17.4.08

الله و الفنون

هل حرم الإسلام الفنون الجميلة؟
في مدونة الزميلة أحلام عادية ، قرأت لها مقالاً تحدثت به عن حالة التذبذب التي تنتابنا ما بين الانصياع لطقوس التدين الظاهري حينا ، و عادة ما يكون انصياعا كاملا و مفرطا فيه، و بين حالات الخروج الكامل من هذه القبلية الدينية التي يفترون بها على الله و على الإسلام، فيعقبها الخروج من حالة الالتزام الديني ذاتها ، لأننا نحس أننا بعيدين عن الله ، و أنه لا يقبل حياتنا التي نحياها ، فنركن إلى ركن المغضوب عليهم، و قد نخسر حينها الكثير مما كنا نلتزم به بالفعل قبل مرورنا بحالة التطرف و الانصياع لروشتات الجيل الجديد من الوعاظ الذين يطلقون على ذاتهم صفة الدعاة، و قد كنت عادة أعرض عن الحديث في الفروع كتحريم الموسيقى و تجريم الاختلاط الاجتماعي بين الجنسين ، و تحريم الفنون و التصوير ، و بصفة عامة تحويل حياة الانسان إلى حياة عسكرية دائمة ، من خلال منظومة طقسية صارمة، لكن أراني اليوم مخطئاً في هذا ، فتلك الفروع هي الأكثر مساسا بحياة الناس و معاناتهم، فلو كان من المهم أن نتحدث على مدنية الإسلام في بناء الدولة و المجتمع و على قيم الحرية و العمل فيه، و عن مهمة البشرية ، و عن المساواة بين الجنسين في ظله، فلا تقل هذه المفردات اهمية عن كل ذلك، لهذا نبدأ اليوم بالحديث عن الفن و موقف الدين الإسلامي منه ، فنحن لا نرى في الفن حرمة ما لم يحتوي على الحرام ، و الحرام في هذا المضمار بين و الحلال بين ، و ستعجب حين نجد معاً أن حلال الفن هو ما نقول له الفن الراقي ، و أن حرامه هو ما نقول له الفن الهابط ، أو ما لا يستحق أن نصفه بالفن على الاطلاق

حكمة الفنون
أعجب لمن يقولون بتحريم الفنون الجميلة بعضها أو كلها ، و أول ما لفت نظري من خطل هذا القول في صباي هو تناقضه مع الموهبة ذاتها ، فلا أحد يختار أن يكون ملحناً أو رساماً أو نحاتاً أو مطرباً حقيقياً ، فنحن نقول عمن يمارس هذه الفنون أنه موهوب ، فمن وهب الموهوب و من خلق المبدع مبدعاً؟ أليس الله الذي خلق فيه الموهبة هو بذاته تعالى من يدعون أنه حرم عليه استخدامها؟ و ستجد من يجيب بأنه بامكانه أن يستخدمها و لكن كما قال المشايخ و ليس كما يشعر و يحس ، فهل يكون هذا ابداعاً؟ و لكن دعونا نعود خطوة للخلف ، لنحاول فهم الدور الذي رسمه الله و أراده للفنون الراقية في حياتنا ، ففي سورة البلد قوله تعالى " لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" و هذا الكبد الإنساني لا نراه فيما دارت حوله أغلب التفاسير القديمة ، فمنها من فسره بالاستقامة ، و دلل على استخدام المصدر "كبد" بمعنى الاستقامة ببيت من الشعر الجاهلي هو ذاته يحتمل معنى الاستقامة و معنى المعاناة، فأما من فسر الكبد بالمعاناة فتركز تفصيله لضروب المعاناة الجسدية ، كخروج الاسنان و الولادة و غيرها ، و بعضها قال قولاً عاماً بأنه عناء الدنيا و الآخرة ، لكن كل هذه التفسيرات بها مشكلة ، هي شمول العناء الجسدي للإنسان و الحيوان معاً، أما ما نراه نحن عناءً قاصراً علينا بني آدم فهو معاناة الأرواح و العقول التي تفكر و تعي ، و هذا ما نراه كبد الإنسان بالدنيا الذي تميز به عن الحيوان ، و هو عناء لم يرده الله للإنسان لمجرد العناء، و لكن لكونه ضريبة العقل المفكر و الارادة الحرة و الروح التواقة للعدل و الخير و الجمال ، فكيف خفف الله عن الإنسان هذا الكبد؟ لقد كانت الفنون هي المسكنات الروحية التي تخفف عن نفس الإنسان وطأة الحياة و عناء العقل بها، فماذا يخفف عن الإنسان عناء روحه قدر الموسيقى و الغناء و الفنون الجميلة قاطبة؟ و دور الموسيقى في العلاج النفسي و النفس-جسمي هو أمر أثبته العلم

و كما أن للفن دورا في الترويح عن القلوب و العقول ، فله دور جليل في تحقيق المهمة الأكبر و هي إعمار الكون ، ألم تتطور اللغات المكتوبة و المنطوقة اليوم من الرسوم و الأشكال البدائية التي استخدمها الانسان الأول لتوثيق الأحداث ؟ ألم تستخدم مهرجانات الرقص الشعبي و الغناء الشعبي كوسيلة وحيدة للترويح و تجديد النشاط في المجتمعات القديمة و حتى الأمس القريب حتى يتمكن الانسان من كسر روتين السعي وراء الرزق و يجدد طاقته من اجل فترة عمل جديدة؟ الغافلون ممن يقولون بتحريم الفنون التشكيلية و الفنون الجميلة لا يعون أنهم لو فقهوا حقا لعلموا أن تاريخ البشر و ما وصلنا اليه اليوم من حضارة يدين بالكثير للقلة المميزة التي خصها الله بالمواهب الفنية و الأدبية

الموسيقى ، الفن الإلهي الخالد

يقول البعض بتحريم بعض من الآلات الموسيقية بعينها ، فيحللون الدف خاصة ، ثم يدعون التطور و الحداثة حين يحللون آلات الإيقاع عامة ، و يدللون على ذلك بأحاديث تروى منسوبة لرسول الله ، و منها ما رواه البزار " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة مزمار عند نغمة‚ ورنة عند مصيبة" و كذلك نسبوا إليه" إن الله حرم علي -أو حرم- الخمر والميسر والكوبة‚ وكل مسكر حرام" و ستعجب حين تعرف أن هذه الكوبة هي ما يشبه الطبلة اليوم ، فالدف حلال و الطبلة حرام؟؟؟ و تلك أحاديث تراوحت ما بين الضعيف و الحسن و ليس فيها صحيح من جهة الإسناد ، و هو موضوع خلافي ترى البعض يقرون به كعمر عبد الكافي و البعض ينكره كالقرضاوي ، كذلك يروون الآية الكريمة "تلك آيات الكتاب الحكيم . هدى ورحمة للمحسنين . الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين" محاولين الالتواء بها لجعل لهو الحديث المذكور هنا هو الموسيقى، و الآية تتحدث وجوبا عمن يسخر من آيات الله و ينخذها هزوا، فما علاقة هذا بالموسيقى و الغناء من قريب أو بعيد؟

أما الأحاديث التي تروى في تحريم المعازف ، فهي تروى على وجه العموم للتضليل العمد ، ذلك أنه من المعلوم أن معازف الجاهلية كانت أشبه بعلب الليل و بيوت الدعارة اليوم ، و كانت تسمى بالمعازف لتحسين صورتها كعادة الإنسان ، كما نسمي نحن اليوم الكباريهات نادي ليلي ، و كما نسمي الاستربتيز فن الاثارة ، فلا هذه أندية و لا هذا فن ، كذلك لم تكن معازف الجاهلية إلا بيوتا للدعارة بها الجواري اللاتي يجبرهن سادتهن على الدعارة و على نوع من الجنس الجماعي كانوا يسمونه نكاح الرهط ، و كانت تقدم الخمور و تعزف الألحان و ترقص الجواري رقصا خليعا للاثارة، فهذا ما نهى الرسول عنه ، و هو نهي مفهوم و طبيعي جدا و مناسب للفطرة السليمة

و من ناحية مقابلة ، نجد لدينا دليلا من السنة على حل الموسيقى و دليلا على حل الغناء ، فأما الموسيقى ، و المزمار تحديدا، ففيه ما روت عائشة: دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان في يوم بعاث فأدار وجهه, فدخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني فقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله , فأقبل رسول الله بوجهه فقال: "دعها" فلما سكن غمزتهما فخرجتا, وفي رواية قال : "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا" و لم يصف الصديق المزمار بأنه صوت الشيطان بناءً على تحريم سابق ، لكنه وصفه بهذا لأنه كان مرتبطا عند العرب كما أسلفنا بالملاهي الليلية لو جاز التعبير ، لكن منع الرسول عليه الصلاة و السلام له من نهرهم ، و قوله له بعدها يبين جواز الترويح عن النفس في وقت الفراغ ، ما لم يلهه هذا عن عمله و عن ذكر الله ، و من العجيب أن من يقولون بتحريم الموسيقى لم يعدموا حيلة للي عنق الحديث الشريف لدعم المعنى الذي أرادوا؟ فقالوا أنها رخصة للنساء في الأعياد، فهل تعرفون أن رسول الله يسمح بما حرم الله في الاعياد؟ هل يسمح بشرب الخمر في العيد مثلا؟ بالطبع لا ، و فضلا عن هذا الحديث ، فقد سأل الرسول السيدة عائشة يوما و قد عادت من عرس قائلاً "أما كان معكم لهو؟" فقالت: لا يا رسول الله ، فقال "هَلاّ ضربتم بالدف وقلتم أتينـاكـم أتيـناكـم" إلى آخر القصيدة التي أنشدها النبي، فهل بعد هذا قول بتحريم غناء؟ و اعجب معي ممن فهم الحديث على أنه يبيح الدف فقط مع الغناء في النكاح ، فما يفرق الدف عن غيره؟ و هل على الحرف يفهم كلام النبي؟ أم على منطقه الكريم الفطري الذي شجع على الترويح عن النفس في الأوقات المناسبة لذلك؟

و من يقول بتحريم آلات النفخ و حل آلات الايقاع، فما قوله في الآلات الوترية؟ و الآلات النحاسية؟ و ما قوله من أن كل هذه الآلات تستوي في منشأها و الالهام بها؟ فكلها آلات حاكى بها الانسان الموسيقى الالهية المشمولة في الكون ، و في مخلوقات الله ، أليس في صوت الرعد و صوت القلوب ايقاعاً؟ ألا نسمع في صوت الكروان نايا شجياً؟ أليس في ترقرق النهر و حفيف الشجر و تغريد العصفور موسيقى وترية؟ ألا تختلف موسيقى كل شعب من الشعوب لتعبر عن بيئته و ثقافته ضمن ما تعبر؟ فهل معنى أنه صلى الله عليه عرف الايقاع البدوي كما عرفه قومه فأقر به، أنه يحرم ما لم يعرف من ايقاعات؟ و هل معنى هذا أن نحيي أفراحنا و ننشد نحن هنا أناشيد بدوية في الوادي الخصيب مع اختلاف بيئته و طبيعة ايقاعه، لأننا نفهم السنة على حرفها؟ لكل مجتمع موسيقاه و ايقاعه ، و لعل الايقاع المصري و البيئة المصرية يظهران واضحان جليان في أغاني الحصاد المصري و منها "نورت يا قطن النيل" و كذلك "اسمر و طيب يا عنب" و منها "زفة البرتقال" و هكذا، أغان تخرج من صلب الشعب لتعبر عنه أصدق تعبير ، عن مواسم سعادته ، و أدوات الموسيقى المصرية التقليدية هي الأرغول و الناي ، فضلاً عن الهارب الفرعوني الذي تطور منه الأرغول
الفن التشكيلي .. مهد الحضارة الأول
في ضيعة آل سعود ، تقوم هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالمرور على المحال و الصيدليات ، لترى لو كانت هناك أي رسوم بشرية فتقوم بعمل خط على عنقها لتشويهها على علب المنتجات و الاعلانات المستوردة، و نفس الشيء حتى مع لعب الأطفال ، و حتى في حصص الرسم في المدرسة ، لو تورط الطفل و رسم بشرا أو حيوانا تقطع المعلمة رقبة ما رسم بخط أسود غليظ، لماذا؟ حتى لا يكون هذا محاكاة لخلق الله، فسبحان الله فيما يأفكون ، و بينما يدعي هؤلاء و غيرهم ممن يقال لهم دعاة أنهم علماء، يجهلون أبسط الحقائق الثابته عن تطور الحضارة ، ينسون أن الرسوم و على قمتها الانسان و الحيوان كانت الاسلوب الأول لتسجيل النشاط البشري، فمن كهوف تاسيلي مثلاً نرى كيف وثق الانسان الأول حياته فوق جدران مسكنه ، لتتطور هذه الطريقة من الرسوم الى رموز الكلمات ، ثم الى رموز الأصوات أو الحروف ، فيصبح الانسان كائنا يوثق بالكتابة ، فيتمكن من توارث المعارف و تراكمها ، و ينفذ رسالته الكونية في التقدم و اعمار الأرض، فلولا هذه الرسوم الأولى ما كانت حضارة للبشر لو كانوا يفقهون، فهل يحرم الله الآلية ذاتها التي كانت عماد تطور الانسان؟ ألا سبحان من علم بالقلم ، و سبحان الله في عقولهم ، و هل الإنسان و الحيوان فقط من خلق الله ، فلا يجوز رسمهما لذلك؟ أليس النبات و الجماد كذلك من خلقه؟

و حتى من نقطة البدء، ألم يأمرنا الله بالرحمة و هو أرحم الراحمين؟ ألم يحثنا على الكرم و هو أكرم الأكرمين؟ فلماذا ينهى عباده عن الابداع ، و هو الخلق بمستواه البشري، و هو تعالى أحسن الخالقين كما ورد بكتاب الله مرتين ، الأولى في سورة المؤمنون بقوله تعالى "فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ" و الثانية من سورة الصافات "أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ" ، فلو كان الخالق الأعظم يريد نفي صفة الخلق و الابداع عن عباده ، فلم وصف ذاته و لله المثل الأعلى بأنه أحسن الخالقين؟ و لا يخلط عاقل بين خلق الله و خلق البشر ، فالله مطلق القدرة ، و البشر متناهي القدرة، و الله يخلق من عدم و الانسان يخلق من مفردات و أوليات ، و كذلك نجد برهانا آخر بقوله تعالى من سورة سبأ "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ" فهل كان نبي الله سليمان يأمر بصنع التماثيل و هي محرمة؟

ثم ننظر لما يسوقونه من أدلة ، و هي من الحديث الشريف الذي ينسب للنبي صلوات الله عليه ، و قبل أن نستعرضها ، لنفهم معاً وضع التصوير في المجتمع الذي قيلت فيه هذه الأحاديث ، ففي أي التطبيقات كان التصوير مستخدما في جزيرة العرب على عهد الجاهلية؟ لم تكن هذه البيئة البدوية تصطنع اللوحات و لا الجداريات و لا التماثيل التي يقصد منها تخليد العظماء مثلاً ، فاقتصرت التشكيليات بها على الأصنام التي كانت على هيئة البشر و غير البشر و كانت تعبد حول الكعبة و تصنع منها نماذج بدائية مصغرة ليصحبها المسافر معه في حله و ترحاله ، فضلاً عن بعض المنسوجات التي كانت تأتهم من مصر و اليمن و الشام و بها بعض التصويرات للحيوان و الطير و ربما الانسان أيضاً ، فحين تحدثنا السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها "كان لنا ستر فيه تمثال طائر ، و كان الداخل إذا دخل استقبله ، فقال لي رسول الله صلي الله عليه وآل و سلم "حولي هذا ،‌فإني كلما دخلت فرأيته ، ذكرت الدنيا" فهذا لا يفهم منه تحريم الصور ، و إلا لما صبر عليه الرسول يوما واحداً ، فنحن نفهم من قوله صلوات الله عليه "كلما دخلت فرأيته" أن هذا الستار لبث وقتاً على الحائط ، ثم لأنه لم يصفه بالحرام ، لكنه رأى أن استخدام الستار ترف يذكره بالدنيا، لذلك عندما حولته السيدة عائشة إلى كسوة لوسائد لم ينهها الرسول ، لأنه استخدم بشكل أكثر عملية و فائدة، فهذا لا يفهم منه تحريم للصور و لكن يفهم العكس، و للحديث رواية أخرى يقول فيها الرسول "أخريه عني ، فإن تصاويره تعرض لي في صلاتي" فالعلة هنا كذلك لا تحريم فيها للصور يا أولي الألباب ، و لكن الرسول كانت الصور تأخذ عينه فتقلل من تركيزه في صلاته فكره ذلك، و هذا يفهم منه أن التصوير حلال من حيث المبدأ ، و الا لقالها الرسول صريحة واضحة ، كذلك حين يقول صلوات الله عليه "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة إلا رقماً في ثوب" نراه قد استثنى الشكل الوحيد من التصوير الذي كان بالمدينة و مكة غير الأصنام و الأوثان، و هو الثوب المنقوش بالصور ، فإذا هو قد عنى بالصور تلك الأصنام التي تعبد

و لقد دخل العرب في فتوحهم بلادا ذات حضارات قديمة كمصر و العراق و الشام ، فما عرف التاريخ أنهم دمروا آثار هذه الحضارات و ما حوت من تماثيل و تصوير في مختلف أشكاله ، لأن العرب حين دخلوها كانت غير معبودة ، حيث حلت المسيحية محل الوثنية في مصر و الشام قبل الفتح العربي ، و لم نسمع عن تخريب آثار إلا في الفتح المغولي لأفغانستان ، و هذا عصر متأخر بمئات السنين ، فليس من فعل الصحابة و لا التابعين ، و قد سأل الإمام الشافعي عن هذه التماثيل و وجودها فأقر بها و لم يحبذ هدمها و ازالتها ، و الحمد لله أنه فعل و الا لكانت كارثة حضارية

الآداب و الفنون الدرامية و الحركية

أما الآداب المختلفة شعراً و نثراً ، فنحمد الله أنه لم يخرج علينا بعد من يحرمها، و لا نظن أحداً يجترأ على هذا و قد كان رسول الله يسمع الشعر و يستزيد من روائعه من حسان بن ثابت و الخنساء و غيرهما ، فأما الفنون الدرامية ، فلا يمكننا أن نجد نصا أو قياسا يقترب منها ، و بما أن لها دورا حين تجود في تهذيب الانسان و عواطفه و حياته ، و بما أن الأصل في الأمور الحل ما لم تحرم ، فنحن نراها حلالا ما لم تحتوي على فكر هدام أو ترويج للفساد و الانحراف، أما الفنون الحركية ، و التي غالبا ما نسميها رقصاً ، فهذه نحن نراها على شقين ، حرامها حرام و حلالها حلال ، فاما رقصات هز البطون و الأرداف و النهود ، فهذا رقص الجواري ، و هذا ايضا ليس من تراثنا كما يغلب على الظن ، لكن هذا الذي ندعوه رقصا شرقيا ، كان يمارس بين جواري القصور لاثارة السيد ، فتعقد الراقصة العارية وشاحين حول نهديها و خصرها ، و تحلهما من خلال الحركات المتتابعة ، لتتعرى تماما ، فالأصل فيه أنه للاثارة ، فهذا لا نجده الا حراماً حين يمارس على رؤوس الأشهاد، فضلا عن غياب التعبير الفني و الجمالي فيه، فأما الرقصات الشعبية التي لا تغيب في شعب من شعوب الأرض ، فهذه كانت الاستجابة البشرية لايقاع الطبيعة ، و لمصر منها نصيب وافر، من سواحلها لريفها لصحاريها، قمة بالتنوع و الثراء و الجمال، و هي فنون حركية راقية تعتمد على التناغم الحركي تارة و على التعبير الدرامي تارة ، فهذه لا عيب فيها و لا نجد شاهدا على تحريمها، و مثلها الرقصات التعبيرية المختلفة شرقا و غربا، فهذه فنون لها معنى و لها دور في تهذيب النفوس

و المعيار الدقيق برأينا لما يتشابه من الأمور هو أثرها في نفسك، فلو كان موجبا في طريق الحق و الخير و الجمال فهو في طريق الله تعالى ، و العكس بالعكس، لو كان يضعفك و يوهن عزمك و يصيب مشاعرك بالاضطراب فهو شر يجب اجتنابه

4 comments:

shreen said...

د. اياد
حينما قرأت العنوان اولا
ثم العناوين الفرعية

قبل ان ابدأ فى التهام الموضوع بأكملة
كنت على ثقة من رأيك

كنت على ثقة من ما سوف تخطة اسفل كل موضوع فرعى

وحينما باشرت القراءة
مع كل جملة كان يتأكد لى صحة ظنى

كل جملة كنت اشعر وكأننا تناقشنا بها دهرا
او كأنى سمعت رأيك بها من قبل


تذكرت ان من حوالى السنة
حينما حدثت مشكلة بكلية الفنون الجميلة لان بعض الطلبة المتأسلمون حرموا مادة النحت
واعلنوها مضاهاة لخلق الله

كدت اجن وقتها من ما يحدث
ثم قرأت عن ال سعود

وما يفعلونة

هل هذا يحدث حقا الى الان ؟
هذا تساؤل صادق وليس بصيغة تعجب

هل هذا حقا يحدث الى الان ؟

د. اياد
لا ادرى حقا
كيف استطعت الامساك بزمام هذا الموضوع المتشعب

بهذة الطريقة
وتحدثت عن كلا من تلك الاوجهة بهذة الموضوعية

وحتى فى موضوع الرقص
تناولت الامر من شقية
ومن وجهتين نظر مختلفتين

فكان الموضوع " الشامل الجامع "

لكل من اراد ان يقرأ رايا موضوعيا فى كل الامور الفنية التى يحاول اخواننا البعدا ان يمدوا اليها سيطرتهم ويدخلوها فى نطاق التحريم

دمت متميزا
دائما وابدا

احساس لسه حى said...

عزيزى
موضوع الحرام والحلال ده مشكله

انا طبعا م هنقشك عل ايه حرام وايه حلال

بس ف شئ ان مفيش انسان هيعمل كل شئ حلال ولا كل شئ حرام

فلو حاجه حرام وانا بحب اعملها هعملها واقلل منها

واحاول اعوضها بشئ حلال تانى يعوض الحرام الل بحبه

وبدل بعيد عن الكبائر يبقا ربنا هيرحمنا بدل بنعمل حاجات كويسه

تحياتى

سلام

Dr. Eyad Harfoush said...

صديقتي العزيزة شيرين
أدام الله علينا نعمة تعليقاتك التي تشحذ الهمم و تزكي العزائم، و لا عجب في أن نتفق حول أمور هي من سلامة الفطرة و التوازن العقلي أكثر مما هي أمور دينية ، لكن ماداموا يصرون على تصنيف الدنيا حلالا و حراما فلا مفر من بيان خطأهم

أما عن هيئة العار السعودية فنعم ، مازالوا في هذا الشأن و ان كانوا قد قلمت اظفارهم في غيره بعد ان قتلت مجندة امريكية احدهم لانه قرع مؤخرتها بعصاه لما كانت لا ترتدي عباءة

تحياتي و تقديري و اعزازي

Dr. Eyad Harfoush said...

عزيزي احساس لسة حي
ليس موضوع الحلال و الحرام مشكلة أبدا، فآيات التحريم واضحة بالقرآن، مثل "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ" و كذلك "وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ" و منها "وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما" و منها "قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" و هكذا ، و يقاس على المحرمات ما طابقها أو طابق حكمها ، و ما عدا ذلك فقد يكون منكرا لو تعارفت الامة على انكاره و لكنه لا يكون محرما

تحياتي و تقديري