15.10.10

ثورة على تويتر


لماذا لن تقوم ثورة الكترونية
(مترجم بتصرف عن مقال التغيير الطفيف لمالكوم جلادويل بمجلة نيويوركر-عدد 4 أكتوبر 2010م)

(1)
الطاولة للبيض فقط

في الرابعة والنصف من مساء يوم الإثنين أول فبراير عام 1960م، دخل أربعة أصدقاء من طلاب الجامعة السود إلى أحد مقاهي جرينسبورو بولاية كارولينا الشمالية، وجلسوا على أحد الطاولات وطلب أحدهم فنجانا من القهوة لتجيبه النادلة: نحن لا نقدم خدماتنا للزنوج على هذه المناضد، ثم أشارت لركن بعيد حيث يوجد بار خصص لتقديم الطعام والشراب للعملاء من السود وهم وقوف، لم يكد الشاب يجيب النادلة حتى كانت أخرى سوداء أكبر سنا تتقدم منه وهي تقول بلهجة ناصحة لم تخل من عنف "أنتم تتصرفون بحمق". كان واضحا أن الشباب الأربعة قرروا أن يواجهوا العنصرية المقيتة، فاستمروا في مكانهم حتى إغلاق المقهى، وعادوا في اليوم التالي مع زملاء لهم من الجامعة، سبعة وعشرين شابا وأربعة فتيات من السود، واحتلوا طاولات المقهى العنصري المخصصة للبيض من الصباح للمساء، وفي صباح الأربعاء ارتفع العدد إلى 80 طالب من الجامعات والمدارس الثانوية، ثم زاد إلى 300 يوم الخميس، منهم سيدتان من البيض، وفي يوم السبت التالي قفز العدد إلى 600 في المقهى وخارجه، وانتشرت فكرة الاعتصام وشرع طلاب من السود وبعض البيض في تنفيذها في مدن مجاورة، ثم تجاوز الأمر حدود الولاية، ولم تمر أسابيع ثلاثة حتى كان قرابة السبعين ألف طالب يشاركون في الاعتصامات في كافة ولايات الجنوب الأمريكي، وواجه الثائرون قمعا بوليسيا اعتقل خلاله الآلاف، وترددت أخبار عن التخلص من عدد كبير بالقتل من قبل متطرفين بيض مسلحين، لكن الثورة كانت كحمى لا تهدأ، حدث هذا بغير بريد الكتروني ولا فيسبوك ولا تويتر

(2)
ثوار أونلاين

في ربيع 2009 تظاهر عشرة آلاف مواطن في مولدوفا ضد حكومتهم فيما عرف بثورة التويتر، حيث استخدمه المتظاهرون في التواصل والاتفاق على مكان وزمان الحشد، وفي طهران في نفس العام قامت مظاهرات طلابية عقب إعادة انتخاب أحمدي نجاد، وطلبت الخارجية الأمريكية من إدارة موقع تويتر تأجيل صيانة مخططة للموقع حتى لا يحرم ثوار طهران من آلية التواصل عبره، والسؤال هنا، هل كانت تلك الآلاف العشرة ممثلة حقا لجماهير مولدوفا؟ هل كان نشطاء الانترنت والمبشرون الرقميون بالديمقراطية ممثلين لشعب إيران؟ أم أن استسهال الصحف الغربية نقل أخبار الأحداث والآراء من عبارات التويتر ضخم الظاهرة ومنحها حجما زائفا؟ وفي كل الأحوال، ما الذي يدفع ناشطا إيرانيا يكتب عن التغيير في إيران ليدون باللغة الإنجليزية لا الفارسية؟ وما الفارق بين ما فعله الشباب السود في ستينات القرن الماضي في حركة الحقوق المدنية وما يفعله شباب العالم الثالث اليوم على الفيسبوك والتويتر؟ ما الفارق بين ناشطي الأرض وناشطي الانترنت؟
الرفاق والثورة
لقد واجه النشطاء الأربعة الأوائل في ذلك المقهى خطرا حقيقيا، فقد تدخل البوليس أحيانا برجال بيض متحفزين لكسر عنقهم، وظهر متطرفون من جماعة كوكلكس كلان العنصرية في مسرح الأحداث، ووصل الأمر لدس قنبلة والتحذير من انفجارها مما أدى لإخلاء فوري في أحد الأيام، لم تكن الثورة فسحة لطيفة إذن، ولم يقتصر الأمر على التهديد، فقد قتل ثلاثة ناشطين من حركة "صيف الحرية" في مسيسبي وأحرقت عشرات من كنائس السود ومنازلهم، وطارد المتطرفون البيض المسلحون ناشطي الثورة في الشوارع واعتدوا عليهم وقتلوا منهم عددا كبيرا، لهذا لم يستمر كل من بدأ حركة صيف الحرية وآثر البعض السلامة، فماذا دفع البعض للاستمرار في المواجهة والبعض للفرار؟ هذا سؤال حاول عالم الاجتماع الأمريكي دو ماك-آدم دراسته والرد عليه فكانت الإجابة هي الروابط الإنسانية، فالكل كان مشتركا في الدافع، لكن من كانت لهم علاقات وطيدة بناشطين فاعلين كانوا أكثر استمرارية ممن كانوا وحيدين في الحراك التحرري، وما ساعد طلاب كارولينا كانت علاقتهم الوطيدة ببعضهم كزملاء دراسة، مما جعل من العار على أحدهم أن ينسحب تاركا رفاقه في المعركة ضد سطوة البيض، ووجود الرفاق حوله بنفس الوقت يشجعه على المضي قدما ويؤنسه في مواجهة القمع والتضحيات

نشطاء بلا تضحيات
الحملات الإلكترونية على النقيض مما ذكرناه، لا تقوم على الروابط الإنسانية القوية، ولكن على شبكات المعارف الواسعة، وهي تنجح كلما كان المطلوب ممن يشارك فيها بسيطا ولا يكلفه شيئا من مال أو جهد أو حتى وقت، فالدعوات التي نجحت في ضم عدد كبير من الداعمين لها على الفيسبوك وغيره من شبكات الميديا الاجتماعية كان العامل المشترك بينها أنها لا تطلب منك الكثير، وسيلة ظريفة لتشعر أنك ناشط وتربت على ضميرك الإنساني مثلا بأنك تدعم الإنسانية في دارفور من خلال التبرع ببضعة سنتات، وكلما كان ما تطلبه الحملة أقل كلما كان الأتباع أكثر، فحملة إنقاذ دارفور التي تبرع أعضاءها بمتوسط 9 سنت وصل عدد الأعضاء فيها 1,282,339 عضوا، وشبكة شبيهة لدعم دارفور تبرع أعضاءها بمتوسط 15 سنتا لم يتجاوز عدد الأعضاء الألفين، بينما نجحت حملة للتبرع بنخاع العظام لمريض أمريكي اسمه سمير بحاتيا، أطلقها صديق له، والنجاح النسبي هنا مرجعه لأن الحملة لم تطلب الكثير في البداية، كانت فقط تقتضي تسجيل بيانات المتطوع وتقديم مسحة من اللعاب، وهكذا نتج من الحملة بنك معلومات عن متبرعي نخاع العظام، وحصل سمير على النخاع الذي ينقذ حياته. وكاتب الدراسة يدفع بأن الحملات والدعوات التي قد تعرض المشاركين لأي خطر أو تضحيات ملموسة تكون عادة محدودة الفرص في النجاح في العالم الافتراضي، وليس بإمكان أحد أن يتنبأ كم نسبة من سيقبلون عند الحاجة التبرع بنخاع العظام من بين "متبرعي اللعاب" المسجلين

تيارات التغيير وتسلسل القيادة
يرصد الكاتب هيراركي حركة الحقوق المدنية في الستينات والسلطة المعنوية الضخمة لمارتن لوثر كنج مثلا، والقيادات الفرعية التي حددتها الحركة والتحركات التي كانت منضبطة بشكل شبه عسكري، والروابط القوية القريبة من رابطة الدم التي كانت بين أعضائها (وهنا نعود لفكرة الأخويات التي تحدثنا عنها سابقا)، ويقارن هذا بحالة نشطاء الفيسبوك مثلا، والذين ينتظمون في شبكات لا مركزية ولا وجود فيها لأوامر ولا انضباط، ولأن الشبكات لا تشكل الزاما على أحد، يكاد يستحيل فيها وضع أهداف والاتفاق على استراتيجيات، بل تحدث الحركة بمشاعر القطيع، فمن المستحيل أن تصل لاستراتيجية خلاقة عندما يكون لكل فرد في المجموعة صوت مساو للآخرين بدون قيادة ولا درجات هيراركي واضحة، ومادام المطلوب هو تغيير منهجي فلابد أن يكون الحراك منهجيا، أما شبكات الناشطين اللامركزية فيمكن أن يكون لها دور تنويري مؤثر، أو دور في نشر الوعي الصحي والاجتماعي مثلا، فهي جوانب لا تقتضي وجود روابط قوية بين المشاركين فيها، ولا أن يعرف بعضهم بعضا بالأساس، فالرابط بينهم هو الإيمان بالفكرة، وكل المطلوب منهم أن ينضموا لمجموعة مثلا ليشكلوا معا عددا مؤثرا على الميديا والرأي العام يدفعه للاهتمام بالأمر

الخلاصة في كلمتين
  • الفيسبوك وغيره من الشبكات الاجتماعية تقوم على الروابط الضعيفة التي تجمع بيننا فيها المعلومة المتاحة، بدون روابط قوية تعيننا على الثبات في مواجهة الخطر، لهذا تصلح للتنوير وليس للتغيير
  • تسهل تلك الشبكات على الناشط أن يعبر عن رأيه وموقفه، لكنها لا تضمن لهذا التعبير أي أثر ملموس في تغيير أي شيء
  • نجاح أي حملة أو دعوة على الإنترنت يعتمد على مدى ما يتطلبه الانضمام إليها من تضحية بالجهد أو الوقت أو المال، واللا-تضحية تضمن الانتشار بلا حدود
  • التغيير المنهجي يحتاج لتيار منظم كتيار الحقوق المدنية في أمريكا الستينات، وسلطة أدبية أو روحية للقيادة تعوض غياب السلطة الفعلية لتحريك الجماهير وضمان التزام الأفراد
(ترجم المقال بناء على دعوة من الصديقة سكوت هنصوت، شكرا لها على لفت نظري للمقال الرائع في النيويوركر) و

No comments: