المشهد في مطار القاهرة اليوم كان ولاشك دافعا للتركيز في المعضلة الدستورية التي تواجه الدكتور محمد البرادعي وسبل الخروج منها بنظام ديمقراطي مصري طال انتظاره، فكان لزاما أن نفكر، ما هي خيارات المثقف المهموم بقضية الحرية والحياة السياسية في مصر اليوم؟ لدينا معطيات متراكمة ترتب عليها وضع راهن شديد التعقيد، وهي
- اشترط الدستور المعدل (مارس 2007م) في المادة رقم (76) أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية عضوا في الهيئة العليا لأحد الأحزاب الممثلة في مجلس الشعب/ الشورى (بعضو واحد على الأقل وفقا لنص الاستثناء الساري حتى مايو 2017م)، على أن تكون عضويته مستمرة في الهيئة العليا لحزبه لمدة أكثر من سنة قبل تاريخ الترشيح (يونيو 2011)، ويكون الحزب مؤسسا لمدة لا تقل عن خمس سنوات قبل تاريخ الترشيح نفسه، هذا الوضع يقصر الترشيح على قيادات أحزاب نعرف محدودية شعبيتها وإمكاناتها، ويلزم أي مرشح مستقل كالبرادعي أو حمدين صباحي أو غيرهم بالانضواء تحت مظلة حزبية وعقد صفقة سياسية تمكنه من دخول الهيئة العليا قبل يونيو 2010م بحد أقصى ، أي في غضون أقل من خمسة شهور من اليوم
- أجازت المادة (136) من الدستور المعدل لرئيس الجمهورية سلطة حل مجلس الشعب دون الحاجة لاستفتاء شعبي مما يعني صلاحية الرئيس لتغيير تركيبة المجلس، وبما يمكنه من إجهاض أية تحالفات تمكن مرشحين مثل البرادعي وصباحي من التأهل للترشيح من خلال الوفد أو التجمع، خاصة في ظل غياب رقابة قضائية على انتخابات المجلسين وفقا للدستور المعدل
- النص الدستوري المعدل يسمح للرئيس بتوجيه القضايا الواقعة تحت مسمى الإرهاب لأية جهة قضائية يراها مدنية كانت أم عسكرية وفقا للمادة رقم (179) من الدستور المعدل، مما يهدد أي تيار إصلاحي إيجابي يحاول تحريك المياه الراكدة على مستوى رجل الشارع بالقتل المبكر باستخدام الردع الأمني
وسائل الضغط المدني
لا خروج من هذه الضائقة الدستورية بغير النضال المدني كملاذ أخير، وذلك بتوظيف الطاقة التي كانت أكثر فاعلية عبر التاريخ في إحداث التغيير، من الهند لأيرلندا للتبت كانت حركات العصيان المدني هي السبيل حين تضيق السبل الدستورية بالحراك السياسي اللازم لاستمرار الشرعية، وأهم هذه الوسائل هي- الإضرابات العمالية كما حدث من قبل في حركة 6 أبريل، ولكن مع تثقيف مسبق للجماهير يشرح لهم التاريخ وحقيقة أنه لم يحدث أن استطاعت حكومة قهر إضراب عمالي واسع المدى أو فصل العمال وكل تلك التهديدات، مع نشر ثقافة الإضراب المتحضر خاصة في المؤسسات الحيوية كقطاعات النقل وغيرها
- الإضرابات المحدودة أو غير المحدودة عن الطعام، ونعلم سلفا أن تلك الفكرة القائمة على بذل النفس ستتهم بالجنون والكفر والجبن وغيرها من التهم، وسيرى البعض أنها عديمة الجدوى، رغم أننا نراها كبيرة الجدوى، خاصة لو هدد/ قام بها عدد معقول من الشخصيات العامة من المثقفين والفنانين والأدباء، مما يؤدي لقلق خلاق على المستوى المحلي، وهذا هو رهاننا الأول، وكذلك يمثل الإضراب وسيلة شديدة الفاعلية على مستوى الرأي العام العالمي، وسيتبناه فور البدأ في الإضراب عدد كبير من الناشطين الحقوقيين على مستوى العالم من مختلف الشعوب، وهذا هو رهاننا الثاني
- الامتناع عن سداد الضرائب كضريبة كسب العمل وغيرها، وهذا صعب في حالة الموظفين (الفئة الغالبة) لأنها تستقطع من المنبع، فتلك وسيلة غير مناسبة لحالتنا
- وقفات التأييد والاحتجاج المتعلقة بالأمر والتي تخدم الهدف وروافده، وذلك بدون هتافات وباستخدام لافتات تعبر عن الآراء فقط، مع الاحترام الكامل للممتلكات العامة والحريات وتدفق المرور وغيرها، فليس الهدف أن نضيف لمعاناة مواطنينا ولا أن نعطي ذريعة للأمن لردع المنضمين للزخم الوطني
خريطة الطريق
من واقع ما تم طرحه مؤخرا من حلول، نرى ثلاث مطالب محددة لحركة النضال الوطني، وهي المطالب الأساسية والضرورية لتجاوز الأزمة الدستورية الحالية، والتي نراها مهددة بحدوث حالة من الفوضى غير الخلاقة من الممكن أن تفسد على الأجيال القادمة حياتها
- مجلس الأمناء الدستوري: يطالب تيار النضال المدني السيد رئيس الجمهورية بقرار رئاسي له قوة القانون، بتكوين مجلس أمناء دستوريين للقيام بمهمة تعديل الدستور وقيادة البلاد في مرحلة انتقالية لمدة عامين وفقا لمقترح الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، ويضم شخصيات ذات تاريخ وطني وخبرة مناسبة، سواء في ذلك ضم الأسماء التي اقترحها هيكل (محمد البرادعي، عمر سليمان، أحمد زويل، عمرو موسى، حازم الببلاوي فضلا عن ممثلين للقوات المسلحة) أو ضم غيرها معها أو بدلا منها طالما توافرت شروط الخبرة والثقل الجماهيري، ونقترح هيكل نفسه فضلا عن حمدين صباحي ضمن المجلس، وفي نهاية العامين تتم الانتخابات الرئاسية وفقا للدستور المعدل وتحت إشراف قضائي حر، على أن يصدر القرار بتكوين المجلس قبل يونيو 2011م
- الهوية المدنية والمواطنة والبعد الإجتماعي: احترازا من السطو على الكفاح الشعبي وعلى مجلس الأمناء ذاته، يشمل القرار الرئاسي بتشكيل المجلس إقرارا لمبدأ المواطنة (لضمان تأييد الأقباط للتغيير)، ومبدأ الهوية المدنية للدولة، ثم البعد الإجتماعي والحرص على عدالة توزيع الثروات الوطنية كإطار عام يتحرك مجلس الأمناء فيه، وترتبط شرعية المجلس ذاته بمدى التزامه بتلك المباديء الثلاث
- التوجه المستقبلي والخروج الآمن من السلطة: من ناحية مقابلة، نعلن أننا في حالة تكوين مجلس الأمناء نقبل ونتبنى ترتيب خروج آمن لرئيس الجمهورية المنقضية فترة ولايته من الرئاسة، بشكل يعفيه من المساءلة القانونية والسياسية، والأمر نفسه لرموز النظام الحالي في مصر، وبصفة خاصة وزراء الداخلية والدفاع وقيادات الحزب الوطني ، فهدفنا ليس انتقاميا، ولكنه مستقبلي في جوهره، وهي الفكرة التي طرحها الإعلامي عمرو أديب في برنامجه آنفا، ونراها تنازلا واقعيا ومعقولا مقابل المكاسب السابقة
هل يمكن أن يصل تيار وطني ضاغط من خلال إطار العصيان المدني لإملاء تلك الشروط والخروج من الأزمة؟
6 comments:
د.إياد
العصيان المدني ليس الحل لأن ثقافة النظام لانعرفها في بلادنا وإن كان قادم قادم لامحالة عندما يشعر الفرد بأنه "مستبيع" وهذا لن يحدث إلا إذا وصل الضغط عليه لأقصى مدي وهو ماتكرر كثيرا أخيرا
يعني ديتها كمان حاجة كده زي العبارة أو نجع حمادي أو الهجانة أو السيول وحتلاقي الكل إنفجر بشكل همجي تماما..
ولكن مع ذلك لست متفائلة بأي شئ__ كل مايحدث وماحدث اليوم في المطار بالرغم من روعة دلالته إلا أنه لايتجاوز حد حوار الطرشان
ولا حاجة حتتغير لكل الأسباب التي ذكرتها أنت _ وهي ماكنت أحاول قوله لك سابقا وكل أصدقائي الذين ذهبوا اليوم للمطار
ومع ذلك وإن كان فيه بقية من حلم فأنا أعارض وبشدة موضوع الخروج الأمن هذا
لماذا؟!!!!
لنحرم أجيال جديدة من معرفة تاريخ بلدهم وسياستها ؟!
لتستمر الحلقة المفرغة بين تأليه الحاكم وصب اللعنات عليه منذ أسرة محمد علي وفاروق وناصر والسادات ؟!
ليمتد التاريخ المصري ضبابيا للأبد؟!
لذا فلو حانت ساعة الرحيل فلن يمكن تلك المرة أن نقول لاتثريب عليكم إذهبوا
تحياتي
عزيزتي دكتورة أميرة
لست مختلفا معك في أهمية محاسبة الحكام من ناحية المبدأ، ولكن عندما تكون الخيارات محدودة بين انهيار وطني أو بعض التجاوز عن محاسبة أفراد يجوز لنا أن نفضل الخيار الثاني للحفاظ على وطن بذاته
أما المطار فالذهاب كان واجبا لأن غياب الجماهير كان سيعطي الاعلام الرسمي فرصة لن يفوتها للتعريض بالدكتور البرادعي وفكرة ترشيحه وجديتها
تحياتي وتقديري
دكتور إياد
تدوينتك ذكرتنى بما كتبته منذ العام 2007 عن العصيان المدنى وكيف أنه هو الحل ولكن بما أننا الآن فى 2010 وليس لنا حل سواه
فلابد ان ننشره بين المصريين
http://3abkarino.blogspot.com/2010/02/blog-post.html
لكم تحياتى
كوني شديد التفاؤل, أرى سيناريو اليوم الواحد قد يؤدي الى التغيير المطلوب
سيناريو عرابي و سعد زغلول و الضباط الأحرار و يوم التنحي
الشعب بكامل طوائفه يخرج الي الشارع
حالة شلل كاملة تترك خيارا واحدا للحاكم أن يصدر من فوره قرارات استجابة لطلبات الشارع
رأيي أن المطلوب حاليا سهل, و في متناول الرئيس وحده و دون مراجعة:
1. الغاء المادتين 76و 77 بقرار رئاسي يصدق عليه مجلس سرور في 5 دقائق
2. السماح للمستقلين بالترشح و للمواطنين بالتصويت ببطاقة الرقم القومي و تحت اشراف القضاء
لا أجدها مستحيلة , و لا حتى صعبة
المشكلة في كيف تجمع كل الماس على تاريخ يوم واحد, تحتاج الى حدث أو كارثة في حجم حريق القاهرة
عزيزي عبقرينو
تعليقك منور عندنا في زيارة عزيزة :)
نعم يا صديقي، أنت واسراء عبد الفتاح وأنا وكل المهمومين بالوطن نعرف أن العصيان المدني هو الحل لأننا ندرك أن فعلا أكثر ايجابية مستحيل أن يخرج من المصريين بتركيبتهم الحالية، وحتى العصيان تقف بيننا وبينه مركبات القهر والخوف على الرزق، لكن الله المستعان
تحياتي وتقديري
صديقي المهندس أسامة
أشكرك للسيناريو الحلم، وما ذلك على الله ببعيد، لكن القضية برأيي ليست جمع الناس في تاريخ زمني واحد، ملايين عرفت بوصول البرادعي فخرج لاستقباله 3 الاف، نفس النسبة هي التي ستتحرك في حالة أي حركة تقتضي النزول للشارع، لأن الوقوف فعل ايجابي، نحن نطمع في العصيان علشان أسهل
تحياتي وتقديري
Post a Comment