17.3.08

محور الشر-02


الصناديق و قطرة المــــــــــــــحيط
هو تعليق على مقال عميق في محتواه الفكري ، شهي في صياغته و لغته كالخبز الإيطالي الذي تلتهمه لا شعوريا حتى نهايته ، إنه مقال للمدونة قطرة المحيط أو دروب أوف ذي أوشن في سياق مجلتنا الإلكترونية الجديدة "مصر الجديدة" التي ولدت على يدي الرائعة دوما فانتازيا ، يشارك بها نخبة من المدونين و المدونات ، منهم السهل الممتنع إيجيبت أناتوميست و غيره من المميزين، تحدثنا قطرة المحيط في مقالها عن الإخوان "البعدا" الذين بدأت حولهم هذه السلسلة منذ أسابيع ، و الذين بدأت رحلتي معهم ، أو بشكل أدق ضدهم، منذ أيام الجامعة ، لكن هذا ليس ما لفت نظري و لا ما دفعني للتعليق ، ما رسم البسمة على وجهي هي نظرية الصناديق التي نعيش فيها ، لكل منا صندوقه و كل مجموعة صناديق متقاربة تتجمع في شكل بلوك "صناديقي" مميز بلونه و زيه ، و كل بلوك بالطبع مغلق على نفسه ، و هي نفس النظرية التي يسميها صديقي د/أحمد عبد الله نظرية القبائل ، على طراز "أنت معانا و لا مع التانيين" و التي أسميها أنا نظرية القطعان البشرية ، ثم هالني أن أجد قطرة المحيط تسميها في مفطع لاحق من مقالها بالقطعان أيضاً، إلى هذا الحدد تتشابه الأفكار حين تتشابه الهموم؟ لكن ما هالني لأكثر و أكثر ، هو زيارتي لمدونتها ، لأجد أن عمرها 19 عاما ، فلا أملك إلا أن أقول ، ولادة يا مصر ، و أقول ما قلته من قبل لمجموعة من المدونين التقيت بهم ، و كانوا من شباب الجامعات و حديثي التخرج ، أنهم أفضل منا ، لقد ساعدهم انفتاح العصر على النضوج المبكر مقارنة بنا نحن المساكين الذي كانوا يبحثون عن الكتب الممنوعة في أزبكية القاهرة ، و النبي دانيال بالاسكندرية ، و طه الحكيم بطنطا ، و هؤلاء هم أملنا جميعا، و بهم نبتسم للغد الذي نحلم به أفضل ، و بهم نعود للمعركة كلما دفعتنا شيخوختنا المبكرة للخروج منها، معركة النور ضد الظلام ، و المستقبل ضد الماضي ، و انا من أمثلة الهاربين الذين عادوا، فبعد أن قررت أن أتحول للكتابة بالانجليزية تماما ، عدت لسببين ، أولهما مبادرة فانتازيا مع مصر الجديدة التي أخجلتني من صلابتها، على طراز صيحة جهاد في فيلم "واإسلاماه" ، و ثانيهما طلب من شاب ناشيء عز علي أن يطلب مني أن اترجم مقالا بعينه للعربية حتى يستطيع قراءته و لا أستجيب ، فترجمته و بذهني تتردد كلمات "صاحبة العصمة" أم كلثوم و هي تقول "تعالوا يا أجيال يا رمز الأمل ، من بعد جيلنا و احملوا ما حمل ، و افتكروا بكرة و اذكرونا بخير ، مع كل غنوة من غناوي العمل" ، المهم ، لقد طالت المقدمة و آن لنا أن ندخل في الموضوع عن محورنا الشرير ثانية

لقد علقت قطرة المحيط على العديد من الملامح المشوهة للتيار المتأسلم ، و أنا أشاركها هذه النظرة إلى ما لا نهاية ، فعلقت على السيف الذي يزين شعار الاخوان المسلمين ، و هو شعار قد أفهمه أنا كعربي رمزاً للشهامة و الدفاع عن الحمى ، و لكنهم ينسون أنه لدى العالم اليوم ، أصبح وضع السلاح في شعار لا يصلح إلا للقراصنة ، حتى و ان كان العالم يضج بالعنف و الدماء، و كذلك علقت على شعارهم الدائم "الإسلام هو الحل" و عنه تعودت أن أقول على عيني و راسي الاسلام يا سيدي، بس انت مين؟ ايه علاقتك بالاسلام؟ معاك توكيل من الله عز و جل بالحديث نيابة عنه؟" ثم علقت على موضوع ذي شجون ، و هو موضوع دولة صدر الإسلام ، و التي يمنون الناس بأنهم قادرون على بعثها من جديد ، بعدل عمر بن الخطاب و باشتراكية عمر بن عبد العزيز ، ثم يصورون هذه الدولة بالمدينة المنورة كدولة طوباوية و كأنها جنة على الأرض ، متجاهلين حقيقة تاريخية ، هي أن عظمة هذه الدولة كانت في بشريتها ، و في الأخطاء و الضعف البشري فيها، كانوا بشراً رغم طيب معدنهم و عظمة إيمانهم، يضعفون يوم حنين و يتفرقون عن رسول الله ، و يولون هاربين ، فيعاتبهم الوحي الإلهي، ثم يتوب الله عليهم لأنه سبحانه و تعالى أدرى بضعف البشر من مخلوقاته ، و تغري السلطة و السطوة بعضهم فيجادلون صاحب الحق و ولي الأمر في حقه، و يخرجون عليه ، كما فعل طلحة و الزبير و السيدة عائشة مع علي رضي اللهم عنهم أجمعين، و في بشريتهم هذه تكمن عظمة التجربة ، فلو كانوا ملائكة من السماء لما كانت لسيدنا محمد عظمة الإنجاز الذي حققه بتحويل نفس القبائل المتناحرة إلى أمة موحدة مرهوبة الجانب

ثم أخذتني اللينكات إلى مدونة قطرة المحيط أقرأ بعض مواضيعها ، و بالطبع جذبت عيني الموضوعات التي أهوى البحث و الخوض فيها ، و على قمتها يأتي كل ما له علاقة بعلم الاجتماع البشري و ما يرتبط به من علم الأديان و الاعتقاد ، و رأيت صاحبة المدونة تنتقد الفهم الذي وصل إليها عن الدين ، و لا أقول وصل إليها لأنها لم تبحث و لم تقرأ ، بل من الواضح أنها فعلت ، لكنه وصل إليها نتيجة تسود الفكر المغلق بدأ من الأشعرية في نهاية العصر العباسي ، و حتى سلفية و وهابية اليوم ، على أغلب الكتابات الإسلامية، هذا الفكر الظلامي الذي روج لبعض كتب التراث و أخفى بعضها و تجاهله ، كأن أئمة المعتزلة أهل العدل و التوحيد ليسوا من تراثنا ، و كأن هؤلاء النجوم الزهر الذين جعلوا من العقل المصدر الثالث للتشريع و الفقه مع القرآن و السنة ليسوا من سلفنا الصالح ، لقد طرحت المدونة الشابة أسئلة حيرى حول بعض ما قرأته و لم يقبله عقلها عن وضع المرأة في الإسلام، و للأسف ، دارت إجابات المعلقين عليها حول محور يكاد يكون واحدا و هو "كده كويس قوي ، كفاية عليكم كده يا ستات ، هو انتو كنتو طايلين أساسا؟" وهكذا ، تظل الأسئلة التي طرحتها بلا إجابة ، لأن الفكر السائد في فهم الدين و فقهه فكر عقيم عنين، عاجز عن ادارة حوار أو إبحار في علوم التاريخ و الاجتماع الانساني و تاريخ الأديان ليحاور عقل الشابة المثقفة

تسأل قطرة المحيط بذكاء عن الإسلام ، و هل رفع مكانة المرأة لتصبح مساوية للرجل؟ و السبب طبعا هو شيوع نظرية القوامة بفهمها القاصر عن المعنى القرآني الجليل ، فيرد من يرد بأن ربنا عايز كده ، عايز الستات يبقوا معلقين برقبة الرجال ، و سألت عن دور المرأة و وضعها دائما كمفعول به في العقل العربي و ليست فاعلا، كما سألت عن القوامة و هل معناها تبعية المرأة للرجل؟ و سألت لماذا ينهى الرسول المرأة عن الصوم دون إذن من زوجها ، و يأمرها بالاستجابة لدعوته للفراش و يقول بلعن الملائكة لها لو لم تفعل؟ و سألت عن حق الطلاق و لماذا هو للرجل فقط؟ و سألت عن عقاب المرأة الناشز و عدم وجود عقاب مماثل للرجل الذي لا يفي بواجباته كزوج ، و عن تقديم المذكر على المؤنث في نصوص الآيات الشريفات عدا آية الزنا ، حيث قدمت فيها المرأة؟ كلها أسئلة ذكية تحتاج لإجابات مقنعة ، و أنا لست من ملاك الحقيقة المطلقة ، و لست ممن يدعون أنهم يعرفون كل شيء و لديهم كل الإجابات ، فهذا جهل أعوذ بالله منه ، و لكنني أدعي أن لي بعض العلم بمدرسة اندثرت أو كادت من مدارس الفقه الإسلامي و الفلسفة الإسلامية، هي مدرسة أهل الرأي ، و هي مدرسة واسعة تضم العديد من المفكرين و الفقهاء على اختلافهم ، بعامل مشترك واحد ، هو إطلاق إعمال العقل و الرأي لتدقيق النصوص و إثبات أو نفي صحة نسبتها فيما يخص الحديث و السير، ثم الوصول لأفضل تفاعل مع النص في ظروف زماننا و مكاننا ، و لو سمحت لي صاحبة المقال ، لأجبت على ما سألته في مقالي القادم مع إجاباتي عن أسئلة صديقنا الملحد التي وعدناه بها في المقال القادم من سلسلة "منطق الإيمان" بإذن الله

8 comments:

Unknown said...

د / اياد
الحقيقة انا طبعا لسة مقرائتش الموضوع
بس هقول شى انا حاسة بية الاسلام دين سمح مش محتاج كل الى بيتعمل دة والكلام الكتير احنا محتاجين بس اننا نقراء واكيد هنفهم لانة ليس طلاسم ولا اشياء غير مفهومة ومش محتاج وصى من حد يقولنا ان الاسلام هو الحل لان ما اقوى من الاسلام هو الايمان بالله فكم من مسلمين فى البطاقة وليسوا مؤمنين ولا يعملون بشرع الله
اما عن موضوعات الاسئلة التى طرحت فلست باقدرة على الجابة عليها
ولكن اعتقد ان ما من دين انصف المرءة
مثل الاسلام واكتفى بذكر شى واحد فقط ان المرءة بتظل تحتفظ باسمها بعد الزوج ولا يتغير باسم الزوج ولها ذمتها المالية المستقلة
بس لو نفهم الاسلام صح اكيد حجات كتير من الى بنشوفها هتتغير بس من غير وصى علينا
تحياتى

G.Gar said...

"وصل إليها نتيجة تسود الفكر المغلق بدأ من الأشعرية في نهاية العصر العباسي ، و حتى سلفية و وهابية اليوم ، على أغلب الكتابات الإسلامية، هذا الفكر الظلامي الذي روج لبعض كتب التراث و أخفى بعضها و تجاهله ، كأن أئمة المعتزلة أهل العدل و التوحيد ليسوا من تراثنا ، و"

You should also add the source of all terror, ignorance and blood in the region- Iran. It was the revolution of the butcher Ayatollah Khomeini( installed by CIA) in 1979 that boosted all the radical islamist movements thought the Arab world.

Anonymous said...

الاخ السيد اياد
ارجو ان لاتلزم نفسك بالرد علي
اذ ان لك مطلق الحريه
انا اتبع شعار ان الاسلام هو المشكله
لسبب واحد فباقي الاديان تم تحجيمها ضمن المعابد
بينما انطلق غول الدعاة الاسلاميين ليسجلوا اكبر اساءه لكل الاديان ولله وليس فقط للاسلام
انا شخصيا لااؤمن بان هناك مسلم معتدل او مسيحي معتدل او يهودي معتدل او بوذي وحتى عابد للشيطان معتدل
ان مجرد ايمان الشخص بكتابه المقدس لايستطيع ان ينتقي منه على كيفه
لحسن الحظ فان الانترنت فتح فجوة كبيره في جدار الاديان وخاصة الاسلام ومهما تطرف البعض بالدفاع او حاول البعض تحسين صورة الاديان فقد ابتدأ العد العكسي برأيي
ليس الدين وحده ماجعلنا في آخر ركب الحضاره وانما ماتبع هذا الدين من تحليلات وتفسيرات ومحالة اثبات اعجازات وادبيات تربينا عليها وعلى اخلاقياتها في منطقتنا العربيه
انها عملية نسف لمنظومة الاخلاق
اذا قتلت وسرقت وارتشيت وزنيت ووووو وتبت الى الله وذهبت الى كعبة مكه فساعود كما ولدتني امي هل هناك اقسى من ادبيات كهذه
تحياتي لك
واكرر لست ملزما بالرد على تساؤلي الماضي
وشكرا لاعطائي وقتك

Dr. Eyad Harfoush said...

صديقتي العزيزة أيوية
تعليقك يضيء الصفحات فلا تحرمينا منه أبداً

أنا معك أن الدين ليس طلاسم و لم يكن الكتاب أبدا كتابا مشفرا يحتاج لخبراء لحل طلاسمه ، لكن هذا ما حاول المتأسلمون بيعه للناس حتى يقتلوا الفكر و التفاعل البشري مع الدين

كذلك معك في أن الإسلام كرم المرأة ، كذلك المسيحية و اليهودية في صورتهم النقية قبل التفاعلات البشرية معها جميعاً ، تفاعل بولس و تخريجاته الفلسفية مع المسيحية ، و تفاعل المتطرفون من الخوارج فهبوطا حتى اليوم مع الحديث الشريف باختلاقه و نسبته للرسول ، فلو قبلنا ما يروى عنه صلى الله و سلم كحديث مثل "أخروهن من حيث أخرهن الله" و هو يقال على المنابر كحديث و نحن نبرأ الرسول منه ، لكننا لو قلنا نعم هو حديث فليس لنا بعدها أن نتكلم عن حقوق المراة في الاسلام

تحياتي و تقديري

Dr. Eyad Harfoush said...

Dear Amre,
:) Iran forever :). Even if I agreed with you on evils in Iran, I still believe many evils exist in our world apart from Iranian one. Sunnet fanatics being included. Best Regards

Dr. Eyad Harfoush said...

الأخ ديموزي

بل أنا ملزم بالرد ، يلزمني به تهذيبك و احترامك لآداب الحوار ، و آسف لتعطلي عن الرد خلال اليومين الماضيين لمشاغل العمل ،و لقد بدأت المقال بالفعل
تحياتي و تقديري

Fantasia said...

excellent excellent exchange of thoughts.

يا سلااااااااام.. رجعتونا لأيام الفكر والثقافة بتوع زمان.. أيوة كدة.. عايزين حركة ثقافية وحوار ونقاش.. عايزين مقالات تتحاور مع مقالات, وأفكار تكمل أفكار.. أشكرك يا دكتور على هذا النشاط التدويني وهذه السلسلة من المقالات المتميزة. كما أشكرك طبعا على تشريفنا بانضمامك لكتيبة كتاب مصر الجديدة, التي أثراها مقالك القيم وجهدك المخلص
أنا قرأت كل المقالات, ولي عوجة للتعليق في القريب

خالص تحياتي

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزتنا فانتازيا
الانضمام لمبادرتك الرائعة شرف لمن اخترتيهم لها ، و قراءتك للمقالات هنا شرف آخر ، و سيسعدنا الشرف الثالث بالتعليقات

تحياتي و تقديري