5.3.10

المناجاة الأخيرة


يا إلهي
يا إلهي .. يا نورا واصلا بين الأزل والأبد .. يا خالق القطرة الأولى في بحيرة البداية .. وملهم الحياة في الخلية الأولى .. وباعث النبض الأول في عرق الضمير .. يا من توجت كونك بالجمال والجلال .. وأتممت صنعته بابن الإنسان .. هذه نجواي إليك تخرج من بين خجلي وأملي .. خجل ولا يأس .. فاليـأس من رحمتك جهل بمطلق قدرتك .. وهل يرحم إلا قدير؟ هذا مقام عبد أنت به أدرى من حناياه .. أكثر على نفسه أو أكثرت عليه نفسه .. هداه عقله حينا وأضله حينا .. فارتاب في كل أمر لكنه أبدا لم يرتب في ذاتك العلية .. يعرفك باستحالة غياب أنوارك السنية .. عبد أتاك بالذنوب جبالا .. وما له من حسنة غير أنه عبدك بمحض اليقين .. وتقرب إليك بالفكر والنظر .. وناجاك في الليل بصرير القلم وفي النهار بصريح الخبر .. لم يدع يوما لنفسه ولاية ولا حتى فضيلة .. لكنه أحب حياة أنت باعثها وباريها .. وأحب بشرا باهيت بهم يا رب البشر ملائك السموات .. فتمنى أن يشفع له عندك صدق حبه .. ظن الناس أن الأرض إلى خراب وظنها عبدك هذا إلى إعمار وازدهار حتى تتزين وتتخذ زخرفها لتكتمل تجربة الخلق الجليلة .. ظنوا أن الإنسان إلى ترد وانحطاط وظن أنه إلى ارتقاء ونماء.. ورآه كائنا مبهرا رغم النقائص والنقائض .. فتمنى أن يشفع له عندك حسن ظنه .. يا رب، هذا مقام عبد فرط في كل شيء غير العقل والعدل والكرامة ما استطاع لهم سبيلا .. لأنه رأى في الثلاثة صلب التجربة ومحور الكينونة .. هاهو بين يديك يا بديع الكون .. أتاك راجيا رحمتك ونور وجهك .. وهل مثلك يا رحمن مجيب للرجاء؟ وهل غيرك يا حنَّان من الحزن وجاء؟ وهل كنور وجهك للعين والقلب رواء؟
يا ولدي
ولدي الحبيب الذي به سررت .. يا قطعة من شغاف القلب نمت فتى يافعا بأمر ربي يسر الناظرين والسامعين .. يا نسختي الأجمل والأكمل .. ويا فرعا فاق الأصل روعة واتساقا .. سيحدثونك يوما عن أبيك يا بني .. فهأنذا أسبقهم بمناجاة أرجو أن يحفظها لك الدهر .. وليس الدهر بحفيظ .. اعلم يا بني أن أباك عاش في الحياة ما عاش .. فاغترف منها ما اغترف .. واقترف فيها ما اقترف .. كابد منها ما كابد وطرب منها لما طرب .. عاش يحاول القرب من ثلاث والبعد عن ثلاث .. عاش يطلب عدل الأفعال وصدق الأقوال وكرامة الرجال .. فأناله الله منها ما نال وأعجزه منها ما نيله محال .. وعاش يتجنب ظلم العارف بظلمه .. وكذب الغني عن الكذب .. وانحناء القامة في كل حال .. خط بقلمه آثاره يا ولدي لتشهد عليه يوم لا يبقى من المرء غير الآثار .. فانظر فيها يا بني وأمعن النظر .. وافخر إن فاخرت بأب عاش في بركة من خنوع ولم يخنع .. وكابد قوما من الطامعين ولم يطمع .. وكان للحياة عاشقا .. لكنه من الموت لم يجزع .. وترحم عليه يا بني إذا ذكرته .. فحسبه أن كان له قلب يذوب حبا ورحمة حين يطالع عينيك .. وكن ما شئت يا ولدي ولكن .. تأبى على الظلم وجاهد نفسك بالصدق واستعصم من خنوع القوم بشموخ الكبرياء، حتى تظل أبد الدهر ابني الحبيب الذي بخ سررت

يا بنيتي
يا غادتي الأروع ولحني الأبدع، يا بسمة دونها البسمات ولفتة دونها اللفتات وخطوة تركع بين يديها الخطوات .. يا سلواي عن فقد الأحبة وعوضي عن افتقاد الحنان .. ويا رحمة بالقلب تنزلت من الكريم المنان .. أتراك يا صغيرة تذكرين في قادم الأيام رجلا كانت بسمتك لعمره رواء ولروحه صفاء؟ أتراك تذكرين أبا كانت قبلتك فوق وجنته رجاء أي رجاء؟ لإن نسيت يا صغيرتي فاذكري .. أن اسمك كان على شفتيه سيد الأسماء .. وأن وجهك كان لعينيه سيد الضياء .. لأجل عينيك يا صبية تبرأ من بداوة الصحراء وجهالات الجهلاء .. ولأجل المرأة التي ستكونين يوما أعلى من شان كل النساء .. عاش في مجتمع الذكور رجلا .. حتى تكونين يوما أميرة بين النساء .. فلا تقبلي غير الأعالي مطلبا .. وغير اكتمال الذات رجاء
----
من مفكرة أحد رهبان الفكر قبل نياحته

1 comment:

Dr. Eyad Harfoush said...

Mohamed Elseaidy
انا مستمتع جدا بقراءة المناجاه دى وكل شويه احس ان عايز اقراه تانى

Eyad Harfoush
أشكرك يا صديقي ويسعدني انها حازت اعجابك، تحياتي وشكري