6.6.10

هنا أحبت .. وهنا ترقد


غريبة هي المشاهد العابرة التي تترك أثرا في معدل ضربات قلبك، وفي تركيب نخاع عظامك، فلو تأملت المشهد أكثر، ربما أضاء روحك وأعاد توجيهك، أمس، على شاطيء مدينة الحمامات بتونس، وعلى بعد خطوات من قلعتها التاريخية التي تعود للقرن الثالث عشر الميلادي، لفت نظري مقعد حجري وحيد من مقاعد الشاطيء كالتي تراها على كورنيش الاسكندرية، كان مشهد المقعد الحجري المنفرد بطول الشاطيء غريبا، وحين اقتربت لأقف أمامه وجدت واجهته الأمامية مغطاة بالقيشاني الشرقي الأخضر، وفي منتصف مسند الظهر،؟ مربع أبيض من القيشاني كتبت فوقه بالإنجليزية وبلون أخضر عبارة تقول: في ذكرى حب آن .. هنا أحبت .. وهنا ترقد

يا الله، إنه نصب لحب كبير وفراق أليم، ما أشقانا نحن البشر في هذا العالم؟ لم يكن صعبا أن أستنتج أن العاشق المتيم قد اختار هذه البقعة من الشاطيء لأنها تواجه المنطقة التي غرقت فيها محبوبته، ووضع هذا المقعد ليشارك كل من يجلس عليه في قصة الحب والشجن والألم التي هي قصته مع آن، أخذت أقرأ العبارة الرقيقة العذبة ربما عشرات المرات .. لابد أنها كانت حبيبته ورائعته، لابد أن الشمس كانت تشرق من بسمتها، لابد أنها كانت تفهم كيمياء الأنوثة، وكيف تصير الظباء ظباء .. اسم آن متواتر من غرب أوروبا لشرقها، لكن اختياره للغة الإنجليزية يرجح أنها كانت إنجليزية أو أمريكية .. لأسباب تخص علاقتي بالمجتمع الأمريكي ونمطه استبعد خيالي الاقصائي أن تكون أمريكية، فآن هي المحبوبة البريطانية إذن .. لابد أن اللون الأخضر كان المفضل لديها، فقد اختاره للون الكتابة ولون مربعات القيشاني شرقية الطراز، ولو كانت آن رائعة فرائع مثلها هو الحبيب الذي جسد اللوعة والذكرى

قد يتناسى ليستطيع الحياة، لكنه لن ينسى، ستظل آن في أعمق نقطة من قلبه، وكلما عنت الذكرى سترتسم ابتسامة مقدسة فوق شفتيه، وستلمع دمعتان بعينيه تحاولان الفكاك من بين الجفون، سيهمس باسمها الثنائي الذي يعرفه هو ولا نعرفه نحن، قد يواعد بعدها ألف امرأة وقد يتزوج ويصبح ربا لأسرة جديدة سعيدة، لكنه سيحتفظ بذكرى المقعد الوحيد وقصته السحرية أبد الدهر، ما أروع وفاء البشر لرموز حياتهم الأجمل بعد موتها! عند تلك النقطة أخذني فكري لمنعطف بعيد قريب منها، هو الوفاء للخالدين من الرموز الذين غيبهم الموت عن عيوننا ولم يغيبهم عن وجداننا، ألا نهادن ولا نصانع ولا نقبل التنازلات حين يرتبط الأمر بوفائنا للراحلين العظام، فوجدتني أعيد الحساب في كثير من توجهاتي الفكرية والسياسية، لكن لهذا حديث آخر

2 comments:

Anonymous said...

قديتناسى لتستمر الحياه..وقد يواعد بعدها ألف امرأه..ولكن سيظل حبهاهو النقطه المحوريه في اعماقه..الجانب الخاص الذي يهرب اليه الذي يلقي بأحزانه خلفه و يتناساها حين يحيطه عبق ذكرى حب كان وسيظل احد اسباب استمرارية الحياه..
دمعت عيناي ولن انكر انني قد حاولتجاهدة ان لا استشعر احزان رجل احب فاخلص وعانى ومازال وسيظل يعاني الم الوداع والفراق ورغم كل ذلك استمر رمزا للحب و مثالا للوفاء

Dr. Eyad Harfoush said...

بعض النساء يا عزيزتي لا يرين في هذا وفاء، ببساطة لأنهن لا يفهمن التشريح النفسي للرجل، فيرين أنه بمجرد أن عرف أخرى أو تزوج أو تعافى ظاهريا من الحب قد نسيها وانقضت في قلبه، والحقيقة غير ذلك تماما
تحياتي وشكري للتعليق