لعل جانبا واحدا من جوانب هويتنا لا يختلف عليه عاقل، وهو أننا كمصريون خاصة وكعرب عامة نسكن ما يطلق عليه العالم القديم، قلب العالم الذي خرجت منه حضارة البشر كما يقول المؤرخ والفيلسوف الكبير "ويل ديورانت" في موسوعته عن قصة الحضارة، ولأنه قديم فهو أكثر بقاع الأرض ثراء بأعراقه وعقائده وقومياته، ربما لهذا أضحك وآسى في آن واحد حين أرى الملاسنات الخارجة بين أبناء العالم القديم، المسلمون مقابل المسيحيين، العرب مقابل الأكراد، الشيعة مقابل السنة، القبط مقابل النساطرة، وكل فريق يحاول أن يثبت لنفسه امتلاك الحقوق والحقائق المطلقة ونفيها عن الفريق المقابل، فخطر لي كتابة مقالة عن أعراق العالم القديم ولغاته وأديانه التي مازالت حية حتى كتابة هذه السطور، ولا أعني بهذا الدفع باستحالة التقارب بين شعوب هذا العالم القديم، والذي سميناه بالعالم العربي حينا وبالعالم الإسلامي حينا، وحقيقة الأمر أنه ليس عربيا صرفا ولا إسلاميا خالصا، بل إنني أرى في التعددية ثراء يفيد شعوب هذا العالم لو تقاربت وتكاتفت في نموذج شبيه بالاتحاد الأوروبي، ولعل أول خطوات التقارب أن ندرك أن العالم المحيط بنا أكبر وأكثر تعقيدا من أن يختصر في عرق واحد أو دين واحد، فتعالوا نتناول أقطار العالم القديم واحدا تلو الآخر ونتعرف على نسيجه السكاني شديد التعددية كالفسيفساء، ولما كنا نتحدث عن العالم القديم، وجبت البداية مع ميزوبوتاميا التي بارت مصر القديمة في عراقة حضارتها
العراق
الأديان والطوائف العراقية
المسلمون الشيعة وأكثرهم من الاثنى عشرية ويمثلون 63% من السكان، وكانت أحد إشكاليات النظام السابق في العراق هي فرض مذهب الحاكم السني على هوية الدولة ومناصبها الرئيسية برغم وجود تلك الأغلبية الشيعية الواضحة، ويتميز المذهب الإثنى عشري كما هو معروف للجميع بمبدأ الإمامة، والذي يقول بتوارث القيادة الدينية بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في إثنى عشر إماما من عترته أولهم "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه وآخرهم "محمد المهدي" أو المنتظر صاحب الزمان كما يطلقون عليه، والذي ينتظرون بعثته في نهاية العالم ليقيم العدل في الأرض ويقودهم ضد قوى الضلال
المسلمون السنة ويمثلون 32% من تعداد السكان، وعقيدة هؤلاء معروفة لنا جميعا، وأكثر المذاهب الفقهية شيوعا بين العراقيين من العرب هو المذهب الحنفي، والمذهب الشافعي بين الأكراد، وهؤلاء كما هو معروف يؤمنون بعودة المسيح عيسى بن مريم في نهاية العالم ليقود جيشا منهم ويوحد العالم تحت ملكه بعد أن يهزم المسيخ الدجال
المسيحيون
السوريان ويمثلون 3% تقريبا من السكان، وينقسمون إلى ثلاثة طوائف تحتية، هي المسيحيون
النساطرة وهم أقل من واحد بالمائة من السكان، ثم
اليعاقبة وهم كذلك أقل من واحد بالمائة، وأخيرا
الكاثوليك الكلدانيون ولا يمثلون نسبة مئوية تذكر، وجدير بالذكر أن من هؤلاء الرجل الصالح الذي يأتي ذكره في السيرة النبوية باسم "يوسف بن متى" ومازال النساطرة حتى اليوم يتركزون حول نينوى التي سكنها الرجل الصالح كما ورد في السيرة النبوية، والسوريان بكل طوائفهم يؤمنون بالملك الألفي للمسيح بعد عودته، إذ يملك لمدة ألف سنة يلعب فيها الذئب مع الحملان ويعم السلام والأمن ربوع الأرض
اليزدانيون وتتمركز غالبيتهم حول الموصل وأغلبهم من القومية الكردية، ويحجون إلى مرقد "عدي بن مسافر الأموي" وهو من نسل "مروان بن الحكم" لأنهم يؤمنون بتجسد الخالق الأول في شخصه، وخالق الكون لديهم هو "ملك طاووس" والذي كان ملكا هوى في الخطيئة ثم تاب وبكى وظل يبكي لسبعة آلاف عام، وأنشأ الكون بعد ذلك، ويتجسد هذا الملك في بعض البشر من الصالحين وفق عقيدتهم، ولهذا فهم ينتظرون عودة "ملك طاووس" مجسدا في بشر في نهاية العالم
الآليفيون وعقيدتهم مزيج من العلوية والزرادشتية، واللتان يأتي تفصيلهما لاحقا، ويبلغ تعدادهم حوالي المائة ألف، ونلاحظ أن اسم العقيدة شديد القرب من العلوية عند نطقها باللهجة الفارسية، ولهذا يخلط الكثيرون بينهم وبين العلويين، وإن كانوا هم يرفضون هذا ويرون أنفسهم عقيدة مستقلة
المندائيون أتباع "يوحنا المعمدان" أو النبي "يحيى بن زكريا" كما ورد في القرآن الكريم، وهم مشهورون بالتطهر بالماء ولبس الثياب البيضاء، ويعيشون في مجموعات قرب مجاري الأنهار، إذ يمارسون طقس المعمودية بالغمر الكامل في الماء الجاري يوم الأحد من كل أسبوع، والأنبياء الحقيقيون عندهم "آدم" و "قابيل" و"إينوخ" و "نوح" و "سام بن نوح" و "رام بن سام" وآخرهم " يوحنا المعمدان"، ويرجح البعض أنهم الصابئة الذين ورد ذكرهم في القرآن كأحد الطوائف الموحدة بالله، وهم ينتظرون عودة "،يوحنا المعمدان" والذي سيمحو التوراة من الأرض لأنهم يعتبرونها كتابا مزورا ويدعو للشر ، وعددهم قرابة الستين ألف، وقد نزحت منهم أعداد كبيرة لسوريا هروبا من اضطهاد عرقي بعد غزو العراق والانفلات الأمني فيه
الزرادشتيون أتباع الفلسفة الدينية لزرادشت، ويسمون كذلك بالمزدائيين نسبة إلى "آهورا-مازدا" خالق الكون في عقيدتهم والمتحكم في مصائره، ويؤمنون بعودة "زرادشت" للحياة من جديد في نهاية العالم واستقراره فيه لعدة قرون تعيش الأرض فيها بسلام، ويقدر عددهم في العراق بحوالي الثلاثون ألف نسمة معظمهم من الأكراد
الشاباك ويعدهم البعض فرقة من اليزدانيين وإن كانوا هم يرفضون هذا ويعدون أنفسهم ديانة مستقلة
الأعراق والأجناس العراقية
العرب ويشكلون 60% من إجمالي سكان العراق، وهؤلاء كلنا يعرف عنهم ما ينبغي، أو ربما أكثر مما ينبغي
الأكراد وهو ثاني المجموعات العرقية ويمثلون 20% من السكان تقريبا، وهي أمة عريقة سكنت المنطقة المعروفة بكردستان والواقعة بين أراضي العراق وتركيا وسوريا وإيران، وهي جماعة احتفظت بتماسكها ونقائها العرقي إلى حد بعيد رغم وجودها في خضم سكاني يحيطها من جميع الجهات، وأكراد العراق هم ثاني تجمع سكاني كردي بعد أكراد تركيا البالغ عددهم خمسة عشر مليونا، وأشهر شخصياتهم في تاريخنا "صلاح الدين الأيوبي" وأسرته التي تبدأ من والده "نجم الدين أيوب" وعمه "أسد الدين شيركوه" ثم إخوته وأبناءهم، وكذلك العائلة التيمورية الشهيرة في حياتنا الأدبية والفنية المعاصرة، وقد عانى الأكراد من الاضطهاد في زمن البعث العراقي الذي كانت قوميته ذات نعرة إثنية على عكس القومية الناصرية القائمة على التحالف الاستراتيجي بين العرب
التركمان ويمثلون حوالي 12% تقريبا، ويتجاوز عددهم الثلاثة ملايين، وقد ظهرت هذه التسمية في القرن العشرين حين فصلت بريطانيا إقليم كركوك عن تركيا وضمته للملكة العراقية الوليدة، وتعرضوا للاضهاد منذ زمن الحكم الملكي في العراق، نظرا لأن الملك فيصل الهاشمي كان ينتقم من الترك ممثلين في هذه الأقلية، وذلك لمعاصرته ومشاركته في الثورة العربية المدعومة من بريطانيا ضد الدولة العثمانية
السوريان ويبلغون خمسة بالمائة من السكان، وهم ينتسبون للدولة الأكادية القديمة، ويدين معظمهم بالمسيحية وينقسمون للثلاث طوائف سالفة الذكر
اللوريون أقل من ثلاثة بالمائة
اللغات الحية
العربية وهذه كذلك نعرفها جميعا
الكردية بلهجاتها المختلفة وأهمها اللهجة السورانية في الشمال، والكيرمانجية في الوسط والكيرندية في الجنوب
الآديغية القوقازية ويتحدث بها قرابة العشرين ألف عراقي، وهي أحد اللغات القوقازية الشمالية
السوريانية أو الآرامية الحديثة وهي لغة 30 ألف عراقي، وهي ذات اللغة التي تحدث بها المسيح في القرن الأول للميلاد بتطورات طفيفة في لكنتها
الأرمينية ويتحدث بها 60 ألف نسمة في العراق
الكلدانية،
وهي الأخرى من اللغات الناشئة عن الآرامية، ويتحدث بها قرابة الربع مليون عراقي
الدومارية وهي أحد اللغات الهندو-أوروبية ويتحدث بها ثلاثمائة ألف نسمة
الفارسية وهي لغة ربع مليون عراقي كذلك
الشاباك ويتحدث بها أقل من عشرة آلاف
الجورانية وهي الأخرى أقل من عشرة آلاف
ونحن هنا نتحدث عن لغات متباينة تفرعت من أصول غير حية، وليست لهجات متفاوتة لأصول حية وإن كان بين بعضها وبعض تقارب لأنه معظمها خرج من اللغات الهندو-أوروبية، ولكل هذا، صار العراق هو مصيدة اليمين المتطرف الأمريكي والعالمي الذي دخلها ليصطاد المال والبترول، وقد نال ما أراد، لكن حمام الدم اللانهائي هو ما لم يحسب له حساب بالطبع