7.2.10

شداد وبهية


سيرة بهية وشداد .. على الرباب تتقال وتنعاد

قال الرواي يا كرام الوادي، ولا يحلى القول غير بالصلاة ع النبي الهادي، كانت بهية صبية مليحة وزاهية كما الورد نادي، أضوى من وش القمر، وأدفى من ضحى الشمس، بسمتها نور الصبح، وخدودها ناعمين ومرويين كما غيطان القمح، تتبسم يبانوا غمازتين، يصبح عليهم نسيم الصيف ببوستين، يفتح العشق فوقهم وردتين اتنين، أما كريم الخصال فزي ما تقول قول، وصلي لما تقول على النبي الزين، لكل هذا يا كرام كانوا عرسانها طابورين، نحَّاس أفندي خوجة العربي، أبو الطربوش الأحمر والحبارات فوق الاكمام، يطلب إليها القرب ترد وتقول له: كلك كلام ف كلام، وعودة السني صبي البقال يعد السحت ع السبحة والاسم تقوى ودين، يقولها: أكمل نص ديني تقوله: عارفاك قليل الدين، ويوسف التلميذ أبو القميص أحمر، يطلبها تقوله: بكرة يا شاطر تكبر

وهكذا يا كرام، لأ يا عم .. لأ يا خال .. لأ يا واد، لحد ما آن الأوان والمولى راد، شبكها شداد الحداد، فتى منصان أسمر طويل مهيوب، راجل صعيدي حر، الدم حر والقلب حر واللسان حر، والكف وقت اللزوم حر، ويعدل المايل، خلاصة القول وكلمة وردها، كانت بهية لايقة له وكان لايق لها، هي مهرة عفية وهو فارس قدها، همام وراكب حصان الجسارة، جدع فجومي مايحسبهاش مكسب وخسارة، يكسب قوته بعرق جبينه وعمل ايديه، يحمد ربنا الرزاق ويترحم على والديه، وببركة دعاهم الخير يفيض ويزيد، يبني الفتى عزه من عزمه اللي صهر عزم الحديد

بيت شداد
بهية كانت زينة ونوارة، والهمة لازمة لمين يطلب قرب الأمارة، بنى لها شداد بيت على أول الحارة، ومن جماله كانت الخلق محتارة، وكانت الدور بتتدارى، بناه الهمام بإيديه ويا ولاد عمه، ببركة المال الحلال وبركة دعا أمه، ولما الدار بلغت الكمال .. قدم الشبكة لبهية كردان دهب عشرين متقال، رسم عليه مطرقة وتلات نجوم وهلال، وحان الحين السعيد، دخل عليها الفتي ف ليلة عيد، اتلمت الأحباب ع العرس في الصوان، وشالها عريسها من أول الحارة بدل الحصان، لحد عتبة سريرها النحاس أبو عمدان، وع الحيطة فوق السرير، بدمه كتب اسمها فوق بياض الجير، ومرت الأيام ما بين نسيم وحرير، عاشت بهية ويا شداد في تبات ونبات، ولو ف يوم بكت ما كان يخلي دمعة على خدها تبات، صحيح كان شداد عنيد وشديد، لكنه كان حنون القلب عف اللسان والإيد، لو في يوم منه زعلت كان الحنان يفيض ويزيد، على خدها يطبطب ويدادي، بيده اللي من تحتها لان الحديد

لكن .. الزمان .. آه م الزمان، قلاب وطبعه مش طبع أمان، ولأن شداد كان حر، كانت كلاب السكك من طلته بتهر، والحقد ف صدورهم زي نار بتقر، أولهم مرابي يهودي واسمه منسي، كان شداد حالف عليه لا يصبح ولا يمسي، وتانيهم حجازي اللي دكانه قبل الميدان، بقال ضلالي يغش ف الميزان، وشيخ طريقة وله في المولد خيمة وصوان، وعينيه م التقوى والإيمان قال دبلانين، ودقنه تفرش على فدادين، مرافق ريتا الخواجاية وكل ليله للصبح سهرانين، البقف ساكن عندها ف البيت، ومن البجاحة يقول للناس: أصل أنا حماية، خلاصة القول، في يوم صبيه عودة عاكس بهية بعد ما صارت مرات شداد، وكان اليوم، كأنه كان دبور وعلى خرابه زن، سمع شداد بالخبر قال: اشهدوا أن العويل اتجن، مسح به شداد بلاط الحارة ف عز الضهر، وآخرة البهدله شاله هيلا بيلا وقعده فوق نار الكير، وبعد ما انشوت اليته طفاه في قلب الزير، يومها بعد العشا جه معلمه حجازي يقعد ع القهوة، مالحقش يقعد ولا طلب قهوة، انشقت الأرض وطلع شداد على سهوة، نتفله شعرتين من دقنه ولبسه الطربوش مقلوب قصاد الخلق ف الحارة، وقال له: يا تأدب صبيك يا مالكش بينا لا عيش ولا تجارة، أما تالت الكارهين فكان عواد صبي شداد، أيوة صبيه والصبي كياد، برغم بوس الايدين وعجين الفلاحة لشداد، كان اللئيم م الحقد كبده نار تنقاد، وف يوم أغبر حزين، جمعت ريتا الرومية التلاتة عندها ف البيت، ماهو اليهودي ابن خالها وحجازي رفيقها وعواد مرسالها للأنطاع، التقى الأندال عند القحبة واتفقوا على شداد، حجازي دس عشرة جنيه ف ايد عواد، أما اليهودي فجابله سم من برة، يدسه لمعلمه ف الشاي وتنقضي الحضرة، وف ليلة غبرا تم المراد للئام، شرب الفتى شاي من ايد صبيه الندل، وكانت الشربة، ومات شداد، وياما ناحت بهية وولولت، لكن .. من امتى خلى العديد اللي انقضى ينعاد؟

بوتيك عواد
عواد صبي شداد كان فلاح منوفي وباع أرضه، عطف عليه شداد لما لقاه غريب غلبان واقع ف عرضه، وعلمه الصنعة على قد جهده والعلام ما يفيد، حاكم عواد كان هزيل العود عليل الايد، بعد وفاة السبع بيومين جه لبهية وقال: يا بنت الناس راح اللي راح، نفتح الورشة ونأكل عيال شداد، علشان في تربته يرتاح، رسمها رسمة شر وخالت المكار، آمنت بهية القط على مفتاح الكرار، فما مر عام، إلا وكان ناهب من الورشة كل الريع، من الشح جوع عيال شداد وجه لبهية يقول: الورشة عليها ديون للمرابي تهز، شغل الحدادة ما عاد يفيد ولا يلذ، إيه قولك أسد دينها من جيبي ونفتحها ترزي أفرنجي ولا بوتيك ونغرق عز، بس الشرط تقبليني ف بيت أخويا زوج، شداد أخويا كان وأنا عواد، فوق الراس اشيلك وأصبح أب للأولاد، آه يا زمن عواد، يابو الكلاب تورث تخوت الأسود والشمع لها ينقاد! رضيت بهية الخايبة بالعبد بعد السيد، وبعد عترة الحتة عقد عليها قليل الذمة عويل الايد، واسمك يا شداد اتشال من على الورشة، وكتب صبيك عليها "بوتيك عواد"، ومر اليوم وراه اليوم، وبهية تستنى العز اللي قال عليه عواد، والعز رايح لعب ريتا بدل بطن الولاد، ما هو أصل ريتا محروسة م العين، ضمت تنتون لتنتن وبقالها في الحارة بعد الرفق رفقين، ومر اليوم وراه اليوم، حرم عواد على بهية وعيالها يذكروا بالرحمة سيده شداد، وقال: لميتكم بعده يا جعانين، ده كان يشاكل طوب الأرض ويعادي كل المعلمين، وصارف معاشكوا ع الصيع والشحاتين

كان خالد أكبر عيال شداد ولد زين، م العمر عنده عشر سنين، لكنه فارع زي أبوه ومتين، يسمع كلام الندل جوز أمه يتقهر ينهار، يبكي الغلام وف قلبه تقيد النار، لحد ما ف يوم كان عواد حالق ومتعايق ومتزوق، رايح على ريتا عشان يتسطل ويروق، لبدله خالد على ناصية الحارة وغزه بمطوته ع الدوب، نزل البعيد على رجل خالد زي قالب طوب، صرخ وعلى صرخته اتلم الخلق م الحارة، وجه أوتومبيل البوليس والاسعاف بصفارة، سلسلوا خالد وع اللومان أخدوه، ابكي يا بهية ع الفارس اللي أسروه، مجدع لأبوه، شال عنك العار وخلصك من ذمة المندار

حسني السمسار
لما بهية ابنها قتل جوزها، جالها حسني سمسار الحارة وقال: عواد كان بايع لي نص البوتيك والبيت، خبطت بهية فوق صدرها وسألت: مال عواد ومال البيت؟ ده بيت ولاد شداد، قال: أهو اللي حصل وأنا قتيل البيت، يا إما نتجوز ونخلي الدقيق ف الزيت، بهية بعد شداد ومن مرار عواد كانت كرهت صنف رجالة، فقالت: موتة ولا أكتر، مكتوب علي الهوان من بعد عز وصيت، كتب السمسار كتابه على الزينة ولكن مادخلش، أصله البعيد طلع حرامي عنين، خلاصة القول، ماتمش العام إلا وكان عمل عملته السودة، سرق م الأرملة ختمها وباع الورشة ويا البيت، وخد بهية وعيالها لبيته في آخر الحارة يسكنوا ف قوضة، ولما بهية اشتكت قال لها: قوضة وعفشة مية، أجيبلكم أحسن من كده منين؟ ده الورشة والبيت ماكملوش قرشين، وآخر المتمة يا سادة يا كرام، يوم في طابور العيش مد عودة صبي حجازي ايده على ضهر بهية، فزعت وطلعت على حسني تبكي م الهوان، قال: طنشي يا ولية، ماحناش بتوع خناقات، ضربت على صدرها م الغم والقهرة، جريت على ولادها، وكان فاضل بعد اللي راح ع اللومان اتنين، ف حضنها ضمتهم وبكت من المرار والشين، منصانة كانت على ذمة الزين، متهانة صارت على ذمة الشين

يعني النهاية يا كرام، بهية م القهر دابت، وتركة الشهم ضاعت، عيالها لسة صغار ياهوه، واللي فيهم كبر سجنوه، يبقى منين نجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه؟ يا ليل يا عين يا مرار، بهية في سرها تئن تقول: يا قهرة الفقر ويا العار، عيال شداد ف بيت حفني يتربوا، هيكبروا سمسار وراه سمسار، يبيعوا الأرض ويا ع العرض، وياكلوا السحت ويا النار

لأ .... لا يا بهية، ولاد شداد ولاد شداد، وفيهم خير، وبكرة يطلع من وسطهم فتى أسمر طويل مهيوب، زنوده زنود شداد وعينيه عينين بهية، وبهية ف عيونه، هياخد التار ويمحي العار، هيرجع اللي اتسرق ويجدد اللي انهار، ده يوم من عمر شهم، بألف يوم من هوان سمسار، بس ييجي اليوم، وتهل علينا بشاير البطل غر الجبين، غني معايا يا بهية للفجر غنوة ولا اتنين، يمكن على صوت غنوتك يطلع بعد غياب السنين

4 comments:

سكوت هنصوت said...

يا الله....ايه الجمال ده

وايه الوصف الرائع ده...اعجز عن التعبير...

اكاد اسمع الموال يغني من رجل صعيدي خشن الملامح...تلمع عيناه في قهوة بلدي على طريق الصعيد, يغنيه على الربابة ويبدأ كلامه بيا سادة كان يا ماكان...

روح مصرية قوية جدا...وحقيقية جدا...لكن من امتى خلى العديد الي انقضى ينعاد...

Dr. Eyad Harfoush said...

صديقتي العزيزة
أشكرك للتعليق والتشجيع، وسعيد أن الجو العام للموال نقل لك هذه الصورة البصرية الجميلة التي تحدثت عنها

أما العديد يا عزيزني لا يعيد القديم ولا يحيى الموتى، لكن قد نحتاجه فيما يخض الشخصيات العامة، لأن وفاء الشعوب أحد شروط افرازها لأبطال جدد
تحياتي وتقديري وشكري

صفا سارة said...

كالعاده حضرتك عبقرى يا دكتور بغض النظر عن الشعور المؤلم من الحال ده
لكن الوصف والاسلوب عبقرى فعلا

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزتي صفا سارة
أشكرك يا صديقتي العزيزة، وسعيد أنها حازت اعجابك، أما الألم، فأحيانا يكون أول طريق الشفاء
تحياتي وتقديري وشكري