23.8.10

جمعية التأبيد .. طليعة الانحطاط


فصلنا في مجموعة مقالات سابقة كيف تمثل الحقبة من 1974م وحتى اليوم عصر الانحطاط المصري المعاصر، وبينا تطابق سمات عصور الانحطاط التاريخية عليها من تبعية الإرادة الوطنية، إلى التردي الاقتصادي والاجتماعي، إلى اضمحلال منظومة القيم، إلى الطائفية والفتن في غياب المشروع القومي الجامع، إلى غياب دور مصر الإقليمي والدولي، وكيف صارت قلوبنا جميعا معلقة بالحراك الوطني الحالي، وبانضمام النخب الناصرية والقومية مثل حمدين صباحي وعلاء الأسواني وحمدي قنديل إلى غيرهم مع محمد البرادعي في الجمعية الوطنية للتغيير، وصدور بيان التغيير وبداية حملة مخلصة لجمع التوقيعات عليه كوثيقة إجماع وطني

اليوم، تطالعنا المصري اليوم بمقال حول صدور بيان تأسيسي لكيان أطلقوا عليه اسم الجمعية الوطنية للتأييد، وبتصريحات للمنسق الجماهيري لهذا الكيان الغير جماهيري، ويدعى محمد عاصي، والذي صرح بأن الهدف من تأسيس جمعيته تلك هو توحيد التيارات المؤيدة للنظام وللرئيس مبارك ونجله جمال مبارك في مواجهة تيارات المعارضة، ومع تحفظنا على اسم الجمعية التي نرى الأولى بالسيد عاصي أن يسميها الجمعية الوطنية للتأبيد، أو للترميم، أو للتكهين، أو للتثبيت لتصبح مقابلة لجمعية التغيير التي ناصبها بيانه العداء بوضوح، نحب أن نستعرض معا تصريحاته المريضة، والخارجة عن إطار الديمقراطية، فالديمقراطيات فيها حكومة ومعارضة ومجموعات ضغط، وليس فيها حكومة ومعارضة ومجموعات تأييد

يقول البيان كما نقلت اليوم السابع أن الجمعية تدعو كل التيارات المؤيدة للنظام لتنصهر داخل بوتقة واحدة لتظهر قوتها فى مواجهة المعارضة التى باتت ترهب كل من يفكر فى ذكر إيجابيات النظام أو الدفاع عنه .. هكذا؟ يالنا من معارضة ظالمة أثيمة تستخدم فيالق الأمن المركزي لإرهاب التيارات المؤيدة للنظام، لانها مسكينة متفرقة، نستفرد بها تيارا تلو آخر، وناشطا مؤيدا تلو آخر، فنقتل هذا بضرب رأسه في الرخام، ونعذب هذا ونهتك عرضه حتى يضرب على الطعام لحين تقديم المعارضين المجرمين الذين أرهبوه للنيابة، ونعتقل هذا لنشره كتابا عن جمال مبارك وحركته المباركة، ونضرب هذا ونلقيه عاريا في الصحراء، ونلفق قضية تفسد حياة هذا الأسرية والزوجية، يالنا من معارضة تبطش بمؤيدي النظام الوديع ابن الناس الطيبين بلا رحمة

وجاء فى البيان أن بعض التيارات السياسية والحركات أساءت استعمال الحرية ووظفتها توظيفا خاطئا بدعم من جهات غربية لإحداث فرقة بين الشعب ونظامه؛ بجمع توقيعات من الشعب ضد النظام ورموزه، وهي عبارة ترددت كثيرا بأقلام طبلجية النظام وعلى لسان منظريه في كل الفضائيات، عبارة لم تختبر، فأما التلميح بالعلاقة بالغرب، فالغرب لم ولن يطمع في نظام أكثر موالاة له من نظام مبارك وسلفه السادات، ففي عهديهما اللذان نسميهما بعصر الانحطاط المصري الخامس والمعاصر حقق الغرب، وحققت الأنظمة اليمينية الآنجلو-أمريكية تحديدا المكاسب التالية
  1. تصفية الصراع العربي الصهيوني بخروج مصر منه، والصهيونية أحد رؤوس الحربة لتلك الأنظمة في المنطقة
  2. تصفية التجربة التقدمية المصرية التي كانت وجعا في رأس أمريكا بتهديد مصالحها البترولية ونفوذها في الخليج
  3. سخرت الطاقات المهنية المصرية لخدمة المصالح الآنجلو-أمريكية في السعودية والإمارات العربية
  4. وقعت مصر اتفاقية الكويز، وهي كامب ديفيد صناعية واقتصادية، كما وقعت اتفاقيات التريبس والجات الغير مناسبة لظروفها لأجل عيون الغرب ورضاه
  5. خضعت مصر لسياسة احتكار التسليح في المنطقة وهي التي كانت رائدة بكسرها في الخمسينات، فأصبح سلاح مصر مرتهنا بالدعم الفني من الحليف الاستراتيجي للصهاينة

باختصار من المستحيل أن يطلب الغرب نظاما يحقق مصالحه فوق ما حققها النظام الحالي، والذي لم يترك شمعة إلا وأوقدها ولم يترك عتبة إلا وزارها في رضا الأمريكان، وآخر من يقبل منه المصريون مزايدة في هذا هو النظام وأذناب النظام وأتباعه ومريديه وبهاليله، وأما نكتة الفرقة بين الشعب ونظامه فهي تعكس خلل المفاهيم عند العناصر الغير مؤهلة والغير محنكة حتى في النفاق، والتي يختارها النظام كأبواق له، فالشعب ليس على ذمة النظام يا سيد محمد، لم يعقد عليه النظام ولا كتب له ورقة عرفي، حتى يصرخ أحد قائلا أن البرادعي جاء بما يفرق به بين المرء وزوجه وبين الحاكم وشعبه، وحدهم المستنكحون للنظام من أبناء الشعب الغير أبرار هم من ينطبق عليهم هذا الوصف، وهؤلاء لن يفلح أحد في تفريقهم عن نظامهم وتخليصهم من عارهم

ثم ألقى السيد محمد بالنكتة الأكبر، أن جمعية التأبيد ستبدأ حملة لجمع توقيعات المواطنين على رفض ما قامت به الجمعية الوطنية من جمع توقيعات لتغيير الدستور، يعني توقيعات لرفض توقيعات، وهو ما يتيح لنا أن نؤسس جمعية جديدة ترفض جمعيته الرافضة وتجمع توقيعات لرفض التوقيعات المجموعة لرفض التوقيعات الأولانية، ودوخيني يا لمونة، وهنا تتكشف الاستراتيجية الخايبة للنظام في تحويل موضوع التوقيعات إلى نكتة في الشارع المصري بدلا من أن يكون حراكا، وبالتالي إجهاض الجهود التي بذلت وتبذل فيه، فلأن كان العصر الأسود الذي طال بنا هو عصر الانحطاط المصري المعاصر، كما نقسم من اليوم أن كتب التاريخ سوف تسجله بعد عشرات السنين، فلسوف يصف التاريخ نفسه تلك العناصر التي لم تخجل من معاناة مواطنيها، ولا من تدهور الحال بوطنها بوصف هي أهل له، طليعة الانحطاط

2 comments:

Che_wildwing said...

سيدي الفاضل
لاتنتبه كثيرا إلى كلماتهم فهي تسئ إليهم أكثر مما تسئ لخصومهم
هم فقط يضعون الكلمات الرنانة بعضها جنب وفوق بعض ولا يدركون معانيها
وإلا فليخبرني أحدهم ...وإذا كانوا جماعة للتأييد
فلماذا يكتبون "على ملصقات الدعاية "أنهم يؤيدون ترشيح جمال مبارك من أجل القضاء على الظلم والفساد اللذي طال البلاد والعباد

Dr. Eyad Harfoush said...

لأنهم يتعمدون الاستخفاف بعقولنا اخي الكريم بتقديم جمالهم كمعارضة داخلية، من داخل الحزب الوطني، منه فيه يعني :) تحياتي وتقديري وشكري