2.8.08

لآليء القرآن-06

قال تعالى "فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" الأنعام:125
لهذه الآية و لصحة فهمها دور كبير في فهم صحيح الدين، و هو ما سنستوفيه في باب الأمانة و الإختيار الحر من الجزء الثاني من عملنا هذا، لكننا هنا أردنا التنويه سريعا على نوع الإرادة الإلهية بالهداية و الضلال، و عن أساسها و وسيلتها حتى لا يقول قائل: لو كان الله يهدي بمشيئته و يضل بمشيئته ففيم العذاب؟ و لقد أضل هذا اللبس خلقا كثيرا، و إن كان شطر الآية الثاني يبين لنا أساس الإرادة الإلهية و وسيلتها، و بداية نقول، أنه سبحانه قد شاء لنا المشيئة و الاختيار، فلم يجعلنا مسيرين و لا مجبولين، و من هذا قوله تعالى "وما تشاؤون الا ان يشاء الله ان الله كان عليما حكيما" الإنسان:30، و بعد هذا، و باستخدام نعمة العقل و الضمير، يمكن للإنسان أن يهتدي لطريق الخير و الحق لو سمع لصوت الحق داخل عقله، فيكون للإيمان أقرب، و يجوز له ألا يفعل، فيكون للضلال أقرب، و هنا يساعد الله من سمع صوت الحق بداخله بأن يهيأ عقله للوصول للحقيقة بصورة أكمل و أوفى، و من قوله تعالى "يشرح صدره" و العكس بالعكس، و دلالة ذلك ، قوله تعالي "كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون" فالرجس لغة هو كل سلبي من الماديات أو المعنويات، فهو القذارة و هو الضلال و هو النجاسة المادية، و ما إليها، فهنا يوظف الله السلبي من الأفكار و الطروح لتسيطر على عقل من أهمل صوت الحق في ضميره أولاً، و لا يفعل الله هذا مع كل إنسان على حدة، و لكنه وضع آليته هذه في الكون و في خلق الإنسان، فتجد من يجد في طريق الخير، يسهل الخير عليه مع الوقت، فيهون عنده المال مثلاً ينفقه في وجوه الخير و البر، و تجد من تغلبه الأثرة بقراره الشخصي في البداية، تسيطر عليه المادة بآليات الحياة، فيصبح مسخراً لها، و الله لا يفعل هذا بصورة انتقامية من فرد بعينه، تعالى الله عن ذلك، و لكنه يحقق القاعدة من خلال قانون التراكم
قانون التراكم
من يرتاد علب الليل يتكون له أصدقاء مع الوقت من روادها، و مرحلة بعد مرحلة، يصبح مجتمعه كله على شاكلته، او أدنى، اما من هو أفضل فينفر من سلوكه هذا، و مع الاحتكاك بالأسوأ، يسهل على الفرد أن يرتكب الأسوأ من الأفعال، فلا يقتصر على السكر مثلا و يضيف إليه معاشرة البغايا، و هكذا، تتراكم عليه الانحرافات، و ينغمس فيها حتى يعتادها، فتحكمه بحكم الشهوة و حكم العادة معا، بعد أن كانت تحكمه بالشهوة فقط، و هكذا من سيء لأسوء في أغلب الأحيان ، و الأمر ذاته ينطبق على طريق الخير و النماء، و هذه هي الآلية الربانية التي جعلها الله في الكون لتضل من يرد لنفسه الضلال، و تهدي من سعى للهداية، فالله يضل هذا بما أراد و فعل، و يهدي هذا بما أراد و فعل، و هذا ما نجده واضحاً في الآية التالية من سورة الأنعام ذاتها "وَهَـذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ" الأنعام:126، فالله قد فصل لنا معالم طريق الصلاح بحياتنا، و جعل صراط الحق و الخير و الجمال جليا واضحا، ينتهجه من أراد، فيعينه الله عليه بتعود الخير و مراكمة عناصره و مواطنه مع الوقت، كذلك نجد الآية التالية تقول "لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" فالله ولي من يعمل الخير، يعينه عليه، و الله أعلم ، و لا شك أن مبحث الجبر و الاختيار أوسع من أن نحتويه هنا

الحجة البالغة
تعضد سورة الأنعام معنى الاختيار للإنسان بين الضلال و الهداية، في آيتين لاحقتين، فيبين الله الفارق بين الفهم الخاطيء لهداية الله و إضلاله للمرء، و الفهم الصحيح لها، فيقول تعالى "سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا" فهذا الفهم ، بأن الله يضل المرء إجبارا بمشيئته تعالى هو فهم الشرك، لكن الفهم الصحيح يكون كما تبينه الآية التالية، و هي أن الله بيده الحجة البالغة، فقال تعالى "قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ" و هذه الحجة البالغة هي إكراههم على الهداية لو أراد جميعا، أو الإتيان بمعجزة لا جدال بعدها، فكل هذا في قدرة الله اللا-محدودة، لكنه سبحانه أراد لنا الاختيار، فهدي من هدي و ضل من ضل بهذه المشيئة، و جعل في طبيعتنا قانون التراكم كما سلف، ليساعد كل من المهتدي و الضال في الطريق الذي يختاره لنفسه

قال تعالى "وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ" الأنعام: 133

قلنا سابقاً أن الله تعالى قد استخلف الإنسان في هذه الأرض ككائن مبدع خلاق، و خلافته تعالى تكون بإعمار الأرض، و هنا يقول لنا الله تعالى ما يفيدنا بأننا معشر الإنسان ، و إلينا يتجه الخطاب في الآية السابقة، لسنا أول و لا آخر حلقة متحملة لمهمة الخلافة في تاريخ الكون، فالله أبدي أزلي، و الكون بلا حدود و بلا نهاية، فمن الحمق أن نعتقد أننا غاية هذا الكون وحدنا من الأزل و إلى الأبد، و في هذا الكون ذي العوالم المتعددة، و لقد فسرت التفاسير القديمة الآية بأنها خطاب لقريش ، و هذا ينقضه أمران ، الأول أن الخطاب في الآية الاسبقة لها، و التي تستمر هذه الآية لتتم معناها، موجه لمعشر الجن و الإنس ، و ثانيهما أمر لغوي بلاغي، فلو أراد سبحانه معنى استخلاف قوم من البشر بعد قريش، لاستقامت الجملة بلاغيا كما يلي: "و يستخلف من بعدكم من يشاء" لأن من هي للعاقل المعلوم كنهه من الإنس و الجن ، أما "ما" فتستخدم لغير العاقل، أو للمجهول كنهه و طبيعته، كقوله تعالى "و يخلق ما لا تعلمون" ، و لما كان الحديث هنا عن الاستخلاف في الأرض، فالحديث عن غير العاقل مستبعد، لأن غير العاقل لا يكون خليفة لله في أرضع بالعمران ، فلا يبقى إلا أن يكون عاقلاً من غير الإنس و الجن، مجهول الكنه و الطبيعة لنا نحن البشر، و قد سبب الخلط هنا نهاية الآية التي تقول "كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين" فاستدل بها المفسرون أن الحديث عن قوم محل قوم، لأن بداية الإنسان كانت آدم و هو لم يأت من ذرية قوم آخرين ، و لهذا حديث يضيق به المقام هنا، و نتحدث عنه في حينه من كتابنا بإذن الله


قال تعالى "وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ" الأعراف: 46
العرف في اللغة هو كل مرتفع عما يحيط به، فهو الأرض المرتفعة أو المكان المرتفع، و الآية تخبرنا عن حجاب بين النار و الجنة في أولها، و قد يكون هذا الحجاب أي شيء يحجب رؤية الجنة و طبيعتها عن أهل النار، و العكس صحيح، و ليس بالضرورة السور التقليدي الذ تخيله المفسرون القدماء، فقد يكون سوراً أو لا يكون، ثم تخبرنا الآية عن قوم على الأعراف أو المرتفعات، و قد ربطت التفاسير القديمة الأعراف بهذا الحجاب، فقالت أن الأعراف حجاب بين الجنة و النار، و هو ما نراه غير متوافق مع البناء اللغوي للآية الكريمة، فإما أن تكون الأعراف كمنطقة وسطى بين الجنة و النار من حيث ساكنيها، جزء محدد من الحجاب، أو لا تكون على علاقة بهذا الحجاب، لهذا لزم تحديدها، و لو كانت مرادفا له ما حددت في اللفظة التالية، و لكان السياق الأقرب "و بينهما حجاب و عليه رجال" فالإطناب و آلياته ليست معتادة في لغة القرآن، و كل لفظة لها معناها اللغوي و البياني ، و الغالب في أهل الأعراف أنهم قوم تساوت موازينهم بين الخطأ و الصواب، أو قاربت من التساوي، فلم يستحقوا في حكمه تعالى عقاب النار أو ثواب الجنة ، و هناك حديث نبوي شريف يقول عنهم "هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ العِبادِ، وَإذَا فَرَغَ رَبُّ العالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ بينَ العِبادِ، قال: أنْتُمْ قَوْمٌ أخْرَجَتْكُمْ حَسنَاتُكُمْ مِنَ النَّارِ وَلمْ تُدْخِلْكُمُ الجَنَّةُ، وأنْتُمْ عُتَقائي فَارْعَوْا مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ" فهو تعالى يغلب جانب الرحمة فيعتقهم من النار و يدخلهم الجنة
و لهذا، فما جاء في القرآن من المصائر للناس يوم الدين، هو إما عذاب لمن غلب الشر على الخير في عمله، و من الشر الكفر بالله استكبارا بعد أن يقتنع المرء و يسمع صوت الحق بداخله، أو الثواب لمن غلب الخير الشر في عمله كمجمل أعمال، فكان أثره على الدنيا و على الخلافة في الأرض موجباً، و إما الأعراف لمن تساوت سيئاته و أعماله، أما منطق قضاء عقوبة مؤقتة في النار ثم العتق و الإفراج و دخول الجنة، و هو اعتقاد شائع لدى الكثيرين، فهو ما لا نجد عليه في كتاب الله شاهدا، إلا ما قاله بعض المفسرين في قوله تعالى "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً" و هذا حديث عن الصراط و ليس عن النار ، فلا يدخل النار إلا آبد فيها و لا يدخل الجنة إلا آبد فيها، فكلاهما دار بقاء ، و أما القول بالعذاب المؤقت هذا فهو قول المشركين حين حسبوا أن العذاب لا يمسهم إلا أياما معدودات، فكذب الله زعمهم، و ذلك في قوله تعالى "وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" البقرة: 80

قال تعالى "قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" الأعراف: 188
في هذه الآية الجليلة، يأمر الله سبحانه و تعالى نبيه و رسوله و المصطفى من خلقه صلوات الله عليه و سلامه، أن يجيب من يسأله عن علم الساعة و تحديد موعدها، برد ذلك لله كما في الآية السابقة، ثم الاقرار لذاته صلى الله عليه أنه بشر مجرد من كل قداسة أو خصوصية تنفي بشريته و تقيده بعلم الشهادة ، و بلأنه كبشر أمره و حياته و نفعه و ضره بيد الرحمن سبحانه، و لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، فلو كان هذا هو حال النبي، فهل لنا بعد هذا أن نثق بكلام كائن من كان من أرباب الطوالع أو قراءة الكف أو الودع أو غيرها من الخرافات التي تروج في العالم عامة و لدينا خاصة؟ كل ما هو مستقبلي، يخرج عن اطار علم البشر، كل البشر، و لا يعلمه إلا الله، لأنه سبحانه و تعالى خارج منظومة الزمان، فهو خالق الزمان و آلياته النسبية، و الله ليس متزمنا بزمن، لذلك لديه علم الغيب ، فلا يؤمن بهذه الآية الكريمة من يؤمن بقدرة دجال على معرفة شيء غير ما يشهد من الحوادث مثله مثل غيره ، كذب المنجمون و لو صدفوا، ثم يعطينا الله دليلا عقليا على استحالة معرفة بشر لعلم الغيب، بقوله تعالى "وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ" و هو أن من يعلم الغيب يستطيع أن يستأثر بخير الدنيا لنفسه دون غيره، فلو كان هناك من يعرف المستقبل و يتكهن به، و بدأ بعدة مئات من الدولارات في البورصة العالمية، أفلا يصبح مليارديرا خلال فترة وجيزة من الوقت؟ فلماذا يضطر من يدعون هذه القدرة لإرهاق أنفسهم بتقديم خدماتهم الغيبية لقاء بضعة جنيهات أو حتى آلاف الجنيهات؟

قال تعالى " خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ" الأعراف:199
في هذه الآية الكريمة، يأمر الله رسوله بثلاثة أمور، أولها أن يختار العفو على الناس، و العفو على من أساء ما كان للعفو طريق، فلو خير بين أمرين يأخذ أقربهما لروح العفو صراحة أو ضمنيا، كلياً أو جزئياً، و هذا يفسر تسامحه صلى الله عليه في أمر من جاءه يقر بالزنا، فأخذ بسأله "لعلك قبلت ..... لعلك كذا و كذا" و كذلك المرأة التي جاءته محصنة مقرة بالزنا فأخرها لتلد، ثم لترضع ابنها، ثم لتربيه حتى يشتد عوده، و كان بكل مرة يعطيها فرصة لتذهب فلا تعود، لكنها تابت توبة تسع أهل الأرض، فأصرت على العقاب كفارة لذنبها، فهذه كانت خلق النبي في تطبيق الشريعة، و لو أننا نعلم ان خلق غيره اليوم ستتسع لهذا القدر من العفو لرحبنا بدعوة دعاة تطبيق الحدود، فلم يكن نبي الله متعطشا لغير العفو، أما من يطالبون اليوم بالحدود فلا يتعطشون لغير الدم و الرجم ، و مثل العفو في الحدود، يكون العفو و التسامح في المال، فالعفو في تحصيل المال هو التسامح فيه و في اقتضائه، سواء كان المال هو مال الزكاة، أو مال مقترض، أو غير ذلك ، ثم يأمر الله نبيه أن يأمر بالعرف، و قد سبق أن شرحنا قاعدة المعروف و المنكر النسبية في القرآن و بينا أن المعروف في زماننا هو القانون الذي تعارف عليه فقهاء الأمة من القانونيين و نواب الشعب، فكأن الآية أمر للرسول أن يأمر باحترام القانون كواجب ديني ، ثم يأتي الأمر الأخير من الله لرسوله بالاعراض عن الجاهلين، و لما كانت الآية تأمر بالتسامح و العفو و احترام ما تعارف عليه الناس من خير، فلا نحسبن الجاهلين في هذا الموضع، الا المتشددون فيما يرونه الحق، و هواة المخالفة للناس و المجتمع لمجرد المخالفة، فترى الجاهل منهم يرتدي زيا بدويا سعوديا، أو زيا باكستانيا أو أفغانيا!! و هو أمر لا هو من الدين، و لا هو من العرف، و لا هو من الانتماء و التناغم مع المجتمع ، أو تراه ينقب زوجته بتغطية وجهها، و هو جهل لأنه ينفي المسئولية الجنائية ، بطمس الشخصية و الهوية ممثلة في الوجه، فلو ارتكبت منتقبة أو منتقبا جريمة نكراء أمام الناس و فر أو فرت، لن يكون هناك شهود على أوصاف الجاني ، و طمس الهوية و المسئولية الجنائية بالتبعية هو أمر منكر و من الواجب منعه قانونا في أي بلد يحترم القانون، و للمرأة أن تغطي عدا وجهها ما شاءت، و عموم القول أن الجاهل هنا هو المخالف لمجتمعه في غير الحرام، فالمخالفة في الحرام واجبة، أما المخالفة للمخالفة فهي شذوذ منكر، و المتنطع البعيد عن العفو فيما يخص خلق الناس و أعمالهم

قال تعالى " وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ" الأعراف: 205
الآية واضحة غنية عن الشرح ، و فيها أمرنا بالإكثار من ذكر الله في أنفسنا، و ليس على الملأ من الناس أو أمام العدسات و أضوائها المبهرة ، و أن نفعل هذا صباح مساء، بدون الجهر مثلا بقولنا "سبحان الله" بين كل كلمة و أخرى كلازمة إعلامية تسويقية يقصد منها الارتباط بالداعية في ذهن السامع ، و إظهار شدة الورع و التقوى ، حتى نقبل من المتحدث أي كلام هش و متداع يصدر منه، دون تمحيص و تدقيق، لانه يخضعنا بهذا لمؤثرات نفسية هستيرية تغشى على عقلنا، و دلالة الآية واضحة جلية، الله يريدنا عبادا مخلصين و لسنا أفاقين منافقين إعلاميين ، و ذكر الله منه بالطبع البسملة و الحوقلة و التسبيح و الحمد، و لكنه ليس بقاصر على هذا، فالتفكر في كتاب الله ذكر لله وجوبا، و النظر في كونه و في أنفسنا ذكر لله بتأمل بدائع خلقه ، و في هذه الآناء مع التفكير العميق، تخرج الحوقلة و الحمد منا عميقة أشد العمق، مع لحظة اكتشاف معنى جديد يكمن في آية، او عبرة في مشهد من الحياة




قال تعالى "إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" الأنفال:22
تحدثنا الآية عن فئة من الناس، لو أردت أن تحاورها فيما فيه صلاح أمرها، لا تنصت إليك و لا تسمع و لا تحاور، و لكن تتصلب على رأيها كأن بهم صمم ، و لا يقولون جديدا إلا تكرار كلمات حفظوها كالأبكم يكرر حرفاً أو حرفين، و منهم اليوم، الجامدين في فهمهم لدينهم على ما وجدوا عليه آباءهم، فلو قلت لهم هلموا للحوار العاقل، لا تخرج من حوارهم بشيء إلا ترديدهم ما حفظوا عن ظهر قلب، ثم تسوق لهم الدليل تلو الدليل، فلا تجد منهم أذنا صاغية، أولئك شبههم الله أفضل تشبيه و هو تشبيههم بالدواب، ذلك أنهم ألغوا الميزة الإلهية التي منحها الله جل و علا للإنسان، و هي العقل الناقد الذي يفرز ما يسمع فيكشف منه الغث من السمين

8 comments:

Meero Deepo said...

عزيزى د.إياد

اليوست أكثر من رائع

بارك الله فيك وبارك لك ولنا فى علمك ورزقك نور البصيرة دائما

تحياتى

طارق هلال said...

د/ أياد
بالنسبة لأخر جزء ده يعنى كفاية أقولك ان دمى اتحرق بمجرد ذكرك لناس من النوع ده، بصراحة أنا أوقات باتمنى انى أموت لو قابلت واحد من دول علشان بس استريح من الدنيا اللى فيها زيهم
تخيل تجمع الناس دى مع الناس اللى ما يعرفوش غير اللى اتعلموه أو سمعوه قبل كده والناس اللى بيراوغوا ويزوروا الكلام والناس اللى مش مستعدة تعترف بالصح حتى لو واضح زى الشمس كده
يااااه .. شكلى دمى محروق أوى
هههههههه
=======
بالنسبة لموضوع الذكر ده ، ففى رأي سمعته أو فكرت فيه من نفسى مش عارف
انه الدعاء والذكر دول أدوات نفسية للأنسان علشان تساعده على حل مشكلاته
يعنى لو ذكرت الشهادتين .. فيفترض بك أن تأمن من أى خوف أو فزع فأنت تركن إلى الله وإذا ذكرت الحوقلة فيفترض بك أن تبذل مجهودا أكبر فإن الله بجوارك وإذا استغفرت فيفترض بك أن تكف عن المعصية حتى يقبل استغفارك
واضحة الفكرة ؟؟؟... أرجو ذلك
ولا يخفى عليك أن الذكر قد يكون بالفعل.. ففى فعل كل خير والنية التى ورائه ذكر لله
============
بالنسبة للرجال على الأعراف أظن سبب الربط ما بين ذلك الحجاب والأعراف هو قدرتهم على رؤية أصحاب النار وأصحاب الجنة ودعائهم بأن لا يجعلهم الله مع أصحاب النار
============
بالنسبة لشرح الصدر يحدث ذلك فعلا وليس فى عرض الدين فقط ولكن أيضا مثلا عندما تنصح أحدا وهو يرى أن ذلك ضد إرادته أو تكبرا منك أو تقليلا من شأنه بينما أنت لم تفعل ما يجعله يشعر بأى من ذلك فهو حينها يؤذى نفسه بعنده
===========
تحياتى لك د/أياد

Dr. Eyad Harfoush said...

العزيزة أبداً ميرو ديبو
بل دعائك هو الأكثر من رائع يا صديقتي، و لكن تعليقك الساعة أكثر من مقتضب ، و قد تعودت منك دوما تعليق فخم يثير الجدل و النقاش

بارك الله لك و فيك و عليك و هداك نور اليقين يا عزيزتي

بالغ تحياتي و تقديري

Dr. Eyad Harfoush said...

صديقي الشاعر Arabi ID
شكرا لتعليقك الثري يا عزيزي ، أما عن موضوع حرق الدم يا عزيزي فلا تعجب من نفسك ، عينة شر الدواب من البشر ظاهريا هذه تحرق دم بلد كاملة مش دمي و دمك بس، و تحرق دم كل من كانت له فطرة سليمة لا اصطناع فيها و لا جهل

فأما موضوع الذكر فأستطيع أن أتفق معك فيه، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، و ما اطمئنان القلب الا الراحة النفسية في لغتنا المعاصرة ، و يكون الارتياح من الذكر على قدر الايمان ، لأن ايمانك بالذكر و بالله هو ما يريح نفسك ، فلو ذكر الله من لا يؤمن به لن يستريح، لانها طاقة ايمانية و ليست طاقة سحرية أو فوقية هي ما تهدأ بها النفس

أما الربط يا عزيزي فكما قلت أنت ، و لكن هذا ناتج من قياس الأمور بمقاييس دنيانا ، شاشتين بلازما بتقنية البشر الفاني يرونك من هنا و من هنا و ليس ضروريا أن تتسور سورا عاليا، فما بالنا بالتقنية الالهية يا عزيزي؟ لقد تصور المفسرون الموضوع بعقلية زمانهم ، و الأفضل أن نجرد القرآن في المشاهد الأخروية من خلفية دنيانا ، فنأخذ الحكم و العظات دون التورط في الوصف الذي يشبه بدائع الله بانجازات البشر منذ قرون طويلة

و ما قلته جائز جدا في شرح الصدر

تحياتي للتعليق المضيف و المثري للحديث

Anonymous said...

تحياتي يا دكتور
الحقيقة شرحك لقانون التراكم هو من أعمق ما يكون ... وهو شئ نغفل عنه جميعا فنقول علي من يستعذب المعاصي.. بكره ينصلح حاله وربنا غفور.. وكلام كتير.. ولا نتخيل أنه ربما يتركه ربه في غيه
أعتقد عن تجربه أمامي أن من ينغمس كثيرا في المعاصي لا يستعذب الحلال والطيب من العمل وإن حاول لفترة فإنه دائما ما يشتاق للمتع المحرمة
ثانيا: كلامك عن النقاب ... أري رجلا يركب المواصلات مع إمرأته المنتقبه ويدخن مثلا .. اوليس الأمر كله متصل ... أو لعل هذا الرجل يقسم أيمانات مغلظة حين البيع والشراء... ولا دي نقره ودي نقرة؟؟
الشرح اليوم غاية في الجمال كالمعتاد
يتعرض لنماذج نخالطها يوميا

سبحان الله ربنا خلقنا وهو أعلم بأنفسنا منا وضع القوانين لأنه أعلم بسلوكياتنا وردود أفعالنا
تحياتي

Dr. Eyad Harfoush said...

العزيزة بسمة
شكرا عزيزتي للتعليق الكريم و المشجع ، أما عن التراكم يا عزيزتي فلديك كل الحق، و هو ما وصفه القرآن العظيم بالران على القلب ، كأنه طبقة متكلسة تغلف العقل فلا يصغي لصوت الضمير

أما النقاب يا عزيزتي فهو بدعة لا هي دينية و لا هي حضارية، بل منكرة لأنها تنافي تنفيذ القانون و المسئولية الجنائية

مع خالص التحية و التقدير

Anonymous said...

جميل ما قرأت هنا:
البشري بين التخيير والتسيير
قانون التراكم مبهر جدا
لذلك الطيبون يعتقدون المجتمع ني والمشوبون بالمنكرات يرونه سقط المجتمعات على شاكلتهم

الخلافه في الارض أبدعت فيه

النقاب في معرض حديثك عن الامر بالمعروف والاعراض عن الجاهلين
لم يقنعني كثيرا
لا تنسى أن لا أحد يمتلك كل الحقيقة
ويبقى العهر لغة العصر
ليس هناك ما يثبت ان النقاب زي بدوي
لكن هناك ما يثبت ان القنوات الفضائيه قضت على البقية المتبقيه من النخوه العربيه

تحيتي لك

Dr. Eyad Harfoush said...

Anonymous عزيزي
أهلا بك، و أحمد الله أن طرح قانون التراكم و طرح الخلافة في الأرض قد نالا رضاكم، أما عن النقاب يا عزيزي، فانا بالطبع لا أدعي أن رأيي هو الحق، و لكن ما أراه الحق، و دلالتي في ذلك الحج و كشف وجه المرأة فيه، و ايماني أن الله سبحانه لا يفرض أمرا يتعارض مع المسؤولية الجنائية و يتخذ سترا للمجرم يسير به في الطريق دون عائق

و أنت على حق في أمر الفضائيات، و لكن لماذا يكون الخيار أساسا بين العري و النقاب؟ و بينهما الوسطية التي هي الفطرة، الاحتشام الأنيق المهذب، أليس كذلك؟

تحياتي و ترحيبي بك دوما