18.11.08

المصادر الأصلية للعلوم الإدارية

خطوة لاحقة على ما تقدمه المراجع التقليدية

العلوم الإدارية في مجملها تعد واحدا من أهم الإسهامات الأمريكية في التراث البشري، و قد ظهرت جميعا خلال نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين، للتبلور هذه العلوم في النصف الثاني من القرن العشرين، ثم تضيف إليها المعلوماتية و ثورة الانترنت زخما كبيرا في نهايته و بدايات القرن الحادي و العشرين، و أهم هذه العلوم هي

  • علوم التسويق و التسويق الاستراتيجي
  • علوم الإدارة و الإدارة الإستراتيجية
  • علوم إدارة الإنتاج و إدارة الجودة المتكاملة
  • علم إدارة الموارد البشرية
  • علم الاقتصاد المؤسسي
  • علم الدعاية و الترويج و إدارة التواصل
  • العلوم المالية و المحاسبية

و تتداخل هذه العلوم كما نعرف في مناطق مشتركة، بحكم تداخل أدوارها في إدارة أي مؤسسة تستهدف الربح أو غيرها، فيتداخل التسويق مع الإدارة في تشكيل الإستراتيجية العامة للمؤسسة، و وضع الخطة الاستراتيجية لتحقيق أهدافها الرئيسية، و يتداخل التسويق مع الإنتاج و إدارة الجودة في عمليات إدارة اللوجستيات، و كذلك يتداخل مع الموارد البشرية في التسويق الداخلي لقيم العمل و القيم المؤسسية الإيجابية، أما تداخله مع علوم الترويج و الدعاية فغنية عن التعريف، لدرجة أن الكثير من غير المتخصصين يخلطون في واقع الأمر بين التسويق كمركز أعمال استراتيجي و بين إدارة قنوات الاتصال مع العملاء بهدف الدعاية و الترويج

و السؤال هو، هل خرجت هذه العلوم فجأة في القرن العشرين من رحم المجهول؟ أم كانت صورة مطورة من مصادر معرفية سابقة عليها؟

بالطبع خرجت هذه العلوم من رحم تراث معرفي ضخم سابق عليها، اشتركت في بنائه كل الحضارات البشرية المتعاقبة، قبل أن تقوم الحضارة الأمريكية بإعادة تغليفه و تقديمه لخدمة المؤسسات التجارية و الصناعية و المالية الكبرى في القرن العشرين، و هدف مقالنا اليوم، هو التعرف على مصادر هذه العلوم، لأننا من واقع تجربتنا، قد حصلنا من هذه المصادر فوائدا تفوق بفارق ضخم ما قدمته لنا مراجع الإدارة الشهيرة، ذلك أن الأمريكيين حين أعادوا تعبئة و تغليف هذه العلوم، قاموا بتخفيفها بدرجة كبيرة حتى تصبح سائغة للعناصر العاملة في المؤسسات التجارية و الصناعية، و من المعروف أن هذه العناصر في الولايات المتحدة عادة ما تكون من خريجي التعليم المتوسط، و هي طاقات محدودة القدرة على التركيز و اكتساب المعلومة، على خلاف الحال لدينا، حيث يوجد بين الطاقات العاملة في المؤسسات التجارية حاصلين على درجات الماجستير و الدكتوراة في العلوم و الطب و الهندسة و غيرها، مما يشجعنا على توضيح المصادر الأولى للعلوم الإدارية كمعين لا ينتهي للمعارف النافعة

التسويق من رحم العلوم العسكرية

نعم، لقد خرج علم التسويق من العلوم العسكرية، و من علم الاستراتيجية العسكرية تحديدا، و الذي يدرسه الضباط في كليات أركان الحرب كدراسات عليا بعد التخرج، فبعد أن عرف العالم علم الاقتصادر، و احتك بمفاهيم مثل مرونة الطلب السعرية (Price Elasticity of Demand) و معدلات الاستهلاك و الانفاق و الادخار في القرن التاسع عشر، ظهر التسويق كعلم في بدايات القرن العشرين، فقدمت جامعة بنسلفانيا برنامجا لتدريب رجال الأعمال على تسويق المنتجات في عام 1905م، و في عام 1908 افتتحت كلية كيلوج لإدارة الأعمال، و التي تخرج فيها بروفيسور و منظر التسويق الأشهر "فيليب كوتلر" و الذي وضع أسس هذا العلم كما نعرفه اليوم بمزيجه التسويقي المعروف، ثم تراكمت الطبقات على كرة الثلج هذه، لكن الأصول القديمة للتسويق في الاستراتيجية العسكرية تبقى شديدة الوضوح للعقلية النقدية و العين المدققة، و قد عرفت البشرية مفهوم الاستراتيجية العسكرية كخطة طويلة الأمد و مؤسسة على حساب المتغيرات المعقدة منذ القرن الرابع الميلادي، و من أهم المفاهيم المشتركة حتى الآن و التي أخذها التسويق من الاستراتيجية العسكرية

  • مفهوم الرؤية و الرسالة العامة في التسويق (Vision & Mission) يوضحان الأهداف بعيدة الأمد للمؤسسة و الدور الذي تتطلع للقيام به حيال عملائها و مجتمعها و العاملين بها، و يقابله في الاستراتيجية العسكرية مفهوم الرؤية التطويرية، و العقيدة القتالية، فأما الرؤية التطويرية فتعنى بالقدرات القتالية التي يسعى الجيش لتحقيقها على الأمد البعيد، و أما العقيدة القتالية فتحدد الخطوط العريضة لمواجهة العدو في حالة نشوب القتال، و تبنى عليها الخطط الاستراتيجية
  • مفهوم تحليل الموقف التسويقي (SWOT Analysis) برصد نقاط القوة و الضعف في المؤسسة و منتجاتها، و رصد الفرص المتاحة و المخاطر المحتملة في السوق، و يقابله في العلوم العسكرية تحليل الموقف القتالي بنفس العناصر، بدراسة القوة و الضعف في الذات و الفرص الممكنة من خلال نقاط ضعف العدو و المخاطر المحتملة من نقاط تفوقه النوعي
  • مفهوم الوضعية التسويقية للمنتج (Product Positioning) و الذي يحدد التوظيف المختار لهذا المنتج ليلبي بعض حاجات العميل و يقدم مميزات نوعية لا توجد في المنتجات المنافسة في هذه الوضعية، و يقابله في العلوم العسكرية مفهوم التشكيل القتالي و وضعية تمركز القوات، بما يمكنها من الحصول على ميزات جيو-استراتيجية لا يتمتع بها العدو
  • الأنماط التنافسية في التسويق و منها المنافسة المباشرة أو الجانبية أو الجزئية، و يقابلها في علوم الاستراتيجية العسكرية الاستراتيجيات الهجومية، فيقابل الهجوم الأمامي المنافسة المباشرة، و يقابل الهجوم الجانبي على جوانب التشكيل القتالي المنافسة الجانبية، و يقابل الهجوم المحدود المنافسة الجزئية
  • استراتيجية الغوريلا المعروفة في التسويق، و التي يتبع فيها نمط تنافسي يفيد فيه منافس صغير من حرية حركته و سرعته لتوجيه ضربات موجعة للمنافس تتميز بالسرعة و تجنب المواجهة المباشرة، و هذه الاستراتيجية أسسها المناضل الأرجنتيني الأصل شي جيفارا في إطار قتاله للقوات الموالية لأمريكا في تحرير كوبا و بيرو
  • مفهوم الميزة التنافسية التسويقي و يقابله في العسكرية مفهوم الميزة القتالية و التفوق النوعي
  • الأهداف التكتيكية في التسويق و بذات التعريف منقولة نصا من العلوم العسكرية
  • إدارة العمليات في التسويق منقولة نصا كذلك
  • مفهوم إدارة اللوجستيات كامتداد لمفهوم الإمداد و التموين العسكري
  • المفاهيم الأساسية للتواصل المؤسسي و نموذج المرسل و المستقبل و الوسط المادي مأخوذ عن علم الإشارة في العسكرية
  • علوم الدعاية تطورت من علم الدعاية السياسية و العسكرية و أسس الحرب النفسية

و من أهم مراجع الاستراتيجية العسكرية التي تقدم مفاهيما تثري العلوم التسويقية، و بأسلوب يناسب القاريء الغير عسكري، نختار المراجع التالية

  1. Art of War- Sun Tzo
  2. Roots of Strategy - Wilhelm Leeb, Thomas Phillips and others
  3. The 33 Strategies of War- Robert Greene
  4. Makers of Modern Strategy from Machiavelli to the Nuclear Age - Peter Paret
  5. Small Wars Manual
  6. Unrestricted Warfare - Qiao Lian / Wang Xiang

أما في تطبيقاتها على العلوم الإدارية، فنختار المراجع التالية لتميزها بالعمق عن غيرها من المراجع التسويقية

  1. The Strategy Paradox - Michael Raynor
  2. Executing Your Strategy - William Malek & others
  3. The Boston Consulting Group on Strategy - Carl Stern

و بعض هذه المراجع موجود في صورة ملفات الكترونية مجانا على الانترنت، خاصة المراجع رقم 1، 4، 6، من القائمة الأولى و المرجع رقم 3 من القائمة الثانية

الإدارة و إدارة الموارد البشرية من رحم علم النفس

بدأ علم الإدارة خطواته الأولى في بداية القرن العشرين، مع كتاب: الإدارة العلمية، و الذي ألفه المهندس "فردريك تايلور" في ذلك الوقت، ثم وضع الاقتصادي "ماكس ويبر" نظريته في الإدارة البيروقراطية حوالي عام 1930م، و مازال البعض حتى اليوم حبيس هذه المرحلة التي تجاوزتها البشرية بثمانين عاما كاملة، و ربما كان أسلوب "ماكس ويبر" مازال مناسبا لمؤسسات مثل ماكدونالدز و غيره من المنشآت الخدمية العالمية العملاقة، لضمان ثبات مستوى الخدمات المقدمة للعميل من بلد لبلد حول العالم، لكن تعميم أسلوب "ويبر" المرتكز على أطنان من الأوراق في شكل دورات مستندية و اعتمادات و خطوط تفويض تفصيلية و غيرها قد يؤدي ببعض المؤسسات الصغيرة التي تحتاج لسرعة الحركة إلى حتفها

و في خلال هذه الحقبة الميكانيكية من تناول الفكر الإداري ظهرت نظريات و أطروحات أهمها نظرية التقسيم الإداري، و وحدة القيادة، و المركزية الإدارية، و التدرج الوظيفي المرحلي المقيد بفترات زمنية، و مبدأ روح الفريق الانصهارية التي تطلب من فريق العمل طلبا طوباويا عبيطا هو التوحد مع الآخر، و كل هذه الأطروحات عابها التعامل مع الإنسان كآلة يمكن برمجتها، و التجاهل التام للطبيعة البشرية التواقة لتحقيق ذاتها و تطلعاتها، لهذا لم تعش هذه النظريات لأكثر من عقدين من الزمان، ف مع الثلاثينات من القرن العشرين، فطنت البشرية للأثر المدمر على الأفراد في نظريتي الإدارة العلمية و البيروقراطية، حيث يتحول الفرد إلى مسمار في آلة كبيرة، محروم من آليات الإبداع بحرمانه من الحد الأدنى لحرية الحركة، فبدأت النظريات الإنسانية في الإدارة لو جاز التعبير في الظهور على التوالي، فأولت المؤسسات مزيدا من الرعاية للأفراد و طاقاتهم و ابداعهم، بتحقيق أقصى فائدة من ملكات كل فرد، بالتعامل معه كأصل بشري من أصول المؤسسة، و كان علم النفس (ثم علم النفس التنظيمي بعد ذلك) و علم السلوك و علم الاجتماع هي العلوم المؤسسة لهذه المرحلة من مراحل الفكر الإداري

و لعل عالم النفس الشهير "إبراهام ماسلو" الذي اقتبس علم الإدارة هرمه الشهير للتطلعات البشرية هو التطبيق النفسي الأكثر تواترا في مراجع الإدارة، تليه في ذلك نظرية التوقع التي تدرس مقارنة الفرد لما يحققه بما توقع تحقيقه، لكن نظريات التحفيز في علم النفس لا تقتصر على ذلك بالطبع، و إنما قصد من كتبوا مراجع الموارد البشرية الاقتصار على هاتين النظريتين لسهولة فهمهما و تطبيقهما من خلال غير المتخصصين كما أسلفنا، و هناك بين هذه النظريات ما نراه أكثر فائدة منهما، و هو ما سنعرض له في مقال لاحق إن شاء الله

Copyrights© 2008. Eyad Harfoush

2 comments:

Amira El-Deeb said...

More than perfect !

I really enjoyed reading your post...your sense of Marketing is amazing my dear friend & also your extra rich knowledge is marvelous !

Thank you tons for that interesting post

Dr. Eyad Harfoush said...

Dear Dr. Amira,
You are utmost welcome my dear friend and best reader. Thank you for the kind comment and glad you liked it
Regards