نظرات في مربعات ابن عروس
هو الشاعر المصري التلقائي "أحمد بن عروس" و المؤكد في شأنه أنه زجال من الصعيد، تخصص في فن المربعات، و المربعة عبارة عن مقطع شعري يدي معنى كامل لوحده،قريب من الحكم و الأمثال، و الشاعر فيها بيظبط قافية البيت الأول مع الثالث و الثاني مع الرابع، و أغلب المربعات الشعبية منسوبة لابن عروس، سواء هو اللي كتبها فعلا أو تلاميذه، أما عاش فين في الصعيد ففيه اللي قال في قنا، و فيه اللي قال في أسيوط، أما زمنه فالأغلب انه عاش في عصر المماليك
عاش "ابن عروس" شبابه لحد سن الأربعين شقي طريد القانون، و تحت حكم المماليك كان المصريين بيقدروا الخارجين على القانون و أولاد الليل، و يبصولهم باحترام، علشان خارجين عن سيطرة المماليك الظلمة، و فيه اللي قال انه شخصية وهمية، كان الزجالين بينسبوا لها الزجل خوفا من بطش المماليك، لكن القول ده في رأيي ضعيف من جهتين، الأولى ان نسبة كبيرة من المربعات بتشترك في أسلوب بناها و خطها الفكري، و ده بيرجح انها فعلا لشاعر واحد، و التانية ان المربعات اللي وصلتنا ماكانش فيها هجوم مباشر على حد، و لا سيرة للماليك و لا غيرهم، علشان الزجال اللي كتبها يحتاج يستخبى ورا شخص أسطوري
و من أجمل مربعاته، مربعة وصف فيها حال اللي يجري ورا اللي مش عاوزه، و اللي يستنى الخير من اللي مايجيش من وراه الخير، و قال عليه مسكين، و من اللي بنشوفه في الدنيا، هو فعلا بيبقى مسكين، لأنه لا بياخد اللي هو عاوزه، و لا بيحفظ كرامته و ماء وجهه بالترفع عن ذل السؤال، و عنه يقول شاعرنا
مسكين مين يطبخ الفــــــاس
ويريد مـــــرق من حـــــــديده
مسكـــــين مين يعاشر الناس
ويــــــــــريد من لا يــــــــريده
و له مربعة تانية توصف حال الراجل الزين، اللي يحكم قلبه و مايمشيش وراه، فيقول
يا قلب لاكـــــــــــويك بالنــار
وان قلت عاشــق .. لازيــدك
يا قلب حملتني العــــــــــــــار
و تريـــد من لا يريـــــــــــدك؟
و له مربعة بيحذر فيها من الملق و النفاق، لأن هموم الانسان في كل حال كتيرة، و مافيش حاجة مستاهلة ان حد ينافق الندل ، أو زي ما بنقول يرقص للقرد في دولته، مادام الهم في كل حال موجود، فيقول
إوعى تقــــــــول للندل يا عــم
وان كان على الســـرج راكب
ولا حـــــــــــد خــالى من الـهم
حتى قلــــــــــــــــوع المـراكب
و علشان الستات في الزمان ده كانوا مهمشين، نتيجة السيطرة الاقتصادية للراجل، و نتيجة العادات اللي اكتسبها المصري من الثقافة العربية، اضطرت الستات توجه ذكاءها الفطري و طاقتها للمكر و الحيل، فكتر ربط الستات في المواويل و الأمثال و الزجل بالمكر و الكيد، و عنهم يقول ابن عروس
كيد النســــــــا يشبه الكــى
من مكــرهم عدت هـــارب
يتحزموا بالحــــــــنـش حى
ويتعصـــــــــبوا بالـعقـارب
أما في ندالة الناس مع اللي يقل ماله، و عدم اعتدادهم برأي الفقير، و لو كان أحكم الحكماء، بينما الغني يلاقي ألف طبال و زمار، حتى لو كان حمار، فيقول ابن عروس
الليل ما هــــــــــو قصــــــير
إلا على اللى ينامـــــــــــــه
والشخــــص مادام فقـــــــير
ما حد يسمـع كلامـــــــــــــه
و في العجب من الخلق اللي خلقهم ربنا سواسية، فاتميزوا لطبقات، و جاع منهم اللي جاع بسبب نهم اللي شبع، و عايز بعد ما شبع يضمن زاده لألف عام، و فوق الزاد قصور و رياش، و غير الناس ينام على فرش و كناس، قال الشاعر
أنا باوَحِّــد اللي خلق النـــــاس
خلق مسلمـــــــــــين ونصـارى
ناس نامت على فَرش وِكْناس
وناس ع المعــايش حــــــيارى
أما عن الحزب اللي بيضم ما لا يقل عن ثمانين في المية من شعب مصر، و هو حزب تمام يا ريس، اللي تشوفه حضرتك، حتى لو كان اللي هو شايفه ده سواد، فقال ابن عروس
طبيب الجــرايح قوم اِلحــــــق
وهات لي الدوا اللي يوافــــق
فيه ناس كتير تعــــرف الحـق
ولاجل الضـــرورة توافـــــــق
و عن أحوال الدنيا لما تتعوج، فتعلي الواطي و توطي العالي، و تصبغ الباطل بصبغة الحق، و تلبس المندار توب الرجال، فقال
شوف الزمان انتهت عَدَلـيه
وادي البُطْل ع الحـــق راكِب
جه الســـــــبع يُطلُب عــدليه
لَقَي الكــــلب ع التخت راكب
و قال عن السبع لما يغض الطرف من القرف عن الصغار، و كأنه نايم عن اللي بيحوم حواليه، و هو واعي
سكت الهَوى والناموس طار
والســبع طاطــــــــــــا بعـينه
خليه .. دا النـومِ أســـــــــتار
لما الكـلب ياخــــــــــد يومينه
و فيه عالم غجر، لو كلمتهم بالذوق يردوا بقلة أدب، و لو كلمتهم بالشدة بردة سفالة و قلة أدب، فدول قلة عشرتهم هي دواهم، و البعد عنهم بذاته غنيمة، و عنهم يقول فيهم ابن عروس
يا قلبي إوعى تعاشر الدُون
ولا تكلِّمُـه بالاشـــــتـراحة
تكلمه الكــــــــلامِ مــوزون
تلقــــاه يرد بقـبـــــــــاحـــة
و عن اللي تحسبه صاحب، و تطلب منه النصيحة، فينصحك باللي يضرك، يقول الشاعر يا سادة يا كرام
جاني طـبيبي مع العصـــــــر
و ف إيده ماســــــك عصاية
اتاري طبيبي قليل الأصــــــل
من خصمي جابلي الوصاية
أما عن الصديق الوفي و هو نقيض هذا الخسيس، فيقول
ما يرقـــــــــد الليل مــغبون
و لا يقرب النــــــــــار دافي
ولا يطعمك شهد مكـــــــنون
إلا الصـــــــــــديق الـــوافي
أما عن جرح الحبيب، و جرح القريب، و مرارته اللي يهون جنبها ألف جرح من الغريب، فقال
كلام الغَــــــــــرَابا حِمِلنــــاه
فات علينا كما ريح هـــــاوي
كلام القـــــــــــرابا آخ مـــنَّاه
ييجـي فوق فرش الكــــلاوي
و بين هذه الأحزان و الأشجان، أو الحكم الحزينة، يقولنا الشاعر مربعة في الغزل دمها خفيف، و يقول فيها
يا بت جمـــــــــــلك هبشـني
والهبشة جت في العـــــباية
رمــــــــــان صـدرك دوشني
وخلى فطـوري عشــــــــــايا
و عن الخسيس لما يحل محل الأصيل، و الصغير لما يحل محل الكبير، و الجحش لما يقعد مكان الوحش، فقال
غربي بلــــدنا بلــــــــــد سيح
وادي الهِلف ماشـي ورانــــا
مش عيب كراسي التماسيح
تقعــــــــــد عليها الـــــوِرانا؟
أما عن اللي تغلب معاه علشان ينعدل حاله، و أول ما تلتفت تلاقيه اتعوج تاني، فيقول
نهـــــــــــــيتك ما انتهــيت
والطــــــــــبع فيك غــالب
و ديل الكـــــــلب لم يتعدل
و لو حطــــــــوا فيه قالـب
أما عن الأم و حبها اللا نهائي بدون مقابل، و بدون قيود، و بدون ظنون، فيقول ابن عروس
ماينجـــــــدك غير أهلــك
و لاينفعك غير مـــــــالـك
و احلف يمين بعد أمـــــك
حبيب من النســا مابقالك
أما عن الندل اللي بلا معنى و لا لازمة، فتلقاه يقول
الندل ميت و هو حي
ما حد يحسب حسابه
تلاقيه كالترمس الني
وجوده يشبه غيابــــه
و مع قراية المربعات، سخنت قريحة الشعر عند العبد لله، و قلت أوصف بعض الشخصيات اللي شفتها في الحياة
خسيس و ماسخ بين الرجال
لا ليه لا طــــعم و لا ريحــة
و الفعل فــــعل العيـــــــــــال
و الحس حـــــــــس الدبيحة
مع باقي المربعات الجديدة البوست القادم إن شاء الله