27.1.11

البيان الأول – كلمة حب وكلمة عتاب


مشهد لم يره ميدان التحرير منذ عام 1977 رآه أمس وطرب القلب لرؤيته، كل التفاصيل كانت رائعة، سلوك الآلاف المعتصمة في الميدان يعيد إليك حب المصريين والاعتزاز بالانتماء لهم، هذا الحب الذي هزته سنوات الخواء والانفلات، هذا يسقي العطاشى، وذاك يوزع ساندوتشات الفول (ألذ ساندوتش كلته في حياتي)، وهذا يمد يده لرفيق لا يعرفه ببطانية لتقيه برد يناير، بائع الشاي لا يجد فكة فيقرر أن يعزمني على الشاي، شباب يجمعون القمامة من الميدان في أكياس سوداء، حتى العسكري المسكين يمزح معنا بحب (قبل صدور الأوامر بالضرب)، جلسنا على الأرض نغني أغاني الشيخ إمام "شيد قصورك ع المزارع" وغيرها، الرائع الدكتور "علاء الأسواني" بين الناس كما كان دائما، عرفت أن "عمرو واكد" و"جميلة إسماعيل" كانوا هناك كذلك وإن لم أصادفهما، نخب حقيقية ملتحمة بالجماهير

كلمة حب
أما كلمة الحب فهي لكل مصري شارك أمس في هذا اليوم التاريخي، وكلمة شكر شخصي له لأنه شارك في طرب قلبي الذي أدمن الكآبة، ولكل من شارك في تنظيم مسيرة الصباح التي لم تكن أقل روعة، أخص منهم إخوتي الرائعين "تامر" و"ماجد" و"أحمد" ولابنتي العزيزة "مها" التي بح صوتها في قيادة الهتاف معظم اليوم، وأقول لهم: أيها الرائعون .. أحبكم في الله والوطن

البيان وكلمة العتاب
حقيقة لا أعرف من أصدره، وتقديري أنهم شباب أرادوا أن يصدقوا النقل عن الجماهير، لكن الهتافات الجماهيرية لا يمكن صياغتها على حرفها لتصبح بيانا لحركة أو ثورة، وإنما يأت البيان مصدقا لروح الهتاف ووجهته وليس لفظه، وظني أن البيان معبر تماما عن صرعة رفض النخب التي تنتاب شباب التغيير، فلو أنهم عرضوه على واحد من النخب التي كانت موجودة بالفعل بينهم على الأرض مثل "جميلة" أو "الأسواني" أو غيرهما، لاختلف البيان تماما، لكن الموضة السائدة بين الشباب اليوم هي رفض وإقصاء تلك النخب بسبب تصرفات آخرين من النخب الصورية، لهذا جاء البيان معيبا للحد الأقصى، ومن عدة وجوه
  • عندما تطلب تنحي رئيس الجمهورية يجب أن تسمي منصبا (رئيس مجلس نيابي مثلا وهو غير والد في حالتنا)، أو شخصية معارضة (غير وارد كذلك) أو مجلس رئاسي (الأنسب بحالتنا) ليتولى رئاسة السلطة التنفيذية في الدولة خلال مرحلة انتقالية تسبق انتخابات رئاسية حرة
  • طلب تنحية مفاجئة لكافة وزراء الحكومة مرة واحدة مهما كان العور بهم معناه شلل الجهاز الإداري الذي تعيبه المركزية في مصر، فالوزارة لدينا ليست منصب سياسي بل تنفيذي في واقعه، لهذا فالأحرى الاكتفاء بالوزارات السيادية والأمنية وتأجيل تطهير بقية الوزارات لمراحل لاحقة من الإصلاح السياسي بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية
  • لا بأس في طلب حل المجلس التشريعي معيب الشرعية وانتخاب غيره لو اجتنب القصورين السابقين
  • نأتي لنقطة تشكيل حكومة وطنية، من الذي سيشكل وكيف؟ وقد نقضت السلطات التنفيذية والتشريعية بالجملة بدون بدائل؟
  • في النهاية والبداية، طبيعة المطالب وسقفها يجب أن تتناسب مع حجم الحدث، فالمظاهرات والاعتصامات الألفية لا تسقط أنظمة دفعة واحدة ولكن تكسبك أرضا للقتال وخطوة للأمام.
تشكيل مجلس أمناء الدولة والدستور الذي اقترحه "هيكل" منذ 2008، والذي يتولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية، ويتخذ القرارات الإصلاحية العاجلة بعد دراستها وصياغتها، ويعمل على تعديل الدستور باستفتاء حر، هو المخرج سياسيا وعمليا، وينبغي أن يكون تشكيله و"تفويض" رئيس الجمهورية صلاحيات منصبه لهذا المجلس هو المطلب الأول والوحيد مرحليا، وبعده يكون لكل حادث حديث. 



لكل ذلك جملة وتفصيلا أقول لشباب التغيير العزيز، الرأس بلا جسد عاجز هذه حقيقة .. ولكن الجسد بلا رأس ضائع .. تلك حقيقة أيضا .. وختاما .. حفظ الله ثورة مصر جذوة لا تنتهي، وجعل مظاهرات الجمعة القادمة نقلة نوعية بطريقها بإذن الله

No comments: