القبس الرابع
قال تعالى (لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) النساء: 148
لقد قصرت العديد من كتب التفسير التعبير القرآني "الجهر بالسوء" على الدعاء على الغير بسوء، و هذا غير ظاهر من نص الآية الكريمة، بل تتناول الآية كل ما يقال، و تفيدنا ان الله لا يحب لنا أن نقول بسوء، سواء في ذلك ذم انسان، أو لفظ كريه، او دعاء بشر على أحد من الناس، إلا أن يكون ذلك نتيجة لظلم وقع على القائل من هذا الشخص، لأن الإحساس بالظلم يحرك النفس و يطلق اللسان، فيجوز للمظلوم أن يدعو الله جهرا على ظالمه، و أن يحدث الناس بهذا الظلم، و قد حدد الله الجهر بالسوء، لانه من الجائز أن تجيش النفس بالسوء لواحد من الناس ضايقنا في أمر من أمور حياتنا، أو حتى رجل لا نستحسن كلامه أو فعله، فمن الصعب عندها أن نتحكم فيما يدور بعقلنا من وصف سيء له يرسخ في ذهننا ، لكن من الواجب أن نجتهد في إمساك اللسان حتى لا يشي بهذا الوصف، فمثلا، قد ترى رجلا يتحدث أو يتصرف برقاعة ، فيدور برأسك قول "يا له من رجل رقيع" و لا سلطان لك على عملية تكون الانطباع هذه، لكن بيدك أن تمسك لسانك، فلا تقول لمن بجوارك "انظر لهذا الرقيع" هنا تكون قد جهرت بسوء، و بما أن الله لم يعينك قاضيا على غيرك، فهذا أمر ليس لك و لا هو من حقك ، و أنا أقر بأن كف اللسان هنا أمر صعب، فهي عادة شرقية عتيدة، عادة التعليق على الآخرين تلك، و التي تجاوزناها اليوم إلى ما هو أقبح من سباب في الشوارع و معارك المرور، و لا أبريء نفسي من هذا، لكن علينا جميعا أن نجتهد بالسيطرة على لساننا في هذا الأمر، و هذا أجدر من الامتناع عن قول "و النبي" أو الامتناع عن التغني بنشيد "أحلف بسماها و بترابها" لو كنا نريد الالتزام بأمر القرآن، الذي أوضح الله فيه كراهة الجهر بالسوء كما أوضح عفوه المسبق عن لغو الأيمان
قال تعالى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً) النساء: 164
الآية الكريمة ذات أهمية علمية قصوى، لانها تخدم التوافق بين العلم و العقيدة، فلعل أهم مشاكل العهد القديم أنه حاول تقديم رؤية كاملة للتاريخ من خلال النبوات، فأرخ للبشرية ما يفيد بأن عمرها على الأرض لا يزيد عن ستة آلاف عام، و هذا تأريخ متهافت تهاوى مع اكتشاف حجر رشيد، حين تبين أن حضارة مصر وحدها تجاوزت هذا التاريخ، ثم ازداد بيان تهافته مع اكتشافات القرن العشرين التي قدرت عمر الحياة على الأرض بثلاثمائة مليون سنة، و عمر البشرية في صورة الإنسان كما نعرفه اليوم في قرابة الربع مليون سنة، و من هنا كانت ضرورة هذه الآية، التي أفادت أنه سبحانه قد قص علينا قصصا مختارا من قصص الأنبياء الذي يحتوي على أحداث و معان محددة نستعين بفهمها في دنيانا، و أن هناك عدد غير محدود من الأنبياء ما بين آدم و نوح و ما بين نوح و إبراهيم لم نعرف عنهم شيئا ، ربما لأن أحداث رسالاتهم تشابهت مع غيرها من النبوات، فلم يكن هناك ما يدعو لتكرار القصص، لان الهدف تعليمي و تأديبي و ليس هدفا علمياً تأريخياً، و لهذا نقول دوما أن القرآن كتاب هداية و ليس كتاب تاريخ طبيعي و لا فلك أو جيولوجيا كما يدعي البعض من محترفي الشاشات و المساحات المدفوعة في الصحف القومية
و من ناحية ثانية، تهمنا الآية الكريمة من زاوية احترام كافة الأديان، و كافة رموزها، فلا نسب و لا نسخر، ببساطة لأنه ليس بإمكاننا أن نجزم بأن أساس أي دين لم يكن رسالة سماوية حرفت حتى وصلت لحالتها الراهنة، لقد كان عرب الجاهلية أحفاد نبي الله إسماعيل، بدأوا موحدين أحنافا، ثم قادهم تعلقهم بالبيت العتيق بمكة إلى صناعة نماذج له من حجر يصحبونها في السفر تبركا، ثم تقادمت العصور فخرجت الحكايات حول هذه النماذج، ثم تحور شكلها إلى أيقونات حجرية ثم أصنام، و الآن، و في ضوء هذا التاريخ لتطور الوثنية من ديانة سماوية في ظل غياب الكتابة و التوثيق للفكر الديني، هل نستطيع أن نجزم أن أديانا كالبوذية و الزرادشتية و الهندوسية ليست أديانا سماوية في الأساس، ثم حرفت بمرور الزمن؟ هل يمكننا القطع بأن بوذا و زرادشت و غيرهما من رموز هذه الأديان ليسوا من الأنبياء الذين لم يحدثنا عنهم القرآن؟ لا يمكننا القطع بالإثبات و لا بالنفي، و لكن يدعم الاحتمال، عدم معقولية خلو آسيا المتمادية في القدم و العمران البشري من النبوات عدا في أقصى غربها ، كذلك الحال في أوروبا و أفريقيا، لقد فسر الماديون التشابه بين الأديان في التيمات الأساسية مع بعض الخصوصية لكل دين وفقا لبيئته و مجتمعه بأنها نتاج بشري، و نحن نرى التشابه و الخصوصية فنفسرها بتفسير مغاير، هو وحدة الأساس التي خلقت التشابه، و تقادم الزمن الذي خلق الخصوصية من تفاعل البشر مع الدين في المجتمعات المتباينة، فأضيفت الأفكار البشرية و الأخيلة و العادات المرتبطة بالبيئة لهذه الأديان، لهذا يكون الأحوط دوماً أن نحترم كل رموز الأديان و لا نسخر من أي منها
قال تعالى (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) المائدة: 46
لقد ذكر الإنجيل في القرآن الكريم عدة مرات معطوفاً على التوراة، و في هذه الآيات استخدم لفظ الإنزال لهما معاً نظراً لتقدم التوراة في الترتيب، و ذلك مثل الآية الكريمة (نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ) فغلب القرآن صفة التوراة المنزلة عليهما معاً، و لكن حين ذكر الإنجيل منفرداً كما في هذه الآية الكريمة و كذلك في الآية من سورة الحديد (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) استخدم لفظ "آتيناه" و هو تعبير دقيق فيما يخص الإنجيل، لان الانجيل كما نعرفه اليوم مروي عن أربعة من حواريي المسيح هم متى و مرقس و لوقا و يوحنا، و هو روايات مختلفة لقصة السيد المسيح و حياته على الأرض و أقواله و قصصه و تعاليم نبوته، تتفق في الجوهر و تتباين في بعض التفصيلات، و لهذا فالإنجيل ليس كتاب منزل بحرفه، و لكن ملهم بمعانيه من الله للسيد المسيح في مواقف معينة ، فكان استخدام فعل الإتيان أقرب من فعل التنزيل بسبب طبيعة الإنجيل ككتاب ملهم، و هو ما لم يفطن إليه أي من المفسرين سابقا، ربما لقصور العلم و الإلمام بالإنجيل ، لكننا لا نراها أبداً مصادفة لغوية أن يستخدم القرآن لفظ التنزيل للتوراة و الإنجيل مجتمعين و للتوراة بمفردها و يستخدم الإتيان للإنجيل ، لقد بقي موضوع إنزال الإنجيل و التوراة يحيرني فترة لعلمي أن الإنجيل ليس منزلا بلفظه، حتى هداني الله لهاتين الآيتين
قال تعالى (وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون) المائدة: 48
الشق الأول من الآية الكريمة يتناول علاقة القرآن بالتوراة و الإنجيل من قبله، و يثبت للقرآن أنه جاء مصدقاً لكليهما، أما مهيمنا، فهي من الهيمنة بمعنى الحفاظ على الشيء، و احتوائه، و بهذا يكون المعنى المقصود ان القرآن جاء مصدقا للتوراة و الإنجيل و محافظا على المعاني و القيم التي وردت بهما ، من خلال شمولها في النص القرآني من حيث المعنى، و قد حفظ الله القرأن بنصه بالآليات التي تحدثنا عنها سلفاً، ثم تخبرنا الآية الكريمة أنه برغم توحد الأديان السماوية ، اليهودية و المسيحية و الإسلام في المضمون الأساسي و هو التوحيد عقيدة و طريق الحق و الخير سلوكاً، إلا أن الله شاء أن يجعل الشرائع بين هذه الأديان الثلاثة مختلفة ، و قد كان خلافا مبنيا على اختلاف العنصرين الزمني و المكاني بين الرسالات الثلاث، و كذلك اختلاف الهدف من كل منها، فمثلاً، بينما نجد تركيزا كبيرا في اليهودية و الإسلام على التوحيد و العبادات، نجد المسيحية تركز على الأخلاق و مضمون العبادات، ذلك أن بيئة اليهودية و و الإسلام الأولى كانت وثنية في الحالتين، بينما أرسل عيسى لليهود و هم موحدين و عابدين، غير أنهم أفرغوا العبادات من مضمونها الأخلاقي، كذلك ضمن الله سبحانه في الإسلام الآليات اللازمة لضمان استمراره و تطوره لمواكبة تطور الإنسان، ذلك أنه خاتم الأديان ، و هكذا تباينت الشرائع و العبادات في كل دين وفقاً للهدف الأسمى و هو نشر عقيدة التوحيد و مكارم الأخلاق بين البشر حتى تتحقق المهمة الكبرى في التحضر و التطور الإنساني ، أما الشرعة فهي الطريق الأساسي و يقصد به العقيدة، و اما المنهاج فهو من النهج ، و النهج هو الأسلوب، فيكون أقرب لمعنى العبادات و السنن التي تمارس في كل دين من الأديان
قال تعالى ( إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة: 69
هذه الآية الكريمة حيرت المفسرين و النحاة في تأويلها، و ذلك لأن "الصابئون" و هي معطوف على اسم إن جاءت مرفوعة و الأصل فيها النصب لتصبح "و الصابئين" فعلل بعض النحاة و منهم الفراء بقوله أن "إن" الناصبة ضعفت لطول العطف، و علل البعض بالتقديم و التأخير بأن أصل الترتيب يكون "إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك" و منهم سيبويه ، لكننا مع قبولنا لرأي التقديم و التأخير لا نرتاح للسياق المقصود كما افترضه سيبويه لأن فيه افتعالا شديدا، و رأينا في الآية الكريمة بين أمرين ، الأول: التقديم و التأخير، على افتراض السياق بدون تقديم يكون "الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى ، إنهم من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون" و بهذا النمط الافتراضي يستقيم الاعراب و يحتفظ السياق بمنطقيته و سلامة معناه ، و هو ما لا نراه متوفرا في فرضية سيبويه، و في فرضيتنا تصبح الصابئون معطوف على مبتدأ مرفوع بالواو، و تكون إن جملة في محل خبر ، و اسمها ضمير مستتر تقديره هم عائد على المبتدأ، و خبرها جملة "من آمن ....." و بهذا تنتفي الإشكالية الإعرابية ، الاحتمال الثاني: و هو أن تكون القراءة المعروفة عن الصحابي الجليل "عبد الله بن مسعود" هي الصحيحة حيث قرأها "و الصابئين" و بهذا أيضا تنتفي الإشكالية الإعرابية ، و يؤيد هذا الرأي ورودها بالسياق ذاته في سورة البقرة منصوبة في قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون" ، و من المعروف أن الأحناف قد اعتدوا بقراءة ابن مسعود من مصحفه في العديد من المسائل كالقنوت و غيرها كمرجع فقهي يجوز الرجوع إليه ، و لا يجب أن تكون لدينا حساسية في هذا الموضوع ، فحين نأخذ في الاعتبار أن المصاحف الأول كتبت غير منقوطة و لا مشكلة بحركات عليها، فليس أمرا جللا أن يكون عندنا ثمان أحرف في القرآن كله يختلف فيهم القراء من مصاحفهم المختلفة ، فهذا أمر هين لا يغير في معنى الآيات شيئا و لا تعارض فيه مع قاعدة الحفظ الإلهي للذكر الحكيم
تفاوتت كتب التفسير بين أقوال متفاوتة ، فقال بعضهم أنهم قوم يعبدون الملائكة و هذا لا يعقل لأنهم ذكروا مع أهل الكتاب و المسلمين، و قال البعض أنهم فصيل من اليهود أو النصارى، و لو كان الأمر كذلك لاستغني بذكر الأصل عن ذكر الفروع، و قال البعض أنهم كالمجوس و هذا لا يعقل لذات السبب الأول، فماذا نقول فيهم؟ سبب الخلط الذي وقع فيه القدماء هو تعقيد عقيدة الصابئون هؤلاء، فهم يؤمنون بالله الواحد، و هم يتجهون بالحديث للملائكة كوسيط ، و هذا خلل في توحيدهم و لا ريب، مما روج لفكرة أنهم يعبدون الملائكة، كذلك يجعلون لكل ملاك رمز من النجوم، و لهذا حسب أنهم يعبدون النجوم، و قد تأثروا كثيرا بسيرة يوحنا المعمدان ، خاصة في فكر المعمودية ، و لكن التأثر بيوحنا كان متأخراً بعد نشأتهم لأن تاريخهم أقدم من المعمدان نفسه، اذ يرجعون للألف الثالثة قب الميلاد، و يهتمون اهتماما خاصا بالتعميد بالماء و الاغتسال بشكل طقسي جماعي و بملابسهم، لهذا الخلط مع المسيحية، فهم يغتسلون لمحو الخطايا، و لا يعترفون بالعنف كوسيلة مشروعة لحل النزاعات، و يحرمونه في كافة الظروف حتى المقاومة المشروعة
و تقوم عقيدة الصابيان أو المانديين على الصلاة و الصوم و الصدقات من حيث العبادات و الطاعات، و يقوم على الإيمان بالله الواحد و الإيمان بنبوة كل من آدم و شيث و نوح و ابنه سام بن نوح و يحيى ابن زكريا أو يوحنا المعمدان و هو آخر أنبيائهم ، و لهم كتب مقدسة هي كتاب "الجينزا-رابا" و هم ينسبونه لنبوة آدم و ابنه نوح، و كتاب آخر فيه كلمات و مأثورات عن يحيى عليه السلام، و هم يحرمون الختان، و الكحوليات ، و يقدسون الزواج كواجب ديني و لا طلاق عندهم ، و يتميزون بموقف شديد التحضر من المرأة و مساواتها بالرجل، و لا يزيد عددهم في العالم كله اليوم عن مائة ألف صابي
و لا أساس من الصحة لما ورد بكتب التفسير، و على موقع الأستاذ عمرو خالد من أن الصابئة مشتقة من فعل صبأ ، ببساطة لأن العكس هو الصحيح، الصابئة أو الصابيان مشتقة من فعل "صابا" بمعنى اغتسل و اسم "ماصبوتا" بالآرامية و معناه المغتسل، فأغلب الظن أن الفعل "صب" كصب الماء و غيره هو جذرها في العربية، أما صبأ فقد قيلت لمن غير دينه في الجاهلية و أصبح صابيا، أي اتبعهم، ثم عمت لكل من قال بالتوحيد و أعرض عن آلهة قريش، و مازال الصابئة موجودن ليومنا هذا كما نرى في الصور في جنوب العراق و جنوب سوريا، لكن أعدادهم في تناقص مطرد، و البعض يرجع هذه العقيدة لدين إبراهيم الخليل بعد أن حرف متأثرا بالزمن
مضمون الآية الكريمة
هذه الآية هامة للغاية لفهم طبيعة الفئة الناجية من منظور قرآني، و هل هي فئة واحدة أم فئات، و هل تتوحد درجة النجاة أم تتفاوت ، و لكن لصعوبة شرحها مستقلة عن بقية الآيات المرتبطة بها فسنوردها في مبحثنا عن الدار الآخرة في الجزء الثاني من كتابنا هذا
قال تعالى (قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة: 100
هي آية من أجل الحكم التي يمكن أن ترسخ في ذهن الإنسان فتغير سلوكه تغيراً جذرياً كاملاً، لأنها تعبر عن قانون إلهي قدره الله في كونه، و هو قائم إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، و بداية نقول بأن الخبيث هنا هو كل ما خبث من الصفات و الأفعال و السلوكيات و الأشياء، و الطيب هو كل ما طاب منها، فالشجاعة و الحكمة و الكرم و الصدق صفات طيبات يقابلها الجبن و الحمق و الشح و الكذب كخبائث، و الرشوة و الفساد و النفاق خبائث يضادها النزاهة و الصلاح و الترفع كطيبات، فتعالوا ننظر لحال الناس من الطيب و الخبيث في هذه الدنيا
بتقديرنا أنه في أي مجتمع بشري طبيعي، موفور العدد، يكون هناك نسبة لا تتعدى العشرة بالمائة من الناس يتبعون الطيب حيث كان تحت أي ظروف و مهما كان الاغراء و الترهيب، هؤلاء هم الصفوة الأخلاقية للمجتمع ، و لكن الأخلاق ليست قاصرة عليهم، و كاتب هذه السطور لا يرى نفسه واحدا منهم لأنه أضعف من ذلك، لكنه لا يعد نفسه كذلك خبيثا بالكلية، و على نقيض هؤلاء، هناك نسبة تقارب العشرة بالمائة خبثاء بالسليقة، و هم من اصطلح علماء النفس على تسميتهم بالسايكوباتيين، و هم يرتكبون الخبائث حبا في الشر و الدمار و الخراب بدون نفع يطلبونه أو ضرر يهربون منه، ثم تأتي الفئة التي تكون سواد المجتمع الأعظم و هو الثمانين بالمائة، و هؤلاء متدرجون، ففيهم من هو أميل للخير و من هو أميل للشر، و بدرجات متفاوتة، و هؤلاء لو حسن المجتمع من ناحية نزاهة حكمه و صرامة قوانينه و ارتفاع مستواه الحضاري، يميلون بالضرورة لأعلى فيكون المجتمع صالحا يكثر فيه الطيب، و العكس صحيح، فلو هبطت هذه العوامل انحدروا للخبائث حتى يغلب الخبث على المجتمع
الآية الكريمة تخبرنا أنه في الحالات التي تسود فيها صفة أو سلوك أو ممارسة خبيثة كالرشوة أو التحلل الخلقي أو السرقة و غيرها في مجتمع بشري، كما هو حال الفساد عندنا اليوم، يجب على المؤمن أن يتمسك بصفاته المضادة لهذه الآفة المنتشرة، فلا يغتر بكثرتها و تفشيها فيقول لنفسه " و لماذا أكون أشرف من هؤلاء" او يقول كما في الحديث الشريف "انا مع الناس" لأن كثرة الشر لا تقلبه خيرا بل تجعله شرا كبيرا، و كثرة الظلم لا تجعله عدلا بل حوبا كبيرا، و الكثرة قد لا تعني الكثرة العددية فقط، و لكن تعني المكانة التي يصل إليها الشر ممثلا في أتباعه، فقد ترى منهم الأثرياء و الوجهاء و الساسة، فتعجبك هذه الوفرة في مال الخبيث أو منصبه أو حظه من الدنيا، لأن الدنيا ليست دار عدل نهائي، فقد قدر الله لها أن تسير بمقاييس سببية معينه قد يثرى الخبيث بها، و قد يسود الجبان و الأحمق، إذا صادفتهم أسباب النجاح ربما عن غير جدارة ، أما دار العدل المطلق فهي الدار الآخرة، و للإيمان بهذه الدار و عدالتها يوصينا الله في الآية بالتزام التقوى كواق من الانحرافات التي تخايلنا، لان الشر لو لم ينته بصاحبه لسوء المآل في هذه الدنيا، فسيحدث هذا في دار البقاء
6 comments:
د/أياد
هل هناك فرق بين
""الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى ، إنهم من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون"
كما تفسرها أنت
وبين ما خطر ببالى
"إن-- من آمن بالله و اليوم الآخر -- الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى-- ، فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون
"
متسألنيش عن الإعراب أنا بس قرأتها فى بالى كده؟؟؟
--------
أية الجهر بالسوء من القول من الأيات التى أضعها نصب عينى دائما
---------
بالنسبة لقصص الرسل
ما رأيك فى موضوع أبى أدم؟؟ لعبد الصبور شاهين
----------
تحياتى
أنار الله بصيرتك دكتور
قال تعالى )
(لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ)
صحيح هي الاعتداء بالدعاء
وتتعاده لمظاهر أخرى
بيني وبين هذه الآيه حيره
هل تعني عدم الخوض في غيبه الظالم والاكتفاء بالرخصه الفقهيه وهي اعلام القاضي لمنازعه بمساؤي الظالم
أعتقد أن الله خلقنا وهو أعلم بضعفنا وسنتكلم بالسوء كثيرا وقليلا
الله اعلم
*قال تعالى (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً) النساء: 164
سبحان الله علام الغيوب
*قال تعالى ( إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة: 69هذه الآية
الآيه هذه كانت سبب جر الشتايم علي :)
قلتها في شات بعرض الحديث عن الجنه وأنها ليست حكرا للمسلمين فقط
اتهمت بأني مسيحي
لا يهم
ماذا تحشو النظم التعليميه العربيه في عقول أبنائها ؟
التعليم العربي فشل في تخريج نخبوي كلهم أميين بشهادات
الصابئه لهم اركان 5
التوحيد ـ التعميدـ الصلاه ـ الصيام _الصدقه
في ظني كل موحد لله في الجنه ولو اختلفت تفاصيل الديانه
والله اعلم
يا سيدي
بارك الله في علمك
ووقاك نزغ الشيطان
الصديق فوق العادة Arabic ID
منور في التعليق الأول
لا يوجد فرق بين الترتيب الاعرابي الذي اقترحته أنت يا عزيزي و بين ما فكرت فيه، أعتقد أن كليهما جائز، و قد فكرت في الترتيب الذي أوضحته أنت، ثم منعني من كتابته الفاء الزائدة في "فلا" لأنها غير معتادة بلاغيا في خبر أن في حدود علمي
أعاننا الله جميعا على الحرص على آية الجهر بالسوء، فهي آية تصلح أمة لو فهمتها حق فهمها و طبقتها حق تطبيقها
أما موضوع أبي آدم فحاول به الأستاذ شاهين التوفيق بين النظرية العلمية التي تقول بوجود جنس بشري فسيولوجيا و غير عاقل وجد منذ أكثر من 3 ملايين سنة على الارض وفقا للحفريات، و جنس عاقل وجد منذ ربع مليون سنة فقط ، و كثير من آرائه فيها معقولة جدا، و لا أرى فيها انكار لمعلوم من الدين بالضرورة كما ادعى البدري هذا
خالص تحياتي و تقديري و شكري
صديقنا المميز التعليقات Anonymous
شكرا صديقي على كريم الدعاء، أنار الله بصيرتنا و هدانا أجمعين
أما عن آية الجهر بالسوء من القول، فظني ان استثناء المظلوم يسري كذلك على ما يبث به المظلوم همومه للناس و على لحظات الانفعال الناجمة عن الظلم، و عن مواجهة الظالم بسوء فعله، كل هذا أراه من نص الآية مندرج تحتها، فالكل "قول" في النهاية، و كما قلت يا سيدي، سبحانه ادرى بمرارة الظلم و طبع البشر
أما عن الآية التي جرت عليك اللوم يا صديقي، فتقديري لفهمها أنها عددت الفئات التي يتوفر فيها عدة شروط و هي
1- من آمن بالله
2- من ىمن بالبعث و الحساب
3- من جمع للإيمان بهذين عملا صالحا
و الفئات الواردة فيها فعلا هي ما يجتمع لها هذه الشروط، و النص القرآني واضح في غير موضع على عدم قصر الجنة على فئة ناجية وحيدة و لكن هناك فئات ناجية و بدرجاتـ، و هذا ما ياتي حديثه قريبا لو أحيانا الله سبحانه
ما احب دعاءك يا سيدي، تقبل الله منك و جعل لك مثله، و وقانا نزغ الشياطين في القول و العمل، و وقانا ضعف النفوس
بارك الله في ايمانك يا سيدي و عقلك و تدبرك
خالص تحياتي و جزيل شكري
ان حاول الانسان ان يسعى ليجد قوت يومه ولأبنائه او ليعالج من مرض فهو لا يملك القدره على العلاج و ليس لديه القدهره ايضا عللى احتمال الالم ولم ينجح ولم يجد ما يسد ايا من الجانبين و لم يجد ما يسد جوعه ولم يصل لنقطة الاشباع للأساسيات سواء له او لأسرته
فكيف لموظف راتبه مثلا 200 جنيه و لديه اسره (زوجه و ابناء) مطالب ان ينشئهم نشئه صحيحه و يعلمهم قواعد دينهم الذي احد ركائزه الرحمه و الموده و الاخاء حتى ينشائوا اسوياء غير حاقدين او ناقمين
اعتقد ان العيب فينا كبشر يا دكتور
النفوس لم تعد صالحه للمعايشه و التعايش
ومع زوال منهج حب لاخيك ماتحبه لنفسك امام فكره انا و من بعدي الطوفان نجدنا نقف عاجزين من تطبيق حدود و شرع الله و اوامره
وكيف ذلك وانالا اجد وقت للعباده او توظيد صلتي بربي فكيف سيعطيني حقي و انا اجحفه حقه؟
كيف سينصرني و انا ظالمه؟
فهل تتصور يا دكتور ان هناك في عصرنا الحالي من يحاسب نفسه بالطريقه التي و طرحتها؟
وان كان هناك نسبه فهي ان تعدت الواحد بالمائه فهذا فضل و عدل من عنده سبحانه
تحياتي
اعتقد انها حلقه مفرغه اساسها تطور و تزايد احتياجاتنا و عدم قدرتنا على المواجهه
صديقتي BeeR
أنت على حق تماما في دور الضغط الاقتصادي في تغييب الفكر الديني، فالجائع لا يفكر في الآخرة بل في جوعه، و لو فكر فيها سيعجبه الفكر الصوفي التخديري لأنه يسليه عن اعوجاج دنياه، و لكن لماذا الجوع؟ لأننا لم نتعلم الدين كما يجب، لم نعرف الدين الحقيقي كرسالة حض على الثورة و التغيير و طلب الحق و الحصول عليه
تحياتي و تقديري
Post a Comment