13.1.10

حتى لا تصبح مصر كلها نجع حمادي


اليوم وبعد الأحداث المؤلمة في نجع حمادي تنتشر فوضى الاقتراحات حول الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي .. الخ، ومعظمها يطلب (كالعادة وكما قلنا في مقالنا في 2008، والمنشور في كتابنا وجع الدماغ) تكريس الهوية الدينية للأقباط لتقابل تكريس الهوية الدينية الحالي للمسلمين، و هذا يحمل خطراً مستطيراً على المدى الطويل، فالأصل في الدولة المدنية أن الجنسية هي أساس المواطنة، أما الأديان المختلفة في المجتمع فثراء له بالاختلاف، على أن يقتصر دورها على توجيه سلوك الأفراد لا الجماعات، من خلال الحفاظ على علاقة وثيقة للفرد المؤمن بربه، لهذا أرى الحل في العودة بجرأة لخط المجتمع المدني، والذي يضمن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر للجميع، على ألا يتجاوز أحد حدود نفسه ليحتك بأنف الآخرين، وعلى ألا تهدر إمكانيات المجتمع في منافسات دينية كما يحدث اليوم، فلو أردت طرح حلول لأزمتنا الطائفية الحالية ستكون أطروحتي كالتالي

1) تأسيس هيئة الأبنية الدينية كهيئة مدنية مائة بالمائة، مكونة من خبراء مؤهلين في الإحصاء والعلوم الاجتماعية، ومهمتها المتابعة المستمرة والرعاية والصيانة لدور العبادة القائمة من مساجد وكنائس ومراقبة كفايتها لتعداد السكان من الدينين في كل منطقة سكنية، وتبسط هذه الهيئة سلطاتها على جميع مساجد وكنائس مصر إداريا دون تدخل في الشؤون الروحية، ولها اتخاذ قرارات بناء المساجد والكنائس وفقاً للاحتياج ولا يصرح لأية أفراد أو جهات أخرى ببناء دور عبادة، فعلى من يرغب في المساهمة في بناء مسجد أو كنيسة التبرع لهذه الهيئة، أما الإشراف الديني على المساجد فيكون للجان من علماء الأزهر كما يكون الاشراف الروحي على الكنائس للكهنوت الخاص بكل طائفة

2) يقتصر الهامش الإعلامي الديني في القنوات العامة المصرية على إذاعة مواقيت الصلوات الخمس والأذان ومواقيت الصلوات المسيحية، وتخصص قناتان للبرامج الدينية الإسلامية والمسيحية كل على حدة، مع مراعاة تخصيص وقت مناسب للمذاهب المختلفة في كل دين

3) إنشاء وزارة التكافل الاجتماعي والأوقاف كوزارة مدنية يتكون هيكلها من كوادر مالية وإدارية، وتبسط سلطاتها على جميع الأوقاف المصرية إسلامية ومسيحية، وعلى صناديق النذور والعشور في الكنائس والمساجد، وتلتزم برواتب العاملين بالإشراف الديني من الوعاظ ورجال الكهنوت، كما تتحول لملكية الدولة وتضم تحت هذه الوزارة جميع المدارس والمستشفيات والمنشآت الخيرية ذات الصبغة الدينية، فتخصص هذه الأصول كلها لأعمال التكافل الصحي والتعليمي للطبقات غير القادرة من المصريين

4) تعداد السكان من الدينين سيكون ضمن مهام هيئة الأبنية الدينية آنفة الذكر، والتي ستحتاجه لاتخاذ قرارات بناء دور عبادة جديدة

5) أما عن نسبة التمثيل الحكومي، فالكفاءة المهنية هي المعيار الوحيد للتعيين في مختلف الوظائف، ويفصل القانون واللوائح الداخلية معايير التوظيف لكل جهة اعتبارية في القطاعين العام والخاص، على أن يخصص بند في القانون الجنائي لتطبيق عقوبة جسيمة على كل من يثبت بحقه التمييز ضد مواطن مصري، لأي سبب من الأسباب، فحتى القطاع الخاص لا يجب تركه ليتحول لمنشآت طائفية

6) الديمقراطية والانتخاب هما المعيار السليم للتمثيل النيابي، كما يفضل الغاء مقاعد التعيين التي تغازل بها الدولة قضايا المرأة والأقباط، فلو أراد الناخبون رجلاً أو امرأة فلهم من أرادوه أيا كان دينه أو جنسه أو توجهاته، وتقع على عاتق المرشح وحده مسؤولية إقناع ناخبيه بصلاحيته وأهليته لتمثيلهم

7) المادة الثانية من الدستور حديث ذو شجون، فقد استمرت قضية إضافة نص يشير إلى مسيحية أوروبا في دستور الاتحاد الأوروبي قضية خلافية لأمد طويل حتى استقر الرأي على عدم اضافته، رغم حشد الفاتيكان كل طاقاته حتى يضاف، وكانت حيثية عدم اضافته أن الدستور يوضع ليحدد علاقات دول مدنية ببعضها البعض وبالأفراد في كل منها، وعليه فلا موقع فيه لذكر هوية دينية، ومع ذلك لسنا نرى في المادة الثانية بنصها الحالي بأساً ولا بغيابها على حد سواء، فلن تحدد هذه الفقرة هوية مصر

8) التاريخ القبطي، فمن حقنا جميعاً وليس الأقباط فقط أن تضاف حقبة تبلغ 600 عام من تاريخ بلادنا إلى مناهجنا، فليس من حق أحد أن يطمس أو يبرز في ذاكرة الشعوب، ولست أعتقد أن هذه قضية تواجه اعتراضا من أي عاقل، انما سيظهر الاعتراض على ما يوضع فيها بخصوص الفتح العربي، فهل سنذكر ما يحويه التراث القبطي من مذابح؟ أم ما يحويه التراث الإسلامي من ترحيب الأقباط بالعرب؟ أعتقد أن الاعتماد على مراجع معتدلة من التراثين كتاريخ ابن الأثير وكتابات يوحنا النقيوسي سيكون مفيدا في عرض صورة حيادية لا تبالغ في رصد فظائع، ولا تبالغ في تصورات ملائكية

9) الخطاب الديني يقتصر على المساجد والكنائس والقنوات المتخصصة وبدون استخدام وسائل تضخيم صوتي فيما عدا الأذان والأجراس، حرصا على تجنب سماع المواطن ما يخالف عقيدته ويجرح مشاعره الدينية، كما تنشأ بكل مدرسة قاعتين لتدريس الدينين الإسلامي والمسيحي، على أن تقتصر المناهج الدينية على مواضيع لا تحمل قضايا خلافية بين مذاهب الدين الواحد، فمن حق الطفل الكاثوليكي مثلا أن يدرس الخطوط العريضة للمسيحية دون الإشارة إلى الخلافات الكنسية

10) التعامل بمنتهى الحزم وبالعقاب الرادع مع من يتخذ من العنف وسيلة للتمكين لأهداف سياسية أو طائفية وبأية درجة

أعلم يقينا أننا اليوم نبعد عن تحقيق ما أقترحه هنا كل البعد، لكن هذا لا يعني عدم إمكانيته جزئيا، فليس ضروريا أن يطبق كل هذا في وقت واحد وبحذافيره، وإنما الخط الفكري العام للمجتمع والنسق الحضاري الذي نسير في ضوئه هو همنا، يهمنا أن يكون التوجه العام للمواطن المستنير نحو الدولة المدنية، وليس المجتمع المصبوغ دينياً، فالمجتمعات المصبوغة دينيا أصبحت شاذة في عالم اليوم، كجزر ضئيلة في محيط مدني، ويجب أن نتذكر دائما ونذكر من حولنا أن مصر ليست أفغانستان، ولا يمكن أن تكون!

2 comments:

Che Ahmad said...

متفق مع حضرتك تماما يا دكتور
مختلف بس مع النقطة التانية
تخصيص قناة للمسلمين واخري للمسيحين ، يبقي من حق البهائين المطالبة هما كمان بقناة رسمية من الدولة

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي شي
طيب وماله، وهل يمكنك أن تمنع أي نوع من الفكر، ياخدولهم تردد ويعملوا قناة ويقولوا اللي عاوزينه بس في اطار قناة متخصصة، يعني اللي يتفرج عليهم هو حر لانه هيعمل كده باراداته
ولا ايه؟
تحياتي وشكري للتعليق