6.11.10

الهلال والصليب .. عناق أم شقاق؟


نعترف أمام الله الواحد يا مصر أننا تهاونا في أمر النسيج الوطني تهاونا خطيرا، نعترف أمامه تعالى مسلمون ومسيحيون أننا استعضنا عن الحلم الوطني الضائع بانتماءات طائفية زادت الحلم ضياعا، ونعترف أن الهلال والصليب يتعانقان في الشعارات والصور وبينهما شقاق صار داميا في واقعنا اليومي، نعترف أننا شاركنا في صناعة الشقاق بالكلام حينا وبالصمت أحيانا، وكفى بالمرء إثما أن يلق احتراق الوطن بصمت الموتى

في كتابنا وجع الدماغ تناولنا طرحا قدمه القيادي في الحزب الوطني وضابط الشرطة السابق الدكتور "نبيل لوقا بباوي" لمعالجة المشكلة الطائفية، وبينا ما فيه من عور يكرس الطائفية ولا يقاومها، ثم طرحنا خطة من عشر نقاط إجرائية يعقبها طرح وطني لمواجهة جذرية لمشكلة الطائفية التي غرست في العقود الأربعة الأخيرة التي مثلت عصر الانحطاط المصري المعاصر في كل الأصعدة، وها نحن نعيد نشرها إثر تعليق مهموم بالوطن للناشطة المناضلة ومرشحة مجلس الشعب المستقلة الأستاذة "جميلة إسماعيل" دعت فيه لسرعة طرح الأمر بمنتهى الجدية التي يقتضيها

الوصايا العشر من أجل نسيج وطني جديد
  1. تأسيس هيئة الأبنية الدينية، وتؤسس كهيئة مدنية تابعة لوزارة الأوقاف والتكافل التالي ذكرها، وتتألف من خبراء مؤهلين في الإحصاء والعلوم الاجتماعية، ومهمتها متابعة ورعاية وصيانة دور العبادة القائمة من مساجد وكنائس، ومراقبة كفايتها لتعداد السكان من الدينين في كل منطقة، وتبسط هذه الهيئة سلطتها على جميع مساجد وكنائس مصر إداريا ودون تدخل في الشؤون الروحية، ولها الحق الحصري في اتخاذ قرارات بناء المساجد والكنائس وتنفيذها وفقاً للاحتياج، وعلى من يرغب المساهمة في بناء مسجد أو كنيسة التبرع لهذه الهيئة، أما الإشراف الديني على المساجد فيكون للجان من علماء الأزهر كما يكون الإشراف الروحي على الكنائس للكهنوت الخاص بكل طائفة، وعلى رأسها الكرازة المرقسية. وغني عن القول أن تأسيس تلك الهيئة سيكون تاليا لإبطال العمل بالقانون التركي (هاتي هومايون) الخاص بمعاملة الأقليات والشهير بالخط الهمايوني، والذي مازال ساريا لليوم منذ زمن "سليم الفاتح" العثماني
  2. تقنين الهامش الإعلامي الديني، ويقتصر في القنوات العامة المصرية على إذاعة مواقيت الصلوات الخمس والأذان ومواقيت الصلوات المسيحية، على أن تخصص قناتان للبرامج الدينية الإسلامية والمسيحية كل على حدة، مع مراعاة تخصيص وقت مناسب للمذاهب المختلفة لكل دين في برامج القناة الخاصة به
  3. إنشاء وزارة التكافل الاجتماعي والأوقاف، والتي تتكون بضم وزارات الأوقاف والتضامن الاجتماعي، على أن تكون وزارة مدنية يتكون هيكلها من كوادر مالية وإدارية، وتبسط سلطاتها على جميع الأوقاف المصرية إسلامية ومسيحية وعلى صناديق النذور والعشور في المساجد والكنائس والأديرة، وتلتزم برواتب العاملين بالإشراف الديني من الوعاظ ورجال الكهنوت، وتمويل الأديرة، كما تتحول لملكية الدولة وتضم تحت هذه الوزارة جميع المدارس والمستشفيات والمنشآت الخيرية ذات الصبغة الدينية، وتخصص هذه الأصول كلها لأعمال التكافل الصحي والتعليمي للطبقات غير القادرة من المصريين عامة، وكذلك لبناء المساجد والكنائس عند الحاجة من خلال الهيئة سالفة الذكر
  4. إقرار تعداد السكان ونسبة الأقباط الحقيقية، وسبب حساسية الدولة من إعلان العدد الحقيقي للأقباط كان دائما الخوف من المطالبة بنسب تمثيل في البرلمان والمؤسسات المختلفة وفقا لنسبتهم من التعداد السكاني العام. وهو خوف مفهوم في ظل مجتمع الانتماء الديني والتعصب، لكن مع إرساء مبدأ مدنية الدولة لن يصبح لهذا الخوف معنى، حيث لن تمثل المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية أتباعهما إلا روحيا، وبغير تسييس لدور الأزهر أو الكنيسة على السواء
  5. مبدأ تكافؤ فرص التعيين والترقي، وهنا نرى أن الكفاءة المهنية هي المعيار الوحيد للتعيين في مختلف الوظائف، ويفصل قانون العمل واللوائح الداخلية لكل مؤسسة معايير التوظيف في القطاعين العام والخاص، على أن يخصص بند في القانون الجنائي لتطبيق عقوبة على من يثبت بحقه التمييز ضد مواطن مصري على أساس ديني في التوظيف أو الترقي، فحتى القطاع الخاص لا يجب تركه ليتحول لمنشآت طائفية كما هو الحال اليوم
  6. الأساس المدني للتمثيل البرلماني، فالديمقراطية والانتخاب هما المعيار السليم للتمثيل النيابي، ويتعين إلغاء مقاعد التعيين التي تغازل بها الدولة الأقباط، فلو أراد الناخبون مرشحا فلهم من أرادوه، وتقع على عاتق المرشح وحده مسؤولية إقناع ناخبيه بصلاحيته وأهليته لتمثيلهم بغض النظر عن دينه، والحالات المتكررة التي انتخب فيها قبطي في دوائر غالبيتها مسلمة والعكس هي دليلنا على إمكانية هذا التطبيق المدني للديمقراطية بعيدا عن الطوائف
  7. تعديل المادة الثانية من الدستور، بحيث تشير للدينين الرئيسيين بأنهما المرجعية الروحية لغالبية المصريين، بدون النص على دين للدولة نفسها، فالدستور يوضع ليحدد علاقات دول مدنية ببعضها البعض وبالأفراد في كل منها، ولا يجوز وصف الدولة بالتدين بدين معين، ولطالما كانت هذه المادة منفذا لملاك الحقيقة المطلقة من المتطرفين لمحاولة الهيمنة على الأفكار والإبداع
  8. تدريس التاريخ القبطي، فمن حقنا جميعاً وليس حق الأقباط فقط أن تضاف حقبة تبلغ 600 عام من تاريخ بلادنا إلى مناهجنا التعليمية، فليس من حق أحد أن يطمس أو يبرز في ذاكرة الشعوب، وقد يظهر جدل على ما يدرج في المناهج حول الفتح العربي، أو حول مرحلة التحول من الديانة المصرية القديمة للمسيحية، وأعتقد أن الاعتماد على مراجع معتدلة من التراثين الإسلامي والمسيحي كتاريخ "ابن الأثير" ومخطوطات "يوحنا النقيوسي" سيكون مفيدا في عرض صورة حيادية لا تبالغ في رصد فظائع ولا تبالغ كذلك في تصورات طوباوية غير حقيقية. وفي النهاية، التاريخ هو علم طلب الحقيقة كما وقعت لا كما نريدها أن تكون، هذا ما يجب أن نعيه ونعلمه لأولادنا
  9. التسامي بالخطاب الديني الإسلامي والمسيحي، ونرى وجوب قصره على المساجد والكنائس والقنوات المتخصصة حرصا على تجنب سماع مواطن ما يجرح مشاعره الدينية، كما تنشأ بكل مدرسة قاعتان لتدريس الدينين الإسلامي والمسيحي، على أن تقتصر المناهج الدينية على مواضيع لا تحمل قضايا خلافية بين مذاهب الدين الواحد
  10. الحزم الأمني للعنف الطائفي، وهو قاعدة عامة لكل أمة تريد تحقيق السلام في ربوعها، فعليها أن تتعامل بمنتهى الحزم والردع مع من يتخذ من العنف وسيلة للتمكين لأهداف سياسية أو طائفية
المشروع القومي الجامع
أعتقد أن تلك التدابير العشرة التي يتكون منها طرحنا كفيلة مع الوقت للقضاء على الشحن الطائفي، ثم يتحقق التجانس الوطني من خلال مشروع قومي جامع لكل المصريين، مثل مشروع التحرر الوطني منذ العشرينات وحتى الخمسينات، ومشروع السد العالي في الستينات، ثم الصراع العربي الصهيوني في الستينات والسبعينات. فتلك المشاريع الوطنية هي ما يربي شعور الانتماء للوطن، وغيابها يضعف هذا الانتماء لصالح انتماءات طائفية تفرق ولا تجمع، وأولى المشاريع الوطنية اليوم هو مشروع الإصلاح السياسي والتنمية الاقتصادية الزراعية والصناعية والسياحية

والله من وراء القصد وبالله التوفيق

No comments: