1.11.10

الترانسفير-01


المكان: أحد معسكرات التركيز العربية في مقاطعة نوردلاند شمال النرويج الزمان: العام الثاني والستون بعد الترانسفير الكبير

الجليد يغطي أفق المعسكر مترامي الأطراف، والبالغة مساحته أكثر من مائتي كيلو متر مربع، تقف في أرجائه الواسعة مبان كالحة حائلة اللون، مهزومة المظهر كساكنها المهزومين، ومن بعيد خلف أسلاك المعسكر يظهر معسكر التركيز الأفريقي الأكبر في مملكة النرويج (القديمة) كلها، والذي يتسع لمليوني أفريقي من إجمالي مليار أفريقي ونصف مليار عربي موزعين على سبعمائة معسكر تركيز في شمال الاتحاد الأوروبي وكندا

في أحد المباني الكالحة ذات الستة طوابق، وفي غرفة من الطابق الأرضي فيها، جلس العجوز "راشد الغامدي" على أرض الحجرة الأسمنتية الباردة التي افترش فوقها بطانية من صوف رخيص وتدثر بثانية، وقد تحلق حوله مجموعة من الصبية تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسادسة عشرة، يرتعدون رغم الكنزات الصوفية الخشنة والبطاطين التي تدثروا بها تماما كالعجوز، فدرجة الحرارة أقل من عشرين درجة مئوية تحت الصفر، والحلقة دراسية بطبيعتها، فهذا العجوز الهرم واحد من الشيوخ القلائل الذين شهدوا الترانسفير الكبير في شبابهم، ولما كانت أدنى إمكانات التعليم غائبة من المعسكر، حتى الأوراق والأقلام، فقد قرر العجوز أن ينقل ما لديه من ذكريات للجيل القادم من "عرب الترانسفير" قبل أن تخبو الذاكرة أكثر وينسى كثيرا من تفاصيل الحدث الرهيب، وبدا العجوز يختم حديثه حين يقول
- عندما جئنا هنا أول الأمر كان نظام الأسرة مازال سائدا، لكن الأوامر التي عرفناها لاحقا كانت واضحة في ضرورة تشتيت الأسر والعشائر والقبائل بين معسكرات التركيز المختلفة في أوروبا وأمريكا الشمالية، فلم تمض عشر سنوات حتى كان السفاد الحر ضرورة من أجل بقاء الجنس العربي، وفرضت الضرورة نفسها، وانتهى مفهوم الأسرة التقليدي ليحل محله مفهوم العشائر الأمومية القديم

غامت عيني العجوز وهو يشخص ببصره من النافذة العالية نحو السماء ويقول
- كنت من آخر جيل عربي يعرف اسما لأبويه وأجداده، ويحمل ذكريات غائمة في مؤخرة رأسه لأرض الوطن البعيدة
---
والبقية تأتي

No comments: