لماذا نكني في مصر من كان اسمه "حسن" بكنية اجبارية هي "أبو علي"؟ و من كان اسمه يوسف بأبي حجاج؟ و من كان اسمه ابراهيم بأبي خليل؟ الأخيرتان أمرهما سهل، فابراهيم يدعى بأبي خليل نسبة لابراهيم خليل الله، و يوسف يدعى بأبي حجاج نسبة للحجاج بن يوسف الثقفي الذي علم بجبروته علامة واضحة في ذهن المصريين برغم عدم وجود علاقة مباشرة، أو نسبة للحجاج بن يوسف الثاني ملك غرناطة، لكن الأول هو الأرجح، لعدم وجود علاقة بالثاني، فقد خلد الحجاج في الذاكرة المصرية تحت بند الطغاة مع "قرة قوش" الذي كان وزيرا لصلاح الدين الأيوبي، أما أبو علي فحديثه يطول لأن شهرته أقل، فنحن نقول حسن أبو علي نسبة لنفس الشخص الذي سرق المعزة في الغنوة الشعبية، و هو المقدم حسن راس الغول
و الحكاية الشعبية تحدثنا عن المقدم "حسن راس الغول" الذي كان مصريا محبا لشعبه و أهله و منحازا لهم ضد عصابة الطغيان الممثلة في الوالي، رمز السلطة في الخيال الشعبي، و المحتسب و هو رمز الفساد المالي فيه، فقد تمرد "حسن راس الغول" مقدم درك مصر، لأن أصله كان من طائفة العياق الشعبية، فتوات الشعب اللاعبين بالحراب و العيارين رماة الحجارة بالمقلاع، في عصر لم يكن المصري يحمل فيه السلاح إلا للهو أو رقص، و قد أزعج هذا التمرد الوالي و المحتسب فتعاونا مع "صلاح الكلبي" الطامح لمقدمية الدرك و دسوا السم لراس الغول في طعامه، ليتولى "الكلبي" مقدما لدرك مصر، أو وزيرا للداخلية بلغة اليوم، لتكتمل حلقة فساد السلطة و رأس المال بالسلطة التنفيذية المتواطئة معهما، تهرب "فاطمة الزهراء" زوجة راس الغول بابنها الرضيع "علي"، لتكون في حماية أبيها القاضي، و يشب "علي" و يصبح من الشطار، أصحاب الحيل و الألاعيب، ثم يعرف قصة والده و حقيقته فيبدأ في الانتقام، و من أهم موروثات الأدب الشعبي أن يتحلى البطل بالحيلة، و هو مبدأ ترسخ لطول الطغيان القاهر في مصر فلم يتخيل الناس التغلب عليه بغير الحيلة، و تدخل في إطار أعداؤه "دليلة المحتالة" و هي عايقة عراقية، تمتلك من الحيل ما لا يعرفه "علي" و متعاونة مع "الكلبي"، فيسافر الزيبق للعراق للقاء المقدم "أحمد الدنف" العايق العراقي الأكبر و المقدم "عمر العياري" العيار الشهير، و منهما يتعلم كيف يقاوم مكايد دليلة، و أغنية النهاية في مسلسل الزيبق لم تقل جمالا عن أغنية البداية، و كلماتها تقول
حكموكي ما حكموكي
برضه المصري مصري
و المملوك مملوكي
إوعي تباتي حزينة
يا حرة يا زينة
لو ربطوا إيدينا
بكرة نحرروكي
من السلطان و الوالي
و العهد المملوكي
الفن الشعبي المصري و الظلام الوهابي
دخل الإسلام مصر من أربعة عشر قرن تقريبا، فهل توقف عزف الناي يوما؟ هل اختفت الرسوم و الجداريات من حياة المصري يوما؟ الإجابة بالقطع هي لا كبيرة، فالناي حمل الشجن المصري قديما و حديثا، و الفن الشعبي المصري هو سليل نسب متصل من الفن الفرعوني و الفن القبطي، فمصر على خلاف غيرها لم تكتف في العصر الإسلامي بالنبات و الأشكال الهندسية، ظل المصري يدق بالوشم السبع على كف يده دون أن يعبأ لو كان أصل هذا الوشم رمز لمارمينا العجايبي، فمارمينا قديس مصري يقدره المصري بمصريته حتى لو أسلم، كذلك ظل المصري يدق على جانبي جبهته العصافير و لم يأبه لأصلها الوثني الأوزيري لأنه لم يعد يدقها إلا للزينة و احياء التراث المصري، و ظل يرسم صور الطير و الحيوان على بيته بالفريسكو بجوار صورة الكعبة و الجمل رمزا للحج، و لقد بقيت هذه العادة الشائعة في جداريات الريف المصري حتى ذهب أولاد الفلاحين لبلاد النفط مع السبعينات الظلامية، و عادوا ليقولوا لأهلهم المسلمون منذ قرون أنهم اكتشفوا أن هذه الجداريات معصية كبيرة، فكادت اليوم تنقرض، مع انقراض روقان الناي الذي أصبح اليوم غير مناسب لايقاع عصر السعار الاستهلاكي
14 comments:
يا لورعتك يا دكتور
ولكن اين لنا الان من يعلمنا سيرة الهلالي المصرية ولا علي الزيبق ولا غيره ولا غيره
معلوماتي عن ابطال السيرة الهلالية وانا بين زمايلي والمحيطين بيا الفتي اللذي لا يمل القراءة ولا تمله - معلمواتي تساوي مثلا 5% بس
إذا كنت وجدت في طفولتك اللى يعرفك عن السيرة الهلالية فللأسف احنا لأ
ياللا مش مهم اوعدك هقرا عنها واعرف اكتر فى الفترة الجاية
اخر المقال احزنني واعاد عليا اشجاني
اصبح اسم الوهابية بيثير دماغي وبيجعلني متحفز فى اي مكان بسمعه
لنا الله
مودتي ..،
أخى وصديقى العزيز د/إياد
كم أتشوق لأن تكتب مواضيع جديدة لكى نتواصل معك فأنت من الشخصيات التى نحب دائما التواصل معها
أن موضوعك جاء محض للصدفة لأننا كنا نتحدث أنا وزملائى اليوم عن طفولتنا ونتذكر روايات الاجداد وحكايات الشتاء الطويل ونتذكر سويا ألف ليلة وليلة ومسرور ونتذكر أبوزيد الهلالى ونتذكر على الزيبق المسلسل الرائع لفاروق الفيشاوى والمرحومة هدى سلطان وأقول لأصحابى فى حاجة غلط الناس دى كانت بتتفاعل مع الأحداث وبتتحرك أحنا عندنا بلادة حس ولا ايه
قلت للأسف فقدنا مبادئنا وقيمنا وفقدنا الرجال وفقدنا الطموح وراحت الأخلاق
طالما تفاعل الشعب المصرى مع الأحداث فى جميع العصور من القديم للحديث حتى تفاعله مع أرتفاع الاسعار أيام السادات ووعى وحس طلبة الجامعات كما كان يحكى لى جدو المشارك فى هذه الاحتجاجات
لكن للأسف فقد الشاب المصرى كل مقومات الفكر وفقد ماضيه وطمس حاضره وأسود مستقبله وعمى تفكيره للأسف
فكما قال الشاعر
إنما الامم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
العوض على الله
لك كل شكرى وتقديرى
صديقي العزيز Che Ahmad
وافر شكري يا صديقي العزيز على التقدير الذي أتمنى أن يستحقه المقال، أما عن سيرة بني هلال، فحاول الحصول عليها بتحقيق الأديب فاروق خورشيد، ستجدها أجمل كثيرا كما أن عمله حول الرواية المصرية لها
أما المعركة مع الوهابية ضد عملية تصحر مصر و طمس هويتها الوطنية فسلاحنا فيها الاسلام المصري الأقل ظهورا و الأكثر عمقا منها
تحياتي و تقديري و شكري
أخي و صديقي العزيز د/ تامر العريض
يسعدني التواصل معك دائما يا عزيزي من خلال المدونة و في الحياة الحقيقية كذلك
جميل أنكم تذكرتم هذه الأعمال و فتحتم هذا الموضوع، موضوع التفاعل مع الحدث في حياتنا، لقد وصلت السلبية الى البيوت و تجد البعض أصبح سلبيا حتى في تربية الأولاد تحت شعار الزمن، من اسبوعين قررت أنا و اخي الأكبر أن نقوم بثورة تصحيح منزلية، فمنعنا مشاهدة الأطفال للتليفزيون عدا اشياء محددة حتى يوفر لهم وقط لما هو اعظم فائدة، النتيجة حتى الان مرضية جدا
التليفزيون بتناوله الحالي و استخدامه العشوائي بثا و استقبالا مع الدروس الخصوصية التي تجعل الفتى هائما على وجهه طول اليوم قضت على تكوين شخصيات أجيال و نحن عنهم غافلون
شكرا جزيلا يا صديقي للتعليق
تحياتي و تقديري و شكري
د/ أياد
------
يعجبنا الحيلة دوما ويعجبنا الذكاء الذى يسخر من القوة
ورغم كرهنا المكر إلا أننا نعجب به أحيانا
-----
قد نجد أحيانا من يستعملون ذكاؤهم ولكن مع من هم أضعف منهم ليستغلوهم ويستنزفوهم ويخافون بطش من هم أقوى أو أعلى منهم إذا اكتشفوا خداعهم
-----
تحياتى لك د/أياد
----
على فكرة انا جبت سيرتك فى البوست الأخير
مستنى زيارتك
كم من تراث انقرض وزال بدعوى الجهلة انة من الكفر المصرى منذ قديم الازل انسان يغلب علية التدين بدون تشدد كان يرسم وينحت بدون ان يرى فى نحتة لتماثيل اى كفر ولا يخطر ببالة انة يعادى الله ويقولة انا خلقت زيك زى مبيقولوا دلوقتى عن التماثيل والمنحوتات والصور تذكر حديث رجل بسيط عندما جاء امامة ذكر حرمانية الصور والتماثيل فقال مش يمكن لما ابص للتمثال دة اقول سبحان الله الى ادى الموهبة دة لخلقة انهم يعملوا الجمال دة
مقدرشى غير اقول اغنية المسلسل الرائع
حكموكى ما حكموكى برضة المصرى مصرى والمملوك مملوكى
تحياتى
عزيزى
رائعة مقالتك كالمعتاد
وأكثر ما عشقته فيها هى رائحة مصر التى يشمها من يقرأ كل كلمة
لا أدرى لماذا أعتقد دوما أن الأشياء تفقد كينونتها الأصلية لتتحول لشكل خاص جدا متى إلتصقت بمصر
فكل شئ عندما يقترن اسمه بمصر يصبح ذو طابع خاص ورونق ساحر يميزه
حتى العبادات الدينية وشعائر مختلف الأديان ... تكتسب غطار أخر هنا فى مصر
ياااااااااه ....البلد دى حلوة قوى بس لو نفهم أولو فقط يتركوا للناس فرصة يحسوا بجمالها بدل من الإصرار البغيض على نشر كراهية الوطن فى نفوس المصريين الآن لتصبح مصر أكبر قوة طرد مركزية لأبنائها
تحياتى وخالص إعجابى بالمقالة والمجهود المبذول فيها
عزيزي Arabic ID
أهلا و سهلا بك و شكرا للتعليق، لقد قرأت البوست بالفعل و لكنني لم أعلق لأنه بطبيعته كان ردودا
تحياتي و تقديري
عزيزتي أيوية
الايمان الفطري الذي ضربت المثل به عمن قال سبحان الله خالق الموهوب الذي صنع هذا الجمال هو تراث المصري الباحث عن الجمال في كل شيء، و يرى الله في كل شيء، و نقيضه التراث الوهابي الذي يرى الكفر في كل شيء
تحياتي و تقديري و شكري يا آية المدونين
عزيزتي ملكة سبأ
أهلا و سهلا بك و شكرا للتعليق و اطراء المقال الذي ارجو ان يستحقه
البلد جميل و العديد من ناسه اروع و اجمل، لكن منهم من يغطون بسلوكهم على كل هذا الجمال يا عزيزتي
تحياتي و تقديري و شكري الجزيل
مع الاستبداد
تختفي حتي حكايا الابطال
لتحل محلها حكايا الغواني
عزيزي د/ مصطفى النجار
أهلا بك و بتعليقك، طبعا يا عزيزي لأني حكايات الابطال ترتفع بالنفوس و حواديت الغواني و قصص سوزان تميم تشعر الناس انه من الوارد ان تباع الاعراض و تشترى النخوة و حتى الأبوة
تحياتي و تقديري و شكري
برضه المصري مصري والمملوك مملوكي
طب لما يسيحوا على بعض نعمل إيه؟
التراث الشعبي المصري فعلا امتداد للقصص الفرعونية.. والذكاء والحيلة كانوا دايما من أهم صفات البطل المصري اللي ماكانش من مقوماته القوة البدنية ولا انه يكون من الطبقة العليا ولا انه يمتلك قدرات خارقة.. على عكس صورة البطل في الكثير من الحضارات الأخرى
يا سلام يا دكتور فكرتنا بحاجات حلوة أوي ابتدت تختفي من حياتنا بكل أسف.. واللي بيسلبها مننا هو غزو ثقافة حاقدة على ثقافتنا العريقة الجميلة الزاهية الألوان والمتنوعة الروافد
حاجة توجع القلب
خالص تحياتي ووافر احترامي يا دكتور
عزيزتي فانتازيا
نعم يا عزيزتي لديك كل الحق، البعض منا نحن بكل أسف فتح الباب على مصراعيه لحضارة التصحر الفكري و الاجتماعي لتغزو الوادي الخصيب، و هو يحسب أنه يحسن عملا!
و ها نحن ندفع الثمن كل يوم بعد أكثر من ثلاثين عاما من خطيئة مسخ الشخصية المصرية
تحياتي و تقديري و شكري لزيارتك الكريمة
Post a Comment