قال "لقد خشيت على نفسي" فأجابته قرينته "كلا .. أبشر .. والله لا يخزيك الله أبداً، فإنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر"، هو سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم، وهي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أول من آمن برسالة النور من البشر (بغض النظر عن التقسيم العنصري للمؤمنين الأوائل إلى فئات من الرجال والنساء والصبيان والموالي والأثرياء)، إذ آمنت بالنبي قبل أن يوقن هو نفسه بنبوته ورسالته، والجانب الذي يرتبط بحديثنا من تلك العلاقة الرائعة، هو جانب القرين وقرينته، وليس الرسول وأم المؤمنين، ذلك الجانب الذي كان الاصطفاء والإيمان والتوحد أهم ركائزه
بين القران والنكاح والزواج
لفظة القران في رأيي تعني الكثير جدا فوق لفظة النكاح، فمن ضمن معاني القرن مقدمة الرأس، واشتق منها القران بمعنى جمع الرؤوس، كما نقول في عاميتنا المصرية "يوفق راسين في الحلال"، ويقال عقد القران، أي ربط الزوجين برباط مقدس، ومنها يشتق كذلك الاقتران، بمعنى الملازمة والمصاحبة اللصيقة كما في سورة ص (واخرين مقرنين في الاصفاد)، ومنها القرن في لغة القرآن بمعنى الجيل المتزامن من البشر، كما في سورة الأنعام (الم يروا كم اهلكنا قبلهم من قرن)، بمعنى جيل
- الندية بغير تطابق، فلا يقترن إلا الأنداد الأكفاء
- توازن العلاقة، فليس فيها فاعل ولا مفعول به
- الحميمية التي توحي بها صورة جمع الرؤوس والعقد بينها
- الملازمة التي تعني ديمومة الرباط بينهما، والمشاركة التي ترتبط وجوبا بالملازمة
أما النكاح فهو اللفظ القرآني للتعبير عما نسميه اليوم زواجا، وهو لفظ محايد يناسب النص التشريعي والتأسيسي لأنه لا يحمل معان عاطفية كتلك التي يحملها لفظ القران، كما أن النكاح هو اللفظ الذي يحتمل التعدد، أما القران فبواحدة فقط، أما اللفظ المعاصر الذي نستخدمه للتعبير عن علاقة النكاح فهو الزواج، وقد استخدمه القرآن للتعبير عن الزوج كما في سورة البقرة (حتى تنكح زوجا غيره) والتعبير عن الزوجة كما في (وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة)، والزواج أدنى من النكاح برأيي في التعبير عن العلاقة الإنسانية بين القرينين، لأنه يشمل العاقل وغير العاقل من الطير والحيوان، أي يشمل النكاح البشري والسفاد الحيواني
الاصطفاء والإيمان .. عبقرية القرينة
لم يجمع الرسول بخديجة زوجة أخرى، لأنها كانت قرينة بكل ما تحمله الكلمة من زخم المعاني، فأغنت عن غيرها من نساء الدنيا، ولم تغن عنها بعد وفاتها في عام الحزن نساء الدنيا، ولم يقارب مكانتها في قلب النبي غير ابنتها فاطمة، فلم يصف بالكمال الإنساني من النساء غيرهن، ولم يقس على زوجته الأثيرة السيدة عائشة قدر ما فعل يوم ذكرت خديجة بما لم يرضاه النبي فأوجعها بقوله "وكان لي منها الولد" وعائشة كانت محرومة من نعمة الأمومة، وكان يصل صويحباتها وأختها هالة بعد وفاتها كرامة لها، وهل أبلغ في النهاية من أنه سمى عام وفاتها بعام الحزن؟
والسير الأقدم تروي لنا أنها كانت سيدة ذات شرف وجمال ونسب وخلق وذكاء، وكل هذا ترجم نفسه في أمرين كانا جوهر علاقتها بالرسول (ص) ولبها الذي ميزها عن غيرها من أمهات المؤمنين
والسير الأقدم تروي لنا أنها كانت سيدة ذات شرف وجمال ونسب وخلق وذكاء، وكل هذا ترجم نفسه في أمرين كانا جوهر علاقتها بالرسول (ص) ولبها الذي ميزها عن غيرها من أمهات المؤمنين
- الاصطفاء، فخديجة هي من اختارت النبي لنفسها وأرسلت من يذكرها عنده، وهي بذلك دللت على خصوصيته في عينيها، وكذلك على قوة شخصية وشجاعة وثقة بالذات، وهذا أمر تطيب به نفس أي رجل، فما بالنا بالرجل الذي كان يشعر باختلافه عن أقرانه وتميزه عنهم، حتى وجد امرأة تعرف فيه ما يعرفه في نفسه ويتهيأ له بالتحنث في غار حراء
- الإيمان، فقد آمنت به كما أسلفنا كرجل مختلف بمناقبه وخصاله قبل البعثة، ومختلف باختيار ربه بعدها، وكل صاحب رسالة بين الناس يحتاج لقرينة تؤمن به وبما يعيش فيه وله، وليس فقط الرسل والأنبياء
- التوحد، فقد صارت خديجة في السنوات الأولى من البعثة وكأن كل صفاتها اختزلت في أنها زوجة النبي، فقد سخرت مالها في سبيل الدعوة، وخسرت رواج تجارتها في الحصار الاقتصادي الذي ضرب على الهاشميين بشعب أبي طالب، لم يكن توحدها لضعف ولا لوهن، ولا كان ذوبانا فقدت معه هويتها، لكنه كان تناغما سخرت فيه كل كيانها لخدمة الهدف الكبير، ولم تمن يوما ولم تذكر قرينها بأنها ضحت وفعلت كذا وكذا