لماذا لا تصلح الخلافة الإسلامية التي روجت لها تيارات عدة عبر التاريخ مشروعا وحدويا في منطقتنا؟ الأسباب عديدة، وقبل أن نرصدها، ندعوكم لجولة تاريخية سريعة حول الخلافة في التاريخ، فنحن نرى أن الخلافة الوحيدة التي استحقت اسمها هي الخلافة الراشدة، فالاسم الذي منحه لها الوعي الجمعي للمسلمين يشهد على بقية الخلافات بعدم الرشد بحد ذاته، أي بالضلال، ونقول استحقت اسمها لأن الاسم الكامل هو "خلافة رسول الله" وهو اسم يحمل من التكريم وتبعاته ما لا يطيقه البشر اليوم، ومع ذلك، لم تعدم الخلافة الراشدة الأزمات، فكانت الفتنة الكبرى، ثم انفرطت الدولة لدولتين راشدة في العراق وأموية في الشام، ثم ذهب الرشد -عدا في عهد خامس الراشدين- يوم وصل الأمويون للخلافة فصارت ملكا، وقد اتسمت الخلافة الأموية بنعرة عرقية عروبية أدت إلى شيوع الاضطهاد والمظالم وجرت ثورات متلاحقة من أبناء الشعوب المفتوحة، ثم نأتي لبني العباس، والخلافة العباسية بدأت بحمامات الدم وانتهت بها، وإن شهدت ازدهارا كبيرا بسبب زوال النعرة العرقية ودمج الفرس في جسم الدولة، لكن شرعيتها المؤسسة على النسب كانت دوما محط هجوم من تيارات التشيع التي تمسكت بأنها أمس نسبا بالنبي، وصار الخلاف هل العم أقرب أم البنت وابن العم، أي المنتسبون للعباس أم المنتسبون للزهراء وعلي بن أبي طالب، كان هذا هو مستوى التنظير السياسي، ثم نذكر الدولة الفاطمية ، والتي كانت عصر تسود شمال أفريقي على مصر والشام لم يطل عهده حتى تداعى حين ضعف عصبه العسكري، لأنه لم يؤصل نفسه برغم الدعوة لمذهبه الطائفي الإسماعيلي، كذلك الدولة التركية كانت إمبراطورية عسكرية جرى عليها ما يجري على الامبراطوريات العسكرية كالمغولية وغيرها، وقد انتهت حين سبقتها التكنولوجيا من ناحية التسليح والتنظيم ولبثت لقرون رجلا مريضا
أما لماذا لا تصلح الخلافة، أو بمعنى أدق، لماذا لا يجب أن نقيم تجربة وحدوية دولية على أساس ديني، فنقول أن الأسباب عديدة، ونرصد أهمها
- تجاهل المرجعيات الدينية الأخري في كيان الدولة، وما نقول عليه العالم الإسلامي يحتوي خمسة أديان أخرى، فضلا عن عدة مذاهب إسلامية متناحرة فيما بينها، ومن يدعون للخلافة اليوم هم السلفيون على تباين جماعاتهم، ويقصدونها خلافة مناسبة لمذهبهم وفهمهم، وهو ما لن يقبله الشيعة ولا الصوفية مثلا
- المرجعية النصية تنفي مبدأ الحكم بالصالح العام وتفتح باب المزايدات، فيزايد المتطرف على المعتدل طالما أقرينا النص المقدس كمرجعية سياسية وتنظيمية وليس دليلا روحيا أخلاقيا
- انهيار فكرة البرلمان الشرقي ومجتمع الليبرالية السياسية تحت دعاوى الحاكمية لله وليس للبشر، وإن كانت هذه الدعاوى قد حكمت عبر التاريخ بشرا انفردوا بالقرار مدعين أنهم يمثلون إرادته تعالى
- زيادة احتمالات الصراع داخل مجتمعات كالعراق ولبنان لتنوعها الطائفي، وداخل مصر لوجود دينين، وبين العراق وايران في جانب والكل في جانب بسبب الفارق الطبقي، وهو ما يهدم أساس فكر الوحدة القائم على توحد المصالح والتهديدات
- إنهيار الفكر الاشتراكي التكافلي لأن التفسير السلفي للدين يجعله يميل للرأسمالية المتطرفة، وإن كنا نراه ونفهمه على النقيض من ذلك، لكن هذا ليس فهم عامة السلفيين
2 comments:
سؤال يا دكتور واعزرنى لكثرة اسائلتى لماذا العالم ترك تلك الامور ووجة كل طاقتة للعلم والعمل وهما اهم ما يميز تعاليم الاسلام واحنا لسو بنتكلم عن الخلافة والوحدة وامور كتير قوى اعتقد اننا لو اشتغلنا بجد هنلاقى حلول منطقية لكل شئ ومنها مسشالة الوحدة لان هنلاقى مصالح مشتركة هتجبرنا على الوحدة والتجمع تحت هدف واحد باى مسمى وحدة خلافة اى شئ
العالم وصل للوحدة في الاتحاد الأوروبي لمروره بتجارب أفهمته أن الدولة الدينية مأساة دموية، وأن الاتحادات العرقية تنهار كيوجوسلافيا، وأن الوحدة الاقتصادية والسياسية هي الأجدر، ومر بتجربة الحروب العاليمة التي صقلتهم نحو الكمال الانساني، نحن مازلنا محدثين حياة وحوار يا عزيزتي
تحياتي وتقديري
Post a Comment