- أنت لا تقتل من تكره، و لا تجدع أنف من تضيق به، فلماذا يجب أن تتزوج من تحب؟
- شعورك ملكك تماما، لكن تحول هذا الشعور لفعل مادي قد يؤدي إلى كارثة ، فانظر أين تضع قدمك
- الحب طاقة للبناء، و الألم قدرة للهدم ، كيف لشعب أن يبني مجدا لو كانت قدرة الهدم فيه أضعاف طاقة البناء؟
- فتاة الأحلام كرأس "ميدوسا" تظل هائما حتى تجده، و حين تنظر لعينيه، تفقد الحياة و تتحول إلى حجر
- تزوجت "ليلى" و جن "قيس"، تزوجت "جولييت" و انتحر "روميو" ، مازوشية الرجل مقابل واقعية المرأة ؟ أم واقعية الرجل مقابل مثالية المرأة؟
- الحياة قداحة سجائر معتمة، كل مرة تشعل سيجارة هناك احتمال ألا يتأجج اللهب، فاستمتع بالسيجارة التي في يدك قدر جهدك
- ما العمر إلا لحظة صدق، أو لحظة حب، أو لحظة مجد، فكم لحظة بلغت من العمر؟
- العلوم و الآداب و الخبرات تورث، لكن الحكمة الناتجة عنها جميعا لا تورث، و هذه هي مأساة البشرية
- نأتي للحياة بلا حكمة، و عندما تكتمل لدينا حكمة الحياة، نرحل عنها، فكأن الحكمة و الحياة ضدان لا يجتمعان
- الطريق للجنة هو طريقك لعملك أو لمن تحب، فبالعمل و الحب وحدهما تتحقق نجاة الإنسان
- لطالما كان تراث الآباء و الأجداد ذريعة للكفر و العناد
- لا يأت من كلام الله و لا من العقل عذاب للبشر، فالوكلاء المعتمدون للعذاب هم الحمقى من البشر
- الحب كالإدمان، حتى تقلع عنه يتعين عليك أن تترك كل ما ارتبط به من عادات و ذكريات
- فقط في الحب الوسطية غير ممكنة، إما جوع و إما تخمة، فالوسطية في الحب تجلب الجنون
- لقد جعلنا من لوحة الحب زينة لإطار الزواج، و مع الوقت نستغني عن اللوحة و نكتفي بالإطار فارغاً على حائط
28.6.08
كلمات ليست كالكلمات
25.6.08
طليعة التهافت
لست هنا في موقف الدفاع عن مطربة عصر السادات و صاحبة كازينو الليل "شريفة فاضل" فلست أراها أهلا للدفاع، لكنني مازلت أقتفي أثر المخالفات الشرعية في حديث الداعية العصري الأول، داعية القرن العشرين كما كان أصحابه يحبون أن يسموه، و من المعروف شرعا بالضرورة أن من يتهم أحداً بنقيصة في عفته فعليه أن يأتي بأربعة شهود، و إلا جلد لأنه رمى محصنا أو محصنة، و من قذف أحداً و لمز شرفه أو نزاهته بغير بينة أو شهود يحد أيضا بحد القذف، فانظر لقوله "شريفة فاضل إيه ؟ دا لا هيا شريفة و لا ابوها فاضل" فقد لمز شرف المرأة و أبيها و فضيلتهما، فإما أنه قصد العفة أو النزاهة، و في الحالتين فقد قذف بغير بينة و لا شهود عدول على واقعة محددة
فهل هذا هو علم داعية القرن بالشرع؟ و هل هذه خلق المسلم؟ حاشا لله، لكنه خلق المتهافتين على خلق الشعبية بأساليب لا ترقي كثيرا عن أساليب مسرح الهلس في السبعينات و الثمانينات ، سخرية من كل القيم و من كل الرموز، المهم، أن تحتشد سيارات الأجرة تحشد البسطاء من عين شمس و شبرا لسماع خطبة الشيخ الشتام، سبحان الله، كم تشبه الليلة البارحة؟
22.6.08
Leadership Quotes
- Leaders are neither born nor made, they are the fruits of principals and causes.
- Let performers do their job in peace for God sake, as far as you are on a ride, never entertain yourself nailing your horse!!
- Leadership crisis does not happen when none is leading. Factually, it happens when everyone is leading, A car even with a sleeping driver is less liable than a car with four hands on a steering wheel.
- During the course of my life, I have seen companies wherein everyone offers you a different business card. Despite it seems a triviality, it has a major indicativeness about consistency of leadership.
- Managing a medium-sized firm differs from managing a small firm, only as being the president of Austria differs from being the president of Montenegro. Changing your procedures will never be enough, you need to change your philosophy and traits.
- Loosing the global vision in the middle of a snow storm, is the first step toward an iceberg.
- Experience is not years, it is the wisdom you squeeze out of years. Therefore, Quran says ‘Those who are gifted with wisdom, are affirmly granted an amble value’
- Two teammates are doing the same task. Means we have a suspecious manager on top. A leader welcoming everyone to do everything, will surely live a day when he will have to do everything himself.
- Before all, teamwork needs a firm leader, who can draw, apply and defend boundaries for each team member.
- Since Abel and Cain people were different. Never think you have the masterkey to everyone’s interest.
Quoted By: Eyad A. Harfoush
21.6.08
السبت للإنسان
حكمة خالدة قالها السيد المسيح يوما فوق أرض فلسطين، لتكون برأيي واحدة من أعظم ما قيل من كلمات جامعة، تجمع حكمة السنين و الأجيال في كلمة واحدة "انما جعل السبت للإنسان ، و ليس الإنسان للسبت" (مر 2:23) كلمة تلخص كل معاناة البشرية عبر الأجيال، في الحياة الخاصة كما في الحياة العامة ، في الزواج كما في التعليم، في العمل كما في السياسة، في الدين كما في العلاقات الإنسانية جميعا، الفارق دوما بين الحكيم و الأجوف، هو إدراك هذه الجملة البسيطة حق إدراكها، بإدراك أن سعادة الإنسان هي الهدف الأسمى، و بأن كل ما عدا ذلك إنما هو وسائل لتحقيق السعادة، بإدراكنا أن الإطار، أي إطار، إنما غايته أن يحفظ الصورة و يظهر جمالها، فلا ننسى الصورة مع الوقت، و يصير الإطار مقدسا في ذاته ، و لكن، أليس هذا ما نفعله صباح مساء؟ دعونا نرى
17.6.08
تحية للرجل الجليل
15.6.08
أميرة في عابدين
بركة دعا الوالدين ليوم الدين
تحمينا من كل العدا اللابدين
بركة دعا الوالدين ليوم الدين
لعل أغلبنا يذكر هذه الكلمات الجميلة التي كتبها المتميز "سيد حجاب" و لحنها موسيقار الدراما العبقري "عمار الشريعي" الذي يضعك بموسيقى التتر و أغنية المقدمة في جو الإستقبال للعمل الفني تماما، ثم يختم كل جرعة فنية بأغنية نهاية لا تقل روعة، فنية المسلسل برغم جمال عناصرها ليست موضوعنا اليوم، و لكن محتواه الفكري النادر، لقد كانت فكرة الكتابة عنه موجودة بذهني منذ عرض، و أيامها لم أكن مدونا، و لا كان التدوين موجودا، ثم تأخذنا الحياة، حتى تذكرنا أحداث الحياة به، فأضع اسطوانة تحمل أغنيتيه المميزتين بسيارتي و أعيش معها قليلا، و تتداعي الأفكار تنادي بعضها بعضاً، حتى أراني اليوم أكتب عن مسلسل أذيع للمرة الأولى ربما عام 2002، لكن الفن و الفكر لا يسقطان بالتقادم لحسن حظ البشر
من الحلقة الثانية أدركت الرمزية السياسية الإجتماعية، و التي يجيد الرائع أبداً "أسامة أنور عكاشة" تضمينها بفن الدراما، رمزية عبقرية لخص فيها مأساة مصر السياسية و الاجتماعية التي نعيشها في تاريخنا المعاصر منذ السبعينات و لليوم، فهذه "أميرة" أو مصر، أو الجميلة بجمال مصر و بهائها، تلك التي تبتسم فيبتسم كل ما بوجهها، تماما كمصرنا، الفاتنة "سميرة أحمد" و هي بالمسلسل كانت زوجة لضابط بالجيش المصري، "رأفت" الذي يقيم معها في شقته العادية كشقق الأسر المصرية المتوسطة التي لا يمكنها سكنى القصور، و لا يهمها كثيرا سكناها، في حي "عابدين" الذي يحتل مع اسم "أميرة" أغلب عنوان المسلسل، فإذا كانت "أميرة" هي مصر، فحي "عابدين" التاريخي، و الذي كان رمزا للملكية لوجود القصر الملكي الأساسي به، ثم تحول رمزا للثورة بحصار الجيش للملك في هذا المقر الرسمي ذاته، فعابدين هو رمز المد الثوري الشريف ، الذي عادت مصر ممثلة في طبقاتها الشعبية تعترف بفضله و تترحم عليه، بعد طول العهد بالسعي في طريق الضلال الذي مهده قتلة الثورة و مغتالو الأحلام، أما "رأفت" الذي و إن كان متوسط الحال، لم يغمر "أميرة" بالماسات، و لم يزين وجه مصر بالنيون و الكباريهات، إلا أنه كان رجلا بكل ما بتلك الكلمة ثلاثية الحروف من زخم المعاني التي بتنا نفتقدها و نحن إليها ، رجل عاش بقيم الأسرة المصرية المتوسطة و الوسطية في كل شيء (زمان قبل الردة الوهابية) و مات لحماية هذه القيم، يوم مات شهيدا في حرب تحرير التراب الوطني، و التي كانت آخر محطات الأمجاد في حياة مصر ، الضابط الشاب كان رمزاً في العمل الفني للزعيم "جمال عبد الناصر" الذي تزوج من أميرته مصر بعمله الثوري عام 1952، ثم عاش بها و معها "زمن البراءة الجميل" كما تقول كلمات أغنية المسلسل، ثم خطفه الموت مبكراً، قبل أن يكتمل مشوار النضوج الوطني، و هنا يخلفه "عبد المنصف" الرجل الذي يدخل حياة أميرة بوعود المستقبل المبهر، و القضاء على تركة الماضي الثقيلة، و كل الغناوي التي صدع بها السادات مصر و المصريين في سنوات السبعينات الثقيلة ، و يندمج معه في العمل "جمال" الابن، ابن أميرة من الضابط الشهيد، و تفيق أميرة على كابوس الحقيقة ذات يوم ، فإذا وعود الرخاء الاقتصادي تنتهي بتهريب رؤوس الأموال للخارج، و نهب أموال البنوك، و هروب "عبد المنصف" رمز السادات و الفساد و التسلق و الانتهازية في آن واحد، و الذي يوحي اسمه بالكسوة الدينية التي كانت دولة "ابن ست البرين" تقوم عليها، في تحالفه القذر مع الإخوان المجرمين ، و عبوديته للأمريكان
في لحظة الحقيقة، عندما تنهار طموحات النهضة الإستهلاكية، و متاع الغرور التي باعها السادات للشعب الطيب، لا تجد أميرة غير شقة عابدين تؤويها، ثم تأتي ذروة الرمزية في المسلسل، الذهب، الذهب الذي كان زوجها الراحل المكافح قد أهداها اياه من كده، القطاع العام المصري الذي باعه الخونة بتراب الفلوس بعد أن ادعوا أنه خاسر، انصياعا لأوامر أمريكا، و هو رمز شديد الذكاء من المؤلف و السيناريست المتفرد، فقد حمى ذهب "رأفت" أميرة من الجوع و الذل، كما يحمينا القطاع العام حتى اليوم، من خلال عوائد بيعه الهزيلة و الشكلية و التي تقل عن قميته الفعلية، من كارثة اقتصادية محققة، القطاع العام المصري الذي نشأ و نما و تطور بطاقته القصوى في أربعة عشر عاما خصيبة أثناء حكم الراحل الكبير "جمال عبد الناصر" لبثنا نبيعه لمدة تربو على العشرين عاما، في الخفاء أولا ثم في العلن ، لتغطي به حكومات العجزة و قادة "أجيبلكو منين" عوراتهم الاقتصادية في صورة ميزان مدفوعات عاجز بعاهة مستديمة ، القطاع العام الذي سجل بشهادة البنك الدولي أعلى معدلات النمو و القوة الاقتصادية لمصر في تاريخها الحديث عام 1964 ثم باعوه بالبخس، بعد أن طبل عوالم النظام بادعاء خسارته في المجمل، و مارس "الإخوان المجرمون" دورهم الدياثي التقليدي في الحديث عن عدم مناسبة الإشتراكية لمباديء الاقتصاد الإسلامي! رضي الله عنك يا فتى غفار الشجاع، يا "أبا ذر" يا من كنت تصيح بصيحة الحق الإشتراكي في وجوه العتاة من بني أمية في أوج السلطان و السطوة ، نافيا مع غيرك من النجوم الزهر عن الإسلام أنه منحاز إلى الطبقات الطفيلية، و مثبتا لنا بالمرجعية الحقة أن المجرمين لا يمثلون إلا أنفسهم، و أن عداوتهم للثورة المحمدية الخالدة لا تقل عن عداوة بني أمية، الذين أئتمروا لتصفية الدين الحق بعد أقل من ربع قرن على وفاة نبيه صلوات الله عليه ، و ما عصرنا الذي نعيشه اليوم إلا امتداد طبيعي لعصر السادات ، و لأنه امتداد لمنحنى هابط، فهو أسوأ و أصعب و أقسى، و سيظل الحال هكذا، منسيء لأسوأ، حتى تعود أميرتنا مصر، إلى مكانها الطبيعي، إلى عابدين، فأين طريق العودة؟
الأميرات هن الطريق
عاشت مصرنا الحبيبة في الفترة من عشرينات القرن الماضي و حتى نهاية الستينات، حالة من الزخم الثقافي و الفكري و الحضاري، أجيال متطلعة نحو الحرية و النور و نحو مجتمع الكفاية و العدل ، و لم يكن تحرك الضباط الأحرار في يوليو 1952 خارجا عن هذا الاطار كما يدعي أنصار العودة للطرابيش، من العائشين في وهم أيام "جدو شقلط باشا" المزعوم و الموهوم، لقد كان "جمال" ورفاقه إفرازاً طبيعياً لمجتمع متطلع نحو الغد ، فكيف يمكن أن نعود على جميع المحاور لطريق الرشاد؟ هناك حقيقة ماثلة أمامنا في عصرنا، و هي الدور المتنامي للأم في تشكيل الوعي العام، و هذا في ظل انغماس الآباء في حالة العمل اليومي المحموم لتوفير مطالب الهوس الاستهلاكي اللا-متناهي، فعلينا أن نعد بناتنا، ليكن كلهن "أميرة" كالأميرة "سميرة أحمد" في رحلة عودتها لعابدين، فما هي مواصفات الأميرة المطلوبة؟ ما هي مواصفات بنت مصر كما تحتاجها مصر اليوم؟ حتى نعود لزمن البراءة، لا في ردة للخلف، و لكن في ثوب حداثي مستنير و متواصل مع العالم؟
- نريدها قوية بغير غطرسة القوة، معتزة بأنوثتها و أمومتها، في غير نعرة العداء للرجال، تنبع قوة شخصيتها من إيمان عميق بالمبدأ و القيمة، فلا تصبح قشة في مهب مجتمع يتغير للأسوأ كل يوم، و بلا تفكير، و ينبع إعتزازها بنفسها من إيمانها بدورها الحيوي و ليس الكمالي، الجوهري و ليس الشكلي
- عزيمتها و إصرارها لا ينضبان، فهذه هي العزيمة التي ستبث في كل أبنائها بنينا و بناتاً، رحم الله الراحلة الكريمة السيدة / نوال صقر، والدتي التي كنت أخجل من عزيمتها و هي في شيخوختها حين أقارنها بعزيمتي و أنا في شرخ الشباب، دفقة طاقة لم تخمد إلا قبيل وفاتها و في مرض الموت، هذه هي الأم التي تنجب الرجال و السيدات الذين نحتاجهم ( أليس من نكد الدهر أننا و نحن أعرق الأمم في الاعتزاز بالمرأة أخذنا عن العربان تفاهة الخجل من اسم الأم و ستره؟ حتى ان الأكثرية تترك خانته بيضاء في أية استمارة؟) عزيمة المرأة يا سادة هي الدافع المتجدد ليس لمستقبلها فحسب، و لكن لمستقبل زوجها أيضاً، فلا يحشد عزيمة الزوج قدر زوجة تشجعه ، و تدير حياته بما وهبها الله من ملكات
- نحتاجها و نشتاقها مثقفة عميقة الثقافة، كعمق الدكتورة "بنت الشاطيء" لا كسطحية "سكينة فؤاد" ، برقة و تهذيب "منى الشاذلي" و ليس في سخف منتدى الستات المقاطيع بقيادة الكابتن "هالة سرحان" لا أعاد الله أيامها ، فالثقافة إذا لم تؤت الحكمة كثمرة ضرورية، فلا خير فيها، و حين تتحلى بناتنا و بالتالي أمهاتنا بالحكمة، سيكن نبعا للمعرفة في زماننا، و يخرج من بوتقتهن جيل أكثر ثقافة، ليواجه غوايات الانحراف المتعددة، و ضلالات التطرف المتعددة أيضاً، فنحن نحتاج ثقافتها و ثقافة أبناءنا كصمام أمان حتى لا نجد أنفسنا أمام ابن مدمن، أو مسخ متطرف ممسوخ الجوهر و المظهر
- نريدها مؤمنة، و لكن بإيماننا المصري العريق، فتكون مسلمة على منهاج "محمد عبده" و "محمد الغزالي" و ليس على وهابية "عائض القرني" و لا سلفية "عمر عبد الكافي" الظلاميتين، أو تكون مسيحية على نهج الأنبا "كيرلس" و ليس على صرعة "مايكل منير" و طائفيته المقيتة، نريدها مصرية أنيقة المظهر بما يليق بالعصر، محتشمة بما يليق بالحرائر، مختمرة أو بغير خمار، فهذه أمور تقع في دائرة حريتها، فلا تفرض عليها و لا يفرض عليها العكس، فليست حرية المرأة في نزع غطاء رأسها، و هذه التيارات هي ما يعطي زخما اضافياً لظلام الوهابية، بحجة أن الكفرة يأتمرون على الإسلام، إلى آخر وجع القلب التقليدي
هذه هي المدرسة التي نحتاج لإعدادها حتى نعد شعبا طيب الأعراق نعود به لطريق عابدين، فكيف نعدها؟ لهذا حديث يطول، لكن بداية، فلينظر كل منا بعيني ابنته، و يسأل نفسه، ماذا تحتاج من الزوجة العظيمة؟ و ماذا تحتاج من الأخت الحميمة؟ و ماذا تحتاج من الأم الجليلة؟ و يحصر الصفات الجميلة التي نحتاجها ، و منها ما ذكرت هنا و منها ما لم أذكر، ثم يذكر نفسه أن في هذه الطفلة أمامه مادة خام لكل ما يحتاجه المجتمع من صفات، مقاومة الانحرافات الأخلاقية و التطرف الديني المقيت هو في التربية السليمة لهذه الطفلة الناشئة ، لا تقهرها، لا تهنها، لا تفضل عيها أخاً لمجرد صدفة الذكورة، لا تجعلها تخجل من أنوثتها، بل تعتز بها، لا تقل لها أن كلها عورة و صوتها عورة "و اللي يتشددلها كمان عورة" كما يقول أفنديات الفضائيات، لا تسأل أخاها ماذا يريد أن يعمل حين يكبر، ثم تستدير لها فتسألها من تتزوج من أقاربها ، حرضها على الثقافة كل يوم و كل ساعة، و قدم لها الدين الحق لا كما اتفق الأمريكان و السعوديون على تقديمه لنا في القرن العشرين، و لكن غضا كما جاء به النبي العربي في القرن السابع الميلادي
فهذا هو الطريق لكل شعب يريد الخروج من خارطة الشعوب المهيأة للإبادة .. هذا هو الطريق لكل شعب يريد أن يحيا
14.6.08
هاربة في منتصف الليل
و كرأس الحسين .. في طـبق "يزيـــد" ل
رجل توحـــــــــــــــــــد حتى من ذاته
و اختُصـــــــــــــــــــر في رأسِ عنيد
ينطق نزفاً .. يكتب نزفاً ..يعزف نزفاً
مجدٌ هو النزف في الزمــــــــــن البليد
بأهداب عينيه يدفع جيش الظـــــــــلام
فلا ذراع بكتفه و لا سيفاَ من حـــــــديد
لا هادن الرومان و لا لليـــــهود ابتهل
لا المال أغواه ... و لا البأس الشــديد
فلا هو صانع خوارج العصر القبيـــح
و لا بايع "جمالاً" صاحب القرد الجديد
طالت به الليالي و طال به النزيـــــف
و حين جاءت هي .. لمح الفجر الوليد
لعل أميرة الأحلام ترفق برأس وحيد
لكنها اختارت أن تبتعد .. فيظلم الفجر
و تضاف قصيدة نزف .. لديوان الشهيد
10.6.08
النسبية في القرآن
المعروف و المنكر .. النسبية الإجتماعية في القرآن
9.6.08
ميكي-ماوس و النسبية
عادة ما نربي أطفالنا على المفهوم الثنائي القطبي للخير و الشر، أحيانا بهدف التبسيط على العقول الغضة، و أحيانا لأن الأب و الأم مازالا قابعين في المرحلة الثنائية و لم يصحبا الكون عبر التبادلية و النسبية، لهذا ستجد العالم الرائع الذي نحبه جميعا في والت ديزني مؤسس و بخاصة في شخوصه التقليدية القديمة على هذا المفهوم الثنائي، ميكي و ميني و بندق خير، و دنجل شر، بطوط و أبناء أخيه خير، و عصابة القناع شر، ربما كان عم دهب هو النموذج الإنساني الوحيد بينهم، بطيبته تلك لتي يشوبها بخله، و الجميل أن الخير ينتصر في نهاية كل قصة و الشر ينال العقاب، مفهوم أخلاقي نبيل لتربية الطفل، و قد نتجاوز فنقول و المراهق كذلك، لكن عندما تستمر معنا عملية النمطية و القولبة الفكرية هذه لأبعد من هذا، تبدأ المشاكل ، و أحد الإشكاليات الفكرية و الإجتماعية الكبرى في بلادنا، أننا لم نصل بعد لمرحلة الانعتاق من النموذج الذهني لوالت ديزني هذا، لم نخرج من محدودية قوالب الخير و الشر ، إلى آفاق النسبية اللا-نهائية، سواء في فهمنا لأحداث التاريخ، للدين و التراث الديني ، للأشخاص العاديين و المشاهير من نجوم السياسة و الفن و غيرها ، فتعالوا لنرى بعضا من التطبيقات في حياتنا، و في الخلافات اليومية التي نراها في مناقشات و مساجلات الإنترنت
- نسبية المنظور و نقطة الانطلاق، لقد كان الحدث فتحاً عظيماً للدولة العربية الإسلامية الناشئة، فكان لها أن تسميه في كتبها و أدبياتها فتحاً، و ليس في هذا كذب و لا تضليل، و كان بالنسبة للبيزنطي غزوا بربريا من الصحراء يقتطع أطراف الامبراطورية البيزنطية الشرقية و يضعفها، و كان من وجهة نظر المصري صاحب الأرض احتلالا يزيح احتلالا، و كان لابد لهما في أدبياتهما من التعبير عنه كاحتلال، دون أن يكون في ذلك سوء نية نحو الإسلام و لا تشنيع عليه، فلم تكن تلك الموضة قد ظهرت بعد
- نسبية الزمن، فنحن نتحدث عن عصر الامبراطوريات، عصر لم يكن فيه للشعوب خيار السلام، فإما أن تحتل غيرك لتقوي مواردك الاقتصادية و تبني جيشا أكبر و تصبح قوتك متنامية، أو ترقد ذليلا في كنف امبراطورية تحميك مقابل أن تمتص هي بذاتها دمك و مواردك و تترك لك الفتات، فلم تكن امبراطورية بيزنطة شريرة، و لا كانت الخلافة الإسلامية شريرة حين تناوبا احتلال مصر، انهما دولتان عاشتا مصير الدول في هذا العصر بالاختيار الامبراطوري التوسعي ، أما مصر، فكانت امبراطورية شاخت فتناقصت ثم خضعت هي ذاتها كتابع للروم ثم العرب، كذلك هو زمن كان فيه التسامح الديني خرافة لا يؤمن بها إلا النفر اليسير، اما الجماهير فكانت ترى في الكافر (المغاير في العقيدة) أيا كان مجلبة للشؤم و الخراب، فتعاقبه بالموت، و لم تكن أيدي المصريين بريئة من قتل الآتونيين بعد سقوط أخناتون، ثم أصبحوا هم ضحية الاضطهاد الوثني ثم الملكاني
- نسبية الأخلاق، فعندما تتحدث عن جيش من 4000 مقاتل، ثم تتصور أنه من الممكن السيطرة على سلوكه في الدولة المفتوحة ، و طوال الوقت، ليكون نموذجا حرفيا لأخلاق الإسلام و وصايا الرسول في المعارك، فأنت على خطأ كبير، فليست هذه الآلاف الأربعة على نفس الدرجن من الدين أو الخلق أو الالتزام بوصايا النبي، كذلك حين تتصور هذه الآلاف وحوشا ضارية، تموج بمصر قتلا و سبيا و سلبا، ثم تتصور أن النتيجة تكون فقط تلك الأحداث التي سجلتها المخطوطات القبطية هنا و هناك، تكون في ضلال أبعد ، لان تصورك عن جيش من المخربين لا يواكب العدد الضئيل من أحداث التخريب التي سجلت ضدهم بصدق أو بغيره
مرحلة الاحتكاك و مرحلة التجانس، كالاهما حقيقة
كان طبيعيا جدا أن يقاوم المصريين الفتح العربي، و ليس معنى هذا كذب من قال أن المصريين فضلوا الحكم العربي على البيزنطي، ببساطة لأن المصريين ليسوا رجلا واحدا ثابت المواقف، بل شعب بأكمله، فيه من رحب ، و من قال من هذا لذاك يا قلب لا تحزن، و من قاوم من أجل مطالب عادلة، و من قاوم من أجل حرية بلاده، و من قاوم خروجا على القانون، نفس الخليط الطبيعي في أي بلد خاضع لامبراطورية ممتدة تحكمه بنوابها من الولاة ، و هناك مرحلة ساخنة استمرت أربع قرون بعد الفتح، حدثت فيها وقائع دمياط و سمنود في أثناء الفتح، تلتها ثورة الأشمونيين، و عصيان أقباط "قفط" ضد الدولة الأيوبية، مسلسل مستمر لا يمكن أن نصفه بسمن على عسل، و هذا طبيعي، و من لا يتوقعه فهو ساذج، و طبيعي أن تنتج هذه المرحلة أدبياتها الناجمة من الاحتكاك، مليئة برفض الآخر و كراهيته ، و مع هذا، فيجب أن نذكر أن الاحتكاك كان في أغلبه اقتصادي و اجتماعي الطبيعة بين دولة امبراطورية و احدى مستعمراتها، أما الدين فبقي في أغلب عهود الحكام العرب، عدا بعض الفلتات حرا بدون مساس بدور العبادة و الأديرة و غيرها
ثم بدأ التجانس يتصاعد من القرن الثالث عشر، حين تحولت العربية بالتدريج للغة كل المصريين ، خاصة بعد قرار تاريخي لرجل عظيم كان بابا الإسكندرية وقتها، بالسماح بإقامة القداس بالعربية في الكنيسة، ثم تحسن أكثر و أكثر مع رفع الجزية و ضم المسيحيين للجندية في عصر الرجل الكبير "محمد علي" و هكذا ، حتى وصل لقمة التجانس في القرن العشرين و حتى حكم ابن ست البرين كما أسلفنا في بوست سابق، فلا داعي للتكرار
تبادل الهوس الفرعوني
ضحك كثير، لكن مرير، كل ما أقرا ما يكتبه الطرفين عن الحضارة المصرية القديمة، و الفتح العربي، المتأسلمين يهاجموها لأنها كانت حضارة وثنية ، يااه كنا بهايم يا جدع و بنعبد الأصنام بس ربنا كرمنا الحمد لله ، كأن ماكانش فيه مرحلة قبطية في النص، ماشي، و يقولك أنا أتبرأ من الفراعنة، لا يا شيخ؟ انت مين يا بني؟ و حد قالك أن الرسول تبرأ من أبوه و جده أو ذكرهم بشر لانهم كانوا على دين آبائهم؟ لو مش معترف بوطن يا عديم العقل يبقى قطع الرقم القومي ، و رخصة القيادة و جواز السفر، و علق على عربيتك لوحات "ملاكي قريش" و لا هي طرقعة بق و قضايا هايفة تثار ع الفاضي و الأفضى منه ؟ جتكو البلا مليتو البلد ، و مايقلش عنه سخف اللي عامل مثقف و تقدمي، و هو لسة برده مربوط في المرحلة الثنائية بتاعة ميكي ماوس ، تلاقي الأمورة اللي المفروض انها مثقفة تقولك احنا مش عرب، دول ياي و بيئة خالص، و ده طبعا يعكس الخلط بين البداوة و العروبة، جهل يعني، و بعدين تقولك الاسلام قلل حضارة مصر و رجع بيها لورا، لا و الله؟ ماشي يا أبلة نفرتيتي، معاكيش تمثال لآمون علشان نصلي شم النسيم جماعة؟ و واحد تاني يقولك لو ماكانش الفتح العربي كان مصر بقت قطعة من أوروبا، بامارة ايه أنا مش فاهم، عموما و لا يمهك يا عم خفرع، صلي عالنيل بس انت كده و روق ، هانرجع تاني نقسمهالك فراعنة و حيثيين و فينيقيين و كلدانيين و عبرانيين و بلاد الغال و بلاد الفرس و ....... و هاقول ايه؟؟؟ مافيش فايدة ... غطيني يا صفية
8.6.08
انهيار برج بابل- 07-08-09
"وتذكرتك يا عالية .. وتذكرت عيونك .. آه .. يخرب بيت عيونك يا عالية .. شو حلوين" .. يستيقظ على صوت "فيروز" ينبعث من المحمول، فترتسم على شفتيه ابتسامة وهو يتمطى فاردا ذراعيه، إنها نغمة "ماري" الخاصة، يمد يده مبتسما ويلتقط المحمول فيحرر طرفه من سلك الشاحن ويرد ليسمع صوتها قائلة: صباح الخير يا كسول
- تمنيت قبل النوم أن أصحو على صوت "فيروز" من نغمتك الخاصة وبعده صوتك، أنشودتان متتاليتان كغناء الحسون يضمنان لي يوما سيمفونيا
- آه من الأكاديمي الشاعر، مزاج الشاعر اليوم مهيأ للغزل؟
- لأنه اشتاق إليك جدا ويحتاج إليك بلا حدود
- أهي الأحلام؟
- نعم، تعبت والأمر يزداد يوما بعد يوم
- وماذا تقترح؟
- ليس بجدولي محاضرات الأحد القادم، يمكنني القدوم للإسكندرية اليوم وأعود مساء الأحد، بودي لو قضيت أطول وقت معك .. فهل وقتك يسمح؟
يضحك ضحكة خافتة تردها بمثلها، وتقول: سأجعله يسمح
- رائع، سأهاتفك حين أشرف على الإسكندرية يا أعظم مستشرقة[1] في الإسكندرية وشمال الدلتا
ردت ضاحكة: لا توجد مستشرقات في الثغر غيري، الباقون كلهم في قاهرتك الخانقة
"ماري" .. المرأة الوحيدة التي فكر بالزواج منها ولكن لم تتحول أفكاره لبيت وأطفال وحياة، فهي الباندورا التي هبطت لحظة ثم طارت! وهذا قدر البشر، فليس كل ما يفكر فيه المرء يستطيعه وإلا لتغير وجه التاريخ، هي مستشرقة إنجليزية تعرف عليها في شيفلد أثناء بعثة الدكتوراه، كانت حينها محاضراً للغات الآرامية والنبطية والعربية القديمة في قسم اللغات الشرقية، رآها في المكتبة للمرة الأولى ثم تكررت جلستهما متقاربين عن غير عمد، فرفوف المكتبة التي ضمت المراجع العربية والآرامية كانت متقاربة بطبيعة الحال، وقارب هذا بينهما كأنه ذراع القدر، شدت انتباهه بجمالها وبساطتها ودأبها على المطالعة لساعات، فضلا عن وضوح انفعالاتها على وجهها وهي تقرأ على نقيض أغلب بنات جلدتها، ولفت هو انتباهها بعفة نظرته للفتيات مقارنة بمن قابلت من الطلاب العرب، وبمطالعته الطويلة وعادته حين يفكر فيغمض عينيه ويسند جبهته بيمناه، بينما سبابة يده اليسرى تنقر فوق الكتاب بلطف، مع تآلف الوجوه تعودا على تبادل تحية الصباح والمساء، وذات يوم كانت تجلس أمامه تماماً، وعندما قام ليلتمس كتابا ثم عاد ليجلس لمح في يدها كتابا مطبوعا بما بدت له إحدى اللغات السامية، لكنها ليست عربية ولا نبطية، فابتسم وهو يحييها تحية الصباح ثم أشار للكتاب سائلاً: أي لغة؟
- الآرامية .. السريانية تحديداً، لو أن "يسوع" سار على أرض جيروساليم في القرن الأول للميلاد فقد تكلم هذه اللغة[2] بلهجة أهل الجليل وقتها
- "لو أن"؟ يبدو أن لديك شكوكاً في هذا؟
قالها باسماً بود فشجعها على المضي في حديثها بغير تحفظ، أجابته بقولها: أنا لا أدرية[3]، قرأت كثيرا في الإسلام فضلا عن اليهودية والمسيحية، لكنني لم أجد برا أرسو عليه بعد
تداعت في رأسه الأفكار عن المذهب اللا أدري وهو يسمع جملة "ماري" ويتهيأ للرد عليها قائلاً: لا أدرية لأنك لم تتوصلي بعد للإجابة؟ أم لأنك ترين الوصول للإجابة مستحيلاً؟
- أي حقيقة في الوجود من الممكن إثباتها .. الحقائق بطبيعتها تتوق للإثبات
- فأنت لا أدرية من نوعي المفضل إذا .. باحثة عن الحقيقة
- بشكل ما نعم، وحتى اليوم لم أجد ما يقنعني بأي من الأديان الابراهيمية الثلاثة تماما، فالأساطير تطغى على الحقائق، أو ما يمكن أن يكون حقائق
- ولكن .. أليس طبيعيا أن تكون في مركز العقيدة نواة أصلية صحيحة، ثم تتراكم فوقها طبقات التفاعل البشري ككرة الجليد؟ فيصبح واجب الفكر والعلم هنا هو كشف النواة الأصلية وإزالة ركام العصور من فوقها؟
- لكن الركام في كثير من الأحيان أهم لأتباع الدين من النواة ذاتها، ولكن .. من الواضح أنك أيضا مهتم بالأديان؟
- "علي الإمام" طالب دراسات عليا .. أعد لدرجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي هنا
مدت يدها لتحتوي يده الممدودة في مصافحة واثقة، لطالما أحب الثقة والكبرياء في مصافحة المرأة الأوروبية على خلاف أغلب النساء العربيات، تمتد أيديهن لمصافحة الرجل في تردد وخفر متكلفين كأنها ستمسك عقرباً ساما! ابتسمت وهي تقدم نفسها بدورها قائلة: "ماري ماكسميليان" محاضر اللغة العربية بقسم اللغات الشرقية، وباحثة في اللغات السامية والأديان الإبراهيمية
- لي عظيم الشرف
- بل الشرف لي، جمعتني الصدفة السعيدة بعالم متخصص في دائرة اهتماماتي الفكرية، فما هو موضوع بحثك للدكتوراه؟
- الحراك الاجتماعي والاقتصادي في التاريخ الإسلامي ما بين الراشدين والأمويين ومروراً بمرحلة الفتنة الكبرى، موضوع معقد رفض في جامعة القاهرة وقبل هنا في شيفلد
- أثرت فضولي بمجرد العنوان، كأنك تقول لي أننا يجب أن نصبح أصدقاء، لكن .. جامعة القاهرة معناها أنك مصري؟
اتسعت ابتسامتها حين أجابها بالايجاب، فخمن أن الدوجلاس الصغيرة أوحت لها بهوية خليجية، لقد تعود هذا الخلط، ويبدو أنها كانت أحسن ظنا بمصر منها بغيرها لهذا اتسعت بسمتها، ثم فاجأته ناطقة بعربية سليمة: إذن يمكنني دعوتك على فنجان قهوة لأننا على أرض إنجليزية
أجابها بعربية واضحة المخارج راقت لأذنها: رفض دعوة مثقفة جميلة يعد دليلا على فساد الذوق، وأنا حريص ألا أتهم في ذوقي
ضحكت ضحكة قصيرة وهي تقول: هناك طفل من كل خمسة في الشرق يولد شاعراً، بعد كل هذه السنين من الدراسة لم أحصر شعراء العربية من الطبقة الأولى!
- الشعراء لا يولدون، بل يصنعهم الحوار مع الجميلات مع فنجان من القهوة
- مم .. واضح أن نزعتك الشعرية فوق المتوسطة
كانت هذه بداية أعظم علاقة صداقة يراودها الحب المستحيل في حياته، كان يصفها يقول أحياناً: هناك درجة من صداقة الرجل والمرأة هي في أحد جوانبها حب مستحيل، لأنه حب صادق فهو لا يموت، ولأنه مستحيل فهو ينزوي كعضو ضامر، ويتخذ شكل صداقة لا نستطيع العيش بدونها، هذه هي "ماري ماكسميليان" .. قول الحق الذي فيه يمترون
...
(8)
في انتظار القادم
...
قاعة المحاضرات الرئيسية في المؤتمر العلمي الثامن للتاريخ الإسلامي في الرباط، قاعة ذات جدران بيضاء تزينها منمنمات نحاسية، وتتسلل حزم النور من نوافذها الخشبية الصغيرة أعلى الجدران لتتخذ ألوان الزجاج الذي زينت به فتضفي جوا بهيجا على المحفل العلمي، كنت أعرض يومها ورقة بحثية أعددتها اثناء زيارتي البحثية في العراق بعنوان: "الإمام محمد المهدي تاريخيا"، وكان الحضور في القاعة كثيفا، ربما جذبهم النجاح الذي حققه بحث العام الماضي، والذي كان بعنوان "الجذور المصرية للعقيدة الدرزية"[4]، وتزامن عرضه مصادفة مع انعقاد المؤتمر في بيروت على مرأى ومسمع من دروز لبنان، فأعجب به بعضهم وكان للبقية رأي آخر تراوح بين الانزعاج العاقل والعداء السافر، وبفضل الفريقين من المعجبين والساخطين معا تجاوز بحثي المحفل الأكاديمي في ذلك الحين ووصل للصحف ورجل الشارع في بيروت .. وقفت خلف البوديوم، وبحكم العادة وليس الظمأ مددت يدي لكأس أمامي أرتشف منه جرعة ماء، ثم استأنف بعد المقدمة التقليدية قائلاً: لدينا فكرة متواترة طريفة في مختلف الحضارات، هي فكرة انتظار المصلح القادم في آخر الزمان لإنقاذ الكون قبل نهاية الدهر، فكرة عالمية مثلت حجر الزاوية في المعتقدات الإيسكاتولوجية[5] لمختلف الشعوب، فهي فكرة ذكية تعتمد على حلم جميل .. أمل عام في وعي الشعوب قوامه تصحيح مسار البشر بطريقة إعجازية قبل أن يسدل ستار النهاية .. حلم يواسي إحباطات البسطاء ويلهمهم الصبر والسلوان في كل العقائد، ففي الإسلام، يعتقد السنة بهبوط المسيح بين يدي القيامة ليقود جيشا من المسلمين، ويحكم الأرض بالعدل بعد أن يقتل المسيخ الدجال، كذلك يؤمن بعضهم بمهدي آخر الزمان، زعيم يولد من نسل الرسول ويكون اسمه "محمد بن عبد الله"، أما المذهب الشيعي الإثنى عشري فينتظر انتهاء الغيبة الكبرى وعودة "محمد المهدي" الملقب بصاحب الزمان ليقود جيش الحق، وفي المسيحية هناك عودة المسيح وإقامة الملك الألفي، ألف سنة يحكم فيها "يسوع" الأرض بدون شرور أو آثام، وبينما ينتظر المسيحي إقبال المسيح في بعثته الثانية، مازال اليهودي ينتظره في بعثته الأولى، ينتظر الميسايا ملك اليهود ويعتقد أنه لم يبعث بعد لأنه ينكر نبوة "يسوع" الناصري! وليس الأمر قاصرا على الأديان الإبراهيمية، بل سبقتها بعض العقائد في هذا المضمار، فللزرداشتية ينتمي أقدم نص على الإطلاق حول أحداث القيامة وأهوالها، نص يرجع لعشر قرون قبل ميلاد المسيح في "زاندي هيومن ياشت"[6] ويأتي فيه ذكر ثبات الشمس قريبا من الأرض، ونزع البركة من الأيام والشهور والسنين حتى تأتي مملكة العدل والحق، فيبعث "أوشيدار"[7] و"أوشيدارماه" و"سوشياند"، ثلاثة مخلصين يفصل بين كل منهم ومن يليه ألف عام، أما في البوذية فهناك نصوص عن انتشار الشرور والآثام في نهاية الزمان، حتى يظهر "ميتريا" بوذا المستقبل، فيجدد تعاليم بوذا في السلوكيات العشر المحمودة والسلوكيات العشر المذمومة، ثم لدينا الهندوسية التي تنتظر عودة "فيشنو" في آخر الزمان متجسدا في أقنومه العاشر "كالكي" ليقيم مجتمع العدل البشري، وأخيرا الميثرية التي تنتظر عودة "ميثرا"[8] ليقود جيش النور ويحكم الأرض ألف سنة بالتمام هو الآخر[9]، فالجميع إذن يا سادة في انتظار "جودو"[10]، واليوم ندرس معا أحد أشكال الانتظار من خلال بحثنا لتاريخية الإمام "محمد المهدي"، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الاثنى عشرية
تمهلت قليلا لأراقب رد الفعل على مقدمتي تلك، فلاحظت همهمات كثيرة، حرصت على نفي الطائفية عن بحثي حتى لا يفهم منه هجوم على الشيعة الإمامية، فاستأنفت قائلاً: الرؤية العقائدية لحياة الإمام المهدي لا تقتصر على المصادر الشيعية كما يظن البعض، فالعديد من المصادر السنية قالت بها، ومنها وفيات الأعيان والعرف الوردي للسيوطي ومروج الذهب للمسعودي والإتحاف للشبراوي[11]، وحياة هذا الإمام الغائب - مع وافر الاحترام للشق العقائدي والرمزي فيها – تفيض بالغموض والريب التاريخية، فكما هو موضح أمامكم بشاشة العرض، لدينا بعض الملاحظات على الرواية التراثية، ملاحظات تتساءل هل وجد "المهدي" من الأساس أم لا؟ والشك في الوجود التاريخي للمهدي ليس جديدا، فقد أنكر العديد من الباحثين مثل "هنري كوبان" أنه ولد من الأساس[12]، ومن المنكرين باحث شيعي إمامي هو الأستاذ "أحمد الكاتب"[13]، فأنا لم آتِ بأمر مبتدع، لكنني أطرح مزيدا من الأدلة المفندة للروايات التراثية، وطرح هذه الأدلة لا يعني بالضرورة نفي وجود الإمام تاريخيا، لكنه يلقي ظلالا حول قصته كما وصلت إلينا، فقد تولى "الحسن العسكري" الإمامة بعد والده "علي الهادي" لمدة ست سنوات، ثم مات فجأة عام 874م وهو في ريعان الشباب عن عمر ناهز 28 عاما، وتقر مراجع الإثنى عشرية[14] بأن "الحسن"لم يعرف عنه طوال حياته أنه تزوج جارية رومية أو تسرى بها، ولا أنه أنجب ولداً، وتبرر ذلك بحرصه على حياة طفله، وهذا قول تنتابه ريب، لأن خلافة "المتوكل" التي عاصرها الإمام "الحسن العسكري" كانت أفضل حالا في تعاملها مع أئمة آل البيت من خلافات سابقة ولاحقة، فالانتفاضات الشيعية التي أخمدت بحمامات الدم في عهد الخلفاء السابقين من عباسيين وأمويين تمت السيطرة عليها دون دماء في عهد "المتوكل"، والذي كان هيابا لسفك الدم المنتسب لعترة الرسول من العلويين ومن شايعهم، ولهذا انتهت ثورة "محمد بن صالح" عام 847م بسجنه ثم الإفراج عنه، ومثلها ثورة " يحيى بن عمر" عام 849م[15]، فلماذا لم يخُفِ أئمة سابقون أبناءهم رغم الاضطهاد بينما قرر "الحسن" إخفاء ولده رغم تحسن العلاقة بالسلطة؟ ومنذ متى اتقى أئمة آل البيت الأخطار بإخفاء أنفسهم وأبناءهم؟ لهذا نقول بأن تحسن العلاقة نسبيا بين السلطة والأئمة في عهد المتوكل يلقي بأول الظلال على دافع الغيبة الصغرى[16] ومنطقها، ثم تقول مصادر الإمامية أن أم "المهدي" كانت جارية رومية، أرسل "علي الهادي" من يشتريها من سوق الجواري ليتزوجها ابنه "الحسن"، وعين صفتها أن اسمها "نرجس"، وأنها ابنة "يوشع" قيصر الروم، وبغض النظر عن صعوبة تصور رجل يبحث عن ابنة قيصر بسوق الجواري، تكمن المفاجأة في عدم وجود قيصر بهذا الاسم في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية التي سماها العرب دولة الروم، كذلك تدعي الرواية التراثية أن "يوشع" هذا يتصل نسبه بأحد حواريي المسيح، فهل وجد فوق الأرض قيصر بيزنطي ينحدر من أصل عبراني؟ حتى يكون جده من الحواريين؟ لا، فقبل ولادة "المهدي" بجيلين وحتى عشرات الأجيال بعده كانت الأسرة الماسيدونية تعتلي عرش الإمبراطورية البيزنطية! ثم نأتي لأغرب الصفات التي اشترطها "الهادي" في جارية ولده، فقد اشترط جهلها التام بلسان العرب، فما هدف التأكيد على من كلف بشرائها ألا تعرف من العربية حرفاً؟ لا نجد هدفا مقنعا إلا أن يكون لسانها الأجنبي أمرا مطلوبا في ذاته حرصا على عدم افشاء سر خطير!
سيطر الاهتمام على وجوه الحاضرين في مجملهم، بينما ميزت وجوها علاها وجوم يشوبه غضب، لابد أنهم من الإثنى عشرية، فمع كونهم من أكثر الفرق الإسلامية اعتدالا في الفكر والفقه، إلا أن كل ما يتعلق بالغيبة لديهم تابو مقدس، تجاهلت تلك التفاعلات المتوقعة والتي أكاد أقول بأني تعودتها، وعدت لطرحي النقدي قائلا: ثم تقول الرواية التراثية بولادة "محمد بن الحسن بن علي" في ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان من العام 255 أو 256 هجرية، لكننا مع البرمجيات الحديثة نجد أن اليوم الموافق للخامس عشر من شعبان عام 255 هجرية كان الخميس وليس الجمعة، الخميس 28 يوليو عام 869 م، أما لو أخذنا بالاحتمال الثاني لسنة الولادة وهو عام 256 هجرية، فسيكون موافقا ليوم الثلاثاء 18 يوليو عام 870م، ففي كل الأحوال لم يولد الإمام يوم الجمعة كما حرص صانع الخبر أن يصور لنا لمكانة اليوم الخاصة عند المسلمين ولما جاء في الأخبار عن ولادة المهدي في يوم جمعة
فاجأني قيام أحد الواجمين منفعلا بغير طلب الكلمة في اقتحام لم يرق لي كثيرا، كأنه اكتشف سقطة يلج منها للهجوم على أطروحتي، فقال متحمساً: نعرف جميعا أن تلك البرمجيات تحتمل الخطأ بنسبة في حدود يوم كامل، فلماذا تفترض تهافت خبر ولادة "المهدي" يوم جمعة، ولا تفترض خطأ البرمجية التي استخدمتها، فيكون اليوم هو الجمعة بدلا من الخميس عام 255 هجرية؟
ابتسمت ابتسامة حاولت أن أضع فيها من الود ما استطعت وأجبت قائلا: قد تخطيء البرمجيات في حدود اليوم، لكن كم يبلغ معدل الخطأ في أخبار شفوية نتناقلها لأكثر من ألف ومائة عام؟ ما هو الأقرب؟ خطأ برنامج أم خطأ حكاية شفوية؟ ولنتذكر كذلك أن البرنامج منزه عن الغرض، لكن عندما يتعلق الأمر بأموال الخمس[17] التي طالما جمعت تحت اسم "المهدي"، يتعين علينا ألا ننفي احتمال الغرض في الأخبار، أليس كذلك؟
جلس السائل كاظما غيظه، لم أقصد لإحراجه، لهذا علقت بمودة لم تخلُ من حزم: قلت وأؤكد، لست هنا لأفند فرضيات فرقة لحساب فرقة، ولو كنت اليوم أنقد رواية من التراث الشيعي فلطالما نقدت روايات التراث السني، فأنا لا أصنف نفسي كباحث تاريخي والحقيقة التاريخية هي مطلبي ومرامي، فأرجو أن يتسع صدر الزملاء من الإمامية لبحث اليوم، وأنا أعرف منهم علماء أجلاء من أكثر الناس حرصا على الحقيقة العلمية وجرأة عليها
قلتها و أنا أنظر بوجه صديقي العراقي الشيعي الدكتور "كاظمي عبد الأمير" الأستاذ بجامعة بغداد والمتخصص في تاريخ العصر العباسي، فيبادلني النظر مبتسما ولسان حاله يقول: لا فائدة فيك .. ستظل تلعب بالنار دوما، لا شك عندي أن وصف العالم الحريص على الحقيقة يصدق أكثر ما يصدق في شخص "كاظمي" كما عرفته، لكننا كنا نختلف دوما حول مواجهة العامة بحقائق التاريخ فيما يمس معتقداتهم، كان هو يعارض هذا، ويقول أن مهنة التاريخ عندها تنقلب مهنة بحث عن المتاعب كالصحافة، وقد تنتهي مسيرة الباحث فيها بالقتل على يد متعصب جهول، فكنت أحتج عليه بقول الإمام "علي" رضي الله عنه "إن الحق ثقيل مريء، وإن الباطل خفيف وبيء"[18]
أنظر لعقارب ساعتي فأتعجل حتى لا أتجاوز الوقت المحدد لي وأستأنف قائلاً: أنكر "جعفر" أخو الإمام "الحسن العسكري" أن الإمام أنجب ولداً، فلقبه الإمامية بلقب غير مقبول لواحد من آل البيت هو "جعفر الكذاب"[19]! وفي هذا اعتراضنا الثالث على الرواية التراثية التي تطلب منا أن نكذب ابن الإمام "علي الهادي" وشقيق الإمام "الحسن" ونصدق واحدا من أتباعه هو " عثمان بن سعيد"! ثم نأتي للغيبتين الصغرى والكبرى، فالرواية التراثية تدعي أن "الحسن العسكري" مات وولده "محمد" له من العمر خمس سنوات، لم يره أحد خلالها، وحين مات الأب وأصبح الطفل إماماً لم يخرج من عزلته، بل اختار الاستمرار في غيبة صغرى كان له خلالها نقباء أربعة بالتتابع، ينقلون حاجات الناس إليه وينقلون تعاليمه للناس، فتاوى وأحكام وآراء، كان هؤلاء النقباء هم "عثمان بن سعيد" ثم "محمد بن عثمان" ثم "الحسين بن روح" ثم "علي بن محمد السمري"، واستمر هذا الوضع 74 عاما بالتمام! أي أن المهدي المفترض عاش حتى بلغ التاسعة والسبعين من عمره، ولم يره في هذا العمر المديد مخلوق غير سفرائه هؤلاء الواحد تلو الآخر! حتى مات "السمري" آخر نقبائه عام 944م، فدخل في غيبة كبرى يفترض أنه فيها ليومنا هذا حي يرزق! .. السادة الحضور، سأفترض تصورا من خيالي لسياق الأحداث، ولنر معا إلى أي مدى تبلغ منطقيته مقارنة بمنطقية الرواية التراثية، نحن أمام موقف دقيق وضع فيه الشخص المحوري في هذه القصة وهو "عثمان بن سعيد"، شخصية تجمع نقائضا بدورها، تقول بعض المراجع[20] إنه "عثمان بن سعيد الأسدي" وأن نسبه ينتهي للصحابي الجليل "عمار بن ياسر"، وفي هذا تناقض، فعمار بن ياسر عبسي! فهل صاحبنا "عثمان" أسدي أم عبسي؟ أم أنها محاولة لزيادة الثقة فيه بنسبه لأحد ثقات الصحابة؟ والآن .. دعونا نعود لصلب الموضوع، لقد خلق موت "الحسن العسكري" في ريعان الشباب بغير وارث للإمامة موقفا دقيقا، حيث تفيد الأخبار أن أخاه "جعفر" كان عاطلا من المواهب الكاريزمية اللازمة للإمامة وملأ الفراغ الروحي والسياسي الذي خلفه، مما مثل تهديدا بانقطاع الإمامة، وبالتالي انقطاع الخمس الذي يدفعه الشيعي للإمام لينفقه فيما يصلح أمر الناس كما يرى؟ فيصبح المذهب مهددا بانقطاع القيادة الروحية وجفاف الرافد الاقتصادي الذي يموله، فماذا لو أن "عثمان" فكر أن ينقذ الإمامة بفكرة ذكية؟ يبتاع جارية رومية –ونعلم من تاجر الرقيق أنه طلبها رومية لا تفقه من العربية حرفا ولا تنطق بحرف[21] - ثم يخرج على أتباع الإمام مدعيا أن إمامه المتوفي كانت له أم ولد منذ ست سنوات وأنجب منها طفلاً اسمه "محمد"، ويدعي أن زوجته هذه تعين أن تكون رومية وأن تكون ابنة قيصر ومن نسل أحد الحواريين وفقا لرؤيا رآها والده! ففي علاقتها بأحد حواريي المسيح مبرر روحي شديد الإيحاء لاختيارها أما للإمام! ثم يدعى صاحبنا قصة الغيبة الصغرى، وهي كذلك قصة ذكية جداً، وجاذبيتها كانت أسطورية للبسطاء، فلم يسمعوا لصراخ "جعفر" الذي نفى كل هذا، كذلك رأى "المتوكل" في فكرة الإمام الغائب ضمانا لعدم ثورة الشيعة ضده، لأنهم في الواقع بغير قيادة حقيقية، فانحازت الخلافة لفكرة الغيبة[22]، واستقر الأمر لعثمان على هذا، وجمع من الناس الخمس على هذا الأساس دهرا، ثم حضره الموت فأورث التركة الثمينة لابنه "محمد" من بعده، واستعان "محمد بن عثمان" برجل يدعى "الحسين بن روح" على جمع مال الخمس من التجار ووجوه الشيعة، وربما اكتشف "الحسين" السر عرضاً من طول مخالطة "محمد بن عثمان"، أو غير ذلك، فوكله "محمد" مكانه حين احتضر، ثم تلاه النقيب الأخير "علي السمري"، والذي أجاب من سأله وهو يحتضر عن النقيب بعده قائلا: الله بالغ أمره، ثم مات، لكن أحد الأتباع لم تعجبه هذه الخاتمة الغامضة، فظهر بعد وفاة "السمري" بمدة خطاب ممهور بخاتم الإمام الغائب يقول فيه "يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلب، وامتلاء الأرض جوراً"[23]
- أنت تتهم قطبا وعالما كعثمان بن سعيد بالنصب بغير بينة، وتريد نقض عقيدة راسخة عبر القرون بشبهات
هكذا اندفع ذات الرجل الذي قاطعني أول مرة وبنفس الأسلوب المقتحم، لأجيبه أنا في اقتضاب وود أقل هذه المرة: من يدعي وجود شخصية تاريخية هو من يتعين عليه التدليل على وجودها، الشخصيات غير المرئية تاريخيا نسميها أسطورية
سكت لحظة حتى أسيطر على حدتي، ثم استأنفت بهدوء: أنا أفند روايات تراثية بمقارنة تاريخية وطرح بديل، هذا منهج متعارف عليه وليس من اختراعي، فهل كنت تتوقع دليلا ماديا في شكل مخطوط بيد "الحسن العسكري" يقول فيه أنه لم ينجب؟ كيف للإمام أن يتنبأ بالتدليس عليه بعد موته؟ الأولى لو كان هناك ولد، أن يترك والده الذي أخفاه دليلا ماديا لأتباعه حتى يقروا بإمامة هذا الابن
أنهيت بقية محاضرتي سريعا في جو شابه التوتر، ثم عدت لمجلسي بجوار "كاظمي" الذي نظر إلي بود وقال: الناس يريدون التفاصيل، لهذا تخترع لهم التفاصيل اختراعا، لكن هذا لا ينفي وجود الحقيقة المجملة، الغيبة لم تكن خوفا من اضطهاد، بل اختبار إيماني، أن تصدق الإمام دون أن تراه، ألسنا نعبد الله بغير أن نراه؟
تأملت وجه صديقي بإعجاب ولم أجبه! حاصرني منطقه الهاديء المدافع عن اعتقاده أكثر مما حاصرني الغاضبون باندفاعهم و ..
...
وانقضى الطريق سريعا مع ذكريات الرباط، وهاهي بوابات الإسكندرية على مرمى البصر، اقتربنا من حيث لقياك يا نصف عقلي الحلو، هكذا همس "علي" حين لاحت بوابات الإسكندرية أمامه، ثم انطلقت من شفتيه أبيات قيس بن الملوح في جبل التوباد إذ قال:
تلكم الربوة كانت ملعباً .. لشبابينا وكانت مرتعـــا
كم بنينا من حصـاها أربعاً .. و انثنينا فمحـونا الأربعا
وخططنا في نقى الرمل فلم تحفـظ الريح ولا الرمل وعى
قد يهون العمر إلا سـاعة ... و تهون الأرض إلا موضعا
...
(9)
البانـــــدورا
عندما انتهى الطريق المتهالك وأشرف بسيارته على شاطئ أبي قير الرملي، كان قرص الشمس يذوب شفقا في الأفق، فأضاء الأنوار الكاشفة وهو يدلف بالسيارة يسارا على الشاطئ الرملي بمحاذاة البحر، ماراً على العديد من مطاعم المأكولات البحرية التي اشتهرت بها أبوقير، من أحدها علا صوت التليفزيون لتقتحم أذنه أغنية تقول كلماتها "حط النقط على الحروف .. قبل ما نطلع سوا ع الروف" فيغلق زجاج السيارة متأففاً، ثم يتراجع محدثا نفسه يسألها: لماذا التأفف؟ أليس لكل زمن ولكل مجتمع فنونه التي تعبر عنه، كنا في الستينات نغني "ابنك يقولك يا بطل هات لي النهار .. ابنك يقولك يا بطل هات لي انتصار .. ابنك يقول أنا حوالية .. الميت مليون العربية .. ومافيش مكان للأمريكان بين الديار" واليوم نغني عن "الروف" و"بابا أوبح"! وكل من تلك الأغاني ناسبت زمانها ومجتمعها ورجالها، فليس لنا أن نعترض على نصيبنا من الفن اليوم، لو جاز أن نسميه فنا! هكذا فكر وهو يتابع بنظره صف السيارات الواقفة عن يساره أمام المطاعم، عدد مفزع من السيارات الحديثة اللامعة، يذكر أنه يوم اشترى سيارته اليابانية التي يقودها منذ عشر سنوات قال له زملاؤه في الجامعة أنه لو استثمر علمه ومهاراته التعليمية –يعنون في الدروس الخصوصية وطباعة المذكرات غالية الثمن – لبدل سيارة فارهة كل عام، يومها أجاب قائلا: تأسرني العشرة ولا أميل للتغيير كثيرا، ولا أرى مجالا لأستاذ جامعي غير مدرج الكلية، ولن أطبع مذكرة لطلبتي كأنهم في الابتدائي، التاريخ مادة بحثية مفتوحة الآفاق ولا يدرس إلا بالبحث الحر والتنظير
الشاطيء مزدحم نوعا بزحام يوم الخميس التقليدي، تمنى ألا تكون الربوة مشغولة بغيرهما اليوم، فهو يحتاج لحوار هاديء معها لا يعكر الزحام والهرج صفوه، عندما قارب الشاطئ على الانتهاء لاحت الربوة، أو ما يحب أن يدعوها ربوة، وهي للدقة تبة رملية مرتفعة قليلاً يقع أسفلها مقهى ومطعم النورس، مطعمه المفضل في أبي قير .. حين رأى أحد نادلي المطعم سيارته وتحقق منه داخلها، اندفع نحوه مرحبا فابتسم "علي" بود وهو يرد تحيته سائلا عن حاله وحال أسرته، أجاب النادل حامدا الله كعادة المصريين في السراء والضراء، واستأذن لحظات ليعد له جلسته "الملوكي" فوق الربوة، وخلال لحظات بالفعل كان النادل النحيف الذي يرتدي زيا رياضيا أحمر عليه شعار النادي الأهلي قد أعد جلسة منعزلة فوق الربوة، بسط قطعا من الكليم، ووضع فوقها طاولتين متلاصقتين نصب فوقهما مظلتين، ثم علق بأحدهما مصباحا كهربيا وبالأخرى صاعق ناموس، بسط مفارشا بيضاء نظيفة على الطاولتين ورص حولهما أربعة كراسٍ معدنية لامعة ذات كسوة جلدية حمراء أخرجها للتو من الكشك الخشبي خلف المطعم، ثم أشار له ليتفضل، غادر السيارة منتعشا ومبتهجا بالجو والتطلع للقاء افتقده كثيرا، رفع يمناه شاكرا للنادل وهو يجلس، ولم تمر لحظات بعد جلوسه حتى كان كوب زجاجي مترع بالشاي الأحمر يوضع أمامه ويتصاعد منه البخار، والشاي الساخن مشهد شهي حين يميل جو الإسكندرية للبرودة، صب لنفسه كوبا من الماء من زجاجة زاد البخار المتكاثف على سطحها من عطشه بينما النادل يسرع للكشك الخشبي خلف المطعم ويعود حاملا جهاز كاسيت قديم أسود اللون، وضعه على أحد الكراسي الخالية ثم اتجه إليه سائلاً عم يحب سماعه، اختار أغنية "الحب كله" من بين ما ردده النادل على سمعه من أغاني كوكب الشرق، وبعد لحظة كانت "ثومة" تملأ الجو بصوتها الأسطوري، صوت الشجن والنشوة وهي تقول: واسقيني واملا اسقيني تاني، من الحب، منك، من نور زماني .. اسقيني ياللي من يوم ما شفتك حسيت كأني اتخلقت تاني
ينظر "علي" في ساعته ثم يسترخي في مقعده متأملا البحر، ما زال أمامه نصف ساعة قبل وصولها، ليتها تصل مبكرة فترى الشفق الذي تحبه، هكذا تمنى وهو يرشف كوب الشاي الساخن، يضيق صدره قليلا من رطوبة البحر، إنها حساسية الصدر السخيفة رفيقة عمره، يخرج بخاخا موسعا للشعب الهوائية من حقيبته السوداء الصغيرة التي لا تفارق كتفه، فيستنشقه ثم يستقبل نسيم البحر بشهيق عميق ومتعة روحية غير متناهية .. يستدعي خليج أبي قير لذهنه دوما صورة الحملة الفرنسية، والمغامر العسكري العبقري " نابليون بونابرت"، علت شفتيه ابتسامة حين تذكر صورته بالزي الشرقي بعد أن ادعى الإسلام! وقد زادت العباءة والعمامة قصر قامته ظهورا، كيف فطن الفرنسي لمدخل التقرب الديني عظيم الجدوى لدى الشرقيين؟ لعل هذا هو الفارق بين العظماء والمجهولين من البشر، القدرة على قراءة الواقع وتحليله والنفاذ منه إلى الوسيلة التي تحقق الهدف، لم تلبث ابتسامته أن فترت بينما تستدعي ذاكرته خطاب "نابليون" الذي وجهه لأهل مصر بواسطة علماء الأزهر! فقال فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله إلا الله، لا ولد له ولا شريك في ملكه، قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطة فطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني أدام الله ملكه، أدام الله إجلال السلطان العثماني، وأدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، ولعن الله المماليك أعداء السلطان، وأصلح حال الأمة المصرية"
وهكذا فالإجلال للمحتل التركي والغازي الفرنسي، أما الأمة المصرية فغاية ما يرجى لها صلاح حالها على يد العارف بالله "بونابرت"، والذي تسمى في ثوبه الجديد باسم يناسبه هو "عبد الله باشا بونابردي"! وصلى الجمع في المساجد، ومشى في الأسواق بحرس قليل، فمن أوحى له بخطة العلاقات العامة الجهنمية تلك؟ من يعرف كل هذه المفاتيح لتخدير الثورة ضد الغزو غير خائن مصري؟ أو متعاون مصري بلغة عرَّاب الخيانة؟ فسواء "تاليرون" وزير خارجية فرنسا الذي نصح بالتودد للمسلمين في خطته أو "شارل ماجلون" القنصل الفرنسي الذي اقترح الحملة، لم تكن مداركهما لتعي الثقافة المصرية بهذا العمق لولا تعاون من عميل محلي، رجل يعلم يقينا أن المصريين يقبلون حكم الترك لأنهم مسلمون، فلماذا لا يحل الفرنسيون محل الأتراك لو ادعوا بأنهم كذلك مسلمون؟ .. نفس المنطق الذي عمل به الجنرال "مينو" لاحقاً، فعندما قتل "سليمان الحلبي" الجنرال "كليبر" لاستهانته بالمقدسات ودخوله الجامع الأزهر بالخيول قامعا ثورة القاهرة، خلفه الداهية "مينو"، فصدق على إعدام "الحلبي" بالخازوق بعد حرق يده اليمنى، وأمر بتركه على الخازوق في موضع يقال له تل العقارب حتى تنهشه الجوارح، ثم ارتد على عقبيه فأعاد حقن نفس المخدر في عروق مصر الثائرة، وإذا بالجنرال الفرنسي يهده الله فيسلم ويحسن إسلامه! بل ويسمي نفسه "عبد الله جاك مينو"، ويزيد فيتزوج ابنة واحد من أعيان رشيد، ولتكتمل التراجيديا ينجب منها ولد فيسميه "سليمان"، ويقنع من حوله أنه اختار الاسم تيمنا باسم الشهيد الحلبي الذي ندم على إعدامه! فطن "مينو" للعبة الإسلام السياسي القديمة، وفهم أن الأمويين والعباسيين دجنوا الفقه الديني ليوافق حكمهم، فجعلوا الخروج على حاكم مسلم أيا كانت جرائمه خروجا عن الدين وحرابة يعاقب فاعلها بالقتل، فالمسلم لا يشق طاعة حاكم مسلم، إن أحسن الحاكم المسلم فله الأجر وعلى الرعية الشكر، وإن أساء فعليه الوزر وعلى الرعية الصبر[24]، فقط الصبر! فلماذا لا يستغل الجنرال الفرنسي هذا لإضفاء شرعية على الاحتلال؟ شرعية توفر عليه الكثير من الدماء والأموال[25] بمجرد أن يشهر إسلامه؟
توقفت خواطره التاريخية حين لمح طيفا محببا يتقدم نحو الربوة، فعاد للحاضر وعلت شفتيه ابتسامة ليست كابتسامته في كل حين، ابتسامة يكاد يضيء معها وجهه، تلوح له بيديها فيرد ملوحا، وتقبل نحوه بعودها الممشوق الريان في بنطلون أبيض رقيق يناسب لون الحذاء الرياضي، وتي-شيرت أزرق فوقه جاكت خفيف من كتان رمادي فاتح، وقد أرسلت شعرها الأسود اللامع كإطار عبقري حول وجهها الثلجي المشرب بالحمرة، حتى في ملامحها قاربت "ماري" باندورا خياله! كانت "أم كلثوم" في هذه اللحظة تشدو بقولها: "يا أرق من نسمة .. وأجمل من ملك .. إنت روحي وكل عمري .. ونور حياتي .. يا حياتي إيه أنا بالنسبة لك؟" .. نعم .. إيه أنا بالنسبة لكِ أيتها الجميلة الرشيقة؟ أجمل عالمة رآها، أو أعلم جميلة، يأتيه صوتها وقد اقتربت قائلة: الصيف ودع آخر أيامه ومال الجو للبرد يا عاشق الهواء الطلق
تتجه نحوه مصافحة، ثم تجلس على الكرسي أمامه وتتم جملتها ضاحكة: مازلت تخشى قبول دعوتي للعشاء في بيتي حتى لا تفترسك الإنجليزية الشريرة وتنتهك عفافك؟ شرفة شقتي في هذا الوقت من العام قطعة من الجنة
أجاب وهو يحيط وجهها بنظرات من عينين حانيتين وابتسامة رضا تعلو شفتيه: أي مكان تحلين فيه جنتي، وليت الإنجليزية الشريرة افترستني منذ الأزل
قالت وهي تشعل سيجارة من علبته، وتتسع ضحكتها الحبيبة لقلبه: بعد أن تتزوجك طبعا .. افتراس شرعي
- بالضبط .. لكنها رفضت
قالها مبتسما، لكنها أجابت وقد فترت ابتسامتها: تعلم أن موضوع الرفض هذا يثيرني فضلا عن كونه غير صحيح
أجابها في تغيير ظاهري لموضوع الحوار: هناك شاعر فلسطيني اسمه "محمود درويش" كان ..
- لست سائحة أمريكية، أعرفه ولدي بعض دواوينه
- لا أتعجب لهذا، المهم أنه وقع يوما في هوى فتاة اسرائيلية وحال بينهما الصراع العربي الإسرائيلي، فكتب قصيدة قال فيها: "بين ريتا وعيوني بندقية .. والذي يعرف ريتا ينحني .. ويصلي لله في العيون العسلية" أظن بإمكاني أن أنسج على منواله فأقول: بين "ماري" وعيوني عجرفة وجودية .. والذي يعرف "ماري" يرى نور الإله بوجه المجدلية"
بدا التأثر واضحا على نظرتها، فعاجلها بقوله: لابأس .. كفانا مشاكسة اليوم
نظرت له وابتسمت وهي توميء برأسها متجاوزة الموقف الذي ظلله الشجن ، التفت مناديا النادل، ثم ما لبثا أن عاد كل منهما لشروده، تنتابه خواطر وذكريات، أدرك "علي" في العام التالي على تعارفهما أنه يحبها ويتمنى الحياة بقربها، كانت نموذجا لباندورا خياله، لا يعيبها غير روحانيتها المحدودة، رغم رهف روحها وجيشان عاطفتها، لكنه تنازل عن هذا أمام تفاهم وتناغم سرعان ما تطور بينهما، كان يعرف أنها تخطط للإقامة بمصر حتى تتم دراساتها الاستشراقية، فتقدم لها يطلبها للزواج، وفوجئ مفاجأة مؤلمة في تلك الليلة الباردة التي طمسها الضباب حين أجابته برفض رقيق، سألها شغوفاً بمعرفة السبب الذي يحول دون سعادته، فقال: كل شيء خلال الشهور الماضية كان يقول أنك .. أعني
- أحبك، لن أخجل أن أقولها أيها الشرقي الذي يستأذن ليقبل حبيبته .. أحبك ولا أخجل من هذا، بل لعلي فخورة به، لكن سبب الرفض لا يتعلق برغبتي أنا
- سأصعق لو كان سببا عنصريا
قالها مازحا بمرارة، ولدهشته أجابت بما هو أغرب من العنصرية، قالت متلعثمة من حرج الموقف وألم الذكرى: لم تبتعد كثيرا، فالسبب ديني
أجابها وقد اتسعت عيناه دهشة: لأني مسلم؟
- ولو كنت مسيحيا لما تغير الأمر، أنا على عهد مع أمي التي فارقت دنيانا منذ ثلاث سنوات
تهيأت لتقص عليه قصتها، فملأت صدرها بشهيق عميق تستجمع خلاله شجاعتها، ثم قالت: كانت أمي مثقفة وجودية[26] متطرفة، وعلى النقيض كان أبي انجيليا متشددا، تحابا في الجامعة وتزوجا قبل أن تتبلور شخصيتيهما، ربما جعلهما هذا أكثر تطرفا، فكل منهما كان يتصرف وكأنه في حالة حرب مع الآخر للحفاظ على هويته، فالآخر أقرب إليه من أنفاسه، ولهذا يحتاج لرفضه بشدة حتى يحتفظ لفكره بحدود آمنة، وهكذا فشلا في إقامة زوجية ناجحة، كان أبي متسلطا بما يكفي لتطالب أمي بالطلاق منه، لكنها لم تفعل، الانفصال كان من شأنه أن يعرضني أنا وهي لهزة مالية عنيفة، فتحملت كل شيء لأجلي .. ولأنها كانت تعتقد أن التربية الدينية هي ما أفسد عقل أبي، طلبت وعدي وهي على فراش الموت ألا أربط مصيري برجل يؤمن بقوى خارجة عن ذاته، بأي رجل يؤمن بإله .. طلبت وعدي .. ونالته
أجاب مشدوها من المنطق العجيب: هل أنت جادة؟
- أترى وفائي بالعهد لأمي الراحلة أمرا تافها أو هزليا؟
- بل حكم الموتى للأحياء هو الهزلي، وأغرب منه تقييم الإنسان ورفضه مقدما لأنه يؤمن بالله! هذه ليست فلسفة وجودية .. بل تطرفا فكريا
- لا علاقة لطلبها هذا بفكرها الوجودي، ولكن بمعاناتها مع رجل تعود أن يبيح لنفسه مايريد، بعد أن يجد له مظلة دينية تقبله مهما كان شائنا وغير أخلاقي ، تصور رجل كهذا مع مثقفة واقعة في غرام معتقداتها الفكرية ومثاليتها لأبعد حد
أفاق من الذكرى على صوت النادل الذي حضر ملبياً، فابتسم وهو يشير نحو "ماري" قائلاً: سيدة الحفل تختار الطعام للجميع