحقبة الثانية، فهي حوادت الفتنة الكبرى والقرنين الفارقين في تاريخ الإسلام، وهما السابع والثامن الميلادي، ويبقى المشترك بين الحقبتين هو كم مفزع من المنحنيات الحادة وكم أكبر من الفرص الضائعة
لعل بمقدوري أن أجد سببا منطقيا لارتباطي الشخصي، والذي بنيت عليه ارتباط شخصية بطل روايتي بهما، ففي الأولى الحديثة نوعا أسست حياتنا المعاصرة بكل سلبياتها وإيجابياتها المجهضة، وفي الحقبة الأقدم تشكل الفكر الديني الذي يهيمن اليوم على حياتنا الروحية في العالم الإسلامي، لكن السبب المنطقي لا يشرح عمق التأثير النفسي للمرحلتين بكل معطياتهما في حياة ووجدان إنسان يعيش في الألفية الثالثة، وولد في ذيل الحقبة المعاصرة منهما، تأثير يصل لحد أن تعايش الشخصية التاريخية وتتولد بينكما ألفة، وتنافر شخصية تاريخية أخرى حتى تشتعل بينكما كراهية تجعلك تقاتلها في نومك وتقتلها أو تقتلك، ولدرجة أن تقابل شخصا في حياتك اليومية فتجد عقلك اللا واعي يربطه مباشرة بشخصية تاريخية كأنه معادلها المعاصر، وتزداد دهشتك يوما فيوم حين تجد الشخصية المعاصرة تتصرف وتتعامل بذات نهج الشخصية التاريخية التي ألصقها بها عقلك، حتى يمكنك أن تقول لرفاقك: سيفعل فلان كذا وكيت، فيفعل! وتقول لهم لو حدث كذا سيقول كيت وكيت، فيقول، مثل تلك الأمور تحدث في حياة الناس، لكن معدل تكرارها حين يكون متزايدا يكسبك شعورا بأنك تتحرك بآلة الزمن بين العصور
ما الذي يجعل وجدانك يعيش بموسيقى وايقاع وفنون وآداب زمن غير زمنك؟ الهوان السياسي والخلل الاجتماعي الحاد سببان وجيهان ولكنهما لا يكفيان مبررا لحالة النوستالجيا المرضية التي تملكك، وكنت سأجدها مبررة في حالة من يعجز عن فهم عصره وعلومه ومستحدثاته، فيهرب للماضي لعدم قدرته العقلية على استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل، وهي حالة السلفيين برأيي، الذين يدعو بعض دعاتهم لتكديس مخزون الحديد وتربية الخيول حتى تكون لدينا مقومات معركة آراماجدون التي ستقوم قبل نهاية العالم وبعد ردة بشرية موهومة يزعمونها ونراها متناقضة مع النص القرآني قطعي الثبوت والدلالة، لكنني أزعم أن عقلي بحمد الله قادر على استيعاب منطق وعلوم عصره وعلى استشراف مستقبله، فلماذا الارتباط المرضي بالماضي؟ هل تكفي النزعة الرومانسية سببا للحياة في كتاب تاريخ؟ هل قبح زماننا مبرر للنوستالجيا لهذه الدرجة؟ تلكم هي المسألة
No comments:
Post a Comment